ثلاثة اخطاء على حكومة حماس وثلاثة انجازات لها
نشر بتاريخ: 05/09/2006 ( آخر تحديث: 05/09/2006 الساعة: 11:09 )
كتب رئيس التحرير ناصر اللحام- لا اعتقد ان للحكومة الراهنة اي ذنب في عدم توفير رواتب الموظفين، فهذا ظلم وتجني على الوزراء، واظن ان تجربتها كانت قاسية وخشنة، واننا كشعب وتحت وطأة الحياة طالبناها بما لا تستطيع، وبالمقابل هي اغلقت اذانها، واعتبرت ان من ينتقدها كأنما يعاديها، حتى ان استخدام مصطلح "حكومة حماس" صار يزعجها ويثير غضبها مع انه مصطلح سياسي مقبول.
وكانت الحكومة لا تتحمل النقد وتسارع جماعاتها الى المس الشخصي بمن ينتقدها وكأنه عدو للوطن وللدين وللثورة، ولكنها كغيرها تعلمت مع الزمن ضرورة النقد والجدل لان النقد من اهم المظاهر الصحية في الحياة، وليس اسوأ من تسلط الفكرة حتى لو كانت فكرة رائعة.
وفي 28 اذار من العام 2006 وحين اعلن اسماعيل هنية المكلف حينها بتشكيل الحكومة ان الوزراء في حكومته سيكونون مثالا على الوحدة الوطنية والتفاني، اعتقدت مثل غيري ان حكومة بهذه المواصفات ستقود الشعب الفلسطيني لثماني سنوات على الاقل، لكن الظروف الدولية اساسا والعربية لاحقا والداخلية حتما منعت ذلك.
ومما قاله هنية حينها" هي لله لا سلطة ولا جاه.. وزراء الحكومة مشاريع شهادة، كما قال حينها" وهذا عهدنا مع الله ومع امتنا أن لا نفرط ولا نخون بحقنا في الأرض ومقدساتنا, إن الشعب الفلسطيني اختارنا لنحمل الأمانة وندافع عن الأرض بحكمة وصلابة وثبات".
وأكد هنية في ذلك اليوم "أن وزراء الحكومة الفلسطينية مشاريع شهادة مضيفا" نحن لا نريد أن نعيش كوزراء, وشعبنا يرزح تحت المحتل ويعيش ظروفا قاسية لأننا نريد الكرامة والعزة لشعبنا".
وشدد هنية على أن حكومته سوف تحمي الوحدة الوطنية وستعمل على رص الصفوف لأنها حكومة للشعب الفلسطيني كله.
ولكن وما ان تشكلت الحكومة حتى وجدنا امرا مغايرا تماما، ورغم ان بعض انصار الحكومة لا يعتبرون ان حكومتهم يمكن ان تخطئ، الا ان الواقع قد يبدو مغايرا:
الخطأ الاول: ان الحكومة لم تكن زاهدة في الحكم، وبالعكس فقد استماتت على الدنيا اكثر من سابقاتها، وهجمت على السلطة والنفوذ وعلى الكراسي وبشكل فج، وبدلا من ان تناقش همّ الشعب وشقاء الجمهور اخذت فورا تسأل مثل حكومات فتح عن المناصب والوظائف والغنائم.
وهي دلالة واضحة على ان الحكومة الجديدة لم تختلف عن الحكومات السابقة في شئ باستثناء الفرصة، فقد لبس الوزراء البدلات وربطات العنق واخذوا يتحدثون الينا عن الصمود وشرف الثورة، وطاروا ما استطاعوا يسافرون من بلد الى اخر بدعوى مصلحة الشعب ومنافسة منظمة التحرير، فطارت عقولنا ونحن ننظر ولا نصدق، وناشد الوزراء الموظفين ان يتبرعوا للحكومة بالمال والمصاغ الذهبي وان يكفوا عن المطالبة برواتبهم لان هذا سيضرب عصب الثورة والصمود في وجه الاحتلال، وسيصب في صالح امريكا والغرب، والحق يقال ان خطاب السيد هنية كان في واد وسلوك الحكومة كان في واد اخر.
ولو كانت الحكومة اظهرت بعض الزهد لقام الجمهور ووضعها على رأسه ولقام الجمهور قبل الحمساويين بحماية ديمومتها.
الخطأ الثاني: عدم اعترافها بمنظمة التحرير، رغم انها حكومة وليست فصيلا سياسيا مثل الجهاد وحماس، فالحكومة هيئة وظيفية عليا وليست تنظيما مثل حماس، وعدم اتساع صدر هذه الحكومة، وعدم نجاحها في تعريف نفسها كجسم اداري مستقل يمثل الشعب الفلسطيني كله، فلغاية الان لم يعرف المراقبون الفرق بين حماس وبين الحكومة ؟ بل لم يعرف الناس الفرق بين الناطق بلسانها غازي حمد والفرق بين الناطق بلسان حماس سامي ابو زهري ؟
ثم ان الخطاب "غير الموفق" لرئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل الهب التنافس الداخلي ووتر الاجواء وكان القشة التي قسمت ظهر "بعير الصبر الفتحاوي"، فبدلا من ان يخرج مشعل في خطاب يشكر فيه فتح على كونها اول سلطة في الشرق الاوسط وفي بلدان العالم الثالث تعترف بنتيجة الانتخابات وتسلم مقاليد الحكم بشكل حضاري وسلس، اخذ مشعل حينها يتحدث عن قيام "الفتحاويين" بسرقة الشاي والقهوة والكراسي من مكاتب الوزارات، فاختلط الحابل بالنابل ولم يعد الجمهور يعرف اذا كان مشعل هو رئيس الحكومة ام اسماعيل هنية فخرجت التظاهرات الفتحاوية واستقوى التيار الرافض لتسليم السلطة داخل فتح على تيار دعاة التجربة الديموقراطية.
الخطأ الثالث: اسراع الحكومة في الاستعانة بكتائب عز الدين القسام، ما حدا بالفتحاويين للاسراع للرد بالمثل، فدخل المجتمع بكل جسمه في نفق الفلتان الامني، وصار الاقتتال ومظاهر الانتقام سمة من سمات الحكم، فالجمهور لا يهمه في النهاية من هو البادئ ومن هو المتردد في الرد.
اما ما يحفظ للحكومة، وهو حق تاريخي لها، انها انجزت وبجدارة النقاط الثلاث التالية:
اولا: اوقفت حكومة حماس "ببسالة" حالة الابتزاز السياسي البشع الذي كانت تمارسه اسرائيل على الحكومات السابقة، ومنعت مرة والى الابد -ان شاء الله- العربدة العسكرية الاسرائيلية وحالات السطو السياسي على القرارت الفلسطينية واعادت للجمهور ثقته بنفسه وهيبته السياسية واعادت للجمهور العربي احترامه للتجربة الفلسطينية، فلم تساوم الحكومة على تصريح او بطاقة "V.I.P" وفضّلت السجن على بيع كرامة وزرائها.
ثانيا: اثبتت الحكومة لمئات ملايين العرب والمسلمين في العالم ان الحركات الاسلامية قادرة على الدخول في اية انتخابات والمشاركة في البرلمان سلميا والوصول للحكم دون اراقة دماء وبكل حضارية وهي قيمة عالية وغالية لم يقدر المجتمع الدولي بعد قدرها التاريخي.
ثالثا: نجحت الحركة في تغيير الرأس السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية وتسببت في حراك فعال في قيادة وقادة جميع التنظيمات الفلسطينية وهي انجازات اهم بكثير من الانجازات المادية والمالية.
فهناك بعض قيادات منظمة التحرير يعتقدون ان لديهم "ملكية طابو" بالشعب الفلسطيني ويمارسون ( الخاوة السياسية ) على الناس باعتبار اننا تحت وصايتهم وان اية حكومة لا تشملهم هي حكومة غير حضارية- رغم ان العديد منهم لم يجرؤ على ترشيح نفسه للانتخابات- ويعتقدون ان مهمة اسقاط الحكومة الاسلامية من الانجازات المهمة للمجتمع متناسين ان اسقاط التجربة الاسلامية عن الحكم- بالقوة او بالغش او بالحصار او بالنصب والاحتيال- انما هي جريمة تحاول ان تنقل لنا التجربة الجزائرية- لا سمح الله، وعليهم ان يعرفوا ان المحافظة على نجاح التجربة الاسلامية المشاركة في الحكم هي المصلحة الوطنية للمجتمعات المدنية، وان اول الخاسرين من الانقلاب عليها سيكون المجتمعات المدنية والاحزاب العلمانية وحتى الغرب وامريكا والعالم.
وعلى ابواب الحكومة الثانية، لا يسعني سوى ان ادعو رئيس الوزراء القادم سواء كان السيد هنية او كان غيره، الى ان يتذكر ان الشعب الفلسطيني الذي اسقط الحكومات السابقة قادر ايضا على اسقاط حكومته الثانية اذا لم تتعلم من اخطائها، واذا لم تتواضع في التعامل مع القضايا المصيرية، واذا لم يتسع صدرها للمعارضة وعدم تخوينها، فهذا الشعب الفقير لا ينقصه التضحية ولا يريد من احد ان يعلمه اياها، بل هو طالما يعلم القادة من جميع التنظيمات معانيها واصولها.
واذا سيبحث وزراء الحكومة القادمة "بغض النظر عن شخصهم" عن شعب ليركبوه فلا اهلا ولا سهلا، ولتسقط الحكومات باذن الله الواحدة تلو الاخرى، واما اذا كان للحكومة القادمة ما تقدمه على صعيد الوحدة الوطنية ومحاربة البطالة والفقر والبناء، ومحاربة الفتنة فنحن جميعنا جنودها ورهن اشاراتها، وستنجح باذن الله.