الثلاثاء: 01/10/2024 بتوقيت القدس الشريف

حزب اردني جديد - تيّار قوميّ تقدّميّ (مواطنة – عدالة – أمان)

نشر بتاريخ: 04/04/2011 ( آخر تحديث: 05/04/2011 الساعة: 10:54 )
بيت لحم -معا- اعلن المهندس خالد رمضان عن انطلاق حزب اردني جديد اسمه "معا" نحو تيّار قوميّ تقدّميّ (مواطنة – عدالة – أمان) في الاردن.

وقال رمضان الذي يشغل المنسق العام للتيار ان رؤية انشاء التيار "تحقّق من أنّ برنامج المواطنة الذي يحمله ينسجم مع المرحلة ويصلح لأن يكون أرضيّة لتغيير حقيقيّ في الأردنّ عنوانه محاربة الفساد، والحفاظ على اللُحمة الاجتماعيّة، والعمل من أجل كرامة المواطن، والسعي من أجل بناء دولة مدنيّة حديثة ترفع لواء قيم الحداثة والتنوير.

وفيما يلي وثيقة إشهار التيار:
مقدّمة
منذ أن دخل الأردنّ عصر الخصخصة وتفاقُم الفساد تعدّدت أزماته وتشابكت واستعصت على الحلّ حتى بات الوضع خطيرًا وأضحى انسداد الآفاق مهدِّدًا لاستقرار المجتمع وأمنه. لقد أودى هذا الوضع بمقدّرات بلدنا وثروته وبدّدها على نحو مريع، فزاد الإحباط في أوساط المواطنين، وبشكل خاصّ في أوساط الكتلة الشبابيّة، وهي ترى نفسها بلا دور ولا أفق ولا مستقبل، وازداد غضبها وهي تشهد كلّ يوم عمليّات النهب للثروة الوطنيّة وازدياد المديونيّة ومصادرة حريّاتها وحقوقها، بل تعزّزت مخاوفها وهي ترى نسيج مجتمعها يتهدّده الانقسام والتشظّي والتفتّت في ظلّ سيادة سياسات تستهدف الاستئثار بالسلطة واستمرار الوضع القائم.

من هنا، وانطلاقًا من الشعور بالمسؤوليّة الوطنيّة وحرصًا على سلامة الوطن نتقدّم لشعبنا بمبادرة لحماية الوطن والمواطن هي مشروع التيّار القوميّ التقدّمي. هذا التيّار الذي بدأ باختبار مقولاته وأفكاره في الأشهر الأخيرة، إبّان النهوض الشعبيّ في أكثر من قطر عربيّ، وتحقّق من أنّ برنامج المواطنة الذي يحمله ينسجم مع المرحلة ويصلح لأن يكون أرضيّة لتغيير حقيقيّ في الأردنّ عنوانه محاربة الفساد، والحفاظ على اللُحمة الاجتماعيّة، والعمل من أجل كرامة المواطن، والسعي من أجل بناء دولة مدنيّة حديثة ترفع لواء قيم الحداثة والتنوير، تعزّز حريّة الأردن واستقلاله وتسمح بالاستغلال الأمثل لثرواته ولقدرات مواطنيه من أجل بناء مؤسّسات الوطن، وتحقيق العدالة، وضمان الأمن الاجتماعيّ والشخصيّ للجميع.

التيّار القوميّ التقدّميّ الذي نسعى لتأسيسه تيّار فكريّ مناضل يهدف للمساهمة في العمل من أجل حماية الوطن وتجاوز الأزمة ومحاربة الفساد وتخليصه من كافّة الاتّفاقيّات السياسيّة والاقتصاديّة التي تحول دون تطوّره وحماية استقلاله وحريّته وسيادته بما يمهّد لآفاق أرحب. إنّه تيّار عريض غير حزبيّ مفتوح لكلّ الأفراد المقتنعين بطروحاته، حزبيّين كانوا أو غير ذلك، كلٌّ بصفته الشخصيّة. ويرتكز التيّار على ركيزتين لا غنى عن أيّ منهما: العروبة والديمقراطيّة، ومن هذا المنطلق يطرح المواطنة كمفهوم جامع يشكّل الأساس الذي يقوم عليه عمل المواطنين الأحرار من أجل تشكيل مستقبلهم ومن أجل التقدّم الاجتماعيّ والسياسيّ. وبطرحه لبرنامج المواطنة وبتبنّيه لأفكار التنوير والحداثة، فإنّ التيّار القوميّ التقدّميّ يطمح لأن يكون تجسيرًا عمليًّا بين الثقافة والسياسة، ووسيلة لإدخال مزيدٍ من العقلانيّة إلى الحياة السياسيّة، وأرضيّةً للحوار الفكريّ والممارسة النضاليّة، ومنبرًا لرفض كافّة أشكال التمييز ولحماية حقوق المواطنين في ممارسة معتقداتهم بحريّة، من دون تطاول أو تعدٍّ من طرف على آخر.

وإذ يخاطب التيّار كلّ الفئات والأعمار؛ فإنّه يخاطب الشبّان والشابّات بالدرجة الأولى، لأنّهم عماد التغيير، ولأنّنا مقتنعون بأنّ الشباب المبادر الواعي قادر على صياغة مستقبل أجمل للوطن بأسره. ونسعى في عملنا لتمكين الشباب والمساهمة في بناء وعيهم وتقديرهم لذاتهم بعد سنوات من التهميش والهيمنة والوصاية مارستها قوى تقليديّة تدّعي الحرص على مصالحهم. كما يخاطب التيّار قطاع المرأة بشكل خاصّ، لا لأنّ المرأة شريك مساوٍ للرجل فحسب، ولا لأنّ قضيّة المرأة قضيّة لكلّ أبناء الوطن، بل لأنّه يرى في المرأة قدرة خلّاقة على الإبداع والعطاء وطاقة إيجابيّة لم يتمّ توظيفها بعد، بالشكل الأمثل من أجل تغيير إنسانيّ الطابع في وطننا.

قراءة في الواقع الحالي:
من الجليّ أنّ العجز الكبير في الموازنة يزيد من صعوبة حلّ الأزمات التي يواجهها الأردنّ، إلا إنّ فهم أسباب هذه الأزمات وترابطها أمر لا غنى عنه لاجتراح الحلول.

لقد كان من تبعات توفير القطاع العامّ فرص العمل والدخل لأعداد كبيرة من المواطنين وعبر فترة طويلة من الزمن أن تحوّلت ولاءات الناس من ولاء لبنى ما قبل الدولة إلى ولاء للدولة. لكنّ قوى الفساد تربّصت بهذا القطاع وبموارد الوطن كافّة، ولم تنظر لها إلا كمصادر للربح، فنادت بالخصخصة وعمدت إلى إعادة الهيكلة وإلى بيع مؤسّسات الدولة، وذرّت الرماد في العيون مدّعية بأنّها ستستغلّ إيرادات بيع موجودات هذا القطاع في إنشاء صندوق للأجيال. وقد تبيّن الآن عدم صحّة هذا الادّعاء وأنّ عمليّة الخصخصة وإدارتها رسّخت تبعيّة الأردنّ الاقتصاديّة، وأضرّت بمصالح القطاعين العام والخاصّ اللذين بنيا اقتصاد الأردنّ طيلة السنوات السالفة، وأنتجت أزمة اقتصاديّة كبرى كان الفساد والفاسدون أبرز عناوينها.

أدّت السياسات المتّبعة من قبل الحكومات، على اختلافها، وعلى رأسها الخصحصة وإعادة الهيكلة إلى تهميش المواطنين وخذلانهم وإفقارهم، وإلى تركهم من دون حماية، الأمر الذي جعل كثيرًا منهم يلتجئون إلى بنى اجتماعيّة توفّر لهم الحماية والأمان عوضًا عن الدولة. فمثلاً أعطى البعض أولويّة لانتمائه العشائريّ أو المناطقيّ ووجد البعض الآخر هويّة وملاذًا في تيّارات سلفيّة، وتراجع الشعور بالانتماء للهويّة العربيّة وحتى الأردنيّة. وهكذا، ولّد الفساد والأزمة الاقتصاديّة مشكلة هويّة تضافرت مع الأزمة الاجتماعيّة الثقافيّة. وتجلّت هذه الأزمة بالعنف الجامعيّ والمجتمعيّ، وانتشار قيم الوصاية على العقول وغياب التنوير، وتردّي مستوى التعليم، والاتّجاه إلى خصخصة التعليم العالي وتحويل العلم إلى سلعة لا يمتلكها إلا الغنيّ. كما عبّرت التفاوتات الطبقيّة الحادة عن هذه الأزمة، وولّدت تحرّكات شعبيّة وأنذرت بالمزيد.

أمام هذا الواقع قامت السلطات باعتماد بعض الإصلاحات التي ثبت لاحقًا أنّها لم تصل إلى تمكين الشعب ونوّابه من ممارسة الرقابة على أهمّ القرارات، لا بل تمّ اتّخاذ أخطر القرارات وتمّ سنّ مئات القوانين خارج المؤسّسات الدستوريّة. كما تراجعت السلطات عن بعض هذه الإصلاحات وأمعنت في خنق الحريّات وحرمان الناس من ممارسة حقوقها (كما كان الحال مع نقابة المعلّمين)، وابتدعت قانون الصوت الواحد في العام 1993، وتلته بالدوائر الوهميّة في العام 2010 مرورًا بتزوير أكثر من انتخابات؛ الأمر الذي ساهم بتفتيت الناس. وهكذا دخلت البلاد في أزمة سياسيّة عنوانها تحالف السلطة وقوى الفساد وسعيهما للحفاظ على امتيازاتهما مهما كان الثمن، فلجأت هذه القوى إلى تقسيم الناس وافتعال الخلافات بينهم ونفخ الروح في العصبيّات المختلفة، ولم تكترث لما تحمله هذه السياسة من أخطار على اللحمة الوطنيّة، لا بل تعدّتها إلى الاستهتار بمصير الوطن؛ فلم تحرّك هذه القوى ساكنًا أمام خطر تصدير الكيان الصهيونيّ أزمته إلى الأردنّ، ولم تكلّف نفسها عناء الردّ على مقولات صهيونيّة علنيّة تستهدف الأردنّ.

إنّنا نرى أنّ تضافر هذه الأزمات الخطيرة يتطلّب استجابة على مستوى عالٍ من المسؤوليّة الوطنيّة، وأنّ عنوان هذه الاستجابة هو المواطنة الحقّة والديمقراطيّة التي تعني المساواة بين المواطنين من دون تمييز، والتي تقوم على مبدأ سيادة الشعب فتكون بمثابة اعتراف مشترك وعلاقة تبادليّة بين الدولة ومواطنيها تتّضح فيها الحقوق والواجبات، فتتضمّن حقوقًا مدنيّة تضمن الحريات، وحقوقًا سياسيّة تضمن الاختيار والمشاركة، وحقوقًا اجتماعيّة تضمن الحياة الكريمة والعدالة. لا تتحقّق المواطنة بامتلاك رقم وطنيّ فقط، بل بشعور المواطن بأن كرامته لا يتمّ الاعتداء، عليها وبأنّ حقوقه لا يتمّ الانتقاص منها وبخاصّة إذا كان خارج العاصمة أو من أبناء المناطق النائية والأقلّ حظًّا.

المنطلقات:
يرتكز تيّارنا على ركيزتين، الأولى هي العروبة بصفتها هويّة ثقافيّة جامعة وموحِّدة... هويّة حيّة متطوّرة متغيّرة في الزمان والمكان لا تقبل اختزالها إلى مجرّد صورة جامدة عن الماضي، ولا تفرض موقفًا سياسيًّا أو مبدأً فكريًّا بعينه. إنّها الهويّة الأم التي تضمّ كلّ الهويّات الفرعيّة: الدينيّة والطائفيّة والجهويّة والعشائريّة الخ... وعلى أرضيّتها تتعايش وتتكامل وتتنافس المشاريع المختلفة التي تبتغي كلّها خدمة الوطن والمواطن. والعروبة بمفهومنا إنسانيّة معادية للعنصريّة، لا تقبل التزمّت أو الانغلاق على إثنيّة أو قوميّة، فالأقلّيات القوميّة التي تعيش على أرض هذا الوطن تنتمي للأمّة العربيّة من خلال مواطنتها، من دون أن تكون قوميّتها عربيّة. وبذلك تشكّل حماية للقطر من التفتّت إلى مكوّنات ما قبل الدولة، وتمثّل سدًّا أمام طغيان العصبيّات على اختلاف أنواعها. ومشروع المواطنة الذي ندعو له لا يستقيم إلا بالعروبة، لأنّها تضمن أنّ الفوارق والاختلافات الطبيعيّة بين الناس لا تتحوّل إلى خلافات بل تظلّ تفاصيل متنوّعة تغني الصورة الكبيرة.

أما الركيزة الثانية فهي الديمقراطيّة بمعناها الأوسع وجوانبها الثلاثة:

الأوّل: الديمقراطيّة السياسيّة وبموجبها لا توسّط في علاقة المواطن بالدولة وعلاقة المواطنين بعضهم ببعض إلا للقانون، وينتخب المواطنون قياداتهم، ويتمّ تداول سلميّ للسلطة، ويسهم الشعب في تغيير القوانين، ويدور نقاش حرّ وحيّ من أجل إبقاء العقد الاجتماعيّ (كما يعبّر عنه الدستور والوثائق الأساسيّة) راهنًا، فتتطوّر الآليات والوثائق الدستوريّة بما يواكب تطوّر المجتمع وبما يشجّع على مزيد من التطوّر. وتقوم هذه الديمقراطيّة على مبادئ فصل السلطات، واستقلال القضاء، واحترام الإنسان وحقوقه وحرّياته ومنها حقّه في تشكيل الأحزاب والنقابات والمساهمة في الرقابة والمحاسبة.

والجانب الثاني هو الديمقراطيّة الاقتصاديّة: وبموجبها يسخَّر الاقتصاد لخدمة التنمية لا لخدمة مؤسّسة الفساد ولا لصالح الشركات عابرة القوميّة، وتضمن الدولة سيطرتها على دورة رأس المال لتحقّق التراكم الضروري للتنمية، ويحصل المواطن على حقّه في الثروة الوطنيّة ويشارك في التنمية ويحصل على مردودها فلا تتعاظم الفروق الطبقيّة ولا ينتشر الفقر والجوع والحرمان، كما يتم حماية البيئة من الاعتداء والتدمير والتشويه. أمّا الجانب الثالث فهو الديمقراطيّة الاجتماعيّة وبموجبها يتم العمل من أجل الارتقاء بوضع المرأة والشباب، ويتم بناء نظم الرعاية الصحيّة والاجتماعيّة وتوفير فرص العمل وتأمينات البطالة والسكن المناسب والتعليم العصريّ المجانيّ عالي الجودة، ورعاية الثقافة والمثقّفين والمبدعين، كما يتمّ ضمان تكافؤ الفرص، وتطوير البنى الاجتماعيّة بما يضمن العدالة وحماية المواطنين. هذه الجوانب الثلاثة للديمقراطيّة تجعل المواطن يمتلك زمام حياته فلا يُخدع بانتخابات تمنحه (نظريًّا) حريّة الاختيار ليوم واحد يعود بعده إلى بيته ليتّخذ غيره القرارات التي تؤثّر على حياته لسنوات أربع آتية.

لا يمكن للدولة العربيّة المعاصرة أن تكافح الفساد، ولا أن تخوض التنمية ولا أن تقود الانفكاك من التبعيّة؛ فهذه الدولة صغيرة وضعيفة وتفتقر إلى السوق الكبير ولا تسيطر على دورة رأس المال، وبذلك ستظلّ تنميتها مشوّهة وسيبقى فيها أوكار للفساد. دولة كهذه، حتى وإن تحقّق فيها بعض الحريّات الشكليّة، لن يكون بمقدورها إحداث أيّ تغيير جدّي في السيطرة على ثروات البلد. ومن هذا المنطلق نعتقد بأهميّة العروبة والإطار القوميّ الذي يفتح سوقًا كبيرًا يسمح للصناعة العربيّة بالتطوّر ولرأس المال بالتراكم فيؤسّس للتحرّر الاقتصاديّ وللتطوّر الاجتماعيّ، بل يعزّز الديمقراطيّة ذاتها ويسمح ببناء القوّة لحماية المكتسبات، ويقود الدولة إلى أن تصوغ علاقاتها بما يضمن مصلحة شعبها، وبالتالي فإنّ بناء هذه العلاقات المرجوّة منوط بإحداث اختراقات ديمقراطيّة في الأقطار العربيّة.

والفهم الذي نطرحه للترابط بين العروبة والمواطنة والديمقراطيّة تعبيرٌ عن حقّ الأمم المضّطهدة في تنمية الشعور القوميّ من أجل التحرّر، وضروريّ للارتقاء بوعي المواطنين، بما يهيّئ الأرضيّة للقوى السياسيّة التقدميّة لتقوم بدورها في مناهضة العولمة ومجابهة الطغم المالية العالمية ووكلائها المحلّيّين الذين يدخلون بلادنا في علاقات التبعية ويشوّهون تركيبتها الاجتماعيّة. المواطنة أساس يقوم عليه التوحد القوميّ والاستقلال والتحرير والتصنيع والدمقرطة والحداثة... وهذه كلّها بدورها تعزّز المواطنة. وهذا ما ينسجم مع العبر المستخلصة من تجارب الشعوب التي خاضت نضالات تحرّريّة في أمريكا اللاتينيّة وإفريقيا وغيرها.

وفي منظورنا أيضًا إنّ العروبة هي أساس فهم القضيّة الفلسطينيّة، ذلك إنّ فكرة احتلال فلسطين وتوطين اليهود فيها كانت فكرة بريطانيّة سبقت قيام الحركة الصهيونيّة بنصف قرن وهدفت إلى فصل مصر عن سوريا لإحباط مشاريع النهوض العربيّة وفرض التخلّف والتجزئة على الوطن العربيّ بأسره. وبناء عليه، فإنّنا ننظر إلى القضيّة الفلسطينيّة على أنّها في الجوهر قضيّة عربيّة وقضية صراع مع الاستعمار وهي ليست قضيّة صراع بين الشعب الفلسطينيّ والعدوّ الصهيونيّ إلا في الشكل فقط. القضيّة الفلسطينيّة تمس العرب جميعًا لا من منطلق التضامن بل بصفتها قضيّة داخليّة في كل قطر عربيّ. كما نعتبر أنّ تحرير فلسطين لا يعبّر عن إحقاق الحقّ والعدالة للشعب الفلسطينيّ فحسب، بل يفتح الطريق أمام التواصل الجغرافيّ بين شطريّ الوطن العربيّ، وهذا من متطلبات النهضة العربيّة وتوحيد السوق.

برنامج المواطنة كحماية للأردنّ
تستند المواطنة في الأردنّ إلى العروبة، وإلى حقيقة أنّ جميع الأردنيّين، بغضّ النظر عن أصولهم، مواطنون كاملو المواطنة. ونعتقد إنّ تعزيز فكرة وحضور المواطنة يشكّل حماية للأردنّ على أكثر من مستوى، فمن جهة تحقّق المواطنة أساسًا راسخًا للوحدة الوطنيّة وتضمن بالتالي الأمن والاستقرار الداخليّين علاوة على تعزيز تماسك المجتمع، وهذا من أوّل متطلبات حماية الوطن. ومن جهة أخرى، توفّر العروبة حماية من الخطر الصهيونيّ, ذلك إنّها تقوم على التمسّك بالحقّ العربيّ في فلسطين، وبالتالي تجابه المشاريع الصهيونيّة التي تهدف إلى حلّ أزمة الكيان الصهيونيّ على حساب الأردنّ عن طريق مشاريع مرفوضة على غرار التوطين والوطن البديل.

لا تستند المواطنة كما نفهمها إلى مجرّد التعريف القانونيّ الوارد في فقرة سابقة، بل كذلك إلى حقائق التاريخ والجغرافيا التي تجعل العلاقة بين الأردنّ وفلسطين علاقة مميّزة لا تشبه العلاقة بين أيّ قطرين عربيّين. فعلى مدى القرن العشرين الزاخر بالأحداث التي تتباين المواقف بشأنها، تبلور واقع يمكن تلخيصه على شكل ملاحظات موضوعيّة مستقلّة تمامًا عن المواقف السياسيّة كما يلي:

1- لا نستطيع أن نتجاهل حقائق القرن العشرين، فقد تبلور لدينا كيانان قطريّان؛ الأردن وفلسطين، لكن في المقابل، وعلى درجة أعلى من الأهميّة، لا نستطيع أن نتجاهل حقائق العشرين قرنًا السابقة، وبالتالي فإنّنا نعتقد بوجوب العمل على علاقات متميّزة بين الكيانين على أساس العروبة والتاريخ والجغرافيا والمصلحة والدم. والعمل في سبيل هذه العلاقة المستقبليّة ينطلق من الاعتراف بأنّ الأردنّ وفلسطين حالة عربيّة واحدة في الوقت الذي يكون فيه الأردنّ هو الأردنّ وفلسطين هي فلسطين، ولا نقيض لأيّ منهما سوى المشروع الصهيونيّ الذي يشكّل خطراً وتهديداً دائما للوطن.

2- تنتمي الغالبية الساحقة من مواطني الأردنّ إلى العروبة بصفتها قوميّتهم وينتمي أبناء الأقليّات القوميّة إلى الأمّة العربيّة نتيجة مواطنتهم. فإذا نظر المرء للأردن وفلسطين كقطرين متجاورين لا ينتميا إلى أمّة واحدة فلا مناص أمامه من الخوض في حسابات صغيرة وإقليميّة، أمّا إذا نظر إليهما كجزءٍ من أمّة أكبر فسيسلك سبيل تعزيز العلاقة التاريخيّة والمصلحة المشتركة.

3 يشهد التاريخ والجغرافيا على الأواصر والصلات بين الشعبين الأردني والفلسطينيّ قبل عام 1948 وبعده، وما محاولات ابتداع تاريخ منفصل أو مستقبل مستقلّ إلا ليّ لعنق التاريخ ومحاولات لتكييفه ليلبّي الأجندات السياسيّة، والأصل أن تخضع السياسة لمقتضيات التاريخ.

ومن هذا المنطلق نرى أنّ لا تسامح مع الإقليميّة على المستوى الاجتماعيّ، أمّا على المستوى السياسيّ فإننا نرى أنّ معنى المواطنة هو أنّ كلّ من يحمل جواز السفر الأردنيّ عليه أن ينتمي للأردنّ فيدافع عنه ويحميه ويبنيه ويعزّز حرّيّته واستقلاله وهويّته كأردنّ ويتمتّع بحقّ المواطنة والمشاركة في كلّ جوانب الحياة فيه. وفي الوقت نفسه، فإنّ الانتماء إلى العروبة، وفهمنا لقضيّة فلسطين كقضيّة عربيّة، يضع العمل في سبيل عروبة فلسطين وحقّ عودة اللاجئين على أجندة كلّ الأردنيّين، بغضّ النظر عن منابتهم. إنّ المواطنة المبنيّة على العروبة، لا على جواز السفر فحسب، تعني مناهضة التطبيع والتمسّك بالحقّ العربيّ في فلسطين وبحقّ العودة وتعني رفض التوطين والترانسفير ومشروع تصدير الكيان الصهيونيّ أزمته إلى الأردنّ، وبذلك فهي ضدّ تغيير الوضع القائم في سياسة التجنيس. وفي المقابل، فإنّ التحفّظ على المواطنة الكاملة لمن هم مواطنون فعلاً، بحجّة الخوف من التوطين والوطن البديل يمثّل حالة إقصائيّة تتنكّر لعلاقات وطيدة قائمة في الزمان والمكان وتنكر رابطة العروبة وتضعف مناعة الشعب وتحصينه في مواجهة المخطّطات الصهيونيّة.
*** *** ***
تقوم رؤيتنا على عمل المواطنين الدائم من أجل أخذ زمام حياتهم بأيديهم وإسماع صوتهم وتغيير واقعهم، وهذا ما يجعل المجتمع حرًّا قويًّا متماسكًا يزداد قوّة بازدياد المشاركة وبتنوّع الآراء وبتراكم الخبرة. إنّها رؤية تقوم على أوسع مفهوم للعدالة وعلى السعي لإصلاح يتجاوز الشكليّات وبما يحقّق الأمان للمواطن. وهي رؤية طويلة الأمد هدفها أن نحمي الوطن وأن نسلّمه لأبنائنا في حال أفضل ممّا كان عليه عندما استلمناه من آبائنا. ومن هذا المنطلق، فإنّنا نعلن تيّارنا تيّارًا جادًّا يعمل على إدخال تغييرات متدرّجة في الواقع والوعي تمهيدًا لبناء حركة عربيّة جديدة تتجاوز هذا الواقع إلى ما يعبّر عن مصلحة الغالبيّة الساحقة من المواطنين.

المنسّق العامّ للتيّار
المهندس خالد رمضان