الإثنين: 25/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

القصة الكاملة لحوارات حكومة الوحدة من الاتفاق على الورق الى المواجهة الدامية في الشارع

نشر بتاريخ: 03/10/2006 ( آخر تحديث: 03/10/2006 الساعة: 23:09 )
بيت لحم معا - نشر موقع امين الاخباري ما قال انها التفاصيل الكاملة لما جرى بين الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء اسماعيل هنية حول تشكيل حكومة الوحدة الوطنية واسرار زيارة ابو مازن لواشنطن والمحادثات التي سبقت تلك الزيارة .
وفي ما يلي التفاصيل الكاملة للتقرير كما نشره الموقع بقلم علي البطة .

أسقط الفلسطينيون إخوة الدم والهم الواحد حرمة دمهم في الشهر المتوقع أن يمسك فيه الفلسطينيون عن الكلام وتبادل الاتهامات فإذا بهم يدخلون في معركة مسلحة بعدما انفجر الاحتقان المتراكم بين حركتي "فتح" و"حماس" المتنافستين بما يهدد بأكل ما تبقى من الأخضر واليابس في الأراضي الفلسطينية خصوصا في قطاع غزة والضفة الغربية التي حرثها الاحتلال حرثاً على مدار ست سنوات، وهي الاشتباكات الأعنف داخل الأراضي الفلسطينية منذ نشوء القضية الفلسطينية لجهة امتلاك كل طرف من أطرافها (الحكومة وحماس من جهة والرئاسة وفتح من الجهة الأخرى) السلاح الوفير والبرامج المتناقضة، بما بات يهدد القضية الفلسطينية برمتها.

للوقوف على أسباب تفجر الصراع وانتقاله بشكل مفاجئ إلى الشارع لا بد للمتابع إلا أن يضع كل هذه التطورات تحت لافتة "الفشل" الذي منيت به وثيقة الوفاق الوطني التي وقعها رئيس السلطة محمود عباس ورئيس الوزراء إسماعيل هنية، قبل أسبوعين.

بحثنا عن الأسباب الكامنة خلف التراجع السريع والخطير فكان هذا التقرير الداخلي الذي وصف بـ" السري " وقد سربه مسؤول كبير في إحدى التنظيمات اليسارية الفلسطينية (رفض الإشارة إلى التنظيم أو كشف هوية المسؤول)، قائلاً إن التقرير يحتوي على خلفية التصدعات من أساسها - وحسب المصدر- فان هذه المعلومات جمعتها مؤسسات تنظيمه من كافة المناطق (قطاع غزة، الضفة الغربية والعاصمة السورية والعاصمة الأردنية) خلال لقاءات مطولة عقدها مسئولو تنظيمه مع قادة حركتي "فتح" و"حماس" ومع مسؤولي الرئاسة ممثلة بشخص الرئيس عباس والحكومة ممثلة بشخص الرئيس هنية.

كان المفترض أن تقدم الحكومة الحالية التي يقودها القيادي البارز في حركة المقاومة الإسلامية "حماس" إسماعيل هنية استقالتها إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس يوم السبت في 16/9/2006، على أن يصدر قرار بإعادة تكليف هنية بتشكيل الحكومة الجديدة التي أطلق عليها حكومة الوحدة الوطنية فور تقديم الحكومة الحالية استقالتها.ومهد الوزراء لهذا الأمر، حين وضعوا استقالاتهم بتصرف رئيس الحكومة. وقد وصفت هذه الخطوات بأنها تنفيذ لما جاء في الاتفاق الثنائي بين عباس وهنية، القاضي بإحداث تغيير حكومي عملاً بوثيقة الوفاق الوطني التي أقرت بإجماع القوى الفلسطينية على ضرورة رحيل حكومة السلطة لصالح حكومة جديدة يشارك فيها الجميع، توفر عوامل استقبال استحقاقات المرحلة القادمة بما في ذلك فك الحصار المالي والاقتصادي عن الشعب الفلسطيني وعن السلطة.

لكن الأمور سارت بشكل مفاجئ في اتجاهات أخرى، وبدأ الجو يتلبد بسيل من التصريحات المتناقضة، على لسان متحدثين باسم الحركتين المتنافستين (فتح وحماس) من جهة، والناطقين باسم الرئاسة والحكومة من الجهة الثانية ، وبدت الأمور مع الاتهامات المتبادلة وكأنها وصلت إلى طريق مسدود مرة أخرى، وأن اتفاق عباس ـ هنية انهار قبل أن يجف حبره، وقبل أن تطلع القوى السياسية والرأي العام على مضمونه. وأخذت بورصة تشكيل حكومة الوحدة الوطنية تشهد تقلبات حادة، وبدأت الرياح تهب على الاتفاق من أكثر من جهة، حتى أن بعض المعلقين وصف اتفاق تشكيل حكومة الوحدة الوطنية بالطائرة العاجزة عن الإقلاع بعد أن تعرض مدرجها إلى قصف عنيف.

فماذا جرى عقب توقيع عباس ـ هنية على اتفاق حكومة الوحدة الوطنية، وما هي الحقائق التي تقف خلف تلك التصريحات المتناقضة. وهل كانت الحكومة الجديدة حلماً سرعان ما تبدد، أم أن بمقدور الجهات المعنية تجاوز العقبات، وأن إرادة إعادة ترتيب الصف الفلسطيني أقوى من كل الصعوبات.

يستعرض التقرير السياسي الداخلي التحركات داخل مؤسسة الرئاسة وحركة "فتح" بدايةً، ويعرض لأسباب يرونها مكاسب لعباس في الأمر، فمقربوه يرونه الفائز الأكبر في تشكيلة الحكومة الجديدة.

* لماذا طار عباس فوراً إلى العاصمة الأردنية بعد توقيع الاتفاق مع هنية، وماذا سمع من ملاحظات وتحفظات في عمان.

* ماذا سمع موفدا عباس إلى واشنطن من تعليقات على "محددات" برنامج الحكومة الجديدة.. وكيف فهما رسالة رايس إلى رام الله؟

* هل تمر الحكومة الجديدة من بين ثقوب شبكة الحصار الأميركي المفروض على السلطة؟

تقول المصادر المقربة من رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، أنه، وفور توقيعه الاتفاق مع رئيس الحكومة إسماعيل هنية، طار إلى عمان، في محطة تمهيدية، للسفر لاحقاً إلى نيويورك، للمشاركة في أعمال الدورة الحادية والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة، ومن بعدها إلى واشنطن للقاء أركان الإدارة الأميركية وفي مقدمها الرئيس جورج بوش.

وتضيف المصادر أن الرئيس عباس تحرك في هذا السياق على خطين، إذ في الوقت الذي طار فيه إلى عمان، أوفد إلى واشنطن كلاً من رفيق الحسيني (مدير مكتبه) وأكرم هنية (مستشاره الخاص، ورئيس تحرير جريدة «الأيام») للتحضير للزيارة واستطلاع الأوضاع وردود الفعل الأولية على الاتفاق بينه وبين "حماس".

ماذا في عمان؟

في عمان ـ تقول المصادر ـ التقى عباس الملك الأردني عبد الله الثاني، ورئيس جهاز المخابرات محمد الذهبي وسلم كلاً منهما نسخة من الاتفاق الثنائي مع هنية.

كذلك التقى وفداً سعودياً برئاسة مدير جهاز المخابرات بندر بن سلطان، وتتحدث المصادر عن لقاء مماثل عقد بين عباس وبين رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية الوزير عمر سليمان.

لكن الأطراف كلها، الأردنية والسعودية والمصرية، أبلغت عباس تحفظها على تسمية هنية رئيساً للحكومة الجديدة، وقالت له إن بقاء هنية على رأس الحكومة من شأنه أن يوفر ذرائع لواشنطن وتل أبيب لرفض التعاون مع الاتحاد الأوروبي والعواصم العربية الثلاث لفك الحصار عن المناطق الفلسطينية. وفي الوقت نفسه رحبت الأطراف العربية الثلاثة ببنود الاتفاق الثنائي واعتبرته يشكل أساساً صالحاً لتحرك فلسطيني في سبيل فك الحصار، واستعادة الحيوية الدبلوماسية أو إعادة تقديم الحالة الفلسطينية إلى الرأي العام والعواصم الكبرى، كما أنه يساعد كلاً من عمان والقاهرة والرياض على التحرك في آفاق أكثر رحابة.

وتضيف المصادر أن عباس أبلغ الأطراف الثلاثة (المصرية، الأردنية والسعودية) أنه قبل بهنية رئيساً للحكومة الجديدة كأمر واقع لأن "حماس" هي التي تملك، في المجلس التشريعي، مفتاح منح الحكومة الجديدة الثقة. وأنه مقابل هذا الاعتراف بالأمر الواقع نجح في الحصول على "مكافأة" لا يمكن التقليل من أهميتها، إذ وافقت "حماس" مبدئياً على أن يسمي هو شخصياً وزراء المالية، والداخلية، والخارجية، والإعلام.
كما أنه سيكون معنياً بتسمية وزير الإدارة المدنية في حال تم الاتفاق على الإبقاء على هذه الحقيبة وإلا فإن مهماتها سوف تحال إلى "الداخلية" وبالتالي سوف تبقى تحت سلطته ونفوذه، ودعا أبو مازن ـ كما تقول المصادر ـ كلاً من عبد الله الثاني، والذهبي، وبندر، وسليمان، إلى تلمس «المتغير الكبير» الذي استطاع تحقيقه حين نجح في كسر قرارين مهمين:

* الأول هو قرار "فتح" التي كانت ترفع شعار "عيب على فتح أن تشارك في حكومة برئاسة حماس". وهذا المتغير، كما نقل على لسان أبو مازن، من شأنه أن "يعقلن" حركة "فتح" التي ما زالت تتخيل نفسها في موقع المقرر الوحيد في السلطة ولا تريد أن تعترف بهزيمتها في الانتخابات التشريعية.

ويعتقد أبو مازن أن مثل هذه الخطوة قد تشكل مدخلاً لتعيد "فتح" قراءة أوضاعها بنظرة نقدية تخلصها من حالة الفوضى التي تدب في صفوفها. وقد وصف مراقبون موقف أبو مازن هذا، بأنه رهان منه على إمكانية تعزيز نفوذه داخل الحركة، بحيث يصبح المقرر الأول بلا منازع.

* الثاني هو قرار "حماس" التي كانت ترفع شعار "البقاء في الحكومة لأربع سنوات قادمة دون شريك" ويرى عباس أن قبول "حماس" بشركاء لها في الحكومة هو تنازل لا يمكن التقليل من «أهميته» يؤسس لصيغة لاحقة تلغي استفراد "حماس" بالحكومة وببرنامجها.

ويقول المقربون من عباس إن "التطور" في موقف "حماس" ما كان ليقع لولا الوقائع المتلاحقة التي شهدتها المناطق الفلسطينية ولولا سياسة "الصبر" التي اتبعها إزاء "تعنت حماس وعنجهيتها". وتمنى عباس على العواصم العربية الثلاث أن تسانده بشكل فاعل في ما توصل إليه مع "حماس" من اتفاق، مدركاً، بشكل مسبق، أن تطبيق الاتفاق يحتاج هو الآخر إلى نفس طويل، ولم يكن أبو مازن يستبعد أن يصطدم التطبيق بعقبات وأن تجابهه عراقيل وصعوبات.

وماذا في واشنطن؟

في واشنطن ـ تقول المصادر ـ التقى الوفد الفلسطيني، المؤلف من الحسيني وهنية عدداً من المسؤولين هم والش مساعد وزير الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس لشؤون الشرق الأوسط، واليوت ابراهام مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض ورايس نفسها.

فقد استمع الوفد الفلسطيني إلى تحفظات أمريكية على ترؤس هنية للحكومة الفلسطينية وعلى مشاركة "حماس" فيها. إن ما يهم واشنطن ـ قالت رايس وفقاً للمصادر ـ أن توافق الحكومة القادمة على الشروط الثلاثة للجنة الرباعية: الاعتراف بإسرائيل، وضع حد "للإرهاب" والموافقة على الاتفاقات الموقعة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي وتقول مصادر الوفد إن ما سمعه الحسيني وهنية لم ينسف الأمل بالوصول إلى "تفاهم" ما مع الولايات المتحدة خاصة بعد أن أوضحت لهما رايس أنها عازمة على استقبال رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، وأن الرئيس بوش سوف يستقبله هو أيضاً.

وقد قرأ الوفد الفلسطيني في ذلك إشارة ايجابية لصالح رئيس السلطة وفهما أن هذا الأمر ينسجم مع موقف رايس الذي أبلغته إلى وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيفي ليفني أن واشنطن حريصة على دعم محمود عباس "لأنه يرمز للاعتدال" في الحالة الفلسطينية وقد طالبتها بأن تتخذ حكومتها في تل أبيب منه الموقف ذاته.

غير أن المصادر تعلق على ما رفعه الموفدان الفلسطينيان من تقييم لزيارتهما إلى عباس، فترى أن ما سربته الصحف الإسرائيلية، ومصادر البيت الأبيض يشير إلى أن موقف بوش قد يكون أكثر تشدداً من موقف وزيرة خارجيته، ولعل هذا ما دفع عباس للتمسك بحرفية الاتفاق الذي وقعه مع إسماعيل هنية، بما في ذلك النص على الالتزام بمبادرة السلام العربية التي تبنتها قمة بيروت عام 2002. وهذا ما يعيد النقاش إلى ضرورة الإطلاع على ما جرى بين عباس وهنية من مباحثات توصل خلالها الطرفان إلى الاتفاق على ما أطلق عليه "محددات" البرنامج السياسي للحكومة، وتوزيع الحصص بين الأطراف المختلفة، خاصة حركتي "حماس" و"فتح".

مصادر حماس والحكومة : لهذه الأسباب تراجعت الحركة عن الاتفاق مع رئيس السلطة.

* لماذا تقول "حماس" إن الاتفاق تم بينها وبين "فتح" وليس بين عباس وهنية وكيف تفسر تراجعها عن بعض ما تم الاتفاق عليه في غزة؟

* ما هي أسباب التصعيد الإعلامي لبعض الناطقين باسم "حماس" وأسباب الرد العاصف للناطق باسم "فتح"؟

* لماذا تدخل أبو ردينة وأطفأ نيران الحرب الإعلامية بين "فتح" و"حماس"؟
كيف تفسر حركة "حماس" الجدل الصاخب الذي دار بين المتحدثين باسمها من جهة، وبين المتحدثين باسم مؤسسة الرئاسة وحركة "فتح" من جهة أخرى حول تشكيل الحكومة الجديدة، وما يصادف ذلك من عقبات؟

تقول مصادر مقربة من "حماس" إن الاتفاق الذي وقع على "محددات" البرنامج السياسي للحكومة الجديدة جرى طبخة على عجل وفي وقت ضيق نسبياً "مما حرم حماس من القدرة على التدقيق أكثر في النص" .

وإضافة لهذا السبب، الذي تبرزه "حماس" فإن مصادرها تنفي في السياق نفسه أن يكون الاتفاق قد وقع بين رئيس السلطة محمود عباس وبين رئيس الحكومة إسماعيل هنية، وتصر بالمقابل على أنه "وقع بين حركتي فتح وحماس"، ويرى مراقبون أن مثل هذا التفسير إنما الهدف منه إخراج رئيس الحكومة إسماعيل هنية من دائرة الإحراج، خاصة وأن الحركة أخذت تتراجع عن بعض ما تم التوقيع عليه.

وتضيف مصادر الحركة فتقول إن الحركة في غزة وقعت الاتفاق، دون أن تكون قد تشاورت بشأنه مع قيادة الحركة في كل من "الخارج" والضفة والسجون. وأن المشاورات اللاحقة أبرزت أن ثمة ثلاث ملاحظات سجلتها قيادة الحركة في الخارج وفي الضفة وأن هذه الملاحظات تطال ما يلي:

1ـ لاحظت الحركة عدم ورود كلمة "المقاومة" في البند الخاص بإقامة الدولة الفلسطينية. (أي الفقرة الأولى للاتفاق) وقد طالبت بتعديل الاتفاق بإضافة هذه الكلمة أي "المقاومة".

2ـ شطب البند الثامن المتعلق بتشكيل لجنة المفاوضات، فالمفاوضات ليست من صلاحية الحكومة بل هي من صلاحية منظمة التحرير الفلسطينية.

3ـ استبدل عبارة "مبادرة السلام العربية" الوارد ذكرها في الفقرة الرابعة بعبارة "الشرعية العربية" فمبادرة السلام العربية لم ترد في وثيقة الوفاق الوطني. وقد وردت بدلاً منها عبارة الشرعية العربية.

ماذا كان رد أبو مازن؟

تقول مصادر "حماس" إن قيادة الحركة في غزة أجرت اتصالاً برئيس السلطة محمود عباس، ونقلت إليه الملاحظات الثلاث، كما تجمعت لديها من دوائر القرار في قيادة الحركة وأن رد عباس على تلك الملاحظات كان على الشكل التالي:

1ـ لا مانع لدى رئيس السلطة في إضافة كلمة المقاومة في الفقرة الأولى.

2ـ وافق عباس على شطب الفقرة الخاصة بالمفاوضات باعتبارها من صلاحية "م.ت.ف". وحدها .

3ـ رفض عباس فتح أي نقاش حول عبارة "المبادرة العربية"، ورأى ـ كما تقول مصادر حماس ـ أن أي تعديل في هذا الجانب من شأنه أن ينسف الاتفاق من أساسه، كما من شأنه أن يفشل زيارة "أبو مازن" إلى واشنطن قبل أن تقع. لذلك طلب عباس إلى هنية عدم إثارة الموضوع، وتعليق الأمر إلى أن يعود هو ـ أي عباس ـ من زيارته إلى الولايات المتحدة الأميركية.

هذا التطور المفاجئ، هو ما دفع الطرفان، عباس وهنية إلى تجميد إعلان استقالة الحكومة، وكذلك تجميد إعلان إعادة تكليف هنية بتشكل الحكومة الجديدة. لكن الأمر، كما يبدو، لم يقف عند هذه الحدود. فقد خرجت بعض قيادات "حماس" على ما تم الاتفاق عليه بين عباس وهنية بشأن تجميد الحوار تجميد التحركات والمشاورات.

وأصدر بعض المتحدثين في قيادة الحركة من غزة ورام الله ودمشق تصريحات تنفي أن تكون وثيقة "محددات" برنامج الحكومة تتضمن موافقة الحركة على المبادرة العربية. وتضيف مصادر أن هذه التصريحات أحرجت رئيس السلطة أمام الأطراف العربية التي سلمها الاتفاق بينه وبين هنية، فتولد لدى عباس إحساس أن "حماس" بدأت تتراجع علناً عما تم التوصل إليه، وأنها لا تلتزم بالاتفاقات المعقودة معه.
وتقول مصادر مطلعة إن عباس جمع بعض مستشاريه وتداول معهم بشأن ما جرى وأن المشاورات توصلت إلى ضرورة محاصرة السلبيات في أضيق نطاق، وعدم إفساح المجال لغير الراغبين في ولادة حكومة وحدة وطنية في تحقيق رغبتهم.

لكن تصريحات قيادات "حماس" حول "مبادرة السلام العربية" والموقف منها، قابلتها تصريحات صاخبة أدلى بها الناطق باسم "فتح" في الضفة الفلسطينية أحمد عبد الرحمن، اتهم فيها "حماس" بالتراجع عما تم الاتفاق عليه، وأن تشكيل الحكومة الجديدة قد يكون وصل إلى الطريق المسدود. غير أن تصريح آخر ورد على لسان نبيل أبو ردينة الناطق باسم رئيس السلطة خفف من حدة الاحتقان، حين أوضح أن مشاورات تشكيل الحكومة الجديدة قد تم تأجيلها إلى حين عودة الرئيس عباس من زيارته إلى الولايات المتحدة. وأن الاتفاق ما زال ساري المفعول.

مصادر "فتح": هنية لن يستقيل قبل أن يضمن حصة حماس في التوزيع الوزاري الجديد..

بعض القيادات الفتحاوية علقت على "الارتباك" الإعلامي الذي خيم على الأجواء فقالت إنها على ثقة أن "حماس" لن تستطيع تعطيل ولادة الحكومة الجديدة، وأن الحركة الإسلامية ترى لنفسها مصلحة في ولادة هذه الحكومة، خاصة وقد توفر لها غطاء فلسطيني وعربي وأنها لن تتراجع عما وقعه هنية.

وتضيف هذه القيادات معتقدة أن هم "حماس" الأبرز هو موقعها في الحكومة الجديدة. وتوقعت هذه القيادات ألا يقدم هنية استقالة حكومته الحالية إلا بعد أن يتلقى من عباس ضمانات مؤكدة حول حصة "حماس" في الحكومة، وحول توزيع الحقائب.

وتوقعت هذه المصادر ألا تلقى هذه القضية عراقيل. فالاتفاق بين عباس وهنية رسا على أن يكون لـ"حماس" 8 مقاعد وزارية، ولـ"فتح" 4 مقاعد، وللكتل البرلمانية الأربع (البديل ـ الشعبية ـ الطريق الثالث ـ المبادرة) 4 مقاعد أيضاً. والباقي يكون للمستقلين، الذين تتفاوض "حماس" و"فتح" على تسميتهم.

وتضيف هذه القيادات أن رئيس السلطة حريص على الإمساك بأربع حقائب هي المال، والخارجية، والإعلام، والداخلية. أما وزارة الشؤون المدنية (وسيلة الارتباط مع الجانب الإسرائيلي) فتكون مديرية في وزارة الداخلية. وترى هذه القيادات أن هذه الوزارات سوف تكون حصة أبو مازن أكثر منها حصة "فتح". وأن أبو مازن قد يكون صاحب النفوذ الأكبر في هذه الحكومة انطلاقاً مما سوف يمسك به من وزارات رئيسية توصف عملياً في الدول المستقلة على أنها الوزارات السيادية.

كذلك تعلق القيادات الفتحاوية في غزة على مطالبة قيادة "حماس" إدخال تعديلات على "محددات" البرنامج الحكومي، أن من شأن ذلك أن يضعف رئيس الحكومة إسماعيل هنية أكثر فأكثر. وتضيف هذه القيادات فتقول إن موقع هنية بدأ يتعرض للتشويش منذ وقوع عملية كرم أبو سالم وأسر الجندي الإسرائيلي. حيث بدا واضحاً أن هنية لا علم له مسبقاً بالعملية، وأن القرار بشأن مصير الجندي الإسرائيلي كان خارج صلاحياته، وقد عبر عن ذلك الناطق باسم الحكومة (آنذاك) غازي حمد، ونائب رئيس الحكومة ناصر الدين الشاعر.

ويوافق مراقبون على صحة رؤية قيادات "فتح" لموقع هنية، ويضيفون أن ما تعرض له رئيس الحكومة من حصار على يد المضربين والمتظاهرين عند مدخل المجلس التشريعي في غزة (الاثنين في 18/9/2006) وانجرار مرافقيه لإطلاق النار في الهواء زاد من التشويش على موقع رئيس الحكومة وعلى قدرته على تقديم نفسه ممثلاً رسمياً للحركة.

كذلك زاد من التشويش عليه ذلك الجدل الذي دار في دمشق بين مبعوث الرئيس عباس، رئيس الوزراء السابق أحمد قريع، وبين نائب رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" موسى أبو مرزوق. وحتى عندما توافق الطرفان، في اجتماع عقدته الفصائل في مقر المجلس الوطني في دمشق على ضرورة ولادة الحكومة الجديدة بدا قرار "حماس" وكأنه بيد قيادتها في الخارج، وليس بيد قيادتها في غزة، وأن ما تصادق عليه قيادة الخارج هو الملزم للحركة.

مصادر قانونية: مصير الحكومة القادمة يبقى بيد وزراء حماس..

فسرت مصادر قانونية تمسك حركة "حماس" بأن يكون لها 8 وزراء في الحكومة القادمة، بأن ذلك يمكنها من تقرير مصير الحكومة والمدة التي سوف تقضيها في إدارة شؤون السلطة.

وقالت المصادر أنه لا صحة للرأي القائل بأن غياب الوزراء الثمانية (أي ثلث الوزارة) من شأنه أن يعطل اجتماعات المجلس الوزاري. فالقانون الأساسي ينص على إمكانية عقد جلسات رسمية للحكومة، حتى ولو تغيب ثلث أعضائها، لكنه ينص بالمقابل على أن استقالة ثمانية وزراء (أي ثلث أعضاء الحكومة) من شأنه أن يطيح بها وأن يدفع برئيسها لتقديم استقالته أو برئيس السلطة لإقالتها. من هنا ـ كما تقول المصادر القانونية ـ تحرص حماس على أن يكون لها 8 وزراء كي تبقى هي الممسكة بمصير الحكومة الجديدة.

وتوقع مراقبون، والحال هكذا، ألا يدوم عمر الحكومة الجديدة عن سنة أو يزيد، على أن تقدم استقالتها بعد ذلك إلى رئيس السلطة. وقال هؤلاء إن وظيفة هذه الحكومة هو فك الحصار عن مناطق السلطة وترميم الخراب الذي صنعه هذا الحصار، لكنها ستكون في الوقت نفسه عاجزة عن العمل السياسي، كما أنها قد تصطدم بالأغلبية البرلمانية في المجلس التشريعي المؤلفة من نواب حماس، لذلك توقع المراقبون أن يلي ذلك حل المجلس التشريعي، والدعوة إلى انتخابات تشريعية مبكرة، قد تعيد رسم الخارطة في مناطق السلطة، على غير ما هي عليه الآن.

النص الحرفي للاتفاق..

فيما يلي النص الحرفي للاتفاق الذي توصل إليه رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ورئيس الوزراء إسماعيل هنية، بشأن محددات البرنامج السياسي لحكومة الوحدة الوطنية:

محددات البرنامج السياسي لحكومة الوحدة الوطنية

"انطلاقاً مما ورد في وثيقة الوفاق الوطني التي وقعت عليها الرئاسة والحكومة والمجلس التشريعي والقوى والفصائل باعتبارها الإطار المرجعي لشعبنا الفلسطيني حول قضيته في هذه المرحلة، ووفاء للشهداء والأسرى والجرحى والمبعدين، وتضحيات شعبنا الفلسطيني، وحماية لحقوقه، وحفاظاً على ثوابته الوطنية، وتأكيداً لوحدته الوطنية، وتحقيقاً لمبدأ الشراكة فإن برنامج الحكومة يتضمن الآتي:

1ـ تؤكد الحكومة على حق الشعب الفلسطيني في العمل والنضال من أجل تحرير أرضه وإنهاء الاحتلال بالوسائل والسبل المشروعة كافة، وإزالة المستوطنات وجدار الفصل العنصري، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة على جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 والمتواصلة جغرافياً وعاصمتها القدس.

2ـ تدعم الحكومة وتشجع كل الجهود التي تبذل لإنجاز ما تم الاتفاق عليه في القاهرة في آذار/مارس 2005 فيما يتعلق بتطوير وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية بوصفها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وتؤكد على ضرورة الإسراع في تنفيذ الإجراءات اللازمة لذلك قبل نهاية هذا العام.

3ـ تحترم الحكومة الاتفاقيات التي وقعتها منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها المرجعية السياسية للسلطة الوطنية الفلسطينية بما يحمي المصالح العليا لشعبنا ويصون حقوقه.

4ـ تساعد الحكومة رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية في وضع خطة فلسطينية للتحرك السياسي لتحقيق الأهداف الوطنية على أساس المبادرة العربية وقرارات الشرعية الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية بما لا ينتقص من حقوق الشعب الفلسطيني.

5ـ تتعاون الحكومة والرئاسة على رفع الحصار الظالم المفروض على شعبنا، وستعمل الحكومة على رفعه بكل جهد مستطاع ولحشد الدعم العربي والإسلامي والدولي والسياسي والمالي والاقتصادي والإنساني.

6ـ العمل على تحرير جميع الأسرى والمعتقلين بدون استثناء أو تمييز وعودة المبعدين إلى أماكن سكناهم.

7ـ تؤكد الحكومة على حق العودة والتمسك به, كما تدعو المجتمع الدولي لتنفيذ ما ورد في القرار 194 بخصوص حق العودة للاجئين الفلسطينيين وتعويضهم. كما وستعمل الحكومة على مضاعفة الجهد لدعم ومساندة ورعاية اللاجئين الفلسطينيين والدفاع عن حقوقهم.

8ـ (تم إلغاؤه ـ حسب الوثيقة) يعاد تشكيل لجنة المفاوضات العليا بما يعزز المشاركة السياسية وحماية المصالح الوطنية".

ما ورد في النص العربي غاب عن النص الإنكليزي.. لماذا؟
في البداية نفى مصدر مطلع في رئاسة الوزراء ان يكون جرى موافقة من رئاسة الوزراء على الصيغة باللغة الانجليزية بل انها نفت ان يكون هناك اصلا نسخة انجليزية عرضت عليهم .
ولكن مصادر مقربة من الرئيس تقول : لاحظ المراقبون أن "محددات" البرنامج السياسي للحكومة الجديدة، كما وقعها كل من رئيس السلطة محمود عباس ورئيس الحكومة إسماعيل هنية صيغت باللغتين العربية والإنكليزية وأن النص الإنكليزي يختلف عن النص في العربية في بعض فقراته.

فالفقرة الثالثة تنص على احترام الحكومة للاتفاقيات "التي وقعتها م.ت.ف. باعتبارها المرجعية السياسية للسلطة الوطنية الفلسطينية، بما يحمي المصالح العليا لشعبنا ويصون حقوقه".

الفقرة ذاتها، بالإنكليزية، تتحدث عن الأمر نفسه، لكن حذفت منها العبارة التي تقول "بما يحمي المصالح العليا لشعبنا ويصون حقوقه".

أما الفقرة الرابعة فتتحدث عن مساعدة الحكومة لرئيس السلطة "في وضع خطة فلسطينية للتحرك السياسي لتحقيق الأهداف الوطنية على أساس المبادرة العربية وقرارات الشرعية الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية، بما لا ينتقص من حقوق الشعب الفلسطيني".

النص الإنكليزي يتحدث عن "خطة سلام" وليس عن "خطة للتحرك السياسي"، كما سقطت منه كلمة "فلسطينية" في وصف الخطة، كذلك سقطت منه العبارة الأخيرة القائلة "بما لا ينتقص من حقوق الشعب الفلسطيني".

المراقبون فسروا هذا الاختلاف الكبير بين النصين، بأن النص العربي كتب ليوزع على الرأي العام الفلسطيني، وبشكل خاص على قواعد "حماس". بينما كتب النص الإنكليزي باعتباره النص الرسمي والملزم للطرفين، وهو النص الذي جرى تقديمه لعمان والقاهرة والرياض، والذي حمله الوفد الفلسطيني إلى واشنطن، كما جرى تسليم نسخة عنه إلى الاتحاد الأوروبي.

ولاحظ المراقبون في السياق أن الطرفين، "فتح" و"حماس"، تواطآ، في التلاعب بالنص، كل منهما لأهداف خاصة به، ورأى المراقبون أن عبارتي "بما يحمي المصالح العليا لشعبنا ويصون حقوقه" و"بما لا ينتقص من حقوق الشعب الفلسطيني" لا تعنيان في السياسة شيئاً ملموساً. إذ يمكن لكل طرف، من زاويته، أن يعرف المصالح العليا والحقوق كما يشاء، وقال المراقبون إنه كان على الطرفين أن يعتمدا العبارة الواردة في وثيقة الوفاق الوطني التي نصت على أن كل التحرك السياسي وغيره إنما يهدف إلى تحقيق «الأهداف الوطنية للشعب الفلسطيني كما وردت في الوثيقة». وقد أوردت الوثيقة الأهداف على أنها الخلاص من الاحتلال والاستيطان، وقيام الدولة المستقلة كاملة السيادة بحدود الرابع من حزيران/يونيو، وعاصمتها القدس، وإطلاق سراح الأسرى والمعتقلين، وضمان عودة اللاجئين إلى ديارهم وممتلكاتهم التي هجروا منها منذ العام 1948. ولاحظ المراقبون أن تجاوز الطرفين معاً، لما جاء في وثيقة الوفاق الوطني، ولجوئهما إلى عبارات عامة، وفضفاضة من شأنه أن يفتح الباب للتفسيرات المتباينة، وللتلاعب بالقضايا المصيرية.