الأسيرة نيللي الصفدي.. زوجة أسير ضرير وشقيقة شهيد
نشر بتاريخ: 08/05/2011 ( آخر تحديث: 09/05/2011 الساعة: 12:09 )
رام الله- معا- تعيش الحركة الأسيرة هذه المرحلة ظروفا استثنائية وصعبة، امتزجت فيها ألوان المعاناة وأوجه الانتهاكات، فمن الإهمال الطبي مرورا بالمنع من زيارة الأهل وليس انتهاء بالعزل الانفرادي، كلها مسميات مختلفة لسياسة واحد تهدف في المحصلة إلى التضييق على الأسرى والأسيرات دخول السجون الإسرائيلية.
ولا يزال الاحتلال يعتقل في سجونه أكثر من (6000) أسير، بينهم أكثر من (1000) مريض، ونحو (250) طفلا، و(15) نائبا في المجلس التشريعي، بالإضافة إلى (35) أسيرة.
واستعرضت مؤسسة التضامن الدولي لحقوق الإنسان، في تقرير اصدرته اليوم حكاية واحدة من حكايات هؤلاء الأسيرات، التي تختلف فصول معاناتها -بعض الشيء- عن بقية رفيقاتها في السجون الإسرائيلية، كونها أسيرة زوجة أسير ضرير، بالإضافة إلى استشهاد احد إخوانها واعتقال وإصابة الأربعة الباقين.
يوم الاعتقال
تشير الحاجة والدة الأسيرة نيللي إلى أن ابنتها (35 عاما) كانت يوم الحادي عشر من تشرين ثاني/ نوفمبر من العام 2009، في طريقها إلى زيارة إحدى شقيقاتها في رام الله، وأثناء سفرها إلى هناك، أوقفها احد الحواجز الإسرائيلية واعتقلها على الفور.
وتضيف والدة الأسيرة "بعد منتصف نفس اليوم الذي اعتقلت فيه نيللي، داهمت قوة كبيرة من جنود الاحتلال منزلنا الكائن في البلدة القديمة في نابلس، وقامت بتفتيش البيت قبل أن تعتقل شقيقها مأمون، علما أن الاحتلال كان قد اعتقل قبل سنتين شقيها الآخر حسن".
وذكرت الحاجة انه وبعد (11) يوما من اعتقال نيللي، داهم الاحتلال ثانية منزلها واعتقل شقيق زوجها عمر وابن شقيق زوجها سعيد، وبعد ذلك بـ (18) يوما اقتحم الاحتلال مرة ثالثة منزل عائلة زوجها واعتقلوا والدة زوجها "حماتها" أم بكر بلال التي بقيت في الاعتقال ليومين وذلك للضغط على نيللي وإجبارها على الاعتراف.
التحقيق.. أصعب وأجمل اللحظات
مكثت نيللي أكثر من 100 يوم في مركز تحقيق بتاح تكفا وعزل سجن هشارون، تعرضت خلاله للشبح المتواصل لساعات وحرمنها من النوم ليومين، هذا بالإضافة إلى قلة الطعام والبطانيات حيث كانت تلك الفترة شديدة البرودة، عدا عن المنع من مقابلة المحامي، قبل أن يصدر بحقها حكما بالسجن (20) شهرا.
وفي ذات الإطار يشير حسن شقيق الأسيرة نيللي إلى انه وبالرغم من صعوبة وقسوة تلك المرحلة إلا أن نيللي كانت تعتبرها من أجمل اللحظات التي عاشتها وذلك لان زوجها الأسير (عبادة) كان على بعد أمتار منها في زنزانة مجاورة لزنزانتها، حيث تمكنت من رؤيته عدة مرات أثناء خروجه للمحكمة أو خلال جولات التحقيق.
ولفت حسن إلى انه وفي إحدى المرات تصادف وجود نيللي مع عبادة في نفس قفص المحكمة في عوفر، إلا أن جنود الاحتلال منعوها من الحديث معه، وهو الأمر الذي رفضته، فما كان من جنود الاحتلال إلا أن عاقبوها في الزنازين الانفرادية لمدة ثلاثة أيام لحديثها من زوجها.
نيللي والمونتاج
حصلت نيللي في العام 2003 على شهادة الثانوية العامة بمعدل (76.3) في الفرع الأدبي، وذلك بعد انقطاع لسنوات عن الدراسة بسبب ظروف خاصة مرت بها، وفي نفس العام التحقت نيللي بجامعة النجاح الوطنية في نابلس ودرست علم الاجتماع في كلية الآداب، وتخرجت في العام 2007.
بعد أن أنهت نيللي تعليمها الجامعي التحقت بعدد من الدورات التكميلية، فتلقت دورة في فنون الإذاعة والتلفزيون والتصوير الفوتوغرافي، ودورة في لغة إشارة الصم والبكم في جمعية الإهلال الأحمر الفلسطيني، ثم بعد ذلك عملت في إحدى المحطات المحلية في نابلس في مجال المونتاج وإخراج البرامج.
وفي هذا السياق، أوضحت رائدة، أن شقيقتها نيللي لم تقوَ على فراق الوطن أكثر من ثلاثة أيام، وتشير إلى أن نيللي سنحت لها فرصة بعد تخرجها من الجامعة للعمل في قطر في مؤسسة ترعى الصم والبكم، وبعد أن خرجت إلى الأردن في طريقها إلى قطر بقيت هناك لثلاثة أيام فقط ثم قررت العودة إلى فلسطين وألغت عقد العمل.
زوجها المطارد الضرير
بتاريخ 23/3/2002 تزوجت نيللي من الشاب عبادة سعيد بلال والذي يعاني من عدم القدرة على الإبصار نتيجة مرض أصابه وهو في مرحلة الطفولة، ولم تمكث معه سوى أسبوعين قبل أن تعتقله قوات الاحتلال الإسرائيلي وتصدر عليه حكما بالسجن (11) عاما ونصف. (زوجها عبادة ينتظر حكما إضافيا فوق حكمه القديم).
وعن هذه المرحلة تقول والدة الأسيرة نيللي: "قررت نيللي الارتباط بعبادة وهي على معرفة بوضعه الأمني والصحي، حيث كان زوجها مطلوبا لقوات الاحتلال في تلك الفترة وكان مصابا بالعمى، إلا أنها وبالرغم من ذلك قررت الزواج منه".
وذكرت والدة الأسيرة أن ابنتها نيللي لم تمكث مع زوجها سوى (14) يوما فقط قبل أن يُعتقل بتاريخ 7/4/2002 وذلك أثناء الاجتياح الإسرائيلي الكبير لمدينة نابلس، ولم تتمكن من رؤية زوجها عبادة إلا بعد سبع سنوات من اعتقاله.
معاناة العائلتين
وفي هذا الإطار، يشير احمد البيتاوي الباحث في التضامن الدولي إلى أن عائلة الأسيرة نيللي (الصفدي) وعائلة زوجها (سعيد بلال) من العوائل الفلسطينية التي ذاقت الأمرين من ممارسات الاحتلال، فشقيقها فريد استشهد في انتفاضة النفق عام 1996، كما أن شقيقها فؤاد اعتقل وأصيب مرتين بالرصاص الإسرائيلي، واعتقل شقيقها صالح لمدة سنة وأصيب برصاص الاحتلال في بطنه، وكذلك الحال مع شقيقها الثالث مأمون الذي أصيب برصاصة في فخذه الأيسر واعتقل مرتين لمدة سنة ونصف.
ويضيف البيتاوي:"أما شقيقها الرابع حسن، فقد كان حتى فترة قريبة قبل أن يُفرج عنه منذ بضعة أشهر احد أقدم الأسرى الإداريين في سجون الاحتلال، حيث قضى أكثر من (90) شهرا خلال أربعة اعتقالات مختلفة".
أما عائلة زوجها سعيد بلال، فلا يزال اثنان من أشقاء زوجها معتقلين منذ أواسط التسعينيات وحتى اليوم، هما: عثمان الذي يقضي حكما بالسجن المؤبد ومعاذ (يقضي حكما بالسجن المؤبد 27 مرة).
تراه ولا يراها
وتصف الأسيرة المحررة رجاء الغول (41 عاما) الأسيرة نيللي التي رافقتها بضعة أشهر في معتقل هشارون قبل أن يُفرج عنها بداية أكتوبر/تشرين أول الماضي، أنها كانت بمثابة ابنة لها، تقضي معها معظم فترة الاستراحة (الفورا) وتشاطرها همومهما وأحزانها، مشيرة إلى أن نيللي كانت صاحبة شخصية هادئة ومرحة ومحبوبة من جميع الأسيرات وتحظى باحترامهن.
وأضافت الغول للتضامن الدولي:"كانت نيللي تنتظر مواعيد المحكمة بفارغ الصبر وذلك لكي تتمكن من رؤية زوجها ولو للحظات وتطمئن على وضعه، إلا أنها وفي كثير من المرات كانت تراه وتنادي عليه إلا انه لم يكن يسمعها ولا يراها لكونه ضرير".
ولفتت الغول إلى أن نيللي كانت ترجع بعد كل محكمة حزينة والدموع تملئ عيونها لأن جنود الاحتلال كانوا يحولون بينها وبين زوجها ويمنعونها حتى من مصافحته والسلام عليه.
في ظلمات ثلاث
وكانت إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية قد قامت بتاريخ 20 آذار الماضي بنقل الأسير عبادة بلال زوج الأسيرة نيللي إلى العزل الانفرادي في سجن بئر السبع دون إبداء الأسباب.
ولفت البيتاوي الباحث في التضامن الدولي إلى أن نقل الأسير عبادة إلى العزل يضعه في ظلمات ثلاث: ظلمة العمى وعتمة السجن وفوق هذا وذات ظلمة الزنازين الانفرادية التي لا يسمح خللها للأسير بالخروج إلى الشمس إلا ساعة واحدة في اليوم.