كتب المحرر السياسي: "الكلام الساكت"... ما لم يقله فياض ؟!!
نشر بتاريخ: 23/06/2011 ( آخر تحديث: 26/06/2011 الساعة: 15:36 )
بيت لحم- معا- كتب ابراهيم ملحم- في لقائه مع الصحفيين وكُتاب الاعمدة يوم امس الاول الثلاثاء، أفاض رئيس الوزراء د. سلام فياض في الحديث عن الارقام وهي الاثيرة الى قلبه لا سيما وان خزينته قد غِيضَ فيها المال الا من مساعدات عربية لم تات بعد، او مستحقات ضريبية تحت رحمة القراصنة.
اجاد رئيس الوزراء ووزير المالية في المرافعة عن اهتزاز شباك خزينته الخاوية، تماما كما يجيد مدربو كرة القدم، في تبرير اهتزاز شباكهم بهدف او اكثر امام فريق حقق فوزا لا يستحقه مقارنة مع الاداء الجيد لفريقه، فمديونيتنا لا تُذكر مع مديونيات دول اخرى مجاورة او بعيدة، وهي مديونية منسجمة مع معايير اتفاقية "ماسترخت" التي تضع نسبة عجز في ميزانية الدولة العضو لا تنقص عن حاجز الـ 3% ونسبة دين عام لا تتعدى الـ 60% .
كان الدكتور هذه المرة على غير تفاؤله الذي ظل معتصما به طيلة السنوات الاربع الماضية من توليه رئاسة الحكومة، وهو تفاؤل كنا في كثير من الاحيان نتساءل عن اسبابه ومبرراته، في ظروف بلغ فيها الشح المالي الحناجر والانسداد السياسي الافاق، لنكتشف بعد حين ان على السياسي ان يبقى متفائلا حتى في اكثر الظروف عتمة واذا ما داهمه يأس فان عليه ان يحتفظ به في نفسه حتى ولو اتعب روحه وهو ما كان عليه الرجل.
ما عدا الارقام في سوق المال والاعمال، فان الدكتور لم يقل شيئا جديدا في السياسة "وهو ما صارحه به احد الزملاء الحضور ولم يعقب عليه"، وان قال شيئا فقد قال "كلاما ساكتا" كما يقول السودانيون.
قد تكون سنوات اربع عجاف كافية وزيادة لرئاسة حكومة، وفي بعض الدول فان عجلة الحكومات فيها تدور كل ستة اشهر دون ان يشعر بها احد، وقد تكون خبرا عاديا في الصفحات الداخلية للصحف، حتى ان مواطني احدى الدول لايعرفون اسم رئيس وزرائهم.
اما في تجربتنا المختلفة والتي تكاد تكون خاصة، ما يخرج عن مالوف تشكيل الحكومات، ففي غزة مثلا احتفظت حماس برئيس حكومتها المقالة طيلة السنوات التي امضاها فياض، دون ان يظهر من يدعو الى تغييره وتغيير وزرائه.
وفي الضفة، لم تظهر معارضة جدية لتغيير رئيس الحكومة، باستثناء تلك التي اعترضت ونالت ما ارادت بتغيير وزراء في حكومات فياض المتعاقبة، في اطار محاصصات، لا اعتراضا على سياسات بل انه ورغم وجود تيار في فتح لم يخف رغيته بتغيير فياض الا ان الحركة حسمت امرها في نهاية المطاف بقرار من لجنتها المركزية، بتسمية الرجل رسميا مرشحا لها لرئاسة حكومة التوافق باعتباره مرشح الرئيس الذي جدد تمسكه به في لقاء مع محطة "الـ بي سي" اللبنانية امس الاول وهو ما يجدر بحركة حماس احترامه، فاذا كانت حماس قد فوضت الرئيس بالمفاوضات في جميع الملفات فكيف تنكر عليه واحدا من اكثر صلاحياته وضوحا باختيار رئيس حكومته الذي يعمل معه وينفذ سياساته.
ما لم يقله فياض في لقاء الكتاب كان اكثر مما قاله فلم يبح الرجل بالكثير، واثر السكوت...سكوت يستبطن عتبا وغضبا كبيرين.
لاينبغي لاي تقييم موضوعي لتجربة الرجل ان يغفل اهتمامه بالتفاصيل الصغيرة بالانجاز اليومي وبنقل الحكم من المدن الى القرى والعشوائيات..افتتح ودشن، وقطف، وحصد، وركض كلها افعال مكتظة بالحيوية والحركة، زار مناطق نائية على خطوط التماس امدها بالماء والكهرباء مقدما نموذجا جيدا وجديدا لرجل الدولة الذي تجاوز الوظيفة الى الفعل المسؤول والاداء الرفيع الباعث على الامل والتفاول رغم قتامة المشهد.
وضع يده على مواطن الخلل في هياكل الادارات استطاع توظيف الاقتصادي في خدمة السياسي، مُشكلا شبكة امان لانهيار المفاوضات انشغل واشغل وزراءه "رغم الملاحظات الكثيرة على اداء بعضهم" بالعمل الميداني، اهتم ببناء المؤسسات وتنمية الانسان.
اتفقنا مع الرجل ام اختلفنا بقي في رئاسة الوزراء ام غادرها، فانه يظل احد اشهر رؤساء الحكومات، حيث شكل حضوره اضاءة للنص واصاب نجاحات في العديد من المجالات، حقق انجازات واقتحم عقبات واجتاز مخاضات تماما مثلما لامس اخفاقات، شكل عنوانا لمصداقية كنا ولا زلنا بحاجة اليها.