الجمعة: 27/09/2024 بتوقيت القدس الشريف

حجازي.. البرناوي.. نمر.. أبو الفحم.. أشجار السرو التي لا تنحني

نشر بتاريخ: 14/04/2011 ( آخر تحديث: 14/04/2011 الساعة: 19:13 )
بيت لحم- معا- يحل السابع عشر من نسيان من جديد علينا، لنحتفي باليوم الوطني للأسير الفلسطيني، مشعل الحرية الذي قضى زهرة شبابه في زنازين الاحتلال. فلسطينيون كثر يدخلون ويخرجون من تلك الزنازين يحفظهم التاريخ ويقدر نضالهم، إلا أن بعضهم، بل أقدمهم، ينحني لهم التاريخ.

وفي مقابلة مع أول أسير في الثورة الفلسطينية اللواء "محمود بكر حجازي"، وأقدم أسيرة فلسطينية العميد "فاطمة برناوي"، وأقدم أسير من المناطق المحتلة عام 48 (تعرف الآن بإسرائيل) العميد "فوزي نمر"، وأول شهداء الحركة الوطنية الأسيرة "عبد القادر أبو الفحم".

محمود بكر حجازي.. "كنت أنا سجّانهم!"

بصوت ملؤه الحيوية والأمل رغم سنواته التي تخطت الـ70، يتذكر "محمود بكر حجازي" الذي وقع في قبضة الاحتلال أثناء تنفيذ عملية تفجير أحد الجسور، عام 1965 حين انطلقت شرارة الثورة الفلسطينية، فيقول: "تختزن ذاكرتي عن تلك الأيام أننا كنا موحدين وكنا نأمن بالجيران وأولاد العم "الجيوش العربية" أنهم ثائرون معنا، أما الآن فنحن وحدنا وعلينا أن نتمسك بهذه الأرض".

ويصف "حجازي" تجربة الاعتقال بأنها كانت رائعة جداً لأنها جعلته يعرف كيف يفكر خصمه وماذا يحمل بقلبه تجاه الفلسطينيين. ونظراً لكون تجربة "حجازي" هي الأولى للفلسطينيين والإسرائيليين، كان الاحتلال طوال سنوات الاعتقال السبع، يبدل السجان كل بضعة ساعات، الأمر الذي يعبر عنه المناضل الفلسطيني بطريقة إيجابية، فيقول: "كنت أشعر أنني أنا الآسر ولست المأسور".

ويتابع "حجازي" أن السجن علم أجيال فلسطين وأجيال العالم أننا في زمن عجائب القوي، ففي عصر التقدم والديمقراطية لا يزال أشخاص داخل الأسر منذ 33 سنة، لكن مصير الاحتلال إلى زوال، فـ"لو نظرنا إلى أبواب وحجارة مدينة القدس وسألنا كم مر عليها من الطغاة والجبابرة، سنجد أن كلهم اليوم في مزبلة التاريخ، وهذا سيكون مصير الاحتلال".

ويعلق "حجازي" على طبيعة المرحلة الفلسطينية النضالية الآن، بأننا لم نتعلم من تجاربنا حتى نهزم الاحتلال، فنحن لا نعرف من نحن وماذا نريد وإلى أين نتجه. وفي مقارنة مع نجاح صفقة التبادل بين إسرائيل وحركة فتح عام 1971 وتحرر بموجبها "حجازي"، وبين صفقة التبادل التي تنتظر التنفيذ منذ 2006 يضيف حجازي أن صفقات تبادل الأسرى كانت تنجح، لأننا كنا يد واحدة، ففي السبعينات كان هذا المناضل الفلسطيني محكوماً بالإعدام، ثم انقسمت الحكومة الإسرائيلية بشأنه ودسوا له السم في الطعام، وصلوا عليه صلاة الغائب أكثر من مرة، وفجأة تحرر في رأس الناقورة شمال فلسطين.

"فاطمة البرناوي".. من لباس التمريض إلى اللباس العسكري إلى لباس الشرطة

ومن مدينة "غزة" تتحدث المناضلة المقدسية العميد "فاطمة محمد علي البرناوي" عن تجربتها المميزة، فهي نيجرية الأصل، نزل والدها إلى المدينة المقدسة بعد أداء فريضة الحج.

تقول "برناوي" بصوت ملؤه الألم: "حين زرت بيتنا في مدينة القدس، حزنت كثيراً، فقد تغيرت ملامح المدينة وتغيرت الشوارع والجوامع، كنت أخدم في جامع تنفيذاً لوصية والدي، لكني فقدت الآن كل تلك الذكريات".

بدأ نضال "برناوي" في قلقيلية، وكانت حينها ممرضة. وتروي عن تلك الأيام: "عام 1962 ضربت إسرائيل كل محطات الماء في المدينة التي تعتمد على البساتين والخضراوات، وعام 1966 تكرر الهجوم على محطات الكهرباء. هذان الحادثان جعلاني أشعر بانتمائي لوطني أكثر، وبدأت أتعرف على المجموعات الفدائية وطريقة عملها، إلى أن تعرفت على إخواني في حركة فتح، وكلفني الراحل "ياسر عرفات" بتنفيذ عملية تفجير "سينما صهيون" برفقة أختي "إحسان" ورفيقنا "شوقي شحرور"، وكان موعد العملية متزامن مع ست عمليات أخرى".

بشرتها السمراء جعلت مطاردتها والتعرف عليها سهل، فاعتقلت بعد أيام من العملية، وتعرضت لتعذيب شديد لأنها لم تعترف في البداية، إلا أن أشخاص آخرين أكدوا وجودها في المكان فصدر الحكم بحقها بعشرات المؤبدات.

تحررت العميد "فاطمة برناوي" بموجب اتفاقية "كامب ديفيد" بين مصر وإسرائيل أواخر السبعينات، وكان عود الثورة الفلسطينية قد اشتد، وهنا عادت للمشاركة من جديد في النضال بعد أن تجرأت على ارتداء زي الثورة، حين كلفنها زملاؤها بالاحتفاظ بأسير إسرائيلي ومعالجته من جروحه التي أصيب بها أثناء عملية الاختطاف. وتعلق "فاطمة" على تلك الحادثة: "كانت تلك المرة الأولى التي أسمع فيها إسرائيلياً يمدح أخلاق الفلسطينيين، فقد حدثت مجزرة صبرا وشاتيلا التي قتل فيها مئات الفلسطينيين بطريقة وحشية، في الوقت الذي كنت أعامل فيه السجين الإسرائيلي بإنسانية". وحين أنجزت صفقة تبادل الأسرى عام 1983 لم يكن أحد يعرف بدوري في العملية، وكان من بين الفلسطينيين المفرج عنهم، العميد "فوزي نمر" زوجي حالياً. وحين عدتُ إلى أرض الوطن كلفني الراحل "ياسر عرفات" بتشكيل جهاز الشرطة النسائية، وكانت مهمة صعبة في البداية إلا أنني قبلت التحدي من جديد.

"فاطمة" و"فوزي".. رفيقان في النضال والأمل

وتروي "برناوي" قصة زوجها الذي حرمه الأسر من رؤية طفليه اللذين لم يتجاوزا العامين آنذاك، وتعرض لتعذيب شديد جعله مصاب الآن بمرض الشلل الرعاشي الذي يشل حركته ونطقه، وأثناء الحديث تنظر فاطمة إلى زوجها وتقول: "نمر بيضل عنده أمل".

و"نمر" ابن مدينة عكا الساحلية الشمالية، أقدم أسير من الأراضي المحتلة عام 48، كان قائد مجموعة "عكا" التي حملت رقم 778، واستطاعت تنفيذ عمليات نوعية. فقد قامت بضرب مصافي النفط في حيفا، وضرب أنابيب النفط في كريات حاييم، وضرب أهداف عدة في ليلة واحدة في دائرة واسعة في أقصى شمال فلسطين حتى أقصى الجنوب، وتدمير منتجعات على الشواطئ المحتلة، إضافة إلى تدمير خمس عمارات في حيفا، الأمر الذي كان يربك الاحتلال كثيراً.

"عبد القادر أبو الفحم".. مات جسده فتحررت آلاف الأرواح

قبل واحد وثلاثين عاماً، شهد العالم أولى "معارك الأمعاء الخاوية" داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي، حين بدأ المعتقلون إضراباً عن الطعام في سجن عسقلان أوائل مايو عام 1970. شارك في ذلك الإضراب المناضل "عبد القادر أبو الفحم" رغم معاناته من المرض، فكان أول شهداء الحركة الوطنية الأسيرة. والشهيد "أبو الفحم" من مواليد قرية برير في فلسطين سنة 1929 م ، هاجر مع أسرته سنة 1948 م ، وأقام في مخيم جباليا في قطاع غزة حيث لا تزال عائلته تقيم هناك حتى اليوم.

ها هي السنون تمر على تلك القصص، ويقلب التاريخ صفحاته المتوالية ليسطر اسماً وحدثاً جديداً كل يوم، إلا أن بعض الصفحات ترفض أن تسكن كغيرها، وتمسي رقماً في لوحة طويلة ممن غيروا التاريخ.. تلك الصفحات أبت إلا أن تُذكر رقماً واسماً وحدثاً وشمساً لا تغيب.