الإثنين: 23/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

اوقفوا هذا الجنون

نشر بتاريخ: 28/04/2011 ( آخر تحديث: 28/04/2011 الساعة: 08:36 )
بيت لحم- كتب حافظ عساكرة- بينما كنا نتابع الاخبار المنهمرة على غرفة تحرير وكالة "معا" الاخبارية. فاجأني وللاسف الشديد جنون الرياضة الذي وصلنا اليه في فلسطين. هذا الجنون الذي دفع العديد من الشبان للخروج من منازلهم فور انتهاء المباراة التي جمعت بين فريقي ريال مدريد وبرشلونة في الدور نصف النهائي من مسابقة دوري أبطال أوروبا لتعيش شوارع بيت لحم نحو ساعتين مع صدى صوت الصراخ وابواق السيارات و"التفحيط" المجنون الذي لولا لطف الله ورعايته ثم حرص دوريات الشرطة في حفظ الامن والامان وتسهيل حركة السير، لوقع من الخسائر البشرية ما وقع.

هذا الازعاج وهذا الجنون اللامعقول، دفعني وزملائي في الوكالة لنلقي نظرة من نافذة الوكالة المطلة على الشارع العام لنستطلع ما يجري. ويا هول ما راينا وشاهدنا بام اعيننا.

شباب ثائر وكأنه في ساحة الوغى، يتسابق بالصراخ والصفير والضرب والهتاف والامر والادهى ما تحدثه المركبات التي تتسابق وكانها في ساحة سباق وليس في شارع عام، وكأن العالم كله توقف عند مباراة لكرة القدم. هستيريا الرياضة هذه دفعت مجموعة من الشبان لترديد شعارات "بالطول بالعرض البرشا يهز الارض"، رفعت اعلام البرشا وصفق الشباب المحتفي بنشوة نصر البرشا على الريال، هؤلاء الشبان وقفوا بالقرب من الشارع العام، وضربوا الطبول وعلت الاصوات، الهاتفة الحالمة بالبرشا الذي لم يحتفل مشجعوه بفوزه كما احتفلنا ببيت لحم.

هدوء ساعات الفجر الاولى بددها صراخ الشبان، واصوات عجلات المركبات المسرعة، وكله فقط لعيون "البرشا" وما زاد الطين بلة ان احدهم يركب سيارة من طراز حديث دفعه الجنون بان يصل الى حد شطب مركبته عندما قام "بالتفحيط" بها فخرجت عن مسارها وعن سيطرته، ما هي الا سنتمترات قليلية، وهنا لعله القدر تدخل فشفع له بان لا تشطب مركبته وان يصاب هو ومن معه بالاذى، عدا عن تسببه بالاذى للاخرين من مواطنين ومركبات كانت تسير بذات الشارع والتي كادت ان تصطدم به لولا لطف الله الذي لطف بهذا الشاب وبجميع من كان في الشارع. وهناك من ذهب ليزعج المواطنين الذين منهم من هو نائم من خلال رفع صوت الاغاني، بل ان بعضهم لم يقتنع بالصوت الذي يصدر من سيارته فذهب لاكثر من ذلك ووضع مكبرا للصوت ليكون الازعاج بنظره اجمل من ان يدعهم يهنئون بنومهم.

ما ان زاد الصراخ والهتاف وملأ صداه بيت لحم، واذ بالهواتف تدك مكاتبنا من كل حدب وصوب وكانت الساعة الـ 12 ليلا، هذا شخص يسأل ماذا جرى بالمدينة، واخر يسأل هل هذه الاصوات احتفالا باتفاق المصالحة، ومن كان يعلم ما وراء هذا الصخب والصراخ والازعاج قال لنا: ماذا جرى للدنيا اين الصحافة لتكتب وتنتقد ما جرى ويجري، ومنهم من قال، كيف يمكن لنا ان ننام، ونحن بمنتصف الليل، اين من يضع حدا لهذه الافعال غير المبررة، ذهبت مرة اخرى الى النافذة واذ بمجموعة من الشباب ولعلهم اصدقاء كانوا يتابعون المباراة معا، يهاجمون بعضهم بالشتائم البذيئة والصراخ المزعج، لان جزء منهم مع الريال والاخر مع البرشا، ولولا بعض الحياء لهموا بضرب بعضهم البعض.

التساؤل الذي يحيرني هو لماذا كل هذا الجنون؟ اولم يتبقى اي طريقة للتعبير فيها عن الفرح الا بالخروج عن الطور وتعريض انفسنا بالاضافة للاخرين للخطر؟ وماذا يعني فوز فريق رياضي على اخر؟ وهل ابجديات الفنون الرياضية ترتضي بهذا الجنون اللامعقول؟ وهل تشجيع فريق على حساب اخر يدفعنا لحد الاقتتال والاشتباك بالايدي وبالسباب والشتائم؟ لماذا نخرج بمنتصف الليل ونطلق الصوت والصراخ دون ادنى درجة من المسؤولية واحترام الاخر، ونطلق بابواق السيارات الى العنان، كاننا نعيش بهذه المدينة لوحدنا.

لا اريد ممن يقرأ مقالتي هذه ان يحسبني اكره الرياضة على العكس تماما، فانا رياضي واحب واهتم بكل ما هو رياضي، لكني ابغظ كل ما يخرج عن المألوف، وعن روح الرياضة، التي هي بالاساس، "فن وذوق واخلاق". ولطالما كانت هذه القاعدة البوصلة لكل من يعتبر نفسه رياضيا او مشجعا. ولاكون منصفا فان الرياضة بريئة من هاك تصرفات، واجزم بان الرياضي يعبر عن فرحته بالنصر بطرق حضارية لا تسبب اي ازعاج لاي شخص مهما كان، لكن البعض وللاسف نسي ما هي الرياضة وماذا تعني الرياضة.

وهنا نهيب بشرطتنا الفلسطينية "العين الساهرة" على الوطن والمواطن والتي هي كما عهدناها دوما، حريصة كل الحرص على المواطن وسلامته وراحته ان تعمل على وضع حد لهذه التجاوزات التي بدأت تزداد يوما بعد يوم، لتوفير الاجواء التي تليق بهذا المواطن الذي هو كل ما نملك.

ما جرى يدفعنا جميعا لنلفظه جملة وتفصيلا، ونقول بصوت واحد، لماذا كل هذا الجنون، وهل هذا ما تعلمناه من الرياضة، ان نزعج المواطن وننغص عليه عيشه، ونخرجه عن عقله.

واخيرا انا لم اقصد ان اتسبب بالاذى او الاساءة في كلامي هذا لاي شخص رياضي او غيره مهما كان لكن يجب ان نقف عند مسؤلياتنا وان نراعي الاخرين، ونحترم شعورهم وان نبني المسؤولية المجتمعية في نفوسنا لنبني الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، بهذا وبهاذا فقط نصل للطريق السوي وللروح الرياضية العالية التي نحتاج اليها في مشروعنا الرياضي الكبير.

[email protected]