الأربعاء: 02/10/2024 بتوقيت القدس الشريف

ماهر يقاوم وحيدا زحف افرات

نشر بتاريخ: 07/06/2011 ( آخر تحديث: 07/06/2011 الساعة: 17:43 )
بيت لحم- معا- كتب كريم عساكرة- وقف حائرا يرقب بعينيه المرهقتين آثار الخراب الذي خلّفه فاعل مجهول، لا يدري ما العمل وما السبيل للحفاظ على أرضه المترامية في أحضان المستوطنات والجدار والشوارع الالتفافية.

ماهر محمد صيبعة ( 48 عاما) فوجئ صباح الثاني من حزيران الجاري بإقدام "مجهولين" على خلع وتقطيع 250 غرسة زيتون من أرضه الواقعة بمنطقة "خربة عليا" جنوب بيت لحم، وهي المرة الثانية التي يتم خلالها تقطيع هذا العدد من الأشجار ففي العام الماضي حرقت أشجاره بالنيران، وبقي الفاعل مجهولا رغم الشكوى التي قدمها لشرطة الاحتلال في كفار عصيون.

ولا يهم ماهر من يقطع الأشجار ويحرقها، بقدر ما هو منهمك في التفكير بكيفية الثبات على أرضه والمحافظة عليها، فدربه معبدة بالصعاب والمخاطر، والخوف سمة لا تفارق محياه لا سيما وأنه يجد نفسه وحيدا في صراعه ويعلم أن "اليد وحدها لا تصفق".|132089*الارض ويظهر من خلفها شارع (60)|يروي ماهر لـ "معا" من فوق أرضه قصة صراعه من أجل الحفاظ على أرضه التي ورثها عن والده المتوفى منذ سنوات طويلة، ويرى أن البداية الحقيقية للصراع بدأت عام 1982 عندما أطلق مسلحون النار على قوات الاحتلال من داخل الأرض، ومنذ ذلك الحين استولى جيش الاحتلال على المنزل المقام داخل الأرض منذ العام 1966، أي بعد شراء والده الأرض بأربع سنوات.

وتوالت فصول الاعتداء على أرض ماهر لتكلل في العام 1998 بإقامة قوات الاحتلال لمعسكر على الأرض، ويزداد الخوف من ضياعها، إلا أن السعي المتواصل لإثبات ملكية الأرض واللجوء للمحاكم أثمر بخروج الجيش بقرار قضائي من الأرض وعودتها إلى أصحابها من جديد عام 2002.|132094*حدود الارض من جهة افرات ابراج مراقبة وتواجد عسكري|ورغم العودة بقرار قضائي، إلا أن المستوطنين لم يسلموا بالأمر وعاودوا المحاولة ثانية عام 2004، فهاجم حوالي 30 مستوطنا مسلحا ماهر وابن شقيقه محمد أثناء عملهما داخل البيت، وحاولوا قتلهما فأغلقا البيت على نفسيهما وبقيا محاصرين إلى أن جاء الجيش الإسرائيلي الذي أخرجهما من البيت وأمرهما بعدم العودة إليه "خوفا على حياتهما".

لم يذعن ماهر للواقع، وانطلق ساعيا لاستعادة أرضه، إلا أن المستوطنين ادعوا أنهم قاموا بشراء الأرض، وعندما توجه ليشتكي أمره "للإدارة المدنية" التابعة للاحتلال فوجئ بقولهم إن أرضه باتت ملكا لحارس أملاك الغائبين، مدعين أن الأرض باسم والده وهو متوفى، من هنا سارع ماهر وحول ملكية الأرض باسمه لتكلفه هذه العملية 85 ألف شيقل.

مضى عام من الصراع ونجح ماهر في استعادة أرضه وأمرت المحكمة بخروج المستوطنين، ليبدأ فصل جديد من المساومة والإغراءات، فقد تم استدعاؤه إلى مقر "الإدارة المدنية" في عصيون، وانهالت عليه عروض سخية للبيع فمقابل الأرض قدم له شيك مفتوح بدءا من 30 مليون دولار، والحصول على جوازات لسفر له ولأفراد عائلته مع ضمان إقامة مشروع استثماري في أي دولة أجنبية يريدها، إلا أن ماهر قال ببساطة الفلاح الفلسطيني "إذا هربت من البلاد فكيف سأهرب من رب البلاد؟" مغلقا الباب في وجه مساوميه و"إلى الأبد".|132092*صورة ارشيفية للمنزل قبل ترميمه من قبل صاحبه|ورغم انتصار ماهر لاستعادة أرضه، إلا أنه فقد جزءا منها ليس بسيطا فمن 24 دونما يملكها خسر حوالي 8 دونمات بعد أن صادرتها إسرائيل لصالح إقامة شارع لمستوطنة افرات المجاورة وشارعا آخر لفصل مدخل بيت لحم الجنوبي عن شارع (60) يعرف بشارع النشاش.|132095*المنزل بعد الترميم|ويؤكد ماهر صيبعة أن موظفا من "الإدارة المدنية" عرض عليه خلال شق طريق افرات 250 ألف دولار مقابل التوقيع على تعهد للسماح بشق الشارع من أرضه إلا أنه رفض التجاوب مع أي طلب للإسرائيليين يخلق ذريعة لضياع الأرض.

فصل آخر من الصراع خاضه ماهر مع الاحتلال، ففي السنوات الأخيرة كاد الجدار الفاصل يبتلع أرضه إلا أن اعتراضه على المخطط الأول قوبل بالتجاوب بعد شهرين من الاعتراض ولكن المخطط المعدل يستثني المنزل ويبعده إلى خارج الأرض، فعاد وقدم اعتراضا آخر دون أن يتلقى عليه الرد حتى الآن، وما زال الجدار متوقفا غرب بلدة الخضر.

يقول ماهر قاومت كل المحاولات لقلعي من أرضي وأنا مستعد لأقاوم حتى آخر رمق، ولكنه يشعر بخيبة أمل فهو يرى أن الجميع يسانده قولا لا فعلا، فكل ما يحتاجه هو الكهرباء والماء لتصل منزله المزروع في خاصرة المحتل، ورغم أن اقرب عامود كهرباء للمنزل لا يبعد أكثر من 100 متر إلا أن وعد السلطة له بمساعدته في ايصال الكهرباء ذهب هباء منثورا.|132090*وُعد بالقليل ولكنه لم ير شيئا|وتابع وعدتني محافظة بيت لحم منذ سنوات بمبلغ 68 ألف شيقل (حوالي 20 ألف دولار) لإيصال الكهرباء والماء وتعهدت لهم بأن اسكن المنزل إلا أنه في النهاية صدر شيك بـ6800 شيقل (حوالي 2000 دولار) فقط ولم يصرف أيضا.

ويرى ماهر أيضا أن دور وزارة الزراعة في دعمه لا يتعدى الوقوف أمام وسائل الإعلام والحديث عن معاناته، متسائلا ما الذي قدموه لي كي أحافظ على وجودي؟! لقد طرقت كل الأبواب فوجدتها موصدة".

ويعلم جيدا أنه سيدفع ثمن كل حركة له في أرضه، ويتمنى أن يعود إلى منزله ويستطيع أن يسكنه بعد أن يتم ربطه بالماء والكهرباء، ولا يخفي سرا عندما يخبرنا بأن مسؤولا في مستوطنة افرات عرض عليه ربط منزله بالكهرباء والماء والخدمات اللازمة، إلا أنه أكثر وعيا من أن ينزلق في شرك ضم الأرض للمستوطنة الحالمة بالاستيلاء عليها.|132093*وحيدا في الصراع على تخوم المستوطنات|وقبل أن نخلص من جولتنا في ارض ماهر وقف الأخير أسفل سقيفة أقامها لتقيه حر الشمس متأملا أطراف أرضه المترامية وهامسا "لو ضاعت هذه الأرض فلن يتبقى شبر واحد للتوسع جنوب بيت لحم".