رسالة صدام إلى بوش الأب
نشر بتاريخ: 17/04/2011 ( آخر تحديث: 17/04/2011 الساعة: 23:12 )
بيت لحم-معا- نشر موقع ويكيليكس برقية دبلوماسية أميركية صادرة من السفارة الأميركية ببغداد في 25 يوليو/تموز 1990، تتضمن رسالة شفهية من الرئيس العراقي الراحل صدام حسين إلى الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الأب.
البرقية أرسلت قبل أسبوع واحد من اجتياح القوات العراقية للكويت، وقد كتبتها السفيرة الأميركية في بغداد في ذلك الوقت أبريل غلاسبي بعيد اجتماعها مع الرئيس صدام، وبحضور وزير الخارجية العراقي آنذاك طارق عزيز.
صدام طلب من غلاسبي نقل رسالة "مهمة" إلى الرئيس بوش، وهي أن العراق يريد علاقة صداقة مع الولايات المتحدة، ولكن السؤال هل تريد حكومة الولايات المتحدة ذلك؟
أخبر صدام غلاسبي بأن العراق قد تكبد مئات الآلاف من الضحايا، وهو الآن فقير إلى درجة أن مخصصات أيتام الحرب سوف تقطع قريبا، ومع ذلك فإن "الكويت الغنية" ترفض حتى تنظيم عمل الأوبك.
وتقول البرقية -نقلا عن صدام- إن العراق سئم الحرب، ولكن الكويت قد تجاهلت الدبلوماسية، وإن المناورات التي تقوم بها حكومة الولايات المتحدة مع دولة الإمارات العربية المتحدة، سوف تشجعها وتشجع الكويت على تجاهل الطرق الدبلوماسية المرعية.
صدام حذر غلاسبي –طبقا للبرقية- من إهانة العراق على الملأ من قبل حكومة الولايات المتحدة الأميركية، وأكد لها أن بلاده في هذه الحالة لن يكون لديها خيار آخر سوى "الرد"، بغض النظر عن النتائج غير المنطقية أو المدمرة التي قد تنتج عن ذلك الرد.
غلاسبي تعلق على طرح صدام بقولها "يجب أن نحاول أن نفهم أن أنانية الكويت والإمارات العربية المتحدة لا تطاق".
تصف السفيرة الأميركية صدام في ذلك اللقاء بأنه كان وديا ومنطقيا، وأسهب في استعراض العلاقات العراقية/الأميركية منذ استئنافها عام 1984 والنكسات التي تعرضت لها، خاصة الشكوك التي انتابت الطرف العراقي من نوايا الجانب الأميركي، التي قال صدام عنها في ذلك اللقاء إنها كانت مثيرة للشك، لأن الولايات المتحدة بدت غير سعيدة بعد انتصار العراق على القوات الإيرانية في شبه جزيرة الفاو، وتصاعد احتمالات انتهاء الحرب بعد ذلك الانتصار.
كان صدام يختار كلماته بعناية –حسب وصف غلاسبي- وهو يقول لها إن هناك "بعض الأوساط" في حكومة الولايات المتحدة الأميركية والمخابرات (سي آي أي) غير ودودة تجاه العلاقات العراقية/الأميركية، ولكنه شدّد على استثناء الرئيس جورج بوش ووزير الخارجية جيمس بيكر.
وتقول البرقية إن صدام استند في استنتاجاته –بحسب البرقية- على حقائق من قبيل أن "بعض الدوائر تجمع معلومات عمن قد يخلف صدام حسين"، كما أن تلك الدوائر دأبت على تحذير دول الخليج من العراق، وعملت على ضمان عدم تمتع العراق بأي مساعدة.
السفيرة الأميركية أقرّت بوجود تلك الأوساط، لكنها أكدت لصدام أن الإدارة الأميركية تأخذ تعليماتها من الرئيس.
وتنقل غلاسبي عن صدام اندهاشه من موقف الحكومة الأميركية من العراق الذي كان انتصاره على إيران نقطة تحول تاريخية بالنسبة للعرب والغرب، وعلق مندهشا "لكنكم تريدون سعرا منخفضا للبترول".
كما أضاف صدام حملات الإعلام الأميركي ضده شخصيا وضد العراق إلى لائحة التظلمات من الموقف الأميركي، على حد وصف السفيرة غلاسبي، التي أضافت "إلا أن صدام قال إنه -رغم كل تلك النكسات- ما زال يأمل علاقة جيدة مع الولايات المتحدة"، وشدد على أن أولئك الذين يعرضون اقتصاد العراق للخطر لا يمكن التهاون معهم.
غلاسبي أوضحت للرئيس صدام أن الرئيس الأميركي لا يمتلك سلطة على وسائل الإعلام، وأنه لو كان يتمتع بتلك السلطة لما كانت هناك انتقادات لإدارته في الإعلام الأميركي. إلا أن السفيرة أوضحت لصدام أنها شاهدت برنامج الإعلامية الأميركية دايان سوير عنه، ووصفته بأنه كان "سوقيا وغير عادل".
صدام وصف الكويت والإمارات العربية المتحدة بأنها أدوات لحكومة الولايات المتحدة، وقال -"مختارا كلماته بعناية"- إنه كما لا يهدد العراق أحدا، فإنه لن يقبل بأن يهدده أحد.
وتقول السفيرة غلاسبي في برقيتها إن صدام كان مستاءً مما وصفه بالتحامل الآثم على حكومة العراق، وتساءل عن معنى تصريحات أميركية تقول إن حكومة الولايات المتحدة سوف تحمي أصدقاءها فرادى ومجتمعين.
ثم تأتي البرقية على ما وصفته بإحدى نقاط صدام الرئيسية في الحوار، وهي الممارسات التي تقوم بها حكومة الولايات المتحدة لتشجيع الكويت والإمارات العربية المتحدة على سياساتهما "غير الكريمة"، وتنقل غلاسبي عن صدام تشديده على أن العراق سيسترجع كافة حقوقه مهما طال الزمن.
وفي الوقت الذي أبدى فيه صدام تفهمه لحرص الولايات المتحدة على صيانة علاقات الصداقة التي تربطها بدول الخليج وسلاسة تدفق النفط، تنقل البرقية عنه استغرابه من دعم الولايات المتحدة لأولئك الذين يضرون العراق.
غلاسبي تقول إن صدام قال لها إن "على الولايات المتحدة ألا تستخدم أساليب لا تحب هي أن يستخدمها أحد ضدها، مثل لي الذراع".
تقول البرقية إن صدام أسهب في شرح تركيبة العراقيين الذين يؤمنون بـ"الحرية أو الموت دونها"، وإن العراق يعلم إمكانيات الولايات المتحدة العسكرية ومدى الدمار الذي يمكن أن تلحقه بالعراق، وإن صدام طلب من حكومة الولايات المتحدة "ألا توصل العراق إلى نقطة الإذلال لأنها النقطة التي يصبح فيها المنطق غير ذي أهمية".
وبالتطرق إلى العلاقات العربية/العربية، تقول البرقية إن صدام قال للسفيرة غلاسبي إنه "لا يطلب من الولايات المتحدة أن تتخذ أي دور، لأن الحلول يجب أن تأتي من خلال الدبلوماسية بين الدول العربية".
وتقتبس البرقية عن صدام قوله لغلاسبي "لا تدفعونا إليها (الحرب)، ولا تجعلوها الطريقة الوحيدة للعراقيين ليحفظوا كرامتهم."
وتقول البرقية إن صدام حث الولايات المتحدة في ثنايا الحديث على أن تحترم حقوق الإنسان لـ200 مليون عربي، كما تحرص على حقوق الإنسان للإسرائيليين.
صدام أثنى على بوش الذي قال عنه إنه لم يرتكب أخطاء تجاه العرب خلال فترة رئاسته، باستثناء حوار الأوبك الذي اعتبره صدام "خاطئا"، لكنه أبدى تفهمه للضغط الصهيوني الذي تعرض له بوش في ذلك الصدد.
وشدد صدام مجددا بعد ذلك على ضرورة تأسيس علاقة صداقة بين العراق والولايات المتحدة، ولكنه قال إن "العراق لن يلهث وراءها، إلا أنه سوف ينفذ ما يقع عليه من حقوق الصداقة".
غلاسبي قالت إن الرئيس بوش كان قد أعطى هو الآخر تعليماته بتعميق أواصر العلاقة الأميركية/العراقية، وضربت مثلا بمعارضة بوش لبعض العقوبات الأميركية على العراق، وهنا تقول البرقية إن صدام ضحك قائلا "لم يتبق للعراق شيء يشتريه من الولايات المتحدة باستثناء القمح، وهذا أيضا سوف يعلن قريبا أنه مادة تصلح للاستخدام المزدوج"، ولكنه قال إنه لن يركز على هذا الموضوع وإنه مهتم بالأمور الأكثر أهمية.
وفيما يتعلق بتحريك حشود عسكرية عراقية تجاه الحدود مع الكويت، سألت السفيرة صدام كيف يمكن للولايات المتحدة ألا تقلق من تحرك كهذا؟ و"ما هي نواياكم؟".
صدام أجاب قائلا "كيف نجعلهم (الكويت والإمارات العربية المتحدة) يفهمون عمق معاناتنا". وأوضح صدام للسفيرة غلاسبي أن الأزمة المالية التي يعيشها العراق شديدة إلى درجة أن مخصصات أرامل الذين فقدوا حياتهم في الحرب مع إيران سوف تقطع قريبا.
ويكمل صدام قائلا -حسب البرقية- "صدقيني لقد حاولت كل شيء: أرسلنا مبعوثين، وكتبنا الرسائل، وطلبنا من الملك فهد (العاهل السعودي وقتها) ترتيب قمة رباعية. فهد اقترح وزراء نفط ووافقنا، رغم أن ذلك كان أقل من سقف آمالنا".
وزير النفط الكويتي –بحسب صدام في البرقية- أعلن بعد يومين أنه يريد إبطال اتفاق جدة خلال شهرين. أما بخصوص الإمارات العربية المتحدة، فقد قال صدام –بحسب البرقية- "لقد رجوت الشيخ زايد أن يفهم مشاكلنا (عندما استضاف صدام الشيخ زايد في الموصل بعد قمة بغداد)، وقال زايد: انتظر لأعود إلى أبو ظبي، ولكن بعد ذلك أدلى وزير نفطه بتصريحات سيئة".
وفي ختام البرقية تعلق غلاسبي قائلة "طبقا لذاكرة السلك الدبلوماسي الحالي (أي منذ افتتاح السفارة في بغداد عام 1984)، لم يستدع صدام سفيرا قط، إنه قلق".
وتضيف أنه طبقا لنظرة صدام السياسية فإن "الولايات المتحدة هي القوة العظمى الوحيدة في الشرق الأوسط"، وهو يحتاج إلى الحد الأدنى من مقومات العلاقة الصحيحة لأسباب جيوسياسية (جغرافية/سياسية) واضحة، خاصة في ضوء وجود تهديدات مصيرية من إيران وإسرائيل. وتعتقد السفيرة أن صدام يشك في أن قرار واشنطن المفاجئ بالقيام بمناورات مع أبو ظبي هو نذير بأن حكومة الولايات المتحدة تتخلى عن الحياد.
صدام نفسه بدأ في التفكير في مدى عدم فهمه للولايات المتحدة، وهذا يثير القلق من أن الأميركيين لا يفهمون بعض العوامل السياسية التي جبل عليها مثل:
- أنه لن يسمح بأن يظهر بمظهر المنقاد لاستئساد قوة عظمى، "كما حذرنا سفير العراق في الولايات المتحدة نزار حمدون عام 1988".
- العراق الذي تكبد مئات الآلاف من الضحايا يعاني، والكويت "بخيلة" و"أنانية".
وتضيف "نرى أن صدام يعترف بأن لحكومة الولايات المتحدة مسؤولية في المنطقة، ولديها كل الحق في أن تتوقع إجابة من العراق عندما تسأله عن نواياه"، وتشير إلى أن رده بخصوص محاولته مختلف الوسائل والقنوات الدبلوماسية قبل اللجوء إلى الاستفزاز، يكتسب على الأقل ميزة الصراحة.
إن تأكيده أن العراق يريد تسوية بالطرق السلمية هي بالتأكيد صادقة، فـ"العراق سئم الحرب"، ولكن البنود تبدو صعبة التحقيق. يبدو أن صدام يريد التزاما آنيا حول أسعار النفط والإنتاج ليغطي الشهور المقبلة.