عندما يتشنج الخطاب وتختلف المواقف
نشر بتاريخ: 18/07/2005 ( آخر تحديث: 18/07/2005 الساعة: 10:29 )
كتب مهيب النواتي : يعيش الشارع الفلسطيني منذ أيام حالة من التوتر الشديد نتيجة المواجهة المسلحة بين حركة حماس وبين السلطة الفلسطينية. هذه الحالة التي باتت تقلق المواطن الفلسطيني وتهدد الاستقرار الوطني بشكل لم يسبق له مثيل, خاصة بعد أن تدخل الاحتلال بشكل علني ليس لمساندة طرف على آخر, بل لضرب الكل الفلسطيني في مقتل.
صبيحة يوم الأحداث المؤسفة التي بدأت عشية الخميس الماضي كنا في ضيافة حركة المقاومة الاسلامية حماس حين دعت عددا من الصحفيين والإعلاميين في لقاء مفتوح مع الحركة التي مثلها في اللقاء كل من الشيخين الفاضلين إسماعيل هنية وسعيد صيام, وكان بجنبهما الناطق الإعلامي مشير المصري.
في هذا اللقاء المفتوح والجريء استبشرنا خيرا مما قاله القياديان في حماس, وكنا على قدر مسئولية دعوة الانفتاح والصراحة التي تحدث عنها وبها قادة حماس نحو المجتمع الفلسطيني بكافة شرائحه, ولم نتوانى في مداخلتنا أن نتطرق إلى حقيقة وجود خطابين لدى حركة حماس, خطاب قيادي شجاع وجريء يبحث عن وحدة الوطن وحرية الرأي والانفتاح, وخطاب قاعدي متشنج نحو الآخر, لا يرى في الوطن سوى حماس ولا غير حماس.
ورغم دفاع الشيخ سعيد صيام عن وحدة خطاب الحركة, إلا انه لم ينف وجود حالات من ردود فعل أفراد حماس التي قد لا تعبر عن مواقف الحركة, وهو الأمر الذي يجب ألا يحسب على حركة حماس كما قال الشيخ سعيد صيام.
لكن للحقيقة فان المشكلة الرئيسة في إشكالية علاقة حماس بالآخر الفلسطيني هي هذه الجزئية الهامة والتي كتبتُ فيها قبل ذلك عدة مقالات استندت فيها إلى معلومات وحقائق, حذرنا خلالها من أن فئوية الخطاب القاعدي لدى حركة حماس لن تفيد مشروع الانفتاح السياسي الديموقراطي الذي اتخذته الحركة, والذي بموجبه قررت حماس خوض عمليات الانتخابات البلدية والمحلية ومن ثم التشريعية المنتظرة.
وقلنا أن الانفتاح السياسي على المجتمع الفلسطيني يفرض على حركة حماس أن يكون خطابها شموليا مع وجوب أن يوافقه ممارسة عملية تتطابق معه ولا تتنافر.
في لقائنا سالف الذكر في ضيافة حماس قال القياديان الشيخ إسماعيل هنية و الشيخ سعيد صيام أن حماس كانت وستظل دائما منحازة إلى المصلحة الوطنية ومصلحة الشعب الفلسطيني وان بندقيتها المقاومة لن تنحرف ولن توجه إلى غير أعداء الشعب الفلسطيني.
هذا الحديث لقادة حماس الذي استبشرنا به صبيحة يوم الأحداث خيرا, صعقنا عندما تابعنا تطور الأحداث في شمال قطاع غزة مساء نفس اليوم, فبعد ورود أخبار عن حدوث مصادمة بين قوات من الشرطة الفلسطينية وبين عناصر من كتائب القسام, اعتقد بعض الإعلاميين والصحفيين أن هذا الحدث سيزول بسرعة لان حركة حماس حسمت مواقفها تجاه وحدة الدم الفلسطيني وهي لن تتراجع. لكن الصدمة كانت عندما علمنا أن الأحداث تطورت بشكل غير مريح حين هاجم مسلحون من حماس مقر الشرطة الفلسطينية وضربوه بقذائف الار بي جي ودمروه كاملة وحرقوا 4 سيارات واخذوا معهم سيارة خامسة.
ثم تطورت الأحداث بشكل درامي متسارع حين دخل الاحتلال بسرعة البرق على الخط الفلسطيني ليقصف سيارات ومواقع لحركة حماس ويقتل عناصر من نشطائها, في خطوة لا يمكن تفسيرها بغير سعي الاحتلال لإذكاء نار الفتنة.
وهنا كان يجب على حركة حماس أن تدرك جيدا أن الاحتلال بتدخله السافر لم يكن ليتدخل بطريقته الإجرامية هذه " علشان خاطر عيون السلطة " أو لدعم مواجهتها لحركة حماس, فالكل يعرف أن السلطة الفلسطينية تمتلك من الأفراد العسكريين ما يزيد على "45000 " وهذا العدد بتقديري كاف لفرض حالة من الرعب لدى الشارع الفلسطيني إذا ما أرادت السلطة الفلسطينية فرض قراراتها بقوة السلاح والمواجهة. لكن الأكيد أن السلطة الفلسطينية بقيادة رئيسها المنتخب محمود عباس ظلت منحازة إلى خيارات الوحدة ورفض المواجهة وضرب ما يسمى " بالبنى التحتية للمنظمات الإرهابية الفلسطينية " والتي طولب الرئيس محمود عباس بتنفيذها منذ أن كان رئيسا للوزراء قبل أن ينتخب رئيسا للشعب الفلسطيني, إلى درجة دعت كثير من الكتاب إلى اتهام السلطة بالضعف وعدم القدرة على اتخاذ القرار.
كما أن الاحتلال لا يمكن أن يقف إلى جانب قوات الامن الفلسطينية مناصرا لها وهي التي سجلت أكثر من 800 شهيد خلال انتفاضة الأقصى, كما أن جزئا كبيرا من كتائب الأقصى والمقاومة كانوا عناصر في هذه الأجهزة الأمنية.
نستغرب هنا في ظل ما نطرحه تشنج خطاب حماس وممارستها خلال هذه الأزمة وعدم إدراكها وتعاطيها مع تدخل الاحتلال على خط المواجهة. ومن تابع خطاب قادة حماس يدرك تماما مدى هذا التشنج الذي أدى إلى أن تنحرف حركة حماس عن طبيعة مواقفها وتغيرها, خاصة ما يتعلق بوحدة الدم الفلسطيني والانحياز إلى مصلحة الشعب والوطن, وبدلا من أن تنحاز حماس إلى إنجازاتها ومكتسباتها السياسية والجماهيرية التي حققتها على مدار السنوات الماضية, فضلت تصعيد الموقف مع السلطة الفلسطينية في خطوة غير مفهومة للكثيرين.
كنت اعتقد أن قادة حماس أدركوا أهمية الانفتاح على مستقبل الحركة وبالتالي فان كافة جهودهم المستقبلية ستنصب لخدمة هذا الانفتاح نحو الشعب ومصالحه, حتى ولو انتقصت حقوقهم وتعرضوا إلى الأذى " على سبيل المثال والافتراض ".
وللحقيقة فان اعتقادنا هذا هو الذي أوجب علىً الوقوف والانتظار والتمهل قبل أن أحكم على الأمور, ولم أرد أن أنتقد موقف حماس دون الانتظار لرؤية مجريات الأمور وتتابع الأحداث. لكنني بعد هذا التتابع لمجريات الأحداث على الأرض وتصريحات مسئولي حماس خاصة ما يتعلق منها بالتعليق على خطاب الرئيس الفلسطيني بشكل غير مقبول, وبإصرار حماس على طلب استقالة اللواء نصر يوسف, وباتهام سلطة شرعية بأنها تمارس دور شرطي الاحتلال على حدود الوطن, لم أجد بداً من أن أكتب هذا المقال مطالبا فيه حركة حماس بالاعتدال في خطابها ودعم أقوالها نحو الانفتاح ووحدة الدم والمصلحة بالأفعال الواضحة. لأنه لا يجوز بأي حال من الأحوال أن ادعي الحرص على المصلحة وعدم حرف البندقية وان تكون ردود فعلي سريعة بمثل الذي كان, لان هذه الردود بسرعتها وطبيعتها تنسف كل ما كان يقال ويصدر عن حركة حماس من حرص وانفتاح على الكل الفلسطيني.
ما يحدث الآن في خطاب حركة حماس تجاه السلطة ورموزها غير مقبول, ليس لأنه ضد رموز في السلطة الفلسطينية, فمن يدخل السلطة يعرف ويدرك تماما انه بمجرد دخوله ومشاركته سيصبح عرضة للنقد والانتقاد, ولكن لأنه يتنافى مع كل ما كانت تقوله حماس وتدعيه. لذا فان حركة حماس وللمرة الثانية مدعوة إلى إعادة التأكيد على أن ما كانت تقوله وتدعو إليه يمثل حقائق ومواقف عملية للحركة, وليس مجرد كلاما للاستهلاك الإعلامي. كما أنها مدعوة للإثبات بان خطابها واحدا لا يتغير ولا تبدله الأحداث والمواقف.