بشكيرستان - 3000 بحيرة ونهر ابيض وعسل احمر وزمرد والله أكبر

اوفا -عاصمة بشكيرستان - ناصر اللحام - موفد "معا" في طائرة الرئيس- حين حطّت الطائرة في العاصمة اوفا كان ارتفاع الثلوج على أكتاف الطريق يبلغ متر ونصف المتر، لكننا لم نشعر بالبرد من شدة الفرح وحب الفضول، لم نبتعد عن روسيا الا ساعتي طيران ومع ذلك اختلف التوقيت ثلاث ساعات قبل توقيت القدس، فراء الثعالب والنمور وقبعات مزركشة، ابتسامات شعب مضياف اشعرتنا بالدفء الكبير، حكومة بشكيريا استقبلتنا بحفاوة منقطعة النظير، وجاءت فرق شعبية وغنت على مسرح الجامعة العريقة فصفّقنا لهم من قلوبنا، رقصات لشبان يصارعون الحيوانات المفترسة ومسلمون طيبون بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.

والغريب في التاريخ ان هذه الشعوب دخلت الاسلام حين كانت الحضارة الاسلامية تتهاوى، ولمّا اوفد المقتدر بالله في القرن الثاني عشر ميلادي رسوله احمد فضلان الى هذه الشعوب، كانت الدولة العباسة تنوء بالموت والدسائس فلم يفرحوا بأمجاد الدولة الاسلامية لكنهم اقاموا امجادا مشابهة هنا، صور المساجد مثل المسجد الحرام والكوفة والمسجد الاقصى تملأ البيوت والمساجد، وعشرات الملايين من جنس التتر وشعوب البلغار دخلوا الاسلام واعلنوا شأنه هنا دون ان يأخذوا مقابل من الدولة ىالاسلامية، شعوب طيبة ومكافحة وعاملة ومنتجة، ويكفي ان نعرف ان نسبة حجم البشكير في جمهورية روسيا لا تصل الى واحد ونصف بالمئة الا ان مشاركتهم في الانتاج القومي تبلغ 27% من حجم الانتاج الروسي، ومساحة بشكيرستان 143 الف كم مربع اي ما يوازي مساحة فلسطين 25 مرة وخمس مرات عن حجم فلسطين التاريخية.

وباشقورتوستان (بشكيريا) هي جمهورية ضمن روسيا الاتحادية تقع جنوب جبال الاورال على الحدود بين قارتي أوروبا وآسيا، ما يمنحها طابعا بشريا وثقافيا وتاريخيا مميزا عاصمتها مدينة اوفا. تقع الجمهورية على منحدرات جبال الاورال التي تمتد على طولها بحيرات عديدة يبلغ عددها في الجمهورية 3000 بحيرة. وتوجد في بشكيريا محمية وطنية ومحميات طبيعية اخرى. وتشغل الغابات نصف اراضيها.

وقد احتفلت هذه الجمهورية مؤخراً بذكرى انضمامها إلى روسيا قبل أربعة قرون ونصف القرن، إلا أن عمر الحضارة في هذه الأصقاع توغل في الزمن الغابر وهذا ما تؤكده حفريات العلماء وما يكتشف في المواقع الأثرية المنتشرة في جميع أنحاء هذا البلد. وتتميز بشكيريا بطبيعتها الخلابة، حيث تتلاقى منابع المياه العذبة مشكلة بحيرات صحية وأنهار واسعة، وتتصل السهول الشاسعة بالجبال الشاهقة، ما يجعلها قبلة للسياح من مختلف جمهوريات الاتحاد الروسي والدول الأجنبية.

يقطن الجمهورية ممثلو قوميات مختلفة. وتشكل القومية الروسية غالبية سكان بشكيريا. ويشتق لفظ بشكير عن تسمية شعب كان يقطن مشارف جبال اورال منذ قديم الزمان. ويمكن ايجاد معلومات عن هذا الشعب في مدونات المسعودي التي تعود الى القرن التاسع الميلادي. كما وصف ابن فضلان في القرن العاشر هذا الشعب الطوراني بانه شعب يحب القتال ويعبد الطيور والحيوانات.

الشعب البشكيري على نهر الفولغا. شعب عظيم أفاد الاسلام واعلا شأنه وكانت اراضي بشكيريا بعد غزوها من قبل المغول تنتقل من حكم خانية مغولية الى خانية اخرى ولكنهم محاربون اشداء حتى ان الروس يقرون بذلك ولهم اسهامات لا تحصى في انتصارات روسيا على المانيا في الحرب العالمية الثانية. قام القيصر الروسي ايفان الرهيب عام 1552 بغزو مدينة قازان التترية، الامر الذي دفع البشكير الذين كانوا تحت حكم خانية قازان الى الانتقال الى حكم امارة موسكو.

ودعا ايفان الرهيب البشكير الذين لم يتخذوا قرارا بعد الى الانتقال الى رعاية القيصر الروسي طوعا. وقضت الاتفاقية المعقودة بين القيصر الروسي والبشكير بان يتعهد القيصر بعدم طردهم من اراضيهم وعدم اجبارهم على ترك الدين الاسلامي. اما رعايا القيصر الجدد- البشكير فتعهدوا باداء الخدمة العسكرية ودفع الضرائب. لذلك بقي ايفان الرهيب في ذاكرة البشكير كقيصر أبيض يتصف بالطيبة.

الطلبة من السعودية يأتون الى هنا للتعلم في جامعات بشكيرستان خاصة علوم التنقيب عن النفط، وبعدهم يأتي الطلبة الفلسطينيون الى هنا لدراسة الطب، بل ان وزير الثقافة هنا فاخر امام الرئيس ووفده المرافق بصداقته بطلبة فلسطينيين، اما ممثل الرئيس في هذه البلدان السيد عوض زعول فقد درس على مقاعد الدراسة مع رؤساء هذه الدول ما عزّر العلاقات الفلسطينية مع تترستان والشيشان وبشكيرستان ومثلها.

في الاسواق وشوارع العاصمة تجد البنايات التي تتألف من عشرة طوابق، وتجد حضارة عريقة ما يدلل على انها دولة نفطية، وهم يفاخرون بتاريخهم اولا وقوميتهم ثانيا وعلمهم وجامعاتهم ثالثا وصداقتهم مع العرب ثالثا، ولم اسمع اي مسؤول بشكيرستاني هنا يفاخر ان لديهم نفط، فهم يعبرونه هبة من الله ولا يفاخرون بها مثل الدول العربية التي لا تفاخر الا بالنفط.

ولا يمكن ان تصل الى هنا دون ان تتذوق العسل الطبيعي وان تحاول شراء الجلد والفراء والزمرد والاحجار الكريمة التي تأسر ألباب الزائرين، سبعة طلاب فلسطينيين اعترضوا موكبنا في وسط شوارع المدينة وكانوا يرفعون العلم الفلسطيني، نظرنا عليهم وسط الثلوج وامر الرئيس بايقفا الموكب، ثم ترجل وصافحهم وتعرّف اليهم وكانوا يهتفون بكل بساطة بن البلد ( اهلا ابو مازن ) فنزل وصافحهم واكرمهم وسررنا جدا ان نعرف انهم يدرسون هنا الطب وهم من قرى مختلفة من الضفة الغربية.

بشكيريا فيها 3000 بحيرة، وفيها اجمل جغرافيا على تخوم الاورال ومن شرايين قلب نهر الفولغا ينسكب النهر الابيض في وسطها، يتمجد هنا اسم الله في الاعالي، ولجنا الى حرمها وصلينا في حرمها وراء مفتي بلدها الشخ تاج الدين الذي يتحدث باللغة العربية، وحين تحادث مع الرئيس كان طلبه الوحيد من الرئيس هو تسهيل حجيج شعب البلغار الى القدس وقال امام عشرات الكاميرات "لا تشد الرحال الا الى ثلاث"، لم يطلب شيئا منا سوى ان يسمح لشعوب ابلغار بزيارة القدس، حينها فقط عرفت واحسست ان الله حبانا وأكرمنا ان نكون نحن الفلسطينيين من سكان القدس وأكناف بيت المقدس ويكفينا شرفا ان نكون فلسطينيين، ويكفينا شرفا ان نكون سدنة بيت المقدس، ونرفع رؤوسنا امام كل شعوب الارض، ونصلي في كل مساجد العالم، وهم يتمنون ان يصلّوا في مساجدنا.