الأحد: 22/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

اتفاق المصالحة فتح – حماس:دوافع ومعان

نشر بتاريخ: 12/05/2011 ( آخر تحديث: 12/05/2011 الساعة: 22:52 )
البيان المصري في 27 نيسان 2011 في أن حركة فتح وحركة حماس توصلتا الى اتفاق على المصالحة فاجأ الكثيرين. وبين المتفاجئين كان أيضا زعيم فتح، محمود عباس، الذي حتى هو لم يصدق بان حماس ستقبل اقتراح المصالحة المصري الى اليوم الذي تحقق فيه الاتفاق، وكذا اسرائيل والولايات المتحدة اللتين كان الانقسام بين فتح وحماس في مركز سياستيهما. وبالتالي تثور عدة أسئلة مركزية بالنسبة لاتفاق المصالحة: ما الذي يحرك الطرفين لتغيير مواقفهما والوصول الى اتفاق؟ وهل نجحا حقا في جسر الفجوات الهائلة في مواقفهما أم أنهما أجلا فقط فيها وفي الخلافات الى مرحلة لاحقة؟ ماذا ستكون آثار هذه الخطوة على سياسة اللاعبين الاخرين ولا سيما اسرائيل والولايات المتحدة. هذا المقال يحاول الاجابة على هذه الاسئلة مع العلم في أن تفاصيل الاتفاق لم تنشر بعد.

يبدو ان ما أحدث التغيير كان خليطا من التطورات في العالم العربي والمأزق في مسيرة المفاوضات مع اسرائيل. واضح في هذه المرحلة أن الجانب الذي تحمل اساس عبء التنازلات التي أتاحت الاتفاق كانت حماس. وذلك لان الاقتراح المصري الذي اتفق عليه الطرفان سبق أن عرض في تشرين الاول 2010 على اساس أفكار عباس وفي 14 تشرين الاول وافقت فتح على قبوله. اما حماس فرفضته رفضا باتا؛ ولكن الان غيرت موقفها. يبدو أن التغييرات في موقف حماس تعكس حقيقة أن حماس ليست واثقة على الاطلاق من ان التطورات في العالم العربي تحسن اوضاعها. صحيح أنها أدت الى سقوط نظام مبارك في مصر، الذي كان معاديا لحماس وكفيلة في المستقبل بان تؤدي الى تعزيز حركة الاخوان المسلمين الشقيقة في مصر، ولكن الثورة التي أدت الى سقوط النظام ومظاهر الاحتجاج في دول اخرى قادتها محافل علمانية ليبرالية ولم تعكس تأييدا لايديولوجية الاسلام السياسي. وقد أبرزت أساسا مشكلة انعدام الشرعية الجماهيرية للانظمة العربية وآثارها.

من هذه الناحية وجدت حماس نفسها في موقع ضعف. صحيح أنها فازت في الانتخابات في 2006 ولكن فترة ولاية المجلس التشريعي الفلسطيني انقضت ولم تجرى انتخابات جديدة. حكومة حماس في قطاع غزة تسيطر بقوة الذراع استنادا الى أجهزة أمن حماس على نحو يشبه الانظمة العربية الاخرى ذات الحكم المطلق. وبالتوازي تشير استطلاعات الرأي العام، التي تجرى بين الحين والاخر الى هبوط في التأييد لحماس ولا سيما في قطاع غزة، حيث تسيطرز وتخشى حماس من أن تؤدي الانتفاضات في العالم العربي الى انتفاضة مشابهة ضدها وذلك لانها تؤشر الى تغلب الجمهور على حاجز الخوف من أجهزة الامن. هذا الخوف وجد تعبيره في القمع الوحشي للمظاهرات التي جرت في قطاع غزة حول فكرة تأييد المصالحة الوطنية بين فتح وحماس. هذا، ليس مثل حكومة السلطة الفلسطينية التي عرفت كيف تعالج مظاهرات مشابهة في الضفة الغربية وان كان بحجم اصغر، بشكل ذكي. اضافة الى ذلك، فان الاحداث في سوريا جسدت لحماس امكانية أن تفقد اساس التأييد لها هناك ولهذا السبب نشأت الحاجة لتعزيز العلاقات مع النظام الجديد في مصر من خلال الاستجابة لاقتراحهم في الوساطة.

الطريق المسدود في المسيرة السلمية أزاح من ناحية حماس عائقا وقف في وجه اتفاق المصالحة، وذلك لان عباس أصر على أنه حتى بعد اتفاق المصالحة يمكنه أن يواصل المفاوضات مع اسرائيل على الاتفاق الدائم. واذا كانت المفاوضات على أي حال توجد في حالة موت سريري فلا حاجة لحماس أن تخشى معاني التنازل في هذه المسألة.

وبالنسبة لفتح، اولا، لم يكن لدى عباس الكثير من الخيارات سوى قبول الاتفاق الذي يقوم على اساس اقتراحاته هو قبل بضعة اشهر. يحتمل، مع ذلك، انه عول على أن حماس لن تقبل هذه الاقتراحات، ولكن الان لا يمكنه أن يتراجع دون أن يدفع ثمنا سياسيا باهظا في الساحة الفلسطينية الداخلية. في هذه الساحة تلقت العاصفة في العالم العربي انعطافة مشوقة. مظاهر الاحتجاج والمظاهرات، وان كانت بحجم غير كبير، لم تدعو الى اسقاط النظام بل الى المصالحة الوطنية. كل ذلك بسبب الوضع الخاص للفلسطينيين، الذين يعيشون، حسب رؤيتهم، في وضع احتلال وهم أنفسهم منشقون سياسيا واقليميا.

رغم نجاح السلطة في معالجة مظاهر الاحتجاج، ضمن امور اخرى من خلال الانضمام الى تأييد المصالحة الوطنية ومبادرات تتعلق بذلك كمبادرة عباس زيارة غزة، كان هناك تخوف من أن تنتشر الاحتجاجات اذا ما رفضت فتح الاتفاق.

هنا ايضا كان للطريق المسدود في المسيرة السياسية تأثير كبير. رغم الثقة بالنفس التي يبديها الفلسطينيون في نجاح خطوتهم في الساحة الدولية لتحقيق اعتراف بالدولة الفلسطينية، فانهم غير واثقين بانفسهم على الاطلاق. القيادة الفلسطينية تخشى جدا من وضع يأتي فيه بعد الذروة السقوط. ومع ان الجمعية ستؤيد باغلبية كبرى دولة فلسطينية في حدود 67 الا انه على الارض لن يحصل شيء. خيبة امل الجمهور الفلسطيني قد تمس مسا شديدا بحكومة السلطة وبتأييد فتح. اتفاق المصالحة سيمنع هذا عندما لا يكون من ناحية عباس على أي حال أي احتمال للتقدم حيال حكومة نتنياهو.

مشكوك فيه ان يكون الاتفاق الذي توصل اليه الطرفان في القاهرة يجسر الفجوات الهائلة في مواقفهما. فالطرفان اتفقا على تشكيل حكومة وحدة وطنية تكون حكومة تكنوقراطيين، دون مشاركة شخصيات سياسية. واتفقا على اجراء انتخابات للرئاسة والمجلس التشريعي للسلطة والمجلس الوطني الفلسطيني لـ م.ت.ف في غضون سنة. وتدير الانتخابات لجنة انتخابات مركزية من قضاة يخولهم الطرفان بذلك. حماس ستنضم الى م.ت.ف . السلطة تواصل في هذه الاثناء السيطرة الامنية في الضفة الغربية وحماس – في قطاع غزة. وتتشكل لجنة أمنية مشتركة تنسق بين الطرفين. يجري الافراج عن السجناء السياسيين لدى الطرفين. المشكلة هي ان الشيطان كما هو معروف يوجد في التفاصيل الصغيرة.

ومنذ الان تطرح مسألة من سيكون رئيس الوزراء. عباس يرغب في أن يواصل سلام فياض مهام منصبه كرئيس للوزراء، بما في ذلك لارضاء الاسرة الدولية. اما حماس التي ترى في فياض خصما مريرا فكفيلة بان تعارض. الطرفان سيتطلعان الى تحقيق مزايا تفوق قبيل الانتخابات وستتصارعان على تشكيل لجنة الانتخابات المركزية. ماذا ستكون عليه طريقة الانتخابات للمجلس التشريعي؟ فتح سعت الى تغيير الطريقة التي في نظرها أعطت حماس التفوق. ماذا ستكون شروط الانضمام الى م.ت.ف . هذه ستكون صخرة الخلاف الاساسية. حماس طلبت الحصول على تمثيل بمعدل معين (عال) في مؤسسات م.ت.ف حتى قبل الانتخابات. كيف ستجرى الانتخابات للمجلس الوطني؟ هذه مسألة معقدة بسبب الحاجة لاجرائها ايضا في الشتات الفلسطيني. رغم الاتفاق على السيطرة الامنية المنفصلة في كل منطقة فان كل طرف سيستغل الاتفاق لتحقيق تواجد في المنطقة التي بسيطرة الطرف الاخر، فيما ان الاول – سيعارض. هل سيفرج عن السجناء؟ عباس، الذي الافراج عن سجناء مشاركين في الارهاب سيورطه مع اسرائيل ومع الاسرة الدولية، صرح منذ الان بان ليس في السلطة سجناء سياسيين. كل هذه المسائل يمكنها أن تؤدي الى انهيار الاتفاق بين الطرفين.

اسرائيل والولايات المتحدة علقتا في معضلة صعبة. سياسة الدولتين قامت على اساس الانقسام بين الطرفين وبين المنطقتين. هذه السياسة تطلعت الى حمل الوضع في الضفة الغربية ليكون افضل بكثير منه في قطاع غزة، الامر الذي يؤدي بدوره بالمس بالتأييد لحماس وصعود في التأييد لفتح. بل ان الادارة الامريكية اعتقدت بان المفاوضات الفاعلة التي تؤدي الى التوقيع على اتفاق دائم بتأييد من الجمهور الفلسطيني، هي عنصر حيوي في هذا الفهم، وستخلق ضغوطات شديدة على حماس لتؤدي الى اعادة توحيد المنطقتين تحت حكم السلطة الفلسطينية، طواعية ام بالقوة. هذه السياسة كانت اشكالية حتى قبل اتفاق الوحدة. اسرائيل لا يمكنها ان تشرح كيف سيؤدي الانخفاض في التأييد لحماس ولا سيما في غزة الى سقوط حكم حماس، والولايات المتحدة فشلت في تحريك مفاوضات فاعلة بين الطرفين. اضافة الى ذلك ففي اعقاب مهزلة الاسطول لا يمكن لاسرائيل أن تواصل سياسة الحصار على غزة، وهكذا حصل ان الوضع الاقتصادي في غزة تحسن مؤخرا وجودة الحياة تحسنت. هذه الاشكالية لاقت الان تعبيرا دراماتيكيا مع التوقيع على الاتفاق بين فتح وحماس. في المرحلة الاولى يبدو أن الطرفين يردان انطلاقا من رد فعل شرطي. الحكومة الاسرائيلية تهدد عباس تهديدا عابثا في الا تجري معه مفاوضات في وضع تغيب فيه المفاوضات. ولكن ايضا تهديدا حقيقيا سيمس بتدفق اموال الضرائب اليه. اما في الولايات المتحدة فانطلقت تهديدات ولا سيما في الكونغرس بشأن المس المحتمل بالمساعدات المالية للسلطة. كما انطلقت ايضا اصوات اخرى في الساحة الدولية من جانب الاتحاد الاوروبي وممثل الامم المتحدة الى المنطقة ممن ايدوا الاتفاق.

اسرائيل والولايات المتحدة سيتعين عليهما أن تقررا هل في هذا الاتفاق تكمن مخاطر فقط، ولا سيما خطر سيطرة حماس على السلطة الفلسطينية بما في ذلك الضفة الغربية ام أن فيه أيضا فرص. اذا كان صحيحا الافتراض بان الاتفاق هو وليد ضعف حماس وليس مؤشرا على قوتها فثمة معنى للفحص هل يمكن خلق وضع يواصل فيه رئيس السلطة الفلسطينية وحكومة التكنوقراطيين منظومة العلاقات الحالية مع اسرائيل وتضطر حماس الى ابتلاع ذلك والتعاون مع مسيرة في نهايتها كفيلة بان تهددها. عباس نفسه ألمح بهذه الامكانية عندما قال ان المفاوضات مع اسرائيل ليست بمسؤولية حكومة السلطة الفلسطينية بل م.ت.ف وهو كرئيس م.ت.ف يعتزم التمسك بها حتى بعد تشكيل حكومة الوحدة. الشراكة في الحكومة الفلسطينية والتوجه نحو الانتخابات سيخلقان ايضا ضغوطا اكبر على حماس للعمل نحو الهدوء في قطاع غزة. الهدوء الامني يمكنه أن يساهم في التقدم في المسيرة السياسية. يبدو أنه في الادارة الامريكية توجد محافل يمكنها أن تؤيد هذا الفهم، مشكوك أن في حكومة اسرائيل الحالية توجد محافل كهذه.