الثلاثاء: 01/10/2024 بتوقيت القدس الشريف

الحاج أبو عاطف ذاكرة تنبض بحلم العودة وروايات لا تنتهي عن أيام البلاد

نشر بتاريخ: 16/05/2011 ( آخر تحديث: 16/05/2011 الساعة: 15:46 )
طولكرم- همسه التايه- تتزاحم التفاصيل والحكايات الجميلة والحزينة في ذاكرة الحاج سليمان الشيخ ياسين "أبو عاطف" من مخيم طولكرم عن قريته الوادعة أم خالد "نتانيا" والتي شوه الإحتلال الإسرائيلي معالمها وقلب هويتها وصبغها بالصبغة الإسرائيلية كغيرها من القرى الفلسطينية المهجرة، لتبقى ذاكرته زاخرة بالماضي المعتق تنبض بحلم العودة إلى الديار التي أصبحت اسما في حكايات الأجداد وكتب التاريخ.

ولم يغب عن بال الحاج أبوعاطف الثمانيني أن يرسم في مخيلة أبنائه وأحفاده حدود بلدته التي تبعد 15 كيلومترا الى الغرب من مدينة طولكرم، لتبدو الصورة لهم "واقعا" كأنهم في قلب قرية أم خالد يعيشون الأحداث بتفاصيلها. فقد حدثهم أن منزله وعائلته عبارة عن عقد كبير فيه حوش يضم ثماني غرف من الحجر الصلب المكحل مفتوحة على بعضها البعض ويقع إلى الشرق من القرية، ويحد منطقة البساتين من الشمال وطريق الزهرانيات من الشرق ويؤدي إلى طريق تسمى بـ "دبة أم الحيات" التي يعود سبب تسميتها إلى وجود أحراش عشعشت بها الافاعي، وبعد 10 أمتار يقع منزل جده فيما يقع منزل جارهم عبد الرحيم صلاح على مدخل البلد.

وبحنين يشده لأيام خلت يستذكر الحاج أبو عاطف طريق الأولوية المحاطة بأشجار الكينيا- التي لها قصة يحفظها عن ظهر قلب- وتؤدي طريقها إلى مقام أم خالد المعلم الإثرى والتراثي الذي تحتضنه القرية والذي يضم قبرا كبيرا كتب عليه عبارة "صبحة أم خالد" وهو مبني من الطين بطول متر ونصف ويضم بداخله 3 أشجار تين معمرات.

ولم يغادر مخيلة الحاج أبو عاطف- الذي هجر بعمر الثمانية عشر عاما- شجرة الجميز والتي تعود لأكثر من ألف سنة بطول 15 مترا وتقع على مساحة دونم تطلق بثمرها الخير للأهل كافة، وتحمي بظلها وبركتها ذكريات ام خالد الحزينة والتي ستبقى شاهدا على قسوة الإحتلال ووحشيته وظلمه وحرمانه لأصحاب الأرض الأصليين من الوصول للقرية وتقبيلها والعيش فيها والصلاة لأجلها.

وأثناء حديث أبو عاطف انطلقت حركة عفوية جلّس خلالها الحاج بجسده بشكل أكثر أريحية وبآهات غير متوقعة انطلقت من حنجرته، ابتسم قائلا "في 1986 زرت مع أبنائي قريتنا المهجرة وكم أحزنني المشهد فقد قام الاحتلال الاسرائيلي باقامة مدرسة وملعب بدلا من المقبرة وذلك على مساحة 35 دونما فيما تحولت منطقة الأولوية لمصانع إسرائيلية تصنع سلعا بختمهم كسلع اسرائيلية بعد أن كانت أرضنا زراعية تنبت خيرا بعرق جبيننا.

وأضاف مسترسلا بعد أن التقط أنفاسه ووقف لبرهة للملمة ذكرياته " استوقفني في العام ذاته موقفا ليهودي مغربي تم توطينة في أم خالد وتحديدا في آثار منزلنا وقمت باستفزازه للحديث لأقول له بالعربي"مش حرام عليكم تاخذوا بيوتنا ليرد المغربي اليهودي بالقول" أبوس "كندرتك" رجعني عالمغرب كنت تاجرا وحياتي كانت جميلة لكن تم اجباري على القدوم والسكن في "ام خالد" "نتانيا" لأنهم أوهموني بحياة رغيدة ومنزل جميل ولم أعلم أن المنزل عبارة عن غرفة لا تصلح إلا للدواب يتبعه اضافة لملحق استطعت أن أفتتحه كدكان لأبتاع منه للعيش مضيفا "احنا اليهود العرب كلنا مظلومين هكذا أجاب. وذلك حسب رواية الحاج.

وعن طبيعة الحياة اليومية والتعليم والصحة يقول الحاج "كنا ندرس في جامع القرية المقام على مساحة الدونمين ويحتوى ساحة كبيرة يحضر اليها الكتاب لتدريسنا بعد فرش الحصيرة على الأرض أذكر منهم أسعد الزيباوي من بيت ليد وعبد الكريم من شويكة. ولمداواة المرضى من أهل القرية كنا نعتمد على حكيم من طولكرم يدعى خالد مصطفى نذهب إليه عبر "الدابة" الحمار، اجلكم الله.

وتابع "أيام البلاد كانت "هدوء وراحة بال ونعمة نزرع الفستق والبطيخ والبطاطا والفقوس والقمح والشعير والخيار والفول والبرتقال.. كان عنا 100 دونم أرض ناكل من خيرها، حتى لما كنا نذبح الماعز والخراف في العيد كنا نخزن اللحمة ونخبئها بالجرة لتكسب برودة وما تفسدش". وبضحكة انطلقت فجأة من قلب موجوع على أرض غابت إلى أجل غير معلوم قال "والله كنا لما ننام نصحى من السراج مناخيرنا مشحبرات".

والتفت الحاج أبو عاطف مغمضا عينه وكأنه لا يريد الحديث عن لحظات الهجرة فبعد أن حرك يده حسرة وألما قال الدعاية العربية خذلتنا تم اقناعنا على المغادرة لمدة أسبوع ولم نكن نعلم أن هناك مخططا اسرائيليا يهدف الى تفريغ القرية من سكانها وفعلا خرجنا بعد ما أخذنا فراشنا ووثائقنا وأواعينا بشهر تشرين ثاني من العام 1948 وبقينا حتى اللحظة ننتظر العودة ولا نملك الا ارادتنا وبعض الأوراق وطابو ووثائق الأرض.

وبصوته الذي أراد أن يسمعه الجميع دعا الحاج أبو عاطف ابناء الشعب كافة إلى العودة للتكاتف والوحدة ولملمة الجراح فشعبنا لا يزال يعيش النكبة تلو النكبة فلنوحد جهودنا في سبيل انهاء الاحتلال وضمان تحرير الأرض والوصول إلى الدولة الفلسطينية.

حديث الحاج اللاجىء أبو عاطف لم يتوقف في سرد حكاية هنا وأخرى هناك، بل ستبقى رواياته وقصصه التي لا تنتهى عن أيام البلاد والأفراح والأتراح والعادات وبساطة العيش وألم الفراق ولوعة الاشتياق لاحتضان الأرض المهجرة جزء من حياته المتبقية التي سيقصها للأحفاد وسيتبادل بها أطراف الحديث مع أبناء جيله الذين قست عليهم الظروف ليظل حلم العودة حنينا يراوده في ذاكرة لم ترحل برحيل الجسد.