نشر بتاريخ: 03/09/2006 ( آخر تحديث: 03/09/2006 الساعة: 19:53 )
عمان -معا- انتقد مقال نشرته صحيفة" الغد "الاردنية اليوم محاولات بعض المثقفين العرب التقليل من الانتصار الذي حققه حزب الله على اسرائيل .
واعتبر ياسر ابو هلالة كاتب المقال ومراسل قناة الجزيرة انتصار حزب الله بمثابة هزيمة للعقلانيين العرب .
وفيما يلي النص الكامل للمقال الذي جاء تحت عنوان هزيمة "العقلانيين" العرب
"العقلانيون" العرب من طراز الدكتور عبد المنعم سعيد يتهمون الإعلام العربي بتغييب العقلانية وتهييج الناس وتحويل الهزيمة في لبنان إلى نصر. بالتأكيد يقرأ أولئك ما تكتبه الصحافة الإسرائيلية اليوم وما كتبته في غضون الحرب. فأجواء الهزيمة تخيم على الإسرائيليين. لكنهم تبعا لابن خلدون في نظريته "من عادة المغلوب أن يقلد الغالب" يريدون من الإعلام العربي تقليد الهزيمة. والحمد لله أن الإعلام العربي بمجمله لم يعد تابعا لوزارات الإرشاد والإعلام، لذلك لم يستجب لدعوات عبد المنعم سعيد ولم يكرر تجربة أحمد سعيد. فالسعيدان نتاج مؤسسة رسمية واحدة تقرر النصر عندما تكون الهزيمة وتقرر الهزيمة عندما يكون النصر.
موقف سعيد الأول ارتبط بموقف حكومته عندما حاربت وهزمت، وموقف سعيد الثاني ارتبط بموقف حكومته التي هزمت أيضا. وموقفه لا يمكن فصله عن مجمل مواقفه السابقة المثيرة للاستغراب وآخرها تأييد التمديد للرئيس المصري حسني مبارك، ولا يستبعد أن يتلوه موقف بتأييد التوريث. للأسف كنت واحدا ممن يعتبرون سعيدا مثقفا ليبراليا مستقلا عن السلطة، خاب ظني كما خاب ظن كثير من قرائه.
الإعلام العربي كان مهنيا وعقلانيا في المواجهة (نسبيا ومن دون إطلاق) أكثر من الإعلام الغربي وأصنامه المعبودة. كانت الكاميرات موزعة بعدالة على جانبي المواجهة، بخلاف الـ بي بي سي وسي إن إن، التي انحازت كاميراتها إلى صف المعتدي أقله من حيث العدد، أما إعلام مثل فوكس نيوز فكان لسان حال جيش الدفاع الإسرائيلي.
كل صور الجيش الإسرائيلي بثت على الإعلام العربي، ولم يغب المتحدثون الإسرائيليون يوما عن الشاشات العربية، حتى وهم يكذبون ويتواقحون بفجاجة. لم يعامل أمين عام حزب الله حسن نصرالله باعتباره "سيد المقاومة" لا معقب لقوله، فقد كان يعقب على أقواله نكرات المعلقين الإسرائيليين ومختلف الفرقاء اللبنانيين.
انحاز الإعلام العربي، وكنت واحدا ممن انحازوا، لم ننحز مع نصرالله ضد سمير جعجع، ولا مع بشار الأسد ضد حسني مبارك، انحزنا مع الضحية ضد الجلاد، انحزنا مع من هجروا ودمروا وقتلوا وصمدوا وقاتلوا، انحزنا بالمجمل مع حزب الله، ولم ننحز مع المجرمين في مروحين وقانا وسلعة وصريفا، لم يقلل أحد من قوة التدمير الإسرائيلية ولا من قوة فعلها. ولم يلغ أحد الانقسام اللبناني حول الحرب. لكن الأولوية لم تكن نقل سجال سياسي مكرر، الأولوية كانت للحدث في الميدان.
لم يكن الإعلامي العربي جالسا في غرفة مكيفة ينتظر هاتفا ليستضيفه في استديو مكيف ويتحدث مع مضيفه بناء على ما انتهى إليه محرك غوغل من نتائج بحث. كان من قلب المواجهة وعلى خطوط التماس يأتي بالصور التي لا تكذب. صور مأساة وصمود. تهزك صور الطفل الذي يخرج جثة من تحت الركام، وتكاد تقول له "أزعجناك أكمل نومك"، تماما كما تهزك صور المقاتل الذي تحول إلى مزق وأشلاء يتسع لها كيس خضار صغير. وتردد مع الصحابي في القرون الأولى:
ولست أبالي حين أقتل مسلما على أي جنب كان في الله مصرعي
وإن كان في ذات الإله وإن يشأ يبارك على أوصال شلو ممزع
كانت خواطر تحتبس في الصدر، ولا تقال على الهواء.
الإعلاميون العرب لم يفعلوا ما فعله مراسل فوكس يوم امتشق رشاشا على الهواء في أفغانستان، وسئل على الهواء لماذا تحملها فأجاب: لأقتل أسامة بن لادن! لم يقل واحد منهم أن"طائرات الأعداء تغير على قرانا". مع أن هذا الذي كان يحصل، كان يقال "أغارت الطائرات الإسرائيلية على قرية.." وكأننا نغطي صراعا في المريخ!
الحياد لم يكن موجودا لدى جميع الصحافيين. في النهاية كل صحافي كان في داخله طرف يعتبره عدوا. واختلف الصحافيون بين من انحاز بغباء كالإعلام الغربي، ومن انحاز بذكاء كالإعلام العربي.
ما لا يدركه "العقلانيون" العرب. أن الدنيا تغيرت وأن أحدا لا يسمع لغتهم المحنطة.
[email protected]
ياسر أبو هلالة