كنز الفارعة الأخضر في خبر كان ... المياه والزراعة تتداعيان للحل
نشر بتاريخ: 22/05/2011 ( آخر تحديث: 22/05/2011 الساعة: 18:57 )
بيت لحم - معا - تحقيق خالد صلاح - ينابيع وادي الفارعة بمحافظة طوباس، لطالما تغنى سكان منطقتها قديما بأنها الأم الرؤوم بأراضيهم، قبل أن تجف عين المياه الرئيسية لأحد الروافد المهمة لنهر الأردن بسبب حالة الجفاف والتغيير المناخي التي تشهدها المنطقة، وانعكاسا على هذا الأمر أدى جفاف عين المياه العمومية إلى حرمان آلاف الأسر والعائلات من المياه العذبة في كل من مخيم الفارعة ومنطقة وادي الفارعة، لكن كارثة الجفاف بدأت واضحة لمزارعي المنطقة بعد أن ظهر واضحاً كيف أن كمية الـمياه التي تحيط بالـمكعب الإسمنتي الذي يخرج منه الـماء اضمحلت، بسبب انتشار ظاهرة حفر الآبار الارتوازية العشوائية في الـمنطقة بشكل غير مرخص، مما ولد حالة من القلق على العين التي كانت خلال سنوات طويلة "وقود حياتهم".
مصائب قوم عند قومٍ..فوائد
مناشدات كثيرة وصلت برنامج "على الطاولة " عبر أثير شبكة "معا" الإذاعية، ينشرون قلقهم من المستقبل وتحسّرهم على الحفر العشوائي للآبار الارتوازية في منطقته الذي يزداد يوما بعد يوم، والذين أكدوا أن حياتهم أصبحت أكثر تعقيدا ومعاناة، وهم يفتقدون لعنصر الحياة وإكسيرها، الأمر الذي أفقدهم معنى الاستقرار وأصبحوا الرحّل بحثا عن الماء وتلبية الاحتياجات المنزلية، بعد أن أضحى الحفر العشوائي للآبار نحو الأعماق على أشدّه، في الوقت الذي يزداد فيه ري المزارع العشوائي بلا هوادة رغم التحذيرات التي تُنذر بـ"كارثة" مائية تؤكدها المؤشرات الحيّة المتمثلة في نضوب وتناقص المياه.
الصورة في مثلث الجهات المسؤولة
يقول رئيس المجلس المحلي لوادي الفارعة حسين الحمود في مداخلته للبرنامج.. كانت وادي الفارعة الأكثر انتاجا للخضروات بجميع أصنافها وكانت تشتهر بتصدير الحمضيات إلى دول الخليج والأردن، وكان يتدفق منه سنويا أكثر من 6 مليون متر مكعب من الماء ويستفيد جميع أهالي وادي الفارعة والقرى المجاورة، وللأسف الشديد قد جف هذا النبع بسبب قلة الأمطار وحفر الآبار الارتوازية بجانبه بطرق عشوائية.
ويضيف أصبح هذا الوادي البالغ عدد سكانه أربعة الآف مواطن يعمل معظمهم في قطاع الزراعة يعانون في هذه الأيام من قلة الخدمات وجفت أشجارهم بسبب جفاف النبع الرئيسي للبلدة والتي كانوا يعتمدون عليها كدخل رئيسي من أجل العيش.
وتطرق الحمود إلى مشكلة مياه الصرف الصحي، حيث أصبح الوادي مصب لمياه المجاري القادمة من مختلف المناطق، مما أدى إلى تدمير الثروة الزراعية وتسمم التربة.
ودعا الحمود المواطنين والجهات المعنية إلى ضرورة الحد من نشاط أعمال الحفر العشوائي وترشيد استخدام مياه الآبار الجوفية المتوفّرة والعمل على إنهاء قضية مياه الصرف الصحي، وطالب وزارة الزراعه وسلطة المياه الوقوف عند واجباتهم تجاه المنطقة المنكوبة.
حملنا كل تلك الصور المفزعة والعشوائية المفرطة في حفر الآبار واستنزاف المياه الجوفية وتدفق مياه الصرف الصحي واتجهنا إلى سلطة المياه، واستضاف برنامج "على الطاولة" رئيس سلطة المياه في السلطة الوطنية الفلسطينية د. شداد العتيلي الذي أعتبر قضية ترخيص الآبار والسيطرة على مصادر المياه ملف سياسي ومشكلة تواجهها سلطة المياه مع الجانب الإسرائيلي، مبينا أن عملية الحفر العشوائي دون دراسة وتنظيم والتي بدأت مع بداية الانتفاضة الثانية وخاصة في منطقة وادي الفارعة وفي جنين في ظل عدم منح الإسرائيليين سلطة المياه الموافقة على حفر الآبار الارتوازية.
وأوضح العتيلي أن انتشار الآبار الارتوازية العشوائية في المنطقة والبالغة 26 بئرا، كان احد الأسباب الرئيسية التي أدت إلى جفاف نبع الفارعة، الأمر الذي حدا بسلطة المياه إنشاء لجنة مشتركة التدخل لمنع قيام ثورة بين المعتمدين على النبع ومن يعتمدون على الآبار الارتوازية، حيث تمت زيارة المنطقة للتخفيف من حدة الموضوع بالرغم من أن اللجنة المشتركة لم تكن موافقة على هذه الآبار، وبمساعدة مجلس الوزراء تم العمل على إيقاف حفر الآبار وذلك بمصادرة الحفارات التي تقوم بالحفر دون الرجوع لسلطة المياه، ولتسوية قضية الآبار العشوائية تم منح أصحاب الآبار رخص مشروطة.
وطالب العتيلي كافة المتضررين من جفاف النبع التوجه إلى سلطة المياه والتقدم بطلب لحفر بئر بالتوافق مع وزارة الزراعة، حيث تم تشكيل لجنة لمتابعة قضية حفر أبار جديدة وتم إحضار التقرير منذ 3 أيام، وعليه ستقوم سلطة المياه بالسماح بحفر آبار ارتوازية جديدة ويتحمل الجانب الإسرائيلي والفلسطيني والأمريكي مسؤولية تنفيذ ذلك، وسيتم تسوية مئات الآبار العشوائية في جنين أيضا، وبالتالي تم وضع شرط لحفر البئر بأن يكون هنا 100 دونم تخدم البئر حتى يتم الحفر لهذا على المواطنين الاشتراك في الحفر خاصة أصحاب الأراضي المجاورة ،وعليه فان قرار الحفر للآبار الجديدة يجب أن يكون بالإجماع من كافة الأطراف.
واستكمالا للقضية توجهنا إلى وزير الزراعة د.إسماعيل دعيق الذي كشف أن مياه نبع الفارعة في حالتها الطبيعية تخدم 300 دونم من الأراضي الزراعية، أما الآبار العشوائية فإنها تروي 7 ألاف دونم، ومع ذلك فان عشوائية الآبار كانت وما زالت تخدم مزارع هنا وتقض مضجع مزارع هناك، وبالتالي فان وزارة الزراعة قامت في الأيام الماضية باستملاك بئر قريب من النبع وسيقام خزان مع شبكة توصيل مياه لتزويد الـ 300 دونم التي كانت تعتمد على نبع الفارعة بالمياه وخلال شهرين سيتم معالجة الموضوع بشكل جذري.
المياه في فلسطين أزمة إنسانية
وعندما نطرح أزمة المياه في فلسطين من باب، فإنها بحق أزمة إنسانية مشرعة الأبواب، وحتى ذلك الموعد المقرر للحلول وخاصة في قضية وادي الفارعه فان الجهات المختصة مطالبة بتطبيق قانون المياه بكل جذوره من خلال إعلان الحظر الشامل على أعمال الحفر، واتخاذ العقوبات الرادعة لمن يخالف هذا الأمر، باعتبار أن المياه تدخل ضمن الأمن القومي، وأن عملية استنزافها يهدد استمرار الحياة على الأرض بشكل عام.