الساعات الخطرة: هنية ..وخطابه إلى الأمة.!!!/بقلم: عماد عفانة
نشر بتاريخ: 05/09/2006 ( آخر تحديث: 05/09/2006 الساعة: 22:23 )
لا يخفى على الجميع مدى الخطورة التي باتت تتعرض لها القضية الفلسطينية في ظل ما وصلت إليه حدة التجاذبات والاستقطابات السياسية لجهة إحداث التغيير الذي يحاول كل طرف فرضه بما يملك من ادوات.
الاحداث الخطرة التي تمر به الساحة الفلسطينية لم تبدأ بتنظيم الاضرابات للعمال والموظفين تحت يافطات نقابية ومطلبية، وربما لن تنتهي به واذا ما حاولنا تتبع التسلسل المنطقي لترتيب الاحداث وربطها مع بعضها فسندهش لا محالة من وجود هذا الارتباط الذي اوصل الحكومة الى حافة نهايتها ما دفع السيد رئيس الوزراء اسماعيل هنية للاعلان عن نيته توجيه خطاب شامل وجامع الى الامة.
وهنا يبرز التساؤل حول دوافع هذا الخطاب والهدف منه، وحول النقاط التي سيتضمنها هذا الخطاب والى اين سيفضي.
وللاجابة على هذه التساؤلات بشكل منطقي لابد من التطرق الى خلفيات الموضوع بشكل جذري.
** فحركة فتح التي قادت المشروع الوطني والتي وقعت على اتفاقات اوسلو التي كانت السلطة احدى افرازاتها تريد استمرار السلطة تحت عباءة المشروع الوطني الذي حددت وحدها معالمه ونهايته والذي مثل البقرة الحلوب لحركة فتح التي اثرى قادتها وكوادرها وحتى عناصرها وانفردوا بكل الامتيازات على شماعة اقصاء المعارضين لمشروعهم الوطني.
واستمرار السلطة بعني بالنسبة الى حركة فتح هو التزام حماس رغم فوزها في الانتخابات التشريعية الاخيرة وبتشكيل الحكومة التزامها بما وقعت عليه في اوسلو ، ولالزام حماس بذلك كان لا بد لفتح كحركة معارضة ان تقوم بالعديد من الخطوات ضمن خطة دقيقة لايصال حكومة حماس الى خيارين لا ثالث لهما، اما الرحيل والعودة الى صفوف المعارضة من جديد، واما ان تقبل بما قبلت به فتح في اوسلو.
ومن هنا كان ما وقع وما شهدناه جميعا، وبقي ما هو متوقع وما نامل ان نشهده جميعا، فما وقع وما هو متوقع سيكون محور حديثنا القادم.
الشق الاول ، ما وقع:
اولا: بدأ مسلسل المواجهة بين حماس وفتح قبل تسلم حماس الحكم وذلك بقيام فتح باغراق الوزارات والمؤسسات الحكومية بالاف الموظفين خصوصا من المدراء والمدراء العامين ووكلاء الوزارات عدا عن الوظائف الدنيا، فورثت حكومة حماس جهازا حكوميا يطفح بالموظفين دون ان يكون لهم أي عمل، عدا تسليم الحكومة السابقة مالية السلطة مثقلة بالديون وتواجه مطالب مالية اكبر كثيرا من طاقتها، الامر الذي مثل اولى العصي التي وضعت في دواليب الحكومة.
ثانيا: نجحت فتح في الضغط على مختلف القوى والفصائل لجهة الامتناع عن المشاركة التي ستشكلها حماس، على امل .. الا ان حماس شكلت الحكومة بمفردها الامر الذي تصورت فتح انه سيسهل عليها عملية اسقاطها عبر خطط باتت معلنة وهي اعطاء الحكومة عمر افتراضي لا يزيد عن سبعة اشهر.
ثالثا: وضمن هذا المخطط قام الرئيس عباس بدوره في هذا المسلسل الذي ما زال مستمرا بما بات يعرف بسحب صلاحيات الحكومة وحرمانها من حقوقها القانونية عبر جملة من الفرمانات و المراسيم الرئاسية التي تراجع فيها عباس عن التزاماته التي اطلقها قبل تسلم حماس الحكم وابان وجوده في رئاسة الوزارة ابان عهد الرئيس الراحل عرفات.
رابعا: نظم الرئيس عباس وعدد من اقطاب الحكومات الفتحاوية السابقة جولات مكوكية لعدد من الدول العربية والاوروبية فضلا عن امريكا تمخضت عن تشديد قبضة الحصار المالي والسياسي للحكومة، ما وضعها في موقف حرج ماليا امام شعبها وامام التزامتها المالية تجاه موظفيها.
كما وضع الرئيس عباس العراقيل امام الحكومة عندما حاولت ادخال الاموال عبر معبر رفح واثارت فتح ضجة وحملة تشكيك وتشويه حالت دون استمرار ادخال الاموال عبر المعبر.
وحتى بعدما قبل الرئيس عباس باستقبال الاموال وتحويلها الى الحكومة لدفع مرتبات الموظفين والمصاريف التشغيلية للوزارات، فقد قام الرئيس الشهر الماضي باستقطاع مبلغ كبير من هذه الاموال وصل الى نحو 12 مليون دولار وحولها الى منظمة التحرير والتلفزيون، ما اثر على تقاضي الموظفين كامل مرتباتهم الامر كانت له تبعات تمثلت في الاضرابات التي نشهدها اليوم.
خامسا: ثم انضجت فتح طبخة سياسية على نار الاسرى الهادئة بدأت بقيام عدد من اقطاب فتح وبتسهيل من العدو الصهيوني يتنظيم زيارات الى النائب مروان البرغوثي في زنزانته والتي تمخضت فيما بعد عما بات يعرف بوثيقة الاسرى لهدف معلن هو احداث حراك سياسي في الساحة الفلسطينية لتجنيب الساحة الفلسطينية مزيدا من الانقسامات والازمات، اما الهدف الخفي فهو اخراج الحكومة من قبضة حماس قبل ان تتمكن منها.
والتقط الرئيس عباس الوثيقة التي اعدت لها فتح بمعية الرئيس عباس على نار هادئة ونفخ فيها الروح على طريقة اهل الصعيد المصري الذين يعتزون بشرفهم ويتعصبون لرأيهم، وقام الرئيس بشن هجوم على حكومته خلال الخطاب الارتجالي الذي القاه في رام الله قبل عدة اشهر والذي هدد خلاله باللجوء الى الاستفتاء اذا لم توافق الحكومة على وثيقة الاسرى التي سميت فيما بعد بوثيقة الوفاق الوطني.
وفي خضم الصراع السياسي بين حماس وفتح تحت عباءة الحكومة والرئاسة وصلت الامور الى حد الانفجار الذي لم تكن تريده حماس او حتى فتح، ففتح وعلى لسان الرئيس هددت باللجوء الى الاستفتاء لدفع حماس للتوقيع على وثيقة الاسرى او على الاقل لتليين مواقفها، وهو ما حدث وما لم يحدث في ذات الوقت.
فحماس التي وجدت نفسها في مازق يهدد استقرار حكومتها لجأت الى الخروج من المأزق عبر طريقتين :
الطريقة الاولى : هو تمكن حماس وبعد حوارات ماراثونية داخلية من اعادة صياغة بعض نقاط الخلاف في الوثيقة بما يرضي فتح وبما لا يخدش ثوابت حماس لا لجهة الاعتراف باسرائيل او حتى الاعتراف بالشرعيات العربية والدولية التي تفضي بالضرورة للاعتراف باسرائيل.
الطريقة الثانية: وهي الخطوة التي تمثلت بالعملية العسكرية التي شهد لها العدو والتي انتهت بمقتل واصابة عدد من جنود الاحتلال واسر الجندي جلعاد شاليط، و التي ارادت حماس منها اولا الخروج من مازقها وثانيا احراج حركة فتح التي طالما تغنت على لسان رئيسها بالاسرى وبصمودهم وبرايهم، وهي الخطوة التي لم تكن تتوقعها فتح.
ورغم نجاح حماس في تنفيذ عملية الوهم المتبدد ونجاحها في اسر الجندي جلعاد شاليط التي كانت كفيلة باخراج حماس من ورطتها وباخراس كافة الاصوات الاخرى الا ان حماس ابدت حسن النية وقامت بالتوقيع على وثيقة الاسرى في اليوم التالي للعملية.
* طريقة حماس في الخروج من مأزق وثيقة الاسرى اربك حركة فتح حيث جاءت النتائج على عكس المراد ، فبدلا من احراج حماس ودفعها لتليين مواقفها لجهة تحصيل اعتراف منها ولو بشكل غير مباشر بالشرعيات العربية والدولية التي تعترف باسرائيل، نجحت حماس بالتحايل على النصوص بما يرضي ولو على مضض الخصوم وبما لا يمس ثوابتها، وفي ذات الوقت نجحت حماس عبر اسر الجندي من فضح المخططات الحقيقية من طرح وثيقة الاسرى وابرزت حماس نفسها الوفي الحقيقي لمصالح الاسرى والحريص الدائم على تحريرهم، وبالتالي وقفت فتح مرتبكة امام هذا الواقع.
سادسا: وهنا يأتي دور ذروة الهجوم الاعلامي والتحريض الذي مارسته فتح على حماس منذ تشكيل الحكومة والذي يتزامن مع المعاناة الاقتصادية التى وصلت الى حدها الاقصى في ظل الحصار المالي والاقتصادي للحكومة والذي تمخض عن انقطاع الرواتب لاشهر طويلة ما زاد في انهاك الشعب بطبقاته المختلفة.
ونجحت فتح في استثمار هذا الحصار وهذه المعاناة لجهة تجنيد آلتها الاعلامية وعلى رأسها تلفزيون الرئيس وصحف فتح اليومية المحلية، لتحريض الشعب بقطاعاته المختلفة تحت يافطة نقابية ومطلبية اسفرت عن تنظيم الاضراب الذي نشهده هذه الايام في المؤسسات التعليمية.
هذه الهجمة الاعلامية والتجيير للازمة الاقتصادية للتحريض الشعبي يأتي ليس مصادفة مع الحديث حول حكومة وحدة وطنية صوتت اللجنة المركزية لفتح لصالح المشاركة فيها.
ومع ان التوجهات لدى حماس تبدو حقيقية لتشكيل حكومة وحدة وطنية حيث بادرت حماس لتشكيل وفد عالي المستوى منها لخوض الحوارات الداخلية لجهة تشكيل هذه الحكومة، وابلغت بها مختلف القوى والفصائل، الا ان الغياب المطول للرئيس عباس في جولاته الدولية وهو المفوض الوحيد من اللجنة المركزية لفتح لاجراء المشاورات لتشكيل حكومة الوحدة حال حتى الان من وصول هذه المشاورات الى نهايات جادة لجهة تشكيل هذه الحكومة المنشودة.
الشق الثاني، ما هو متوقع:
في ظل ما سبق عرضه من مخططات لارباك الحكومة ومحاصرتها لجهة اسقاطها، وفي ظل الاداء غير المرضي لحكومة حماس المحاصرة ، باتت الخيارات محدودة سواء امام حماس او امام الرئيس عباس الذي يمثل حركة فتح، وسنستعرض هذه الخيارات لكل من فتح وحماس ولنبدأ بحركة فتح:
الاحتمال الاول : بالنسبة لحركة فتح فقد وصلت الامور الى نهايتها حسب العمر الزمني الذي حددته للحكومة وهو سبعة اشهر وقد استنفذت جميعها.
كما ان الظرف الشعبي موات لها ولرئيسها عباس لجهة اتخاذ قرارات رئاسية تفضي الى اقصاء حماس من الحكم وتشكيل حكومة طوارئ يرأسها بنفسه، وتمهد لاجراء انتخابات شاملة رئاسية وتشريعية تطمع فتح للفوز الساحق فيها في ظل السخط الكبير الذي يجتاح الشارع على حماس وعلى حكومتها.
الاحتمال الثاني: ان حركة فتح ستجد نفسها في وضع حرج جدا خصوصا امام آلاف الاسرى وذويهم اذا ما قام الرئيس باستخدام صلاحياته الدستورية واقدم على حل حكومته وحل التشريعي قبل ان تصل المفاوضات السرية لحل قضية الجندي الاسير الى نهاياتها، وخوفا من فشل عملية تبادل الاسرى فستضطر فتح والرئيس عباس الى الاستمرار في التحريض العلني والمكشوف للشارع على الحكومة والانتظار حتى تنتهي قضية الجندي الاسير للاقدام على خطوة حل الحكومة او حل التشريعي.
الاحتمال الثالث: ان هدف حركة فتح من حملتها الشعواء ضد الحكومة ليس اسقاط حكومة حماس وانما الحصول على نسبة اكبر من المقاعد في حكومة الوحدة الوطنية المنشودة .
الاحتمال الرابع: ان تعمل فتح بقيادة الرئيس عباس على ممارسة المزيد من الضغط على حماس لجهة اخراجها من الحكومة ومن رئاستها عبر تشكيل حكومة تكنوقراط بحجة انها الطريق الوحيد لاخراج الوضع الفلسطيني من ورطته .
الاحتمال الخامس: ان يقوم الرئيس عباس بالتهديد بحل السلطة وسحب اعتراف منظمة التحرير باسرائيل مما يهدد باعادة الامور عشرات السنين الى الوراء ما سيدفع باطراف عربية فاعلة للتدخل لدى امريكا والكيان الصهيوني لوقف الضغط على الفلسطينيين وفك الحصار المالي ووقف المشاريع الصهيونية من جانب واحد ..الخ من هذه الاجراءات مقابل تليين حكومة حماس لمواقفها وتغير من طريقة تعاطيها مع المطالب الدولية.
**اما بالنسبة لحركة حماس التي دخلت الانتخابات وصعدت الى سدة الحكم تحت راية المقاومة وببرنامج مختلف ومناقض لبرنامج حركة فتح واتفاقات اوسلو التي اعلنت حماس عدم التزامها بها بل وعن موتها الامر الذي ينفي احتمال اعترافها بالكيان الصهيوني فالاحتمالات والخيارات التي قد يوردها رئيس الوزراء هنية في خطابه ربما تكون كالتالي:
الاحتمال الاول: ان ترفض حماس ورغم كل العصي في دواليب حكومتها، ورغم كل العقبات والمخططات لاقصائها ان ترفض الرضوخ للاشتراطات الصهيوامريكية بالاعتراف باسرائيل وبالشرعيات الدولية التي تعترف باسرائيل، وان ترفض مغادرة مقاعد الحكومة لان ذلك سيعني اقرار من حماس بفشلها في الحكم، ما يعتبر فشلا لتجربة اسلامية اخرى في الحكم، وما يمثل ايضا اشاعة اجواء من الاحباط في صفوف جميع المؤيدين والمتعاطفين مع حماس ومع القضية الفلسطينية.
وما يمثل ايضا عودة فتح الى الحكم الامر الذي يثير مخاوف حماس من عودة فتح الى ممارسة سياسة الاقصاء الوظيفي والسياسي وسياسة القمع الذي مارسته فتح ضد حماس على مدار سنوات طويلة.
الاحتمال الثاني: ان تسعى حماس وبكل قوتها ولتجنب الاحتمال الاول للمضي قدما في طريق تشكيل حكومة الوحدة الوطنية حتى لو ادى ذلك الى تنازلها عن اكثر من ثلثي مقاعدها في الحكومة لصالح فتح وباقي القوى والفصائل، شرط ان تترأس حماس هذه الحكومة، وهو الاحتمال الاقرب الذي يرجحه المحللون.
الاحتمال الثالث: ان يقوم رئيس الوزراء هنية بالاعلان عبر خطابه الى الامة عن بقاء حماس في الحكومة ولكن بعد ان يقوم هنية باستعراض الانجازات التي حققتها حكومته خلال السبعة اشهر الماضية، ثم يقوم باستعراض آخر للجميع العقبات التي وضعت في طريق نجاح حكومته، وان يقوم بالكشف عن الاسباب الحقيقية لعرقلة عمل الحكومة ويفضح الجهات التي وقفت من خلف وضع هذه العقبات وان يوضح للشعب والامة حجم التحديات التي توجه الحكومة الفلسطينية ويوضح كذلك وبشكل واضح وصريح الثمن المطلوب دفعه من الحكومة ومن ورائها حماس لبقاء هذه الحكومة.
الاحتمال الرابع: ان يقوم هنية وبعد الاستعراض للانجازات والعقبات وعن حجم الضغوط والثمن المطلوب بالاعلان عن انسحاب حماس من الحكومة وان يوضح ان حماس غير مستعدة للاعتراف بالكيان الصهيوني او التنازل عن الثوابت والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
الاحتمالى الخامس: ان يستغل رئيس الوزراء هنية في خطابه الصفقة الناجحة لتبادل الاسرى مع الكيان الصهيوني مقابل الاسير الصهيوني والتي اعلنت الانباء انها ستتم خلال 48 ساعة والتي تتضمن الافراج عن الوزراء والنواب المختطفون والافراج كذلك عن اموال السلطة المحتجزة مما سيشكل نصرا سياسيا كبيرا لحماس وللحكومة في وجه الضغوط الداخلية، لانه حسب الصفقة سيفرج عن نحو 1400 اسير ولو على دفعات، ما يشكل انجازا كبيرا في قضية من اهم القضايا التي تهم الشعب الفلسطيني، كما وسيفرج عن النواب والوزراء المختطفون ما سيمكن الحكومة من العودة وبقوة لممارسة مهامها، وسيمثل الافراج عن الاموال المحتجزة انهاء للازمة المالية التي يتعرض لها الشعب والحكومة ما يعني انتهاء ما تشهده الساحة من اضرابات تشبه العصيان المدني، ان يستغل هنية كل ما سبق للطلب من جميع الفصائل المقاومة الالتزام باحد بنود الصفقة وهو التهدئة العسكرية ومنع اطلاق الصواريخ والعمليات الاخرى لجهة التفرغ لعملية البناء الداخلي وترتيب البيت الفلسطيني بما يضمن مشاركة الكل الفلسطيني في حكومة وحدة وطنية ترأسها حماس ولا تكون فيها حماس اغلبية، وتكون هذه الحكومة خطوة اولى نحو اعادة بناء منظمة التحرير ما سيمثل اعادة وضع القضية الفلسطينية على السكة الصحيحة لتحقيق الاهداف الوطنية.
كاتب صحفي