الإثنين: 30/09/2024 بتوقيت القدس الشريف

شاهدان على النكبة يرسمان أم الزينات والمجدل

نشر بتاريخ: 25/05/2011 ( آخر تحديث: 25/05/2011 الساعة: 20:49 )
جنين -معا - أعاد الحاجان السبعينيان محمد حمد صبح" أبو منصور"، ومحمد صالح عرجا "أبو عاطف"، اليوم رسم قريتهما أم الزينات والفالوجة، بتفاصيلها الدقيقة، وسهولها، ومبانيها، وأسواقها، وحقولها، وجبالها، وعائلاتها.

واستعاد صبح والعرجا خلال ندوة نظمتها وزارتا الإعلام والثقافة في طوباس، اليوم، لحظات سقوط القريتين بأيدي العصابات الصهيونية عام 1948.

واسترد صبح، الذي خرج إلى الحياة العام 1932، تكوينات أم الزينات، جنوبي حيفا، التي قضى فيها طفولته، وتذكر كرومها وزيتونها ولوزها وخروبها. فيما لا زالت ذاكرته تختزن معالم خلة الزرد، وزيتون المقشور، والرجم، والانجاصة، وجرن البارود، وكرم ظاهر، والحساسنة، ودار أحمد القاسم، وخلة الجاج، وبير الناطف، وأراضي الروحة، وغدران العليق، ووادي أبو نمر، والشقاق ، والصفصافة، وبير الهرامس، وشمهورش، اللذين أخذا اسميهما من أسطورة الجن والخرافة.

وقال صبح:" كانت أكبر حارة في البلد لدار فحماوي، وكان عنا عائلات صبح، وبشر، والحردان، وحسان، وصبح، والشيخ يوسف."

درس أبو منصور في قريته حتى الصف السابع، بعدها انتقل لمدرسة البرج الثانوية بحيفا لإكمال الأول ثانوي، وسكن في حي حواسة، وحافظ على تفوقه وتحصيله المتقدم، فكان في مقدمة التلاميذ. وحين كان يذهب أساتذته إلى حيفا للحصول على معاشاتهم، تولى بنفسه تدريس التلاميذ بطلب من المدير.

واضاف:" في إحدى ليالي أيار، كنا ننام في بيتنا، وبجانبي أبي وأخي وابن عمي محمد مصطفى، وعند الفجر دخل علينا أخي الأكبر مسرعاً، ليخبرنا إن العصابات دخلت البلد، لنسمع بعدها صوت إطلاق النار من سلاح (برين) البريطاني، فهربنا إلى أحراش الكرمل، ثم انتقلنا إلى إجزم، ودالية الكرمل والفريديس، وأمضينا نحو أربعة أشهر في أجزم، التي ظلت تقاوم اليهود بشراسة، لنذهب منها إلى أراضي الروحة، ولنقيم في أم الفحم حتى شتاء عام 1948. بعدها اتجهنا نقصد بلدة الكرامة في الضفة الشرقية، غير أن الجنود الأردنيين أعادونا، ورجعنا إلى النويعمة قرب أريحا."

يتذكر صبح مشاهد قتل زعيم أم الزينات عبد الغني بشر، وتصفية محمد سليم حردان وهو نائم، ومشاهد الرعب، والمحنة، والشتاء الحزين.

وعمل أبو منصور مدرساً للغة العربية والاجتماعيات، في مدرسة مخيم الجلزون منذ آب 1949، ثم انتقل إلى مدرسة مخيم الفارعة، قبل أن يفصله قرار حكومي أردني عن العمل، لانتمائه للحزب الشيوعي بعد ثماني سنوات.

ويتابع:" كنت أحرص على العودة إلى أم الزينات، وعلمت تلاميذي أنهم ينحدرون منها ومن القرى المدمرة، واصطحبتهم بعد النكسة إليها في رحلة، وفتشت عن المدرسة، وعثرت على فناجين القهوة، والجرن الخشبي في دارنا. وقلت ليهودية مستوطنة هذا هو بيتنا، وأنت سرقتموه."

فيما رسم محمد صالح عرجا، معالم قريته الفالوجة، التي ولد فيها عام 1934:" كان عدد سكانها خمسة آلاف، وفيها بلدية، ومدارس ثانوية وابتدائية للبنات، ومركز صحي، ومحكمة، ومسلخ للحوم. وكانت الفالوجة متطورة، وتعيش على الزراعة والتجارة."

وفق عرجا، فإن لبلدة قصة تاريخية، عمرها أكثر من ثمانية قرون، فحين فتح القائد صلاح الدين الأيوني القدس، جاء معه من العراق أحمد بن محيي الدين البطالحي(الأشهب)، ومات في الفالوجة، ودفن في منطقة اسمها (زريق الخندق)، تبتعد عن بلدنا نحو ثلاثة كيلو مترات غرباً، وانتشر أولاده فيها، وظل مقامه مكاناً يرتبط بالنذر، وإيفاء الدين، وحل النزاعات، والتقاضي."
|130746|

يعدد عائلات القرية التي تقع شمال غزة وغرب الخليل: السعافين، وعقيلان، والنجار، والنشاش، والمطرية، والبراجنة. أما مناطقها، فالشومرة، والخصاص، وأم النعاج، والرسوم، وخربة الشلف، ودار كركية، وأبو الغربان، ومليطة، والقبال. وفي كل يوم خميس ينعقد سوق البرين، وفيه يتوافد الناس من البلدات والمدن المجاورة للمتاجرة بالسلع المختلفة، كالقماش واللحوم والذهب والخضار. وكنا نشاهد مواسم وادي النمل، والمنطار، أسدود، والنبي روبين، والرملة، التي كانت مثل العرس، وتعقد في شهر أيار، وفيها سباقات خيول على البحر، ودبكة، وأناشيد دينية للفرق الصوفية، وبيع، وشراء."

وقال:" كنت أشاهد الناس والتجار في سوق البرين، وكنا نلعب بالفخاخ، ونصطاد العصافير من الحقول. ولا زلت أتذكر يوم اجتمع الأهالي، وقرروا قبل النكبة إرسال الشيخ محمد عواد، رئيس البلدية إلى مصر لشراء السلاح، بعد أن جمعوا المال، وقرروا تدريب 360 من الشبان على استخدامه."

واستطرد: " في إحدى أيام شهر نيسان، كانت الجو ربيعياً، وكنا نلعب في المزارع، عندما أوقفتنا سيارة عسكرية للجيش المصري، فسألني الضابط( يا جدع وين المستعمرة)، فأشارت له إلى مكانها، وصعد إلى خزان المياه في البلدة، لينظر بالدربيل، ثم ينزل بعد أيام قليلة بدأ الجيش يدخل البلدة، وطلب من الناس أن يحفتوا ( يحفروا بلهجتنا) خندقاً حولها، وظلوا يقومون بهذا العمل لشهر، حتى انهوه."

حظي عرجا بفرصة للاحتكاك بالجنود المصريين، وكان يبيت بينهم في منزل اسرته، وتعرف على الأسلحة، وشاهد مدفع(أبو الستة رطل)، وراح يجر صناديق الرصاص معهم، وتعرف إلى الضابط القبطي وحيد، وشحاتة من المنصور، وسعيد القادم من السويس."

واضاف:" عشنا تحت الحصار والقصف ستة أشهر، وكانت البلد كلها ساحة معركة، وصد الجيش المصري العصابات الصهيونية مرات كثيرة، وشاهدت بعيني الشهداء والجرحى والطائرات، وكان يظن الجنود المصريون أن الطائرات الإسرائيلية التي تقصفهم هي مصرية."

ويتذكر: "خرجنا من البلد أنا وأمي وعمتي وأخواني، وظل أبي في البلد مع الجيش المصري، وروحنا على الدوايمة، وفقدنا عمتي في الطريق، قبل أن نعثر عليها. وعدت إلى الفالوجة لمساعدة العجوز فاطمة البعم، التي قالوا لها أن زوجها استشهد، فما أن دخلنا البلد، إلا وإصابتها قذيفة، وشاهدت كيف قسمت جسدها إلى نصفين، واحترق شعر رأسها، وجاء زوجها الذي تبحث عنه ليدفنها بنفسه."

واستمر ترحال عرجا، ليتنقل بين الدوايمة، ويصل دورا ثم مدينة الخليل، فأريحا، ثم سوريا، فالأردن، وانتهاء بأريحا، حيث فرضت عليه الإقامة الجبرية واعتقل لفترة، ثم ليستقر به الحال في مخيم الفارعة، بانتظار العودة التي نفذها بعد النكسة عدة مرات، فكان يفتش خلالها عن بيته، والمسجد حيث تلقى دروسه، وضريح وليها العراقي."

وقال مدير وزارة الثقافة في طوباس، عبد السلام العابد، إن الندوة نجحت في نقل تفاصيل النكبة للأجيال الجديدة، وعبرت عن ألم الذاكرة وجرحها، وتناولت مظاهر الحياة الفلسطينية ورقيها.

فيما تحدث منسق وزارة الإعلام في طوباس، عبد الباسط خلف عن أهمية التاريخ الشفوي، في صياغة رواية فلسطينية، تتسابق مع الزمن، وتخشى من رحيل الشهود الذين عاصروا النكبة، وسجلوا وحشية الاقتلاع.

وأشار إلى ندوة مماثلة، ستعقد بداية حزيران القادم، ستتناول النكسة وتفاصيلها، وتجمع شهادات من رجال ونساء، عاشوا مرارتها.