الإثنين: 23/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

نساء في المناطق المهمشة خارج نطاق الخدمة الحكومية أو الأهلية

نشر بتاريخ: 24/05/2011 ( آخر تحديث: 24/05/2011 الساعة: 17:50 )
غزة- معا - سمر الدريملي- لا تملك من الزمن الحاضر سوى عقربي "وقت" في ساعة يد صغيرة وقديمة ترتديها بيدها الخشنة المليئة بالتشققات وآثار التراب و"شحبار" النار التي تستخدمها للطهي والتدفئة وتسخين ماء الاستحمام..

الحاجة سالمة تصحو وتغفو.. وتغفو وتصحو .. وكأن الكرة الأرضية حولها ثابتة لا تتحرك.. والحياة راكدة لا تتغير.. فلا وجود لحماس وفتح هناك.. ولا دردشة في وقت العصرية حول المصالحة الوطنية.. ولا دراية بثورات وحركات التغيير التي تجتاح العالم العربي الآن..

ما يشغل يومها هو تجميع الحطب وإطعام الخروفين... والحفاظ على لفة السكر وربطة الملح المعلقين في سقف الزينجو من الرطوبة والحشرات.. ونظافة أواني الطبخ الثلاث الوحيدة التي تملكها" البراد... الطنجرة.. المقلاة..".. وعندما يحل الليل تخلد للنوم بينما قد يخلد قبلها ثعبان بالقرب من فرشتها البالية..

الحاجة سالمة التي يبدو أن عمرها تجاوز الستين عاماً حيث لا تدري كم من العمر بلغت حتى الآن بالضبط تعيش في منطقة بعيدة ومهمشة من قطاع غزة، وبالتحديد في رفح منطقة شرق العبور جنوب القطاع، هي وعدد من الأسر الفلسطينية تحيطهم أشجار الصبار المسكونة بالثعابين والحشرات الزاحفة.. ويبعد عنهم كل شيء يتعلق بالصحة أو التعليم أو أي مظهر حضاري على الإطلاق.. ويزيدهم الجهل والفقر المنتشر بينهم انغلاقاً وبعداً عن العالم.. كما وينتشر بينهم زواج الأقارب والزواج المبكر...

تقول سالمة وهي لاجئة من بئر السبع، تزوجت وعمري 16 عاماً، وعندي ولدان وأربع بنات جميعهم تزوجوا ويعيشون حولي، كما فقدت ابنة لي وعمرها 7 شهور حيث ماتت من شدة البرد.

وتضيف "أبوي وأمي ما علموني.. ولما أبصم على ورقة بأخاف .. لأني ما بعرف على ايش بأبصم.. كان نفسي أتعلم ..كان بأمسك الدنيا كلها بايديا الاثنتين".

وتعيش سالمة في غرفة جدرانها وسقفها من الزينجو وهي فارغة تماماً إلا من فرشة وبعض الأواني الملقاة هنا وهناك ومرآة صغيرة معلقة بسقف الغرفة، ويجاورها أولادها في غرف صغيرة، وتعتمد سالمة على تربية الخراف في الإنفاق على حياتها وعلى حياة أولادها حيث كلما كبر خروف باعته، كما تقوم بالاستدانة في كثير من الأحيان كي تؤمن قوت يومها".

وتعاني سالمة من انزلاق غضروفي في ظهرها، كما تعاني من الضغط والسكر، ولأن الخدمات الصحية لا تتوفر في مكان سكنها تضطر للذهاب للمركز الصحي في المدينة الذي يبعد خمسة كيلومترات تضطر لسيرها في كثير من الأحيان ما لم تجد وسيلة نقل تقلها من مكانها النائي خارج حدود الحياة المدنية.

خارج نطاق الخدمة
يؤكد محمود الابن الأصغر لسالمة والذي يبلغ من العمر 22 عاماً، ومتزوج من إحدى قريباته في الخامسة عشر من عمرها أنه بالكاد يحصل على عشرة شواقل جراء عمله عند بعض المزارعين، حيث يجلب بعض الخضار، لكن العمل متقطع وبالكاد يسد رمق عائلته مما يضطره للاستدانة من الآخرين كي يؤمن قوت يومه ومتطلبات العائلة من ملابس ودواء.

ويتنهد محمود ويقول "إحنا كأنا مش مذكورين مع البشر.. عايشين على حصة أبويا من هذي الأرض.. وما بنعرف اشي في الدنيا".

أما زوجته صابرين فتعبر عن مللها من نظام حياتها الذي يكرر نفسه فتقول "زهقت من شغل الدار، ومن نفس الوجوه، نفسي أكمل تعليمي بس زوجي مش راضي، خلوني أسيب المدرسة من الصف العاشر".

وترتدي صابرين تنورة طويلة قديمة ذات ألوان مزركشة، وبلوزة زرقاء وواضح جداً أنها كبيرة عليها، وترمي اشارب على رأسها وعلى رقبتها بشكل مهمل وغير منظم، وترتدي قبقاب مقطع وبالي يمسك بعضه بعضاً".

سألتها "عمرك يا صابرين رحتي هناك.. بعيد.. أرأيتي غزة.. فنظرت نظرة بعيدة كلها أمل وشوق قائلةً بملئ فيها بتنهيدة طويلة.."لا".

يذكر أن جيش الاحتلال الإسرائيلي يستبيح هذه المنطقة كلما قام بعملية عسكرية واسعة أو ضيقة في قطاع غزة، حيث يقوم الجنود الإسرائيليون بتمشيط المنطقة والسير بها مشياً على الأقدام والقيام بعمليات المراقبة من خلالها.

أيام مكررة
لم يكن هناك باب دار لندقه أو جرس لنقرعه، بل كل ما هنالك صفيحة من الحديد ملقاة على الأرض بالعرض، رفعناها ونادينا ومشينا بضعة خطوات حتى خرجت لنا تمام.م تلك المرأة التي لم تتجاوز الأربعين عاماً، وتعيش في هذه المنطقة الفقيرة هي وأسرتها المكونة من (9) أفراد أكبرهم (23) عاماً وأصغرهم طفلة لم تتجاوز الأربعة أشهر، وجميعهم لم يتلق التعليم ما عدا ابنة وحيدة هي كفاح البالغة من العمر (19) عاماً حيث درست حتى الصف الحادي عشر، ومن ثم تركت الدراسة بعد زواجها من أحد أقاربها منذ (20) يوماً.

وتقول كفاح: "تركت الدراسة لأن زوجي طلب مني ذلك، وأنا تشجعت لذلك لأنو فش مادة، والمدرسة بعيدة جداً، ولا يوجد مواصلات في المنطقة".
وتعتبر كفاح البالغة من العمر (18) عاماً أن أجمل شيء حدث في حياتها هو ارتداؤها "البدلة البيضاء" -التي مذ رأتها تمنتها ودفعت- ثمنها200 شيكل، حيث عقد قرانها في غرفة صغيرة في بيت أهلها.

اما والداتها فتعبر عن مللها من الأيام "التي تشبه بعضها بعضاً" وتقول "أنا خايفة على بنتي من الفقر.. احنا العجايز بندبر حالنا، بس هما الي زيهم جهلة".

وهل تعتبري نفسك "عجوزة" سألتها فأجابت: "والله ما انا عجوزة بس الوقت خلاني عجوزة".

وتعتمد أسرة تمام التي تمتد جذورها لبقايا العائلات الفلسطينية في شبه جزيرة سيناء "المصرية" جنوب قطاع غزة، على تربية بضعة أغنام في تدبير مصاريف حياتهم اليومية.

تمام وبقية أفراد أسرتها التفوا حولنا وأصروا إلا أن نحتسي الشاي معهم، هم لم يريدوا تركنا نمضي فقد تآنسوا بنا -كما علقت تمام- وشعروا بالتغيير في ظل روتين حياتهم "القاسي"الذي كُسر بهذه الوجوه الجديدة التي أطلت عليهم، وبالكاد استطعنا أن نقنعهم بأننا يجب أن نغادر.

"تابو اجتماعي"
يذكر أنه في المناطق المهمشة والحدودية للقطاع توجد نسبة كبيرة من النساء الأميات، ونسبة بالكاد تذكر من الحاصلات على الشهادة الجامعية أو الدبلوم، وسبب تراجع التعليم في تلك المناطق هو انتشار الفقر، وتفضيل زواج الفتاة على تعليمها، وجهل الأهالي وعدم الوعي بأهمية التعليم، وبعد المدارس عن المنازل.

لكن مع ذلك تحاول قليل من النساء في تلك المناطق كسر عزلتهن من خلال محاولتهن للخروج والاندماج في المجتمع من خلال المؤسسات، لكن النسبة الأكبر تحاول البحث عن إجابات عن تساؤلاتهن في دائرة ضيقة وصغيرة لا تتعدى الأقارب والمعارف لطلب التوعية في قضايا يشعرن أنها لا تمثل الأولوية في حياتهن، وعلينا أن لا ننسى أن المجتمعات العربية تنطوي على قيم تقليدية أفرزتها التكوينات الاجتماعية الفاعلة أبرزها العشيرة، وهذه القيم تتسم بالثبات، ومن بين هذه القيم التحكم بحرية حركة المرأة والتي تدل على منظومة من المحرمات التي باتت تشكل تابو اجتماعي ثابت.

ممنوع الاقتراب
تعتبر المناطق الحدودية في رفح ومنطقة شرق العبور تابعة لبلدية الشوكة، وبهذا الإطار قال رئيس بلدية الشوكة منصور بريك، أن هذه المنطقة في الجنوب الشرقي لقطاع غزة تعاني من الاجتياحات الإسرائيلية المتكررة وفي كل اجتياح يتم تدمير الكثير من الدفيئات الزراعية، وقتل الدواجن، والأكثر تأثراً من ذلك المرأة والطفل، حيث يصابون بضرر كبير نتيجة انقطاع مصدر الرزق، مشيراً إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يمنع إنشاء وتعبيد طرق في المنطقة الحدودية عند معبر رفح، بل أنه في بعض الأحيان يعلن أنها منطقة ممنوع الاقتراب منها.

وأكد على ضرورة زيادة نسبة الوعي والتعليم والتثقيف لدى النساء في كل المناطق الحدودية من القطاع لاسيما هذه المنطقة وذلك بالتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني والأهلي والحكومي كافة، وتوفير الدعم اللازم لتخفيف معاناة النساء في تلك المناطق.

وحول السياسات والتدابير التي تم اتخاذها لخدمة الطالبات في المنطقة قال "نحاول جاهدين أن ننشر ثقافة التعليم في المناطق الحدودية في رفح، وقد افتتحنا خلال شهر سبتمبر/أيلول من العام الماضي مدرسة "بنات الشوكة الثانوية" في منطقة الشوكة الوسطى وبذلك توفر على الكثير من الطالبات في منطقة شرق العبور "السير 6 كيلومترات على الأقدام، كما سلمنا وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأنروا" ووزارة التربية والتعليم ثلاث قطع أراضي لبناء مدارس فوقها في مناطق مختلفة من الشوكة، وكي يتحقق ذلك "نحن بحاجة لمزيد من مواد البناء والدعم المالي".

وأشار إلى أن كلية المجتمع العربية بجوار بلدية الشوكة تدرس إمكانية رفع مستوى التعليم فيها من درجة "الدبلوم" إلى درجة "البكالوريوس".

انقطاع التمويل
من جانبه أوضح محمد العروقي-مدير التنسيق الوطني لمكتب اليونسكو في غزة أن اليونسكو "منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة" تقدم خدمات لتعليم كبار السن من خلال برامج محو الأمية خاصة النساء، لكن للأسف التمويل في هذا المجال في العام الماضي والجاري في حالة انقطاع، منوهاً إلى أن منظمة اليونسكو حالياً لها بعض الأنشطة المتواضعة فيما يتعلق بتشجيع النساء على التعليم من ضمنها تنظيم فعاليات ومؤتمرات تدعو النساء لضرورة مواصلة تعليمهن، وتكريم النساء اللاتي يواجهن الظروف الصعبة ويتعلمن في سن متأخرة، كما يتم عرض قصص نجاح هؤلاء النسوة على مستوى الأسرة والمحيط الاجتماعي.

وتابع العروقي "هناك برنامج آخر يهدف لتعزيز التعليم في المناطق الحدودية على مستوى قطاع غزة مع (20) مدرسة ثانوية، من خلال عقد ورش توعوية وتثقيفية للطلبة من كلا الجنسين لمواصلة تعليمهن وعدم ترك مقاعد الدراسة لأي ظرف كان".

بينهن قياديات ورياديات
بدوره قال أمجد الشوا، مدير شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية أن المناطق الحدودية في قطاع غزة ولا سيما منطقة شرق العبور تعتبر من أكثر مناطق القطاع تهميشاً في مختلف الخدمات سواء المقدمة من الجهات الحكومية أو الأهلية، كما أن حجم التمويل المخصص لهذه المناطق قليل، مشيراً إلى أنها بحاجة لمشاريع تنموية وليس فقط مشاريع إغاثية، واستهداف مختلف القطاعات والفئات وعلى رأسها المرأة.

وأضاف: "النساء في هذه المنطقة بأمس الحاجة للتثقيف والتأهيل المجتمعي والتعليم، وعند العمل معهن قد نجد بأن هناك العديد منهن يصلحن أن يكن نساء قياديات ورياديات في المجتمع الفلسطيني، وقد يكشف العمل معهن العديد من قصص النجاح المبهرة".

وعبر الشوا عن أمله في أن تساهم المصالحة الوطنية في إيجاد حكومة جادة تضع في الحسبان وضع خطة وطنية تشارك فيها كل أطراف المجتمع المدني والحكومي لتحديد الاحتياجات الحقيقية لهذه المنطقة والمناطق الشبيهة لها في قطاع غزة، لتطوير وتنمية مختلف القطاعات والفئات فيها، بالإضافة لتدريب وتأهيل المؤسسات الفاعلة في تلك المناطق.

يذكر أن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني أصدر تقريره السنوي حول النوع الاجتماع والتنمية عام 2006 في فلسطين، حيث خلص التقرير إلى عدد من النتائج أهمها ارتفاع نسبة القراءة والكتابة لدى الأفراد فوق 15 عاماً بنسبة 88.9 % للإناث عام 2005، بفارق 5% عما كانت عليه عام 2000، حيث بلغت وقتها 83.9%، كما تم رصد الارتفاع بالنسبة للذكور حيث بلغ 96.9%.

وأكد التقرير خلال استعراض نتائجه أن نسبة الحاصلين على شهادة البكالوريوس ارتفعت بالنسبة للإناث حيث وصلت عام 2005(5.8%) بعد أن كانت (3.6 %) وذلك بفارق (61.1%)، كما ارتفعت أيضاً نسبة الذكور لتصل إلى (9.2 %) بعد أن بلغت عام 2000 حوالي (7.6%) محققة بذلك زيادة (21.1%).

خارج الحقل الصغير
سُمرة اللون والعيون البراقة شديدة الملاحظة سمة نساء تلك المنطقة.. حيث تتجلى أحلامهن البسيطة في بعض الرفاهية.. كهرباء وماء دون انقطاع.. تعليم مجاني.. ومدارس قريبة تستطيع الفتيات الالتحاق بها دون تكبيد أسرهن عناء الرسوم أو المواصلات..

العالم هو محيطهن الصغير، وعائلاتهن الصغيرة لا تعرفن بما يدور خارج الحقل الصغير الذي يزرعن فيه بعض الخضروات لحاجة البيت أو بعض الخراف التي تؤنس أيامهن بصوتها مع صخب الأطفال الذين يلعبون في باحة الدار .. لا يعرفون أن خارج الأسوار عالم "ديجيتال وإنترنت" وملاعب أطفال لا يمكن لهم تخيلها.. لا أزياء أو موضة .. لا راديو أو تلفاز..

النوم المبكر والصحو المبكر وأحاديث متكررة حول إبريق الشاي أبرز ملامح الحياة هناك..