الأحد: 22/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

"الحق" تدين كافة اشكال التعذيب التي ترتكبها اسرائيل بحق الاسرى

نشر بتاريخ: 27/06/2011 ( آخر تحديث: 27/06/2011 الساعة: 18:11 )
رام الله - معا - اصدرت مؤسسة الحق بيانا في اليوم العالمي لمناهضة التعذيب، الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ الثاني عشر من كانون الأول/ديسمبر عام 1997، قالت فيه انه ورغم الجهود الكبيرة التي بذلتها الأمم المتحدة من خلال المواثيق والاتفاقيات وآلياتها الخاصة في مناهضة التعذيب وتجريمه ووجوب محاسبة مرتكبيه، أياً كانت الظروف والأحوال والمبررات، إلاّ أن تلك الجهود ما زالت تصطدم بعقبات كبيرة في التطبيق على الأرض في ظل غياب المساءلة والمحاسبة الجدية والفعّالة في مواجهة مرتكبي تلك الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.

وجددت مؤسسة "الحق" إدانتها لكافة أشكال التعذيب والمعاملة اللاإنسانية والحاطة بالكرامة التي ما زالت ترتكبها إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، على نحو مدروس وممنهج، بحق الأسرى الفلسطينيين في السجون ومراكز الاعتقال الإسرائيلية.

وادانت "الحق" ممارسات التعذيب والمعاملة الحاطة بالكرامة التي تمارسها أنظمة عربية مستبدة بحق ثورات شعوبها المطالبة بالإصلاح وإطلاق الحقوق والحريات، مؤكدة أنه وبالرغم من التطور الحاصل على مستوى حظر تلك الممارسات من قبل الأجهزة الأمنية الفلسطينية في الضفة والقطاع، إلاّ أنها ما زالت تُعاني من غياب "إرادة سياسية" جادة في مساءلة ومحاسبة مقترفي تلك الجرائم الخطرة إنصافاً للضحايا وتحقيقاً للعدالة.

واعتبرت "الحق" أن تلك الممارسات تشكل انتهاكاً فاضحاً للمواثيق والاتفاقيات الدولية التي حظرت ممارسات التعذيب والمعاملة الحاطة بالكرامة حظراً مطلقاً، وأكدت على وجوب تجريمها ومحاسبة مرتكبيها، واعتبرتها انتهاكاً جسيماً لحقوق الإنسان، وامتهاناً للكرامة الإنسانية، وجرائم لا تسقط بالتقادم، ولا يمكن تبريرها أياً كانت الظروف والأحوال.

وهذا ما استقر عليه القانون الدولي لحقوق الإنسان بدءاً بالإعلان العالمي ومروراً بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وإعلان الأمم المتحدة بشأن الحماية من التعذيب والمعاملة الحاطة بالكرامة لعام 1875 وصولاً إلى اتفاقية مناهضة التعذيب لعام 1984 وبروتوكولها الاختياري لعام 2002 وجهود هيئات وآليات الأمم المتحدة في حظر التعذيب ومساندة ضحاياه، وكذلك الحال في القانون الدولي الإنساني وبخاصة اتفاقية جنيف الثالثة بشأن أسرى الحرب والرابعة بشأن حماية المدنيين والمادة الثالثة "المشتركة" لاتفاقيات جنيف بشأن النزاعات المسلحة غير الدولية والبروتوكول الإضافي الأول بشأن النزاعات الدولية المسلحة الذي اعتبر ممارسات التعذيب بمثابة جرائم حرب وقد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.

ورأت "الحق" بأن نهج التعذيب الجسدي والنفسي المدروس الذي تمارسه أجهزة الاحتلال الأمنية ضد الفلسطينيين أطفالاً ونساءً ورجالاً، كان وما زال يتم بغطاء سياسي ودعم قضائي، وكان من أبرز مؤشراته توصيات لجنة "لنداو" التي أُنشئت بقرار الحكومة الإسرائيلية عام 1987 وصادق عليها الكنيست الإسرائيلي وقد أضفت طابعاً "شرعياً" على تلك الممارسات تحت حجح ومبررات عديدة من قبيل "الضرورات الأمنية" ومنع "العنف الفلسطيني" ومكافحة "الأعمال الإرهابية" وشيكة الوقوع أو ما يُسمى "القنبلة الموقوتة" وقد وجدت صداً لها في العديد من القرارات الصادرة عن محكمة العدل العليا الإسرائيلية. وكافة تلك المبررات التي يسوقها الاحتلال لشرعنة التعذيب والمعاملة الحاطة بالكرامة لا أساس لها في المواثيق والاتفاقيات الدولية وبخاصة اتفاقية مناهضة التعذيب التي صادقت عليها دولة الاحتلال عام 1991 وقد حظرت كافة أشكال التعذيب والمعاملة الحاطة بالكرامة حظراً مطلقاً في جميع الظروف والأحوال.

كما ورأت "الحق" في التصريحات التي صدرت مؤخراً عن رئيس حكومة الاحتلال "بنيامين نتانياهو" خلال الاجتماع الأسبوعي الأخير لحكومته والتي أكد من خلالها عزم سلطات الاحتلال على تصعيد إجراءاتها القمعية بحق الأسرى الفلسطينيين حتى إطلاق سراح الجندي الأسير "جلعاد شاليط" مؤشراً خطيراً على تصعيد نهج التعذيب والمعاملة الحاطة بالكرامة التي تُمارس بحقهم، وعلى أن سلطات الاحتلال باتت "تقتص" من الأسرى الفلسطينيين في سجونها ومعتقلاتها من أجل مساومات سياسية، بما يشكل جرائم حرب موصوفة في القانون الدولي.

وقد وثقت "الحق" في الآونة الأخيرة العديد من الشكاوى بتعرض المدنيين الفلسطينيين لأشكال التعذيب وضروب المعاملة الحاطة بالكرامة من قبل أجهزة الاحتلال وقد طالت أطفالاً قصّر إذ تقول طفلة قاصر (16 عام) في الصف الحادي عشر في إفادتها " في الساعة الخامسة والنصف صباحاً بتاريخ 10/4/2011 بينما كنت نائمة في منزل عائلتي الواقع في الجهة الجنوبية لقرية عورتا قضاء نابلس استيقظت على صوت انفجارات بالقرب من شباك غرفتي وعرفت بأن جيش الاحتلال أمام المنزل ... دخل الجنود المنزل وكانوا مقنعين ويحملون أسلحة وقالوا إنهم يريدونني وأقتادوني معهم بناقلة للجنود إلى أن وصلنا إلى معسكر حوارة ... أجلسوني على الأرض في ساحة المعسكر لساعتين ثم أخذوني لغرف التحقيق الذي استمر معي لغاية التاسعة والنصف ليلاً ... ثم اقتادوني إلى مكان داخل المعسكر وأجلسوني بملاصقة سور ونمت هناك حتى صباح ... وفي اليوم التالي اقتادوني إلى ساحة المعسكر وأجلسوني على كرسي معصوبة العينين ومقيدة اليدين لمدة طويلة تحت أشعة الشمس وكنت أشعر بالعطش والجوع وأبكي ومعدتي تؤلمني... وبعدها أدخلوني إلى زنزانة صغيرة بها سرير ومرحاض مساحتها مترين تقريباً وكنت أتعرض لجلسات تحقيق مستمرة وكانوا يسألونني ذات الأسئلة عن عملية مستوطنة ايتمار ... وفي اليوم الثالث أدخلوني إلى زنزانة أصغر حجماً لا يوجد فيها مرحاض ولا سرير فقط بعض الأغطية مكثت فيها طوال الليل وكنت أشعر بالخوف الشديد والوحدة وأبكي... وفي اليوم التالي تعرضت لتحقيق صعب جداً وقالوا إن لي ملف أسود عند المخابرات الإسرائيلية وكانوا يوجهون لي الشتائم والألفاظ النابية والإهانات المتكررة... وفي اليوم التالي وضعوني على جهاز موصول به أسلاك وضعوها على أصابع يدي وأسلاك على صدري وبطني وكنت أتعرض لأسئلة من المحقق عن عملية ايتمار وأنني قمت بتخبئة أسلحة وكنت خائفة جداً وأبكي وأنفي ذلك باستمرار ...".

إن مؤسسة "الحق" وإذ تدين ممارسات وأساليب التعذيب والمعاملة الحاطة بالكرامة التي تنتهجها سلطات الاحتلال بحق الفلسطينيين أطفالاً ونساءً ورجالاً، بغطاء سياسي رسمي معلن، وهي جرائم محظورة حظراً مطلقاً في المواثيق والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان وفي القانون الدولي الإنساني، ولا تسقط بالتقادم، فإنها تطالب بما يلي:

أولاً: ضرورة العمل على إعداد خطة وطنية شاملة تعتمد آليات فعّالة وموحدة في عملية "توثيق" جرائم التعذيب التي تمارسها أجهزة الاحتلال الأمنية بغطاء سياسي بحق الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في سجون ومراكز الاعتقال الإسرائيلية لأهميتها القصوى في تجهيز دعاوى قضائية وإقامتها أمام المحاكم الوطنية الأوروبية التي تأخذ بالولاية القضائية العالمية باعتبارها جرائم حرب في القانون الدولي ولا تسقط بالتقادم مهما طال الزمن.

ثانياً: تكثيف الجهود الفلسطينية على المستوى الرسمي وغير الرسمي باتجاه تدويل قضية الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال، بأبعادها الإنسانية والقانونية، لفضح كافة أشكال وأساليب التعذيب الجسدي والنفسي والمعاملة الحاطة بالكرامة التي تمارس بحق الفلسطينيين أطفالاً ونساءً ورجالاً، في كافة المحافل الدولية، بما فيها اللجوء إلى مختلف هيئات الأمم المتحدة وآلياتها الخاصة.

ثالثاً: تكثيف الجهود الفلسطينية بالتنسيق مع جامعة الدول العربية لعرض قضية الأسرى والمعتقلين على أجندة الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها القادمة في شهر أيلول والمطالبة بأن توعز الجمعية العامة لمحكمة العدل الدولية بإصدار "فتوى" حول المركز القانوني للأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال والتزاماته تجاههم بموجب قواعد وأعراف ومواثيق واتفاقيات القانون الدولي وذلك وفقاً لآلية المادة (96/1) من ميثاق الأمم المتحدة التي تُجيز للجمعية العامة للأمم المتحدة أن تطلب إلى محكمة العدل الدولية إفتاءها في أية مسألة قانونية.

رابعاً: تكثيف الجهود الفلسطينية بالتنسيق مع جامعة الدول العربية للمطالبة بعقد اجتماع عاجل للدول الأطراف الموقعة على اتفاقيات جنيف، استجابة لقرار الجمعية العامة رقم (39) الصادر في 5 تشرين الثاني/نوفمبر 2009، ومطالبات مجلس منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية في رسالته الموجهة للأمين العام للجامعة العربية في 28/10/2010، بشأن تدابير إنفاذ اتفاقيات جنيف في الأرض الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس المحتلة، ولبحث قضية الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين بكافة أبعادها الإنسانية والقانونية، وبحث الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيتي جنيف الثالثة والرابعة التي تقترفها أجهزة الاحتلال الأمنية بغطاء سياسي ودعم قضائي ضد الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين من التعذيب الجسدي والنفسي بمختلف أشكاله وصوره وضروب المعاملة اللإنسانية والحاطة بالكرامة، ومطالبة الأطراف السامية المتعاقدة بأن تحترم تعهداتها الواردة في المادة الأولى من اتفاقيات جنيف والتي تعهدت بموجبها بأن تحترم تلك الاتفاقيات، وأن تكفل احترامها، في جميع الظروف والأحوال.

خامساً: وجوب قيام الجهات الفلسطينية المختصة في الضفة والقطاع بمساءلة ومحاسبة مرتكبي جرائم التعذيب والمعاملة الحاطة بالكرامة من الأجهزة الأمنية الفلسطينية بحق المواطنين، وعدم الاكتفاء باللجوء في أحسن الأحوال إلى "عقوبات انضباطية" غير جدية وغير فعّالة في مواجهة مرتكبي تلك الجرائم، بما يحول دون خلق انطباع خاطئ لدى من يُمارس تلك الانتهاكات بتمتعهم بنوع من "الحصانة" والغطاء السياسي، ويؤكد على جدية الإرادة السياسية في وضع حد لتلك الجرائم الخطرة في جميع الظروف الأحوال إنصافاً للضحايا وتحقيقاً للعدالة.