السبت: 28/09/2024 بتوقيت القدس الشريف

سلسة أقمار العزل الانفرادي "2"- إبراهيم حامد.. إنسانية وعطاء بلا حدود

نشر بتاريخ: 15/06/2011 ( آخر تحديث: 16/06/2011 الساعة: 09:15 )
خلال رسالة وصلت إلى نادي الأسير للأسير حسن سلامة وجه فيها رسالة عن الأسير ابراهيم حامد قال فيها "وما زلنا متواصلين بالحديث عن أسرانا المعزولين ،، أقمارنا الذين غيبهم العزل خلف جدرانه لكنهم ما غابوا عنا ببطولاتهم وجهادهم وإنسانيتهم ،،وهذه الأخيرة هي ما سنتحدث عنها من خلال حديثنا عن الأخ المجاهد إبراهيم حامد ،،ومن منا لا يعرف هذا المجاهد ،،فأبو علي من مجاهدي هذا الشعب العظيم ومن أبطاله الذين سطروا أروع آيات الجهاد ،،وأذاقوا هذا العدو الغاصب المرارة تلو المرارة ،،وقد اعتبره العدو من أخطر القادة الذين تم إلقاء القبض عليهم أثناء انتفاضة الأقصى ليعيش إبراهيم حامد داخل سجون الاحتلال مرحلة جهادية من نوع آخر قائمة على الصبر والصمود".

في عيون إخوانه ،،

أبو علي ،،إبراهيم حامد كقائد وكمجاهد عرفته فلسطين بل كل فلسطين بسهولها وجبالها وتحدث الكثير عنه ،،لكن ما سأحدثكم عنه عبر هذه السطور القليلة التي لن تعطيه حقه سأتحدث عن الجانب الإنساني للأخ المجاهد أبو علي ،،ولا يظن أحد أن جهاد هؤلاء الأبطال ليس له بعد إنساني،، أبدا ما قصدت ذلك لأن أساس جهادنا الدافع الإنساني ،،لكنني وعبر هذه الكلمات سأركز على جوانب ونواحي جديدة من حياة هؤلاء الأبطال المجاهدين ،، عشتها معهم،،لمستها من خلال فترات أو لحظات أو مواقف جمعتني بهم في أقسام العزل التي عشناها معا ،،وعشنا كل لحظاتها ،،وما زلنا حتى الان نحياها داخل هذه الأقسام منذ سنوات ،،.

إبراهيم حامد ومنذ سنوات زادت عن الخمس سنوات لا زال يعيش حياة العزل وداخل زنازينه التي حدثتكم عنها وعن أوضاعها ،،هي زنازين القهر والحرمان،،زنازين الموت والنسيان،،في هذه الزنازين وداخل هذه الأقسام التقيت وتعرفت على الأخ المجاهد إبراهيم حامد ،،فلقد كانت البداية حين تم نقلي من عزل سجن بئر السبع إلى عزل أّيلون عام 2008 وهناك تجمع عدد من الأسرى المعزولين في هذا القسم الذي ما إن دخلته أصبحت مقطوعا وبشكل كامل عن العالم ،،هذا القسم وبجدارة من أسوأ أقسام العزل وأقساها ،،وظروف العيش به من أسوأ الظروف وخاصة الجانب الصحي ومن حيث معاملة إدارة السجن القمعية،،في هذا القسم كان يتواجد الأخ إبراهيم حامد في زنزانة رقم 14 كانت في آخر القسم وكان يتواجد في هذا القسم المعزول عن العالم الأخ المجاهد جمال أبو الهيجا ومعه في نفس الزنزانة الأخ أحمد المغربي وأيضا الأخ محمود عيسى ومعه في الزنزانة النائب محمد جمال النتشة"أبو همام" وأيضا الأخ هشام الشرباتي والأخ مهاوش نعيمات ،،وسجناء جنائيين يهود وعرب ،،تم وضعي في زنزانة رقم 9 وكانت مقابل زنزانة الأخ محمود عيسى،،وكل من هؤلاء الأخوة المعزولين له قصته ومعاناته ،،تعرفت على أبو علي في هذا القسم وكان تعارفنا من بعيد دون أن أراه ،،فقط عبر صوته الذي كان يصلني من بعيد مرحبا بي رغم المنع المفروض علينا بعدم الحديث ،ومع ذلك كله نستغل الفرص المتوفرة في تبادل الأحاديث وإسماع أصواتنا لبعض لذلك ومن خلال معرفتي الأولى به لم يزد الأمر عن ذلك ،،وحينها أقدمت الإدارة بعمل تنقلات في الزنازين وكان نصيبنا أن يصبح الأخ إبراهيم حامد جارا لنا فقد وضعوه في زنزانة 10 بجوار زنزانتي ومقابل زنزانة الأخ محمود عيسى وأبو همام،،وقد سمح لنا القرب بالتعارف أكثر وتبادل الأحاديث وحتى المناقشة السياسة والدينية من وقت لآخر وكان أبو علي مفروض عليه طوال الوقت وحتى اليوم أن يعيش في زنزانة لوحده ،وكان فترتها من أسوأنا أوضاعا ويعيش في نقص كامل لكثير من الأمور حتى على مستوى أدوات الطبخ أو الملابس والكتب ، وكان هناك رفض كامل من قبل إدارة السجن بنقل أي غرض بين الزنازين لذلك ما كنا نستطيع وللأسف الشديد مساعدة بعضنا إلا بالمواساة وأحاديث الصبر التي وأقولها صادقا كنا نسمعها وباستمرار من هذا الأخ المجاهد ورغم كل السوء والنقص الذي يكتنف وضعه الحياتي أبدا ما تأثرت روحه ،وما شعرت يوما بضيق في نفسه أو تذمر ، كان وقتها وما زال كثير النزول إلى المحاكم ، يخرج صباحا ويتم إرجاعه مساء في حدود الثامنة يكون في غاية التعب والإرهاق ومع ذلك يأتي فورا على شباب الحمام "وسيلتنا في التواصل وتبادل الأحاديث" يصعد على الكرسي ويستمع لأسئلتنا الكثيرة ويحدثنا بكل تفاصيل يومه وبمن التقى ،، وكانت هذه الإدارة القمعية تستخدم أسلوب التفتيش الليلي واقتحام الزنازين وبشكل مستمر ،،وكان أبو علي يأخذ النصيب الأكبر في هذه التفتيشات التي كانت دائما تتزامن مع وقت رجوعه من المحكمة ،،وبمجرد دخوله زنزانته تبدأ الاقتحامات لأكثر من زنزانة وتكون زنزانته هي الأولى في التفتيش دائما ،، ويتم تقيده من جديد من الخلف والدخول إلى زنزانته وتخريب أغراضه وتفتيشها بطريقة استفزازية وإبقائه مقيد من الخلف بحجة التفتيش ساعة أو أكثر،، هكذا وضع مستمر ومتكرر ومتعمد ،،ومع ذلك ما كانت البسمة تفارق محياه والتي كنا نراها من خلال صوته وهو يحدثنا بكل هذه القوة وبكل هذا الصمود وهذا التفاؤل ،، كان يخلق لنا جوا جميلا أثناء أحاديثه أو عندما يبدأ العصف السياسي ويحمى الوطيس بينه وبين الأخ الحبيب أبو همام النتشة ،،تكون هناك مداخلات من الجميع وكل يدلي بدلوه ،،ورغم تنغيصات الشرطي وتهديداته المتكررة إن استمر الحديث سيفرض علينا عقوبات ،،فتهدأ الأصوات قليلا وسرعان ما تعود للارتفاع ،، قربه من زنزانتي سمح لي بعض المرات من مشاهدته أثناء خروجه ورجوعه من الفورة رغم صلابته كان يملك حسا فكاهيا بل إنه يعتبر صاحب نكتة ،،قارئ من الطراز الأول ،،ثقافته عالية وغنية وشاملة ،،كنا نستفيد منه ومن حديثنا معه ،، كان يسمعنا كثيرا من أشعاره التي يكتبها ،،.

لقاء جديد ،،في ذات المكان

لم يدم وضعنا على هذا الحال أكثر من سنة وتم تفريقنا ،وتم نقلي إلى سجن آخر من أقسام العزل وانقطعت أخباره عني ،،حتى سمح لنا القدر مرة أخرى أن نلتقي في نفس قسم العزل أّيلون من جديد عندما عدت إليه نهاية عام 2010 وكان معي في نفس الزنزانة الرفيق عاهد أبو غلمة، وتم وضعنا في آخر القسم زنزانة رقم 15 وبعد أسبوع تم إحضار الأخ أبو علي حامد ووضعوه في زنزانة رقم 13 مقابلنا ،، كان هذا اللقاء الجديد ممتع جدا وخاصة أنني أصبحت خاطبا وخطوبتي هذه كان لها تأثير كبير على حياتي ،،كان الحديث عنها وعن وضعي الجديد أغلب أحاديثنا الجديدة مع الأخ أبو علي ،،الذي عندما شاهدته من جديد شاهدت أمامي رجلا ما غيرته الظروف القاهرة ولا نالت من صلابته وإرادته وعزيمته كل وسائلهم القمعية،،في هذه المرحلة تعرفت عليه من جديد وعرفته أكثر وأكثر وتحدثنا أكثر وأكثر ،،كان سعيدا جدا بهذا التغير الذي حدث في حياتي ولمسه من خلال شكلي وصوتي وطبيعة حديثي حتى سماني حسن الجديد ،،وها أنا أكتب هذه السطور ونحن نعيش معا هذا الواقع في هذه الفترة من أسوأ عزل "عزل أّيلون" ،،قد يكون الشيء الأساسي الذي يخفف عنا مرارة هذا العزل تواصلنا مع بعض عبر ما أطلقنا عليه اسم الفيس بوك الخاص بنا"شباك الحمام" الذي نقف عليه ساعات طويلة نتحدث ونتناقش وخاصة أن هذه المرة التغير الوحيد الموجود عدم الممانعة من قبل إدارة القسم للحديث وخاصة أننا في آخر القسم الذي لا يهدأ أبدا "صراخ متواصل من قبل السجناء الجنائيين" أبو علي حامد كان دائما مستعد للتواصل معي والحديث في أي وقت وكنت فعلا أجد متعة كبيرة في أحاديثه التي كنت استفيد منها ومما يطرحه من أفكار ومن تحليله السياسي للأحداث،،تفاعلنا جدا معه ونحن نتابع ما يحدث في العالم العربي من ثورات وانتقلت عندنا عبر ثورات المحادثة والتحليل بل وحتى توقع الأحداث ،، كنا نعيش في انقطاع تام عن الأهل وكان المذياع الوسيلة الأهم بالتواصل معهم ،،لذلك كنا نتابع برامج الأسرى التي وفور انتهائها تبدأ أحاديثنا ويبدأ أبو علي بابتسامته العريضة جولته في التعليق حول سماعي لصوت خطيبتي وتبدأ مصطلحاته بوصف حالي ،، كنا نجد سعادة غريبة تتحدث بها عيونه وهو يحدثنا عن شعوره بسماع صوت أهله وزوجته وأبنائه علي وسلمى،،وهذه سلمى كانت تأخذ الجانب الكبير من أحاديثه وكان يقرأ لنا ما يكتبه لها أو ما يصله منهم وخاصة من سلمى ،، إبراهيم يعشق خدمة الناس ولو عبر رسالة تشجيعية فلقد كنا وعبر إذاعة أمواج نستمع لطفلة صغيرة اسمها تسنيم من سلواد بصوتها الملائكي وكلماتها الجميلة الفصيحة وهي تتحدث مع الأسرى فأرسل لها رسالة تشجيعية كان لها التأثير الكبير عليها لمسناه من خلال حديثها ،،حتى أنه أرسل رسالة شكر وتشجيع لمقدم برنامج أمواج ،،ورسائله كثيرة وباستمرار للأخوة المعزولين في باقي أقسام العزل مع المحامي أو إلى الأصدقاء في الخارج ،،لم يكن ينتظر من أحد رسالة كان دائما المبادر دون أن ينتظر أي مردود ،،بالنادر عندما كان يسمح لنا بمساعدة من حولنا من السجناء الجنائيين وكان يعتبر المبادر الأول ،، منه تعلمت حب القراءة وقرأت بفضل تواجده معي في القسم كمية كبيرة من القصص والكتب المتوفرة ،،لم يبخل علي حتى أن يشاركني فرحتي بالخطوبة فأهداني وأهدى خطيبتي قصيدة شعرية جميلة جدا ،، عنده صبر عجيب لم أراه أبدا متذمرا أو شاكيا ويكره لغة الاستجداء أو الاستعطاف ويستفزه جدا الضعف أو أن ينظر لنا نحن الأسرى كضعفاء أو أن يتم التعامل معنا بهذه الصورة،، .

الحديث عن إنسانية هذا المجاهد تطول ،، أبو علي قمر من أقمار هذا الشعب ،، كان لي شرف التعرف عليه ومحادثته والاستفادة منه ،، وهو ما غاب أبدا ولن يغيب من كان يحمل إنسانية إبراهيم حامد.
____________________________________
*عزل أّيلون –سجن الرملة