رام الله: خبراء ومتخصصون يدعون لخطة وطنية عاجلة للتعامل مع الزلزال
نشر بتاريخ: 10/06/2011 ( آخر تحديث: 11/06/2011 الساعة: 00:00 )
رام الله- معا - شهدت أول نسخة متلفزة لندوة مجلة "آفاق البيئة والتنمية"، التي يصدرها مركز العمل التنموي/ معاً، نقاشات ساخنة لقضية الزلازل، بحضور جمهور اشتمل لأول مرة على ثلاثين شاباً، وستة مهندسين، وخبراء ومسؤولين، وممثلي القطاع الخاص، في الآن نفسه.
وقال الإعلامي عبد الباسط خلف، الذي قدم الحلقة وأعدها، في افتتاحية الندوة: "إنها تأتي كامتداد لما بدأت به مجلة "آفاق البيئية والتنمية"، والتي تسعى لفتح الباب أمام نقاشات مهنية، توصل لبدايات حلول، ولا تعيد تكرار وصف الأزمة. مشيرًا إلى أنها خروج عن النمط السابق، الذي كان يجري بعيداً عن الأضواء، وبدون مشاركة للجمهور، فيما مالت كفته للشباب من أعضاء نوادي رافات وحزمة وعبوين وبيت ريما وبني زيد الغربية."
وشارك في الحوار الذي عقد مؤخراً، وبث على فضائية "وطن"، مدير مركز علوم الأرض وهندسة الزلازل في جامعة النجاح الوطنية، د. جلال الدبيك، ومدير مجلس الطوارئ في محافظة رام الله والبيرة، ومساعد المحافظة معين عنساوي، وعضو مجلس النقابة موسى قديمات، والمهندسون: منتهى الجيوسي، وفاروق حسين، وماهر القرع، وحبيب امسيح، وطارق الزرو، وسمير عثمان.
واستعرض مدير مركز علوم الأرض وهندسة الزلازل في جامعة النجاح الوطنية، د. جلال الدبيك، أسباب حدوث الزلزال، ومخاطرها، وتصنيفاتها. وأكد أن الهزات الأرضية القوية لا تعني بالضرورة ارتفاع الخسائر، ولكنها مرتبطة بتقييم المخاطر للكوارث، ضمن منهجية شاملة، تحسب على أساس مصدر الخطر، وقابلية الإصابة، مقسومة على الجاهزية.
وشخص الاستعدادات في الحالة الفلسطينية لمواجهة الهزات الأرضية، والتي تفتقر لوجود جيش وطني، وفرق إسناد، وغرف عمليات مركزية، ومروحيات، ووصفها بالقدرات المحدودة.
وقال إن المشكلة ليست في الزلزال نفسه، وإنما في قابلية الإصابة وفي المباني، والتي تستند إلى تقليل المخاطر بناء على دراسة الهزات الأرضية والاستعداد لها، وإنشاء البنية التحتية والأبنية المقاومة للهزات الأرضية، إضافة إلى رفع القدرات.
وأضاف أن الزلازل تحدث في القشرة الأرضية، وعلى الصفائح أو "الأحزمة الزلزالية" التي هي كائن حي، وقطع متجاورات تتحرك مقتربة ومبتعدة من بعضها البعض، كما يحدث بين أفريقيا وأمريكيا الجنوبية. وهي" كسر في طبقات الأرض، نتيجة حركة القشرة الزلزالية."
وأكد أن الحالة الفلسطينية المرتبطة بالصفيحتين العربية والأفريقية، تتأثر بحركتهما من الشمال والشرق، متسببة باتساع البحر الأحمر، الذي يزداد سنوياً بمعدل 2 سم متر سنوياً، فيما تبتعد فلسطين عن الأردن بمعدل 5 إلى 7 مليمتر سنوياً.
ورسم الخريطة الزلزالية لفلسطين، والتي تنقسم إلى أربعة ألوان: الأحمر، والبرتقالي، والأصفر، والأخضر. موضحاً أن المنطقة الأولى والقريبة من نهر الأردن، تتعرض مبانيها الصخرية لـ 30 في المائة من وزنها، أما البرتقالية فتتأثر بـ 20 % من ثقل مبانيها، و15 للأصفر، الذي يضم بعض مناطق رام الله، في حين يكون المشهد في غزة بـ 7,5 في المائة من وزن المباني المقامة على الصخر.
وصنف الدبيك المدن والمناطق الفلسطينية إلى مناطق حسب التهديد، الذي يعتمد على قوة الزلازل وعمقه وبعده عن التجمعات السكانية ومركزه، وتربة الموقع.
وأشار عضو مجلس نقابة المهندسين، موسى قديمات إلى وجود خطوات فنية ومهنية تتخذها النقابة للتخفيف من الزلازل المتوقعة، وقال إن قطاع صناعة الأبنية هي من أهم الأنشطة الاقتصادية في فلسطين، وإذا ما تضررت بفعل الهزات الأرضية، فأن ذلك سيتسبب بخسائر كبيرة.
وتحدث عن غياب"كود وطني للزلزال"، مشيراً إلى وجود "كود" أردني فرضته النقابة على المهندسين، مثلما أنشأت مركزاً لتدريب المهندسين وتأهيلهم، ولإعداد المدربين في مجال تصميم المباني المقاومة للهزات الأرضية.
وأكد قديمات غياب الأرقام والإحصاءات والسيناريوهات، التي تقدر أعداد المباني والمنشآت التي قد تضرر، ومدى قدرتها على الصمود في الزلزال.
وأشار إلى دراسات أخرى وسيناريوهات أعدها مركز علوم الأرض وهندسة الزلازل في جامعة النجاح، أو نشرها الاحتلال الإسرائيلي. موضحاً أنها تتحدث عن احتمالية إصابة مرتفعة، نظراً لوضع المباني، ولخفض الاستعدادات.
وأشار إلى أن الخطط لمواجهة الزلزال ليست مسؤولية النقابة، وإنما للحكومة والدفاع المدني والهيئة الوطنية العليا للتخفيف من الكواراث، ويمكن أن تكون النقابة جزاءا منها، وينبغي تضافر الجهود وتنسيقها.
وأكد مدير مجلس الطوارئ في محافظة رام الله والبيرة، ومساعد المحافظة معين عنساوي، إلى أن الجاهزية ليست عالية، وإنما هي محاولات قدر الإمكان، تتأثر بوضع السلطة الوطنية وإمكاناتها، والتعنت الإسرائيلي في التنسيق في هذا الموضوع، وإدعاء الاحتلال بأنه مستعد لتقديم المساعدة إذا ما وقعت الكارثة، لا قدر الله.
وقال:" أسسنا في محافظة رام الله والبيرة، مجلس طوارئ وإغاثة يضم الدفاع المدني والصحة والأشغال العامة وشركة الكهرباء ونقابة المهندسين والبلديات والمؤسسات ذات العلاقة، ونعقد اجتماعات شهرية للمواءمة بين الإمكانات المتوفرة والمحدودة، وتسخير الجهود لعمل مشترك واحد.
كما نجري منذ عشر سنوات تمرينا أو تمرنين سنويين بالشراكة مع الدفاع المدني والهلال الأحمر، ونضع سيناريو حريق وزلزال وعدوان إسرائيلي، ونُعود المؤسسات على التنسيق، وأوجدنا غرفة عمليات مركزية، ولديها شبكة لا سلكية، تعمم المعلومة على الشبكة، وتقوم كل مؤسسة بدورها."
وقال د. الدبيك:" إن الخبراء يعتمدون في دراستهم على توقع الهزات الأرضية على ثلاثة عوامل؛ موقع المنطقة والصدوع الأرضية فيها، ولدينا في فلسطين 11 صدعا أرضيا، 9منها نشطة، وتاريخنا الزلزالي الذي أظهر تعرضنا لها في أوقات مختلفة، وما تسجله أجهزة الرصد باستمرار.
وتابع: "العلم يقول أن الزلزال حاصل لا محالة، ولا يستطيع أحد ساعة ولحظة وقوعه، ويمكن أن يحدث في أية لحظة، اليوم، أو غداً أو بعد شهر أو سنة أو عدة سنوات، والأمر مسألة وقت، وليس يقيناً."
ونوه الدبيك إلى ضرورة توخي وسائل الإعلام الدقة في التعاطي مع الزلزال. وقال إن مسألة حدوث الهزات الأرضية ليست مهمة، بمقدار أهمية ما أعددنا لمواجهتها، وكيفية استعدادنا لها.
وأعاد عجلة التاريخ إلى الوراء، مشيراً إلى أن الحد الأقصى الذي قد يقع يتراوح بين زلزال بقوة 6,5 درجة على مقياس ريختير، إذا كان مركزه البحر الميت( يكسر هذا الصدع مرة كل 80إلى 100 سنة)، و 7 درجات إذا تمركز شمال فلسطين( يتكرر ذلك مرة كل 200 إلى 250 سنة). وأشار إلى أن آخر هزة وقعت في أصبع الجليل العام 1756، وأودت بحياة أربعين ألف في بلاد الشام.
وذكر بأن محافظات الوطن ستتضرر بنسب مختلفة، تعتمد على موقع الهزة؛ فإذا ما حدثت في أصبع الجليل، فإن المناطق الشمالية ستتضرر أكثر من غيرها، وغذ ما كان مركزها البحر الميت، فإن بيت لحم وحتى نابلس ستتأثر بشكل أكبر، أما إذا كان المركز في الجنوب، فالأضرار ستكون في غزة وبيت لحم.
وفي معرض رده على استفسارات الجمهور، قال عنساوي:" سنتوجه للدفاع المدني في الأيام القادمة، لعقد دورات وورش عمل للدفاع المدني، ولزيادة الدورات والتوعية، وورش العمل لطلبة المدارس والمؤسسات المختلفة.
وقال عنساوي إن إمكانات الدول المجاورة ضعيفة، وإذا ما وقع الزلزال فلن يكون محلياً، وإنما إقليما، ما يعني أن كل دولة ستكون منشغلة بنفسها. غير أن المطلوب قدر الإمكان الخروج من الضغط السياسي للاحتلال، الذي يمنع استيراد أي معدات، ويشترطها بتنسيق وانتظار طويل في الموانئ.
وكشف عن إمكانات بسيطة في المؤسسات الحكومية، إذ لا تتوفر أجهزة ومعدات ثقيلة لرفع الأنقاض، وإذا ما كانت متاحة، فإنها ستكون محدودة. وقال:" للأسف الأمور لا تبشر بالخير."
فيما قال قديمات، أن النقابة ليست من يصدر التعليمات، وإنما هي جهة تطبيق تتلقاها منذ السلطة، في ظل واقع هندسي حديث التنظيم ومرتبط بإقامة السلطة.
وطالب وزارة الأشغال العامة والجهات الرسمية العمل على أقرار أنظمة تشدد الرقابة على البناء. وحث السلطة على ترميم المباني الحيوية كالمستشفيات والمدارس وخزانات المياه، كونها منشآت إستراتيجية يجب أن تكون محصنة؛ لاستيعاب الصدمة، ولتقوم بدورها بعد الكارثة.
وفرق الدبيك بين الحال الذي ستكون عليه المناطق المجاورة قياساً بفلسطين في حال وقعت هزات أرضية، قائلاً:" ليس لدينا مطارات، ولا جيوش، ولا طائرات، ولا بنى تحتية، وسندفع ثمن احتلالنا في كارثة طبيعية.
وسلط الضوء على إطار عمل"هيوجو" الذي ركز على ضرورة اعتماد الهزات الأرضية أولوية وطنية، وتحديد أماكن الخطر، وتطوير المعرفة والثقافة، والحد من المخاطر، وتقوية دعم الاستجابة للطوارئ.
وتطرق الدبيك إلى المساعي التي بذلتها نقابة المهندسين، ومركز علوم الأرض وهندسة الزلازل، ووزارتا الأشغال العامة والحكم المحلي، لتطبيق الكود(الأردني) العربي الموحد لمقاومة الزلازل.
وأشار إلى حاجة القرار الحكومي، الذي وقعه رئيس الوزراء إلى خلق آليات لتطبيقه، وعندها لن يتم وصل أي منزل بالكهرباء والمياه، دون اجتيازه لإجراءات السلامة العامة.
وقال قديمات: سنطبق الكود الزلزالي الأردني المأخوذ عن الكود الأمريكي، وتصميم المباني للزلزال ليس مكلفا، ولا يزيد غير نسبة قليلة في التكلفة.
فيما تحدث عنساوي، عن وجود امكانات لمجلس الطوارئ تتراوح بين جرافات وسيارات إسعاف، ومعدات، ومخازن، ومواد إغاثة، وملابس، وأغطية، ومولدات كهربائي، ونحو ألفي متطوع مدربين ومؤهلين في مجالي الإسعاف والطوارئ.
وذكر في رده على سؤال المجلة، أن مخازن المجلس غير مصممة للمقاومة الزلازل، غير أن اعترف بمحدودية الإمكانات، مع ذلك استطاع المجلس من خلال تنسيق مع نقابة المهندسين تمرير الكود الخاص بالمصاعد، ومخارج النجاة خلال الحرائق. وأشار إلى وجود خلل في التنسيق، الذي يغيب عن عمل المؤسسات واللجان.
وقال: "سنلزم أنفسنا من خلال هذه الحلقة، بالتوجه إلى المدارس ومنحها تدريبات على كيفية التعامل خلال الكوارث، وسنتجنب الأخطاء التي وقعنا بها في اختيار أماكن انتشار المخازن."
فيما قال الدبيك أن التنسيق بين المؤسسات ذات العلاقة في فلسطين مشكلة كبيرة، ويؤكد القانون الفلسطيني أن الدفاع المدني هو المسؤول عن متابعة الكوارث، وأنشأ مجلساً أعلى للدفاع الوطني عام 1998، غير أنه لم ينعقد إلا في 16 تشرين الثاني عام 2005، لكنه بدأ اليوم يتطور في الإمكانات والقدرات، وإن لم يكن بالشكل المطلوب. ونحتاج إلى مؤسسات قوية ومتشابكة.
وسرد قصة معاناته التي بدأت العام 1994، بسبب غياب التنسيق، فالبرغم من مئات المحاضرات والندوات التي تفوقت فيها فلسطين على دول العالم، غير أن هذا الجهد الكبير قوبل بنتائج محدودة. الاستعداد يبدأ بتهيئة الإنسان والمكان والأرض.
وذكر أن الصدوع الأرضية في فلسطين لم تحدد أو توضع لها خرائط، مثلما كتميؤ التربة الرملية، (تحولها إلى مياه)، عدا عن التضخيم الزلزالي، الذي يتعاظم في المباني المقامة على الأراضي الطينية.
ومما كشفه الدبيك، عدم استجابة الهيئات المحلية كلها التي خاطبها لوضع مثل هذه الخرائط، بدعوى كلفتها المرتفعة.
وقال: و"ضعنا لبعض المناطق في نابلس( 17 نقطة من أصل 100 نحتاج إليها)، ووجدنا أنه قسماً منها يضخم الزلازل من 6 إلى 8 مرات، وينبغي منع البناء عليها، أو تحويلها إلى متنزهات عامة."
وطالب المشاركون برفع مستوى التنسيق، والتوقف عن الوصف والشروع في خطة عمل عاجلة، لمواجهة الكوارث والحد منها، والتعاطي بجدية مع الأزمة المتوقعة.
وذكروا أنهم سيدعون لاجتماع عاجل على أثر الندوة، لمجلس الطوارئ؛ لإعادة النظر في الكثير من القضايا، والشروع في تنفيذ خطط للوقاية. بموازاة إطلاق خطة وطنية عاجلة للتعامل مع الهزات الأرضية.
وقدر الديبك حجم الكارثة التي قد تضرب فلسطين، لا قدر الله، بهزة على 7 درجات على مقياس ريختير، أن تنهار نحو 10 % من المباني بشكل كلي، فبينما توقع تضرر بين 20-30 % منها بشكل جزئي، وفي وقت سيتراوح عدد الضحايا بين 5 إلى 8 آلاف قتيل، وأكثر من عشرين ألف جريح، مقدراً جاهزية استعدادنا لنحو 25 %.
فيما اقترح أن تطلب الحكومة قرضا بمليار دولار من البنك الدولي قبل الكارثة، معتبره هذه الخطوة التي ستذهب لصالح إعادة تهيئة المباني القديمة للصمود في وجه الزلازل، أفضل من طلب انتظار المساعدات والدعم بعد وقوع الهزة.