الأحد: 09/02/2025 بتوقيت القدس الشريف

القطايف.. وحكاية صمود تجار سوق القزازين في الخليل القديمة

نشر بتاريخ: 27/09/2006 ( آخر تحديث: 27/09/2006 الساعة: 11:23 )
الخليل- معا- منذ أكثر من 36 عاما، يقف كل يوم "ابو معتز" في محله الكائن بحي القزازيين وسط الخليل القديمة، يصنع الحلويات بكافة أشكالها وأنواعها.

وحلويات القطايف يصنعها "ابو معتز" على مدار العام, وهو تقليد تعود عليه منذ قرابة العشر سنوات، ويكثر الطلب عليها لدى المواطنين في شهر رمضان، وتحبباً فيها يطلق عليها البعض "تاج الحلويات".

تراه أمامك على بعد دقيقتين مشياً على الأقدام من منطقة باب البلدية القديمة، عند ثاني بؤرة استيطانية- مدرسة أسامه بن منقذ- التي احتلها المستوطنون في العام 1979، وشردوا آنذاك أطفال الخليل.

تراه واقفاً كعادته في محله خلف فرنه ممسكاً إبريق عجينة القطايف ويصبها فوق الفرن، تاركاً لقطرات العرق تنساب من جبهته البيضاء، ويزداد تصببه للعرق بعيد صلاتي الظهر والعصر من كل يوم، بعد ورود جموع المصلين اليه لشراء القطايف.

وعن تعلم مهنة صناعة الحلويات يقول "ابو معتز":" تعلمت مهنة صناعة الحلويات من والدي وهي متوارثة لدينا في العائلة، وعلمتها للأبناء الذين يساعدوني في المحل، انأ سعيد بعملي في سوق القزازين مسقط رأسي ورأس العديد من مواطني الخليل، هذا المكان الذي لن نتخلى عنه رغم كل المعيقات التي تضعها سلطات الاحتلال أمامنا".

ويمضي "ابو معتز" في سرد حكايته مع البلدة القديمة وسوق القزازين فيها "كما ترى هناك العديد من المحلات التي هجرها أصحابها وانتقلوا للعمل في مناطق أخرى، لكنني صامد هنا، على الرغم من شهرتي على مستوى محافظة الخليل في صناعة الحلويات منذ عشرات السنين، وبامكاني فتح محل جديد خارج السوق، وأكسب منه الشهد والعسل، ولكنني أرضى بالقليل لأحافظ على مسقط رأسي".

وعلى بعد محلين من محل "ابو معتز" يعود فهمي ناصر الدين كل رمضان لافتتاح محله لصناعة القطايف التي دأب على صناعتها منذ سنوات خلت، في تلك السنوات الغابرة كان فهمي يصنع حلويات "كرابيج الحلب"- عجينة تقلى بالزيت- بالإضافة إلى القطايف، أيام كان الازدهار والمحلات تفتح أبوابها لاستقبال الزبائن في كافة أرجاء وأزقة البلدة القديمة.

ويقول فهمي "صناعة القطايف أصبحت مرتبطة عندي بشهر رمضان، بعد الصعوبات التي واجهتني من قلة الرواد والمتسوقين هنا، وها نحن نعود كل رمضان لصناعة القطايف على أمل أن نستمر في فتح المحل ولا نضطر لهجره مرة أخرى".

بتوغلك قليلاً في سوق القزازين تراه أمامك مباشرة، يصب القطايف فوق فرنين "زكريا بدر"، الذي اعتاد على صنع الحلويات في قهوة بدران الشهيرة أيام شهر رمضان، منذ أن هجرت المحلات- هجرة قصرية وطوعية- بدأ بصناعة القطايف قبل خمس سنوات أمام واجهات المحلات المغلقة، بعد انتقال القهوة لشخص آخر يديرها منذ أن التحق بالعمل في لجنة إعمار الخليل قبل ست سنوات, وكما يعود فهمي كل رمضان يعود زكريا لنفس المهنة.

ثلاثة محلات تصنع وتبيع القطايف، ولكل منها طعمه الخاص لدى الرواد، ثلاثة شواقل سعر كيلو القطايف الذي وحدته بعثة التواجد الدولي المؤقت في الخليل، من خلال دعمها لمحلات صنع الحلويات والمخابز في البلدة القديمة بالمواد الأساسية، أملاً منها في إعادة الحياة الطبيعية للمكان، ومحاولة منها للحفاظ على تراث المدينة العتيقة التي تعود بجذورها لأكثر من ثلاثة آلاف عام.

كما يعمل صانعو القطايف والتواجد الدولي في الخليل على إعادة الحياة الطبيعية هناك، عاد ناصر الشلودي وشقيقه نهاد، لفتح محلهم لبيع "المكابيس"- المخللات- التي يكثر الطلب عليها في شهر رمضان، يملؤهما الأمل بأن تعود الحياة إلى طبيعتها وسابق عهدها قبل ست سنوات، على الرغم من قلة الرواد والمتسوقين في أول أيام الشهر الفضيل.

أما الحاج إسماعيل الشويكي فلم يهجر محله في سوق القزازين ولو ليوم واحد، حتى في أيام منع التجول والتي دامت أكثر من ثلاث سنوات على مدار انتفاضة الأقصى.

يقول الشويكي:" نفتح في كل يوم كالعادة على الرغم من قلة الرواد على مدار العام ولكنني آمل بأن يتغير الحال للأفضل فدوام الحال من المحال ولا بد أن تعود الخليل القديمة لسالف عهدها، وعلينا التكاتف لتحقيق ذلك".

وكذا الأمر لدى "ابو السعيد"- ابو الحلاوة- الذي أغلق محله في خان شاهين وافتتح بسطة وسط سوق القزازين، محاولاً قدر الإمكان البقاء هناك، ليس من اجل توفير لقمة العيش فقط بل تشجيعاً لرواد السوق على الإقبال عليه وعدم هجره في الأشهر التي تسبق وتلي شهر رمضان، وأمسك بي كما امسك بالعديد من رواد السوق وقال لي نفس القصة بجملة واحدة "البلدة القديمة حرام علينا تركها".