السبت: 05/10/2024 بتوقيت القدس الشريف

فلتسقط كرة القـدم

نشر بتاريخ: 18/06/2011 ( آخر تحديث: 18/06/2011 الساعة: 12:10 )
بقلم : سفيان صيام

في هذا المجتمع البائس الذي ترتسم على ملامحه صورة الحزن متجلية في أوضح حللها ، في هذا الواقع المرير الموسوم بالتشاؤم من أصغر طفل لأكبر شيخ على ربوع قطاعنا الحبيب ، وفي ظل حالنا التعيس الذي نعيشه جميعا بلا استثناء فشلا ذريعا في مختلف المناحي الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ، طباع شريرة تغولت على طباع الخير فينا ، صفات تسطرت بعيدا عن روحنا الحقيقية ، سمات جديدة لم تكون موجودة ظهرت فينا ، تسطير لمصطلح المصلحة فوق كل اعتبار والأنا وما بعدي الطوفان والنار , نصف وطن ينقسم نصفين ، والحزن يصبح حزنين ، والفرح لم يعد مسموحا أن يتقاسمه اثنين .

قلنا نذهب لكرة القدم فنحن نشجعها منذ الصغر ، في ظل غياب وسائل الترفيه والمتعة والتسلية نشجع كرة القدم ، فهي معشوقة الملايين على مستوى العالم كله ، وهي رياضة مأمونة الجانب لا خطر فيها على سلوك الأبناء إن حببناهم فيها ، وعلمناهم فوائدها لأجسادهم وصحتهم كأي رياضة مفيدة لبناء الجسد والسمو بالأخلاق ، فحسبما عرفنا وقرأنا وتعلمنا ، أن الرياضة تهذيب للنفوس وليست إحرازا للكؤوس ، وأن العقل السليم في الجسم السليم ، بل إن السياسيين حين يريدون لخصومهم الهدوء والقبول بنتائج اللعبة السياسية يقولون لهم اجعلوا روحكم رياضية كناية عن التسامح والقبول والرضا.

ذهبنا لكرة القدم ويا ليتنا ما ذهبنا ، فقد كنا نشاهد كرة القدم على مستوى العالم كيف تجمع ولا تفرق ، كيف تمارَس للمتعة وليس لمصارعة الديوك ، كيف يتقبل الفريق الخاسر الخسارة ويشجع الفريق الفائز ، كيف توضع كرة القدم في مكانها الصحيح ،على أنها رياضة فقط فيها الفائز والخاسر والكل في الختام متحابون متصافون متسامحون .

كلنا نتذكر كيف كانت أخلاق تيري هنري لاعب منتخب فرنسا حين أحرز هدفا بيده كان كفيلا بتأهل بلاده لمونديال كاس العالم ، واعترف بكل صراحة وتصالح مع الذات انه أحرز هدفه بيده وأنه يرى من العدل أن تعاد المباراة ، كما اعتذر للفريق الايرلندي الذي حرم من فرصة التأهل لكاس العالم ، وكلنا شاهدنا كيف اصطف الفريق الهولندي على الجانبين لتحية الفريق الأسباني الفائز بكأس أكبر بطولة يعرفها عالم كرة القدم على الإطلاق ، وكلنا شاهدنا كيف انتزع فريق برشلونة كأس بطولة دوري أبطال أوروبا من عرين المانشستر يونايتد وهي أقوى بطولة بين الأندية في العالم ، وسط تصفيق وتشجيع كبيرين من المتفرجين في ملعب ويمبلي الشهير وأغلبهم من الانجليز الذين استمروا في تشجيع الفريق الفائز بالبطولة رغم أن الفوز كان على حساب فريق انجليزي ، بل كلنا شاهدنا كيف كانت المصافحة الودية بين المديرين الفنيين للفريقين بعد انتهاء اللقاء .

أما عندنا في غزة الحبيبة حين أردنا أن نشجع كرة القدم الفلسطينية التي عادت للحياة بعد توقف طويل ، وبعد أن بدأ الناس يتابعون أخبار فرقهم الرياضية وينسجون أجمل الألحان لتشجعيها ،وبعد أن بدأت النقاشات تعلو والسجالات تظهر في إطار المنظومة الرياضية المتكاملة كان للبعض رأي آخر ، رأي بغيض ، يجعلنا نراجع كل حساباتنا في الرياضة ، وفي كرة القدم على وجه الخصوص ، وكأنه كان يعز علينا أن نجعل هذا الموسم الرياضي الأول بعد سنوات طويلة يمر بكل ما عليه وما له في سلام ، فآثرنا أن ننقاد لأحقادنا وتعصبنا المقيت وجهلنا وغبائنا ، فنخرب ونكسر وندمر ونجرح أطفالنا وأبنائنا وشبابنا من أجل كرة القدم .

إن ما حدث في مباراة خدمات رفح واتحاد الشجاعية لهو وصمة عار على جبين كل فلسطيني ، ولا أبالغ إن قلت أن هذه الأحداث التي لا يقوم بها إلا متعصب أو جاهل أو غبي كانت كخنجر غرس في خاصرتي وخاصرة كل محب لوطنه ولرياضة وطنه .

يتناسى هؤلاء المتعصبون المجانين أنه في حالة مثل حالة شعبنا هناك من يعيب علينا أصلا ممارسة الرياضة ونحن في مواجهة مع الاحتلال ، فما بالكم بما حدث في مثل هذه المباراة ألا يعتبر جريمة بحق دماء شهدائنا وبحق مسيرة نضالنا وبحق قضية وطننا ؟ قبل أن يكون جريمة في حق الرياضة الفلسطينية ؟

كيف نسمح لأنفسنا أن نشتم بعضنا البعض من أجل فوز قد يأتي هذه المرة ، أو خسارة قد تتعوض ذات مرة ؟ كيف نسمح لأنفسنا أن نستعير مصطلحات لا نقولها إلا للاحتلال لنقذف بها بعضنا البعض ؟ لماذا نصر دوما على تغيير بوصلة حقدنا الحقيقي وعداوتنا الواضحة لعدونا ، ونخترع من أنفسنا أعداء لأنفسنا ؟

هل يمكن أن نستوعب أن يسال دم فلسطيني من أجل كرة القدم ؟ هل يعقل أن نهين كرامتنا وذواتنا من أجل كرة القدم ؟

لقد أحببنا كرة القدم من أجل الرياضة ومن أجل المتعة ومن أجل بناء الجسد السليم ، ومن أجل الروح الرياضية ، ولكن إن كانت كرة القدم تعني التعصب الأعمى والجهل والغباء فلا نريدها ، وإن كانت كرة القدم تعني أن يسيل دم فلسطيني من أجلها فلتسقط كرة القدم .. نعم أعلنها بكل صراحة فلتسقط كرة القدم !!!!!!!!!!!!