الثلاثاء: 26/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

سينما المرأة في فلسطين: ذخيرة ثقافية نابضة بالحياة في مواجهة الاحتلال

نشر بتاريخ: 22/09/2006 ( آخر تحديث: 22/09/2006 الساعة: 13:21 )
جنين - معا- عاطف سعد - افتتح في منتصف الأسبوع الماضي في جامعتي النجاح والعربية الأمريكية في جنين مهرجان عن سينما المرأة في فلسطين.وعرضت في اليوم الأول للمهرجان أربعة أفلام درامية ووثائقية عكست تجارب شخصية للمخرجات تشبه إلى حد بعيد تجارب وهموم وأحلام الفلسطينيين القابعين تحت الاحتلال الإسرائيلي، لكنها في ذات الوقت ، مفعمة بمشاعر إنسانية بسيطة يحملها أبناء البشر في كل مكان حيال مقومات وجودهم مثل نيل الحرية وأمان البيت و الحق باللعب.

وهذا المهرجان هو الثاني من نوعه الذي تقيمه مؤسسة شاشات الفلسطينية المتخصصة بالأعمال السينمائية النسوية خلال عامين على تأسيسها. وسيتنقل المهرجان بين تسع جامعات فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة سيقد فيها 150 عرضا.

وتعتبر المهرجانات السينمائية أحداثا ثقافية شبه نادرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة التي تعاني من صراعات عنيفة مع المحتلين وفوضى داخلية متفشية وحصارا ماليا غربيا، باتت تشكل مادة درامية ووثائقية ملهمة للأفلام السينمائية الفلسطينية وغير الفلسطينية .

وباستثناء مدينتي القدس ورام الله التي يشاهد رواد السينما فيهما عروضا منتظمة لأفلام فلسطينية وعربية وعالمية فان باقي المدن محرومة من التمتع بمشاهدة الأفلام لعدم توفر دور عرض ومعوقات الحواجز الأمنية الأسرائيلية .

تقول علياء أرصغلي ،وهي مخرجة سينمائية حاصلة على شهادة دكتوراه الدراسات السينمائية من جامعة نورث ايسترنز الأمريكية // نسعى من عقد المهرجان إلى اختراق الحصار الإسرائيلي المفروض على المدن الفلسطينية وإيصال أفلامنا إلى الجمهور الفلسطيني الذي لا يعرف عنها.ومن المؤسف أن الغرب يشاهد أفلامنا فيما جمهورنا لا يعرف عنها وهذا غير مقبول.ونرغب بتعريف الجمهور على الأعمال الفنية التي تخرجها نساء فلسطينيات والاستماع إلى وجهة نظره بأعمالنا والتعلم منها .//

وتعكس الأفلام الأربعة التي عرضت في جامعة النجاح بمدينة نابلس ، ألوانا متنوعة من دراما المعاناة اليومية للفلسطينيين.

ففيلم صيف 85 يحكي لمدة 11 دقيقة عن رحلة في الذاكرة لاسترجاع طفولة مخرجته روان الفقيه التي قضتها في بيت جدتها برفقة ابنة خالها . ولم يبق شيء من البيت سوى شجرة لوز وبقايا صفصافة ، بعد أن هدمه مالكه خوفا من تهديدات طائرات حربية إسرائيلية كانت تحلق في سماء رام الله لتستهدف البيوت إلي يلجأ إليها عناصر الأجهزة الأمنية الفلسطينية .

ويعرض فيلم شرق ل غرب لمدة 16 دقيقة كيف اضطرت عائلة مخرجة الفيلم ايناس المظفر للنزوح عن بيتها تفاديا لخطر التواجد في الناحية الخطأ من الجدار الإسرائيلي الذي شطر مدينتها . وعرض فيلم ليانا صالح "كرة وعلبة ألوان" في 22 دقيقة ، حكاية عاشها طفلين وشابة يانعة اختلط فيها الواقع مع الأحلام ولم يدرون أيهما ابتلع الآخر ، فكانت الحياة .وقد أحرز الفيلم جوائز عالمية.الفيلم الرابع " باندوليرو بيت لحم" أو أغنية بيت لحم بالأسبانية للمخرجة التلحمية لاريسا صنصور ،يبدو متأثرا بشطحات دون كيشوت الفانتازية في مواجهة طواحين الهواء في رائعة المؤلف الأسباني سيرفانتس.

نشاهد الفنانة تعود إلى مدينتها فتكتشف أن الجدار الإسرائيلي يجزئها ويمنعها من زيارة أهلها و صديقاتها فتقرر أن تتحدى الجدار على طريقة رعاة البقر في الغرب الأمريكي .

وسيعرض المهرجان أفلاما درامية ووثائقية لمخرجات فلسطينيات أخريات مثل "مفتوح:مغلق" للكاتبة ليانا بدر، نعيم ووديعة ، وياسمين تغني لنجوى نجار ،25 كيلو مترا والغرفة الرابعة وماشيين؟ للمخرجة ناهد عواد ، ما تبقى لكم لندى اليسير .والفيلم الأخير يتناول لوحة أخرى من الصراع صمود البدو على أراضيهم في صحراء النقب في وجه سياسات إسرائيل التي تهدف إلى سلب ما تبقى من أرضهم وإنهاء طريقتهم في الحياة.

وفي الجامعة العربية الأمريكية في مدينة جنين، الواقعة في أقصى شمال الضفة الغربية، عرضت ثلاثة أفلام للمخرجة ديما أبو غوش وهي: ع الحاجز ، حتى أراك وصباح الخير قلقيلية. والفيلم الأخير هو أحدث أعمال المخرجة ومدته 26 دقيقة ، ويصور سينمائيا تداعيات إقامة الجدار الإسرائيلي على حياة الناس.

وتشعر المخرجة أبو غوش باعتزاز عن ما أنجزه المهرجان في جنين وتقول // قطعت رحلة صعبة من رام الله إلى جنين بسبب الحواجز العسكرية استغرقت تسع ساعات ذهابا وإيابا. لكن متاعب الرحلة انجلت من دفء اللقاء والفرحة التي وجدتها في كلمات وعيون الجمهور الشبابي الذي كان متعطشا لحضور الأفلام الثلاثة. ما أكد لي أهمية السينما كوسيلة اتصال أنها يمكن أن تعيد لملمة أوصال وطن تقطعه الحواجز الأسرائيلية //

في نابلس المحرومة من دور السينما منذ عام 1967،شاهد جمهور مختلط ، بدا واضحا فيه الجمهور النسائي ، عروض أفلام المهرجان الأربعة في قاعة أنيقة ، مجهزة جيدا ومتدرجة المقاعد. وكان الجمهور يعبر عن تأثره أو إعجابه بالتصفيق مع انتهاء عرض كل فيلم .وبعد العروض دار نقاش بين روان الفقيه مخرجة فيلم "صيف 85" والجمهور الذي أعرب عن التشجيع والاستمرار بالعروض أكثر من النقد.

وقال مشاهد في الخمسين من عمره للمخرجة روان الفقيه التي شاركت الجمهور في حفل الافتتاح ،// إنها شجاعة منكن في شاشات. وشجاعة من جامعة النجاح أن تنطلقوا بمهرجانكم من نابلس ،أكثر المدن معاناة من الحصار الإسرائيلي. ونجد عرضكم للحكاية الفلسطينية فنيا أجمل، وثقافيا أكثر فاعلية وإقناعا ،من الخطاب السياسي الفلسطيني الرسمي .//

لقد زودنا المهرجان بذخيرة ثقافية جميلة يمكن التسلح بها عند عرض قضيتنا على الآخر.صحيح أنها تعكس دراميا ووثائقيا ما تخلفه السياسات الأسرائيلية من معاناة وقهر للفلسطينيين ،لكنها في ذات الوقت تطلق رسائل مفعمة بالآمال والأحلام البسيطة لأناس أقوياء لم تكسرهم إسرائيل خلال 39 عاما من عمر احتلالها البغيض.

وأعربت المخرجة روان الفقيه 32 سنة ، التي درست التخطيط المدني في جامعة كاليفورنيا الأمريكية ، وأحبت فن السينما ، عن ارتياحها من استقبال الجمهور وردود فعله .

وقالت // هذه أول فرصة تسنح لي لألتقي جمهور نابلس . إنها تجربة مثيرة ومفيدة جدا.كنت متوترة قليلا قبل الافتتاح لكن سرعان ما تبدد التوتر ليحل محله شعور الرضي والارتياح وأيضا التحدي لمواصلة أعمالنا.//

وأضافت ،// لدينا مشروع سينمائي جديد بعنوان فلسطين صيف 2006 .يتألف من 12 فيلما ، مدة كل فيلم ثلاث دقائق يصور بطلقة واحدة .وتعكس الأفلام رؤى مخرجيها لفلسطين إبان فترة الصيف. ويشارك في المشروع من 12-15 مخرجا ومخرجة مقيمون في فلسطين وقد وصلنا إلى مرحلة متقدمة من انجازها ويمكن أن تتم العروض في شهر تشرين ثاني أو كانون أول.//

وسينما المرأة في فلسطين رغم قصر الفترة الزمنية على ا انطلاقتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة من خلال مؤسسة شاشات في عام 2004 ،فإنها تشق طريقها بثبات محليا وعالميا إلى جانب أفلام لمخرجين فلسطينيين حصدت جوائز أمريكية وأوروبية وعربية مرموقة مثل أفلام هاني أبو أسعد الذي رشح فيلمه "الجنة الآن" ،لنيل جائزة الأوسكار وأفلام آيليا سليمان ، وميشيل خليفي ورشيد مشهراوي ومي المصري .

وعن سينما المرأة قالت علياء أرصغلي ،والتي كان موضوع أطروحتها لنيل الدكتوراه "المرأة في السينما المصرية" // نحن نهتم بالمرأة سينمائيا.ونرغب بإبراز دورها هنا بأنها صانعة قرار سينمائي وهذا مهمّش،إلى حد ما ، في العالم العربي.لكن أنشطتنا مفتوحة على كل شرائح المجتمع الفلسطيني.//

وقالت " أن الثقافة والأعلام تلعبان دورا مهما في تشكيل المعتقدات والمفاهيم الثقافية ،والرأي العام حول المرأة ومكانتها الاجتماعية .فهما عاملان رئيسيان من العوامل المؤثرة ،التي تستطيع أن تتدخل ،في طبيعة الصورة النمطية عن المرأة .//

ويعرض المهرجان فيلما للمخرجة أرصغلي بعنوان "هاي مش عيشة" ومدته 42 دقيقة .ويصور الفيلم حياة ثمان نساء فلسطينيات من خلفيات دينية واجتماعية مختلفة ،وكيف يعشن ظروف الحرب، ويطمحن إلى السلام.

وتتطلع روان الفقيه وزميلاتها المخرجات الفلسطينيات إلى توظيف الفن السينمائي ليكون رافعة //لإتاحة فضاءات واحتمالات للمساواة بين الرجل والمرأة .والوصول إلى فرص اجتماعية واقتصادية ،تكفل للمرأة الكرامة والتطور ،بالإضافة إلى مجالات التعبير الإبداعي ،عن حياتها وآمالها.