السبت: 28/09/2024 بتوقيت القدس الشريف

الأسير الإعلامي وليد خالد.. حكاية مبدع وقلم مطلوب أن يبقى خلف القضبان

نشر بتاريخ: 12/06/2011 ( آخر تحديث: 13/06/2011 الساعة: 15:05 )
بيت لحم- معا- في زوايا الأسر وإلى جانب حكايات مأساوية تبكي على حالها الأعين يوجد عنان إبداع , ولد من بين آهات عذاب السجان وآلام مرض السجن فانبثق الإبداع ليغرس على أرض السجن وليكن رسالة تؤكد أن مرارة السجن صنعت من الأبطال فرسان الإبداع.

كانت جدران السجن تستأنس بكلمات شاعر رافقها سنينَ ثم رحل ثم عاد ثم رحل , وبقيت تغني بكليماته الجميلة التي تركها لعلها تصبح ذكرى , لكنه عاد إليها من جديد ومنذ فترة قصيرة.

مركز أحرار لدراسات الأسرى وحقوق الإنسان يسلط الضوء على لؤلؤة عادت من جديد للأسر تقضي اعتقالاً إدارياً, شاء الله له أن يمضي به ما يزيد عن الثمانية أعوام:

الإعلامي والشاعر

وليد خالد...اسم تداولته الصحف وتلألأ في كتب الشعر والأدب المبدع , اسم تغلغل في كتابة سيناريوهات مسلسلات الدراما الهادفة , شخصية أنارت سماء الإعلام الفلسطيني, رجل عشق الوطن بلا حدود , عاش الأسر وخاض التجربة هناك ثم تنسم الحرية , لكنه لم ينعم بها كاملاً إنما اختطفه السجان ليعود إلى حياة الأسر من جديد , فحياته أصبحت غير مستقرة وهو يتنقل بين السجون تارة يفرج عنه وأخرى يحتجز ثانية , ومؤخراً حولته سلطات الاحتلال إلى الاعتقال الإداري لمدة 6 شهور قبل أيام تحديداً في 15 مايو, بعد أن اعتقلته من منزله في بلدة سكاكا في محافظة سلفيت في الثامن من نفس الشهر وقد كان أفرج عنه بعد رحلة اعتقال استمرت أربعة أعوام ونصف ليمضى خارج القضبان فقط أربعة شهور .

يعمل مديراً لمكتب صحيفة فلسطين في الضفة الغربية , وقد عرف بكتابته الصحفية والإبداعية , والتي كثيراً ما أنتج منها وهو في حياة الأسر الماضية , حيث مر بكافة أشكال الأسر فتارة كان محكوماً وتارة في الاعتقال الإداري الذي عاد إليه من جديد , وقد ذاق مرارة كأس العزل فكانت دافعاً لمزيد من الإبداع الذي تميز به.

تعود جذور الإعلامي خالد إلى قرية اسكاكا القريبة من "سلفيت" شمال الضفة الغربية , ولكن مسقط رأسه كان في دولة الإمارات العربية المتحدة ، حيث كانت عائلته تسكن هناك بغرض العمل ، ثم عادت إلى فلسطين أوائل التسعينات ليخوض رحلة الاعتقالات التي لن تنتهي حتى يومنا هذا.

اعتقال آخر لعميد الأسرى الإداريين

عانى "أبو خالد" كثيراً نتيجة الاعتقالات المتتالية والتي كان لا يفصل بين اعتقال وآخر سوى أشهر قليلة وكانت بداية المعاناة بحرمانه من إكمال دراسة الهندسة في جامعة النجاح بعد اعتقاله عام 1993 ، ثم باعتقاله المرة الثانية عام 1994 قبل أيام قليلة من عقد قرانه على فتاة من بلدته ، حيث بقيت بانتظاره خمس سنوات ، وبعد أن أفرج عنه وتزوج كانت المعاناة عندما اعتقلته قوات الاحتلال في اعتقاله عام 2001 وزوجته حامل في شهرها السادس بمولودتها البكر "آلاء" التي أبصرت النور ووالدها داخل سجنه.

لم يذق الإعلامي أبو خالد طعم الاستقرار منذ أن عاد إلى بلدته فما أن يستنشق هواء الحرية شهوراً أو حتى أياماً ثم يعود مرة أخرى للقضبان التي تحتفظ ببصمات قلمه وفكره المبدع , تقول زوجته:" خرج في آب من العام2006 م بعد أن أصبح حينها أقدم أسير إداري وما لبث ان اعتقل بتاريخ 1852007 م وهذه المرة لم يكتف الاحتلال باحتجازه إدارياً بل أضاف إلى ذلك عقوبة العزل , وأفرج عنه أواخر يناير من العام الحالي لكنه لم يهنأ بحريته ولم نهنأ نحن به".

ذكريات أيام العزل

لم يكن يستسلم أبو خالد لواقع القبر المظلم الذي عاشه داخل عزل أيلون آنذاك بل جعلها من أجمل أيام حياته التي كان القرآن أنيسه بينما الذكر والتسبيح رفقاؤه , فداخل تلك العلبة السوداء تمكن من حفظ القرآن الكريم كاملاً خلال أربعة أشهر مضت , وقد حدث مركز أحرار لحقوق الإنسان عن تلك الأيام:" مكثت أكثر من عامين في العزل الانفرادي وحدي بدون مقومات الحياة ، فكل شيء ممنوع , لا زيارة ولا كتب ، والخروج الى الفورة مقيد اليدين ووحدي ، فهي قبر أحياء بامتياز ، لم أعلم لماذا وضعت في العزل الانفرادي طوال هذه المدة ، من قبل إدارة السجون التي قررت عقابي دون معرفة الأسباب".

" لم يكن يُسمح لنا في العزل إلا اقتناء مصحف ، وهذا هو سر سعادتي هناك فكان نعم الصديق وأنيس لوحشتي , أما مقومات الحياة فهي معدومة ، وحتى لا يستفيد الأسير من سجنه تمنع عنه إدارة السجن حتى الورقة والقلم للتعبير عن ذاته وما يجول بخاطره وحتى لا يستطيع تدوين مذكراته".

من بين جدران السجن تمكن الأسير أبو خالد من الحصول على شهادة البكالوريوس في الإدارة بعد أن انتسب لإحدى الجامعات الأمريكيّة في واشنطن ، وقد عرفه كل من حوله بمواظبته على الدراسة وحبه للقراءة والكتابة , فإلى جانب دراسته الأساسية قدم من داخل عتمة السجن الكثير من المؤلفات والدراسات التي نبعت من واقع العذاب , وكان يرى في ذلك تحدياً للسجان وأن السجن لن يثنيه عن إكماله مشوار الإبداع.

عاد أبو خالد إلى السجن من جديد بإرادته التي لن تنحني وإبداعه الذي لن يقف , مؤمناً أن فكرته قائمة على رفع الهمة وشحن الإرادة وعدم الرضوخ والاستسلام للواقع من خلال دروس دعوية وإيمانية فالتيار ظالم ، ويجب ألا ننجرف له وأن نواجهه بكل قوة .

زوجة صابرة

على الجانب الآخر هناك زوجة صابرة مصابرة تحملت بعد زوجها كل هذه السنين وتحملت آلام المخاض مرتين فكانت ولاء وآلاء أنجبتهما وزوجها داخل الأسر وكانت المرة الأولى التي يرى وليد ابنته البكر ولاء بعد سنتين ونصف من إنجابها ، وتحملت أم خالد مسؤولية تربية ابنتيها ومكابدة مشاق الحياة وحدها .

تقول أم خالد لمركز أحرار لدراسات الأسرى وحقوق الإنسان أنها ومنذ زواجها بوليد لم تشعر بالاستقرار فالاعتقال الاداري بالمرصاد لوليد فهو منذ زواجنا عام 2001 لم يمضِ وليد عاماً واحداً متواصلاً معنا بل كان يُعتقل فور خروجه من السجن وكأنه قرار أن لا يعيش وليد حياة مستقرة .

والدان أرهقتهما السجون

أبو وليد وأم وليد أرهقتهما كثرة الاعتقالات وتكرار هذه الاعتقالات لوليد الذي يعتبر الابن البكر لهذه العائلة التي لم تشعر بالأمن والاستقرار ولم يلتم شملها منذ قدومها بعد حرب الخليج إلى الأراضي المحتلة فهذا هو قدر أهالي فلسطين الذين تجرعوا مرارة الإبعاد والأسر والشهادة .

يقول أبو وليد لمركز أحرار أن هناك استقصاد لوليد من قبل المخابرات الإسرائيلية فضابط المخابرات الذي اعتقله آخر مرة قال له بصريح العبارة نعلم أنك لم تفعل شيئاً خلال الأربعة شهور الأخيرة ولكن هناك قرار من جهات عليا أن لا تبقى خارج السجون لذلك أنت معتقل فخرج معهم بعد أن ودعنا .

أديب وكاتب ورجل مميز

بدوره قال فؤاد الخفش مدير مركز أحرار لدراسات الأسرى وحقوق الإنسان أن هناك تقديرات خاطئة لدى جهاز المخابرات الإسرائيلي عن بعض الأشخاص وصورة معينة لا يريد هذا الجهاز أن يغيرها عن أشخاص تعتبرهم خطيرين لذلك يجب أن يبقوا خلف القضبان ، وهناك قرار أن لا ينعموا بالحرية واعتقالهم هو الحل لضمان أمن الاحتلال .

وتحدث الخفش عن أن وليد استطاع أن ينجز ثلاثة إصدارات أدبية اثنين منها الآن تحت الطباعة في أحد دور النشر الدولية فكان الإصدار الأول تحت عنوان " عكس التيار " والثاني تحت عنوان " محاكمة شهيد " والذي اعتبر عملاً أدبياً رائعاً يستحق الطباعة والنشر ، بالإضافة إلى عشرات القصائد التي تعبر عن واقع الأسر وشوق الأسير لذويه وعائلته وقريته .

وطالب الخفش المؤسسات الدولية ومنظمات حقوق الإنسان بضرورة التصدي لظاهرة اعتقال الناشطين السياسيين وتحويلهم للاعتقال الإداري .. هذا السيف المسلط على رقاب الناشطين الفلسطينيين.