الأغوار الفلسطينية في دائرة الاستهداف المستمر
نشر بتاريخ: 30/03/2011 ( آخر تحديث: 30/03/2011 الساعة: 18:22 )
طوباس- حكم خراز- معا- على خط النار، حدود رسمتها الجغرافيا في حفرة الإنهدام، فكانت على موعد دائم مع الصدام والخطر، وأصبح شقاء أهلها في سباق مع الزمان والحرمان، يحاكي تعرجات نهر الأردن المتلاطم مع جنون الحياة إلى سكون الموت في بحيرة لوط، في أغوار طوباس وقراها وخربها وسهولها ووديانها وجبالها، ما زال يعزف الرعاة على الشبابة والناي مع نسيم الرياح التي تعصف بجدران الخيمة في الوديان لحن الحياة، يرقبون بنظراتِ أتعبها طول السهر على أصوات الآليات والمدرعات وصرخات الجنود والغلاة فرق الزمن بين الحياة والنجاة.
في الفارسية وفي عين الحلوة، في المالح وعاطوف والرأس الأحمر، في سمرة والعقبة، وفي بزيق والبقيعة وسلحب وفي عين البيضاء وبردلة وكردلة وجباريس وفي كل التضاريس يجوب الغلاة والطغاة، يسرقون النوم ويزرعون الشؤم والمعاناة.
إخطارات بالهدم والترحيل وإجراءات التنكيل:
في غضون إجراءاتها التعسفية القمعية التي تقوم بها سلطات الإحتلال بحق الأهالي في مناطق الأغوار الشمالية، أقدمت قوات الإحتلال الإسرائيلي على هدم العديد من المنشآت والمنازل في المنطقة وبذرائع واهية خلال الأعوام والأشهر الأخيرة، وتهدف هذه العملية إلى تفريغ المنطقة من ساكنيها توطئة لعمليات التوسعة المتسارعة في المستوطنات المقامة على أراضي المواطنين هناك، ويخوض أهالي الأغوار معركة الوجود التي زادت شراستها منذ الإعلان عن تداول قضايا الحل النهائي والتي تشمل القدس والمستوطنات والأغوار وحق العودة والمياه بالإضافة إلى قضية الأسرى خلال فترة المفاوضات التي توقفت بفعل تزايد وإستمرار الإستيطان وعمليات المصادرة والتوسع الإسرائيلي.
ويفاقم المحتل حياة المواطن في الأغوار فيما ينفذ من عملية إحلال سكاني قصري بسبب الأهمية الكبيرة التي تشكلها منطقة الأغوار الفلسطينية كركيزة أساسية من مقومات الدولة المنشودة، حيث تعتبر الأغوار سلة الغذاء الفلسطيني ومن أهم الأحواض المائية في فلسطين، بالإضافة إلى الأهمية السياسية، وهي أيضاً أطول خط حدودي مع الأردن على طول النهر من شمال الضفة الغربية وحتى البحر الميت، وقد تضاعفت عمليات الهدم والتنكيل بالمواطنين في ظل حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل والتي يجهر وزرائها بضم الأغوار وتفريغها من ساكنيها ليل نهار، حيث تسابق جرافات الإحتلال الزمن بهدم ما تم ويتم إنشاؤه من المنازل والبيوت والمنشآت التابعة للمواطنين الفلسطينين في المنطقة بحجة عدم الترخيص أحياناً ولدواعي أمنية أحياناً ولأخرى لا يعلمها إلا الله أحايين كثيرة.
رصد الإستهدافات الأخيرة:
سلمت سلطات الاحتلال الإسرائيلية 3 مواطنين الاثنين الماضي، إخطارات بهدم منازلهم في منطقة سمرة في الأغوار الشمالية، حيث قام ما يسمى "مجلس التنظيم الأعلى لمنطقة يهودا والسامرة"، بتسليم كلا من مهيوب محمد العامر، وعبد عوض دراغمة، وفوزي عبد دراغمة من سكان منطقة سمرة في الأغوار الشمالية إخطارات بهدم منازلهم.
كما سلمت سلطات الاحتلال مواطنا من عين الحلوة في طوباس اخطارا لاخلاء خيمته والرحيل من أرضه، حيث ان عدة دوريات لجيش الاحتلال برفقة دوريات دائرة التنظيم الاسرائيلية اقتحمت المنطقة وحاصرت خيمة المواطن نبيل مصطفى دراغمه لتسليم اخطار بازالة خيمته والرحيل من المنطقة في غضون 24 ساعة بعد أن قام عشرات المستوطنين من مستوطني "مسكيوت" بحضور أفراد من الشرطة الإسرائيلية وقوات من جيش الاحتلال في منطقة المالح بتسييج محيط منزل المواطن دراغمة والقاطن في المنطقة منذ حوالي عشرين عاماً بالأسلاك الشائكة، حيث قام المستوطنون بمنع أصحابها من الدخول أو الخروج إليها، بالإضافة إلى تسييج محيط حظائر المواشي والأبقار التابعة له، كما تم منع المتضامنين العرب والأجانب من الوصول إلى البيت المحاصر.
وقال رب الأسرة إن المستوطنين قاموا بتهديده وعائلته بالقتل مع حلول الظلام، فيما اجبر الإحتلال المواطن نفسه إلى هدم بيته والرحيل من المنطقة.
الوضع المالي في الأغوار الشمالية:
في ورشة نظمتها وزارة الإعلام ومجموعة الهيدرولوجيين الفلسطينيين بالتعاون مع محافظة طوباس والأغوار الشمالية دعا مسؤولون ومختصون إلى فضح ممارسات الاحتلال ونهبه للمياه الفلسطينية في الأغوار.
وقال المتحدثون إن المشهد الراهن قاتم، في وقت يتزايد فيه العطش الفلسطيني مقابل نهب الاحتلال للثروة المائية، حيث يستهلك المستوطن الواحد خمسة أضعاف ما يستهلكه المواطن الفلسطيني في المنطقة، ويمنع الاحتلال المواطن من حفر آبار إرتوازية للمياه، كما يسيطر الاحتلال على 85 % من المياه الفلسطينية، كما تمنع إسرائيل من إعادة تأهيل الآبار فيها، وتحاول سلطة المياه ترميم 144 بئراً 55 منها في الأغوار، لكن الاحتلال يرفض السماح بأي إجراء من سنوات عدة، حيث تعكف هذه المشاريع لتثبيت الوجود الفلسطيني فيها، وللحفاظ على المصادر المائية الوطنية، فقد عمد الإحتلال منذ سنواته الأولى على نهب المياه، إذ أقامت الحكومة الإسرائيلية عام 1971 على إنشاء مستوطنة ميحولا، ووضعت يدها على آبار مياه بردلة، وصادرت حصص المواطن الغائب في المياه.
تثبيت للمواطنين في المنطقة:
عمدت المؤسسات الرسمية والأهلية ووزارات السلطة الفلسطينية إلى تنفيذ إلعديد من البرامج والمشاريع والأنشطة الهادفة إلى تثبيث صمود المواطنين فوق أرضهم، بموازاة فضح سياسات الاحتلال في نهبه للمياه وسرقتها مما يفاقم الأوضاع في المناطق الشفا غورية ما يجعل وجود أي دولة مستقبلية مسألة غير ممكنة بدون المياه.
ويرى باحثون أن عملية احتلال فلسطين التاريخية لم تكن عبثية، وقد سبقتها مسوحات ودراسات علمية أوصت بها الحركة الصهيونية لضرورة احتلال المناطق الشمالية لتحكمها بمصادر المياه، وأهمية الاستيلاء على المناطق الساحلية نظرًا لخصوبتها الزراعية، وحيوية الاستحواذ على المناطق الجنوبية لاحتمالات وجود النفط والغاز، وأهمية السيطرة على مناطق البحر الميت لوجود المعادن، أما المنطقة الوسطى فهي لا تصلح إلا للرعي، ويجب التفكير بها مستقبلاً لأنها ترفد المناطق الشمالية بالمياه، حيث تم تجفيف نبع المالح ذات المياه الدافئة والتي لا تتأثر بالأمطار، حيث كان ينتج حوالي 300 متر مكعب لكل ساعة.
ويشكو مواطني وسكان الأغوار من التكلفة العالية لعملية التزود بالمياه حاجتهم للتزود بمياه عبر الصهاريج، التي يصل ثمن الكوب الواحد منها أكثر من 27 شيقلاً. وطالبوا برفع حصة وزارة الزراعة وسلطة المياه من موازنة السلطة، لأن أرض الأغوار في مرمى النار، ولا بد من تعزيز صمود المواطنين فيها.
مشاريع طموحة:
إنسجاماً مع حق شعبنا في إستثمار أراضيه والإستفادة من ثرواتة الطبيعية والمائية ورؤية وزارة الزراعة الفلسطينية بإستثمار الأراضي، بادرت مجموعة من المستثمرين والمزارعين المحليين إلى تنفيذ مشاريع طموحة في المناطق المستهدفة، حيث تم زراعة مئات الدونمات بالخضروات والمحاصيل بعد أن كانت هذه المناطق لا تزرع إلى بالمحاصيل البعلية المعتمدة على مياه الأمطار والتي شحت كثيراً في الآونة الأخيرة.
وفي السياق قال موفق فخري دراغمة أحد كبار المستثمرين الزراعيين في المنطقة إنه تم جلب المياه من منطقة كشدة البعيدة عبر شبكات مياه تم تخصيصها لنفس الغرض بهدف إستثمار الأراضي المهددة بالمصادرة، حيث يمنع الإحتلال حفر الآبار الإرتوازية في المنطقة لأغراض الشرب والري، مطالباً إلى تدعيم خطط الإستثمار في الأغوار وحماية الأراضي من خطر المصادرة والتهويد.
وقد ناشد دراغمة الرئيس الفلسطيني ورئيس الوزراء والحكومة الفلسطينية إلى تذليل الصعوبات أمام حفر الآبار الارتوازية في المناطق المهددة وخاصة منطقة البقيعة، حيث يمنع الأحتلال حفر الآبار في المنطقة على الرغم من أنها تقع ضمن منطقة "ب"، إلا أنه حتى الآن لم يسمح بحفر أي من الآبار لأغراض الشرب أو الري في المنطقة ويتم جلب المياه من مناطق بعيدة ما يزيد من الأعباء والتكاليف المالية على المزارعين، مقدراً رؤية رئيس الوزراء سلام فياض بعدم الاعتراف بالتقسيمات الإسرائيلية للمناطق (أ،ب،ج)حيث أنه بتطبيق هذه الرؤيا على الأرض يتم تقريب حلم بناء الدولة ورفع دعائمها خطوة بخطوة.