الثلاثاء: 26/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

هنية في كلمة بمناسبة رمضان: الفلسطينيون في قارب و احد و لا سبيل امامهم الا تعزيز وحدتهم والصبر في مواجهة الحصار الظالم

نشر بتاريخ: 23/09/2006 ( آخر تحديث: 23/09/2006 الساعة: 22:10 )
غزة - معا- وجه رئيس الوزراء اسماعيل هنية كلمة للشعب الفلسطيني بمناسبة شهر رمضان دعا فيها الى المزيد من الثبات والصمود، مضيفا أن رمضان علم المؤمنين معنى الصبر على المحن والجوع والحصار الظالم.

وتمنى رئيس الوزراء في كلمته أن يكون الصيام عن الفساد و الفتنه و ان يبارك الله للشعب الفلسطيني التوحد في هذا الشهر الفضيل لان الفلسطينين في مركب و احد و لا سبيل امامهم سوي تعزيز الوحدة الوطنية.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله , الرحمة المهداة و النعمة المسداة و السراج المنير , و على آله و صحبه و من استن بسنته و دعا بدعوته الى يوم الدين.

الى شعبنا الفلسطيني , الكريم المجاهد المرابط الصابر ..الى كل فرد من ابناء شعبنا في الوطن و الشتات.

احييكم بتحية الاسلام المباركة الطيبة , فالسلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

اما بعد .

انها لمناسبة عظيمة ان اخاطبكم في مستهل شهر رمضان المبارك , شهر الخير و الرحمات و البركات , شهر النصر و الفتوحات , شهر الرحمة و المغفرة و العتق من النار ...هذا الشهر الذي يلهمنا المزيد من قوة الايمان و رسوخ اليقين و الامل بنصر الله و توفيقه ..

هذا الشهر الذي يجمعنا اليوم تحت مظلته , حكاما و محكومين , فقراء و اغنياء , رجالا و نساء , لكي يذكرنا دوما بما امتن الله علينا باننا "أمة واحدة" و انه لا مجال لهذه الامة الا ان تتوحد رغم ما تواجهه من اخطار و تحديات .

هذا الشهر العظيم المبارك , الذي نزل فيه القران رحمة للناس و شفاء لما في الصدور و انقاذا للبشرية من عنتها و شقائها ,و سيرا بهم في طريق السلام و الامن و الرحمة و المحبة .

ان الشهر الذي يشعرنا بقوة الصبر و قدرته على هزم ارادات الشهوة و الخنوع لنزوات الارض .هذا الصبر الذي تسلحنا به دوما طوال حياتنا و نحن نكابد الم الاحتلال و جرائمه المرة القاسية , فكان رمضان يمنحنا المزيد من القوة و المزيد من الثبات و المزيد من العطاء , فظلت ارضنا عالقة بارواحنا و ظلت القدس تصاحبنا في حلنا و ترحالنا ,و ظلت صورة اللاجئين المهجرين ملازمة لنا اينما كنا ,و ظلت معاناة شعبنا تذكرنا باننا على الحق و ان قضيتنا عادلة و ان كفاحنا مشروع .

يأتي رمضان و نحن نكابد هذا الحصار الظالم الذي يريد ان ينال من صمودنا و عزيمتنا و ثباتنا على حقوقنا ..لكن رمضان علمنا عظمة الصمود امام محنة الجوع ,و علمنا عزة النفس امام اغراءات و شهوات الحياة ,و علمنا قدسية الرباط و الثبات امام محاولات التركيع و الابتزاز .

صحيح ان اوضاعنا قاسية مريرة , عانينا فيها كلنا , حكومة و شعبا و موظفين و عمال و اولياء امور ... و صحيح ان هذا الحصار الظالم لم يدع بيتا الا و اصابه بشيء من الجوع و شظف العيش لكننا نؤكد باننا شعب قوي الارادة , عصي على التطويع و الانكسار , شامخ شموخ الجبال و ما كان لهذا الحصار و هذه المقاطعة ان تنال منا و من ايماننا بعدالة قضيتنا .

ان ارتباطنا الاول و الاخير هو بالله عز وجل , الذي علمنا في قرانه العظيم ان نتكل عليه و لا نتكل على احد سواه ,و ان نفوض امرنا اليه و الا نلجأ منه الا اليه " و من يتوكل على الله فهو حسبه ",و من يتق الله يجعل له مخرجا و يرزقه من حيث لا يحتسب ".

ان ثقتنا بالله , العلي القدير , كبيرة ليس لها حدود ,و ايماننا به يملأنا يقينا بانه مهما تكالبت علينا الامم و مهما تآمرت و مهما حاصرت و بغت فان الامر مرده لله , ينفذه بحكمته و يمضيه بارادته "ولو اجتمعوا على ان يضروك بشيء لم يضروك الا بشيء قد كتبه الله عليك ".

لقد وقفنا امام هذا الحصار مع ابناء شعبنا وقفة رجل واحد ,نتألم لالمه و نحزن لحزنه و نحمل معه من الهم ما حمل ,و سعينا بما اتانا الله من قوة و قدرة لفك هذا الحصار و كسره و تقديم لقمة العيش لاطفالنا و ايتامنا و نسائنا المعذبات .. لقمة ممزوجة بالكرامة و ليس لقمة مشتراة باي ثمن .ان السنوات التي قضاها رسول الله صلى الله عليه و سلم في شعب أبي طالب و هم يحاصرونه و يجوعون اصحابه و يمنعون عنهم كل شيء لم تمض حتى كتب الله لهم النصر و الغلبة , تعليما للناس بان الصبر على المبادئ و القيم يقود حتما الى نصر و تمكين .

لقد رفضنا ان نتنازل عن حقوقنا و ثوابتنا و ان نمنح الاحتلال شرعية على ارضنا و ترابنا و قدسنا ,و لاجل ذلك حاربونا في لقمة عيشنا و منعوا وصول اموالنا التي تبرعت بها دولنا العربية و الاسلامية الشقيقة بل و البوا علينا القريب و البعيد لكي يجعلوا الحياة عذابا و ألما .

اننا و نحن نتفيأ ظلال هذا الشهر الكريم ,الذي وسع الناس رحمة و خيرا , لنذكر بعضنا البعض ,باننا لا زلنا اخوة في الدين , اخوة في الوطن , نبحر في قارب واحد و نواجه عدوا مشتركا ,لذا ليس امامنا من خيار الا تعزيز وحدتنا و اخوتنا , ان هذه المعاني العظيمة التي علمناها شهر رمضان المبارك الذي حثنا على التكافل و التراحم و المودة .... لا مكان بيننا -في هذا الوطن - لكراهية او حقد او بغضاء ...لا مكان للشحناء و العداوة والتفرق , فلننبذ بيننا كل هذه الامراض السقيمة التي لا تعود علينا الا بكل ما هو شر و سوء ,و لنزرع بيننا المحبة و الصفاء ... لنزرع الامل و الرحمة في كل بيت .

ما اجدرنا ان نستشعر هذه المعاني الرائعة ,لانها زادنا في طريقنا الطويل نحو الحرية و الاستقلال و الحرية ...

ما اجدرنا ان نستحضر دوما بان الله اتم علينا نعمته و رضي لنا الاسلام دينا و الف بين قلوبنا و نزع من قلوبنا الغل و الحسد و الحقد ...

ان هذا الشهر العظيم يستوجب منا ان نقف وقفة جادة مع انفسنا ,نراجع حساباتنا و نقيم اعمالنا ,و نخلص النية لله و نبدأ صفحة جديدة , تقوم على العمل الصالح و الاخوة الصادقة و البناء المثمر ...

انها فرصة عظيمة ان نفتح صفحة جديدة مع الله عز وجل , نتوب فيها توبة نصوحا , و نستدرك ما فاتنا من عمل صالح , و نجدد العهد على الثبات و اليقين و السير في طريق الاصلاح و الخير.....

انها فرصة عظيمة ان يعي الاغنياء بان اموالهم امانة عندهم ,مسؤولون عنها يوم الحساب الاكبر ,و هي حسرة ووبال ان لم يؤدوا حقها .

انها فرصة عظيمة لكي نؤكد تلاحمنا وتكافلنا و تآخينا ,و تعالينا على الاساءات و غفراننا للزلات, و لنتجاوز عن الخصومات و المناكفات التي اوشكت ان تفسد ذات بيننا " و لا تنازعوا فتفشلوا و تذهب ريحكم "...

انه شهر الرحمة , فلنكن رحماء باليتامى والضعفاء وذوي الشهداء و الاسرى ... لنكن رحماء بالمساكين و الذين تقطعت بهم السبل في خضم هذه الحياة الصعبة .. لنكن رحماء بالذين فقدوا اعزاءهم و فقدوا بيوتهم و ممتلكاتهم و مزارعهم.

انه شهر الصوم .. الصوم الحقيقي ,الذي يمنع النفس من ارتكاب الموبقات و ينهاها عن الشهوات و يلزمها طريق التقوى و الايمان , فلنصم عن الحرام و عن الكذب و الرياء و اكل المال الحرام و قطع الرحم .

ليكن صومنا عن عما يغضب الله و عن الكذب و التشهير و الطعن و البيانات المدسوسة و التصريحات الحادة التي تفرق و لا تجمع .

ليكن صومنا عن الفساد و الفتنة و كل ما يعكر صفونا و سلامنا و راحتنا ..و لنجتمع على كلمة سواء .

ليكن صومنا عن كلمة تهوى بنا الى التفرقة و التشتت والصدام .

انه شهر الدعاء فلنتضرع الى الله دوما بان يصرف عنا هذا البلاء و يبدلنا من بعده سعة و فرجا و يسرا .
.
لندع الله -بكل اسمائه و صفاته - ان يمنح شعبنا الحرية و الامن و يخلصه من الاحتلال و رجسه و عذاباته ...

لندع الله ان يمن على امة الاسلام بالتوحد و قوة الصف و العمل الجاد و المخلص كي تنهض و تعيد للاسلام رايته و مجده .

لندع الله لشهدائنا بالرحمة ولاسرانا بالحرية و لجرحانا بالشفاء و لموتانا بالرضى و المغفرة ..

انه ولي ذلك و القادر عليه .

و اننا نتوجه الى امتنا العربية و الاسلامية , قادة وحكومات و شعوبا , بالتهنئة الحارة و المباركة بهذا الشهر الفضيل , سائلين الله تعالى ان يجمعنا في باحة الاقصى مهللين و مكبرين , و اننا نغتنم هذه الفرصة لنتوجه بالعرفان والشكر الجزيل الى كل الذين وقفوا الى جانبنا و أمدونا بعد الله بكل اسباب العون و المساعدة و نقول لهم جزاكم الله كل خير عن كل دمعة مسحتموها عن وجه طفل يتيم ,و عن كل كربة فرجتموها عن اسرة مكلومة ,و عن كل مصيبة خففتموها عن ام بكت ولدها او زوجها او اخاها ,و اننا نثمن فيكم هذه الروح ,روح البذل و العطاء ,روح الانتماء للاسلام و العروبة , روح الحب للقدس و فلسطين ,و نقول لكم : نحن و اياكم على درب واحد و طريق واحد حتى تعود الارض الى اهلها ويعود مسرى محمد (ص) لاحضان الاسلام يحجه كل مسلم و يغنم فيه صلاة في المسجد المبارك .

انني في هذا الشهر الفضيل ادعو ابناء أمتنا العربية و الإسلامية الى الوقوف الى جانب شعبنا المحاصر و المكلوم و ادعوهم أن يدعموا شعبنا سياسيا وماليا واقتصاديا ، فقد بلغ الضر مداه ووصل الى كل بيت و أسرة .. كما أتوجه إلى علماء الأمة و على رأسهم فضيلة العلامة الشيخ يوسف القرضاوي أن يوجهوا النداءات لكل أبناء الأمة بأن يقفوا الى جانب شعبنا و الا يتركوهم نهبا للاحتلال و ونهبا للحصار والجوع .

اننا نؤكد لاهلنا في بقاع الارض اننا على عهدنا و ثباتنا و ايماننا بعدالة قضيتنا ,و ان الله تعالى لن يخذلنا و لن يترنا اعمالنا , بل نرجوه و نطمع في رحمته ان يثبت على الحق اقدامنا و يمدنا باسباب القوة و التمكين و ان يهيأ لنا من امرنا رشدا .
انني وبهذه المناسبة أتوجه بالتهنئة لعوائل الشهداء و الجرحى و الأسرى في سجن الاحتلال وأقول لهم صبرا أيها الأبطال فالفجر آت آت بإذن الله ...

كما أتوجه بالتهنئة إلى شعبنا في الشتات ومخيمات اللجوء وأؤكد لهم أننا على عهدنا معكم بأن لا نفرط بحق عودتكم إلى الأرض والديار .. وعهدنا معكم أن نقف معكم في كل محطات المعاناة حتى يأذن الله لنا ولكم بالفرج العاجل ..

و صلى الله على سيدنا محمد و اله و صحبه و سلم