كما الأفلام-ثلاثة أطفال بقرب الحاوية بثالوث مرعب
نشر بتاريخ: 19/05/2011 ( آخر تحديث: 14/04/2012 الساعة: 21:35 )
رام الله- معا- تقرير محمد اللحام- لم أسمع أحدا يطرق الباب إلا أن المطر والرياح كانا يطرقان ألواح "الزينكو" من حول بيتي في منتصف الليل وسمعت صوت سيارة توقفت أمام منزلي لدقائق وغادرت فأخذني الفضول لمعرفة قصة السيارة، وفوجئت بثلاثة أطفال ينتفضون وهم ما بين التجمد من البرد والخوف يجلسون تحت المطر على عتبة الباب دون أن يطرقوه وعندما أدخلتهم بسرعة وجدتهم أبناء (عديلي) زوج أخت زوجتي ويتضورون جوعا وعلمت منهم أن والدهم ألقى بهم أمام منزلي وغادر دون حتى أن يشعرني بالهاتف أو يطرق باب منزلي، ولولا الصدفة وخروجي لمات الأطفال من البرد والخوف والجوع وكان من الممكن أن تتجرأ عليهم الكلاب وتنهش لحمهم الصغير والمريض.... قال عديل والد الاطفال.
هذه كانت إحدى القصص التي توصلنا لها في رحلة البحث عن أصول قصة الأطفال الثلاثة الذين ألقى بهم والداهم للشارع.
الثالوث المرعب
بداية الجريمة وقبل عشرة أعوام وافق والد الفتاة التي لم تتجاوز السادسة عشر عاما في حينه على تزويج ابنته للشاب الذي لم يبلغ العشرين ربيعا دون أن يتوقع أن تعيش ابنته العذاب بأصنافه المختلفة والمتخلفة من الضرب والحجز والحرمان من العلاج وحتى الأكل والشرب أحيانا.
هي وهو لم يتجاوزا المرحلة الابتدائية في التعليم بمعنى الجهل يضاف اليه زواج مبكر وبعد ذلك المرض مع فتاة قادمة من أسرة فقيرة تسكن إحدى قرى جنوب بيت لحم وهو يسكن مخيم قلنديا للشمال من القدس لتصبح المعادلة ثالوث مرعب يتمثل بالجهل والفقر والمرض، والنتيجة ثلاثة إزهار تدوسها عجلات التفكك الأسري وينال المرض منهم ويهدد حياتهم التي تبدو محدودة وأيام عمرهم قد تنتهي في أي لحظة.
الأم تحت ضغط المعاناة بين فلذات كبدها وقهر وقبر زوجها وفقر أهلها، والزوج خارج الحقول وتحت تأثير الكحول وأشياء أخرى على مدار الساعة حتى وصل الأطفال لحاوية القمامة.. فما هي أصل الحكاية.
الأطفال في حاوية القمامة كخيار مناسب للجميع
البداية كانت ببيان من الشرطة الفلسطينية حول ثلاثة أطفال وصلوا إليها عبر سائق سيارة عمومي قال بأن رجل أعطاني عنوانا لإيصال الأطفال له وعلى انه بيت جدهم في هذه القرية، وبعد أن وصلت للمنزل المطلوب كانت المفاجأة بهجوم من والد الزوجة على المركبة وهدد بتكسير المركبة فوق رؤوس الأطفال، ومنع والدتهم من الخروج لاستلامهم وطلب مني إعادتهم للشخص الذي طلب منه إيصالهم أو إلقاءهم بالشارع. فعدت لمكان الشخص ولم اعثر عليه، اتصلت به عبر الهاتف النقال وأخبرته بما حصل، فقال لي: "أنا من رام الله وفي طريقي للعودة، وغير مسؤول عنهم ولا أريدهم، ألقِ بهم بالشارع كما قال لك جدهم"، بهذه الكلمات أنهى الأب مكالمته وأغلق الهاتف.
وما لم يقله بيان الشرطة أن الوالد قال للسائق وبالحرف الواحد "انشاء الله بترميهم في أي حاوية زبالة فأنا لا أريدهم وخلص إرميهم عند اقرب حاوية" ولكن السائق وبعد تفكير قليل صعب عليه الأطفال واختار أن يتوجه للشرطة.
الوالد الزوج حدث ولا حرج
البداية كانت من شكوك حول مكان سكن الوالد وكان من الصعب الحصول على المعلومات الكاملة عنه لان الشرطة تنفي اي معرفة لشخصه او اسمه .وزيارة ليلية في نفس اليوم لمخيم قلنديا كشفت لنا الكثير لأننا وما ان طرحنا بعض المعلومات حول الشخص حتى وجدناه علَما معروفا في المخيم وهناك إجماع على أنه من الظلم أن يعيش الأطفال تحت رعايته نتيجة سلوكه المعهود ووجدنا أقرباءه المحترمين والحريصين في اجتماع لمناقشة تداعيات مصير الأطفال واكتشفنا السبب الرئيس في وصولهم للشارع.
للأطفال المساكين جد يسكن المخيم وأقسم لنا البعض أنه يخرج من الساعة السادسة صباحا ليعود في الثانية عشرة ليلا وهو منهار ودون وعي.
الجد ليس كما الأب الذي يعود هو الآخر بعد ذلك بفعل المشروب وغيره، ولكن الجد منهك بفعل ساعات العمل الطويلة في جمع القمامة (وهو عامل تنظيف) حتى الظهيرة وينتقل لإصلاح المجاري في مدينة رام الله وكل هذا لعيون براءة 8 سنوات واشجان 4 سنوات وآدم 5 سنوات فالثلاثة يحملون أسماء جميلة بضفائر جميلة وبأيام غير جميلة وطفولة أتعبها المرض وأنهكها صراخ الأب واعتداءاته الجسدية عليهم وعلى أمهم.
عندما يسقط عمود الخيمة تزداد النكبة نكبة
يوم السبت في الرابع عشر من أيار كان الصبية أمام مخيم قلنديا ينتفضون غضبا ضد جنود الاحتلال على حاجز قلنديا في ذكرى النكبة وكان الجد المنكوب بفعل الاحتلال وتصرفات ولده يقطع الشارع وسط ضرب الحجارة من جهة والغاز المسيل للدموع من جهة أخرى، لتعاجله عجلات سائق فقد السيطرة بفعل الغاز والموقف لتتوقف عذاباته هنا ويفارق الحياة تاركا الأطفال فريسة لرحيله الذي شكل المنعطف الأكبر والأخطر ويفتقد الأطفال مصدر الرزق والحنان والرعاية.
جمال لافي أحد كوادر تنظيم فتح في قلنديا قال لنا "سنحاول أن نراسل الرئيس لاعتماد الجد شهيدا مدنيا بغرض توفير مصدر رزق للأطفال".
حتى لو لم يعتمد الرئيس ذلك فالاعتقاد والعلم عند الله أن رب العالمين سيعتمده شهيدا للقمة العيش والكفاح التي راح في سبيلها، إضافة لأن الاحتلال كان صاحب العلاقة أيضا برحيله.
أقرباء الزوج قالوا إن حياة الأولاد في خطر شديد فأشجان وآدم مصابان بمرض الثلاسيميا إضافة لتليف بالكبد وأمراض أخرى وهم في وضع صحي حرج قد لا يسمح لهم بالعيش طويلا، ولم يتسن لنا التأكد من جهة طبية حول وضعهم الصحي ومدى خطورته.
الشرطة من جانبها وفي حديثنا مع النقيب محمد زماعرة نائب مدير حماية الأسرة التابعة للشرطة قال إنهم لم يتوصلوا بعد للأم إلا أنهم عرفوا شخصية الاب من خلالنا مما سيسهل عليهم معرفة شخصية الام وهم يعملون مع كافة الجهات لعلاج الموضوع وأن هناك اهتماما كبيرا من العديد من الجهات، مؤكدا أن الاطفال لا يعلمون اسم والدهم وصديقاته ولا يعلمون اسم عائلتهم.
وأخيرا وصلنا لوالد الزوجة الأم
وأخيرا حصلنا على عنوان والد الزوجة الأم الذي كشف لنا أن ابنته أم الأطفال الثلاثة مطلّقة رسميا وهناك محامية تتابع القضية، كاشفا أن إبنته حاولت الإنتحار في أكثر من مناسبة بفعل ممارسات الزوج الذي تفنن بالتعذيب والحرمان من أبسط شروط الحياة فلا مأكل أو مشرب ولا ملبس ولا حتى العلاج وسط المرض والألم وكذلك الابتزاز المالي وقد ابرز لنا والدها مستندات (شيكات وكمبيالات وأوراق) سبق ووقعها عليها بعشرات آلاف الشواقل وسط الضرب والتعذيب.
نقلنا له اقتراحا من أهل الزوج يفيد باستعداد الجدة أم الزوج لرعاية الأطفال بشرط أن يتنازل الزوج والزوجة عنهم خوفا من أي ملاحقة قانونية لو حصل أي عارض للأولاد، فالجدة تقول إنها جاهزة لتربيتهم ولكنها تخاف من ابنها وزوجته وتطورات المستقبل.
والد الأم قال أنا لا اعرف والقرار لأمهم ولكنني لا أعتقد أن هناك أما تتنازل عن أبنائها!.
وأضاف انه سيتوجه في الصباح للشرطة لمتابعة الأمر.
رئيس بلدية البلدة استضافنا على فنجان قهوة مبديا الاستعداد للمساعدة والتواصل مع أهل الفتاة من جهة ومؤسسات قلنديا من جهة أخرى للمساعدة في الوصول لحل ينقذ الأطفال من الضياع.
موضوع مقلق ونهاية غير مفيدة وغير مجدية بعد ساعات من البحث والإتصال والحوار ومد الجسور وقصة تصلح للنشر فقط ولكن هل هذا ما نريد؟.
هاتف منتصف الليل ممكن أن يحمل حلا
أحببنا أن يكون لنا دور غير رواية القصة ونقل الحقيقة وأن نساعد، وقبيل منتصف الليل بقليل اتصلنا على الأستاذ محمد الشلالدة مدير قرى الأطفال sos وكان مديرا للقرية في بيت لحم، وبحكم معرفتنا بالرجل والعلاقة الطيبة تأسفنا على الاتصال المتأخر إلا أن الرجل رحب كثيرا بعد أن عرف الموضوع، وقال: إننا في القرية على جاهزية للمساعدة ولكننا بحاجة لطلب من الأم ونستطيع أن نساعد من خلال برنامج ينفذ لمساعدة 2000 طفل في الضفة والقطاع ودون نزعهم من حنان أمهم حتى يعتمدوا على أنفسهم إلا أذا كان هناك تقارير معينة فإننا نستقبلهم برعاية تامة في المؤسسة.
في ساعة متأخرة من ليلة أمس وصباح اليوم انتهينا من المتابعة الصحفية لهذه القصة المؤلمة،التي وعدت وزيرة الشؤون الاجتماعية ماجدة المصري ان تباشر في الحال بفرز لجنة للتنسيق بغرض حل الموضوع بتوفير مكان تتوفر فيه الرعاية الصحية والنفسية للاطفال .
فهل تكتمل القصة باغلاق هذا الجرح ببلسم شاف وواف وعاف لمن أوجعهم القلب وتليف الشمع على كبدهم ونهشتهم الثلاسيميا وحاوية القمامة كانت لهم خيار بإرادة واختيار ممن يفترض أن يكونوا أعز الناس وأحب الناس وأغلى الناس في زمن أصبح فيه الناس ليسوا بالناس.
فأين أصحاب الضمائر؟ وأين الآباء المتعجلين على زواج بناتهم والحارمين لهن من التعليم؟ فهل تصل الرسالة؟ وللقارئ الحق باختيار المجرم.