الإثنين: 23/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

إعادةُ صياغةٍ لاتّفاقِ المصالحةِ الوطنيّةِ ... لماذا؟بقلم:هاني المصري

نشر بتاريخ: 29/06/2011 ( آخر تحديث: 29/06/2011 الساعة: 21:48 )
بعد مقابلة الرئيس عباس مع فضائية L.B.Cاللبنانية، وتأجيل الاجتماع بينه وبين خالد مشعل، بات واضحاً أن هناك "إعادة صياغة" لاتفاق القاهرة.فما الذي أدى إلى ذلك؟.

هل هناك تراجع عن المصالحة؟ أم أن هناك نية لتجميدها انتظاراً لمعرفة مصير الجهود الرامية لاستئناف المفاوضات؟ أم سيتم تأجيل ملف تشكيل حكومة الوفاق الوطني، واستبداله بملفات أخرى؟.

السؤال هنا: ما الذي أدى إلى مراجعة الاتفاق خصوصاً أن المصالحة ضرورية لمختلف الأطراف الفلسطينية التي حققت مكاسب ملموسة منها؟ فالرئيس بعد المصالحة عاد رئيساً للجميع، وفوّضته "حماس" للتفاوض لمدة عام كامل، وأما "حماس"، فقد حصلت على فتح معبر رفح، ولو جزئياً، وحسّنت علاقاتها مع مصر.

للإجابة عن السؤال السابق، لا بد من ملاحظة أن مياه كثيرة جرت خلال الفترة من الرابع من أيار، وحتى الآن.

إن بعض العوامل التي أدت إلى توقيع الاتفاق إما شهدت تغيرات، أو لم تعد قائمة، ودخلت عوامل جديدة معاكسة، فالثورة المصرية ما زالت قائمة، ومصر الجديدة التي فرضت اتفاق المصالحة لا تزال عالقة في المرحلة الانتقالية. فالثورة أطاحت بحسني مبارك، ولكنها لم تسقط نظامه، ولم تقم نظاماً بدلا منه، وهي ثورة أدت حتى الآن إلى البدء في إصلاح النظام، ولم تقم نظاماً جديداً، ليحل محل نظام حسني مبارك؛ والربيع العربي لا تزال رياحه تهب خصوصاً في سورية، وتهدد بإجراء تغيرات جوهرية في وضع وعلاقات سورية مع "حماس" وحزب الله وإيران؛ والمفاوضات لا تزال واقفة في مكانها، ولكنها تشهد حراكاً محموماً لاستئنافها على أساس مبادئ أوباما، والمبادرة الفرنسية والأوروبية؛ أما الحراك الشعبي فهدأ، ولم يعد ضاغطاً على الأطراف المتنازعة كما كان قبل توقيع الاتفاق، فلم يشهد 15أيار انتفاضة ثالثة رغم أهمية ما جرى فيه، وكان إحياء ذكرى "النكسة" باهتا في الضفة وغزة، وانتهى بنهاية مأساوية في مخيم اليرموك.

وتركيا وهذا هو التغير الأهم، بعد النصر المظفر لحزب أردوغان للمرة الثالثة في الانتخابات التركية، ابتعدت عن سورية، وأدرات ظهرها لحليفها نظام بشار الأسد، واقتربت من الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، وتستعد لإعادة العلاقات مع الأخيرة إلى طبيعتها، وذلك على خلفية تصاعد التنافس التركي الإيراني على سورية، وعلى سد الفراغ الناجم عن اندلاع الثورات العربية في المنطقة، وتراجع الدور الأميركي والإسرائيلي فيها، خصوصاً بعد سقوط حسني مبارك.

تريد تركيا أن تلعب دوراً أكبر في المنطقة العربية حتى لو تخلت عن سياسة "صفر أزمات" بعد أن وجدت أنها تستطيع ذلك بشكل أفضل إذا تحالفت مع واشنطن وتل أبيب على حساب طهران ودمشق وحلفائهما في المنطقة، وما يحفز أنقرة على ذلك أن كل الاحتمالات مفتوحة في سورية بعد استمرار التظاهرات أكثر من مائة يوم: بما فيها وقوع سورية في الفوضى والحرب الأهلية والطائفية ومواجهة خطر التقسيم، وما يمكن أن يقود إلى فوضى، وعدم استقرار في المنطقة برمتها، أو سقوط نظام بشار الأسد، وقيام نظام موالٍ لأميركا يمكن أن يتوصل إلى سلام مع إسرائيل، وتعويض خسارة نظام حسني مبارك، أو إلى استمرار النظام وقيامه بإصلاحات محدودة، خصوصاً أن الثورة لم تصل بعد إلى قلب المدن، خاصة العاصمة دمشق ومدينة حلب، ولم ينقسم الجيش ولا حتى الطائفة العلوية، ولا يزال هناك انقسام داخل الشعب السوري بين من ينظر إلى ما يجري بأنه ثورة، ومن يرى بأنها مؤامرة.

فليس من الحتمي أن يسقط النظام في دمشق كما توقع أيهود باراك وزير الحرب الإسرائيلي، وعدد من قادة الأجهزة الأمنية في إسرائيل، التي انتقلت من الخوف مما يجري في سورية بحجة "أن شيطان تعرفه خير من شيطان لا تعرفه"، إلى التبشير بسقوط النظام خلال (ستة – تسعة) أشهر.

لقد وصل الانعطاف التركي إلى درجة تراجع الحكومة التركية عن المشاركة في أسطول الحرية (2)، وتحاول إقناع إسرائيل بتخفيف عبارات التقرير الذي سيصدر عن الأمم المتحدة بخصوص أسطول الحرية (1)، والذي ينتقد تركيا، ويعتبر ما قامت به إسرائيل منسجماً مع القانون الدولي.فبدلا من الاعتذار الإسرائيلي أصبحت أنقرة تقبل باعتبار ما جرى "خطأ عملياتي إسرائيلي".

لقد أخذت تركيا وكالة لضمان عدم ذهاب سورية إلى الفوضى، وتسعى إلى سد الفراغ الناجم عن الثورات العربية، وسقوط حسني مبارك، وهذا ما جعل إسرائيل تغير موقفها، فمن القلق إلى حد الوسوسة بعد هبوب رياح التغيير والثورات والديمقراطية في المنطقة العربية، وما تحمله معها من خطر سيطرة التيارات الإسلامية إلى مديح إسرائيلي للديمقراطية في الدول العربية في ظل النجاح الذي حققته الإدارة الأميركية وأوروبا في محاولة احتواء الثورات العربية، والسيطرة على حركتها في العديد من البلدان.

إن الثورات العربية حدث مقلق لإسرائيل وحلفائها؛ لأن الأنظمة المستبدة والفاسدة والتابعة والمجزأة ستحل محلها أنظمة ديمقراطية تحترم إرادة شعوبها، وهي بسبب ذلك لا بد أن تصطدم مع إسرائيل، ومع مخططات الهيمنة الأميركية والغربية على المنطقة، لذلك لا بد من السعي لاحتوائها والسيطرة عليها خصوصاً أنها ثورات بلا قيادة وبدون مشروع عربي وأحزاب ثورية.

إذا أضفنا إلى ما سبق التحرك الأميركي الأوروبي والدولي المحموم لمنع استمرار وتداعيات الجمود في المفاوضات، وعملية التسوية التي تحيط بالصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، الذي ظهر من خلال تلاحق الزيارات والمبادرات لاستئناف المفاوضات، وتهديد الجانب الفلسطيني من مغبة المضي في تطبيق اتفاق المصالحة بتشكيل حكومة وفاق وطني؛ لأن المصالحة تعرقل الجهود الرامية إلى استئناف المفاوضات،لأن المجتمع الدولي وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل يخشون من استمرار وقف المفاوضات، واللجوء إلى الأمم المتحدة، وأن يؤدي هذا وذاك إلى انتفاضة ثالثة يمكن أن تتحول في ظل الربيع العربي إلى انتفاضة شعبية عربية ضد إسرائيل، والنفوذ الأميركي في المنطقة.

لقد وجدت القيادة الفلسطينية نفسها أمام خيارين كلاهما مر: إما أن تمضي في اتفاق المصالحة وتشكل حكومة وفاق تجازف بتعرضها إلى مقاطعة أميركية وإسرائيلية، وربما من الدول الأوروبية المهمة، وتدخل في مجابهة في الأمم المتحدة تقود إلى مجابهة على الأرض، وهي غير مستعدة لها ولا تريدها، وتحذر منها في ظل وضع عربي انتقالي، وغموض وضع سورية.

أو أن تعود إلى السعي لاستئناف مسار المفاوضات مقابل ضمانات أميركية ووعود لا تحقق جوهر مطالبها على أمل أن تحرج بذلك حكومة نتنياهو، وتجعل الضغط الأميركي والدولي يتجه إليها بدلاً من أن يتركز على الفلسطينيين، وانتظاراً لتغيير الحكومة الإسرائيلية، ومعرفة إلى أين سيستقر الربيع العربي.
إن خروج القيادة الفلسطينية من النارين يمكن فقط من خلال مصارحة شعبها وقواه الحية، بما فيهم حركة حماس بحقيقة الوضع وقيوده والتزاماته، والدخول في مصالحة حقيقية تتجاوز اتفاق القاهرة يمكن أن تبدأ باستيعاب حقائق الواقع الراهن، وتهدف إلى التعامل معه بهدف تجاوزه، وليس الخضوع له.

إن محاولة إلحاق "حماس" بالمنظمة، وبرنامجها، وسياساتها، والالتزامات التي تقيدها، والتغطية على استئناف المفاوضات، المحكومة بالفشل إذا استؤنفت مثل سابقاتها،لا تنسجم مع المصلحة الوطنية التي تتطلب تغيير المسار السياسي، واتباع مسار سياسي جديد، ولا مع اتفاق المصالحة الذي نص على التوافق الوطني، وليس التحاق طرف بالطرف الآخر، وتخدم بذلك الحكومة الإسرائيلية التي تريد "المفاوضات من أجل المفاوضات" وفقاً للشروط الإسرائيلية.

نعرف جيداً أن القيادة الفلسطينية تصورت أن تشكيل الحكومة من مستقلين برئاسة سلام فيّاض يكفي لتجاوز خطر المقاطعة الأميركية والأوروبية والدولية (وربما الإسرائيلية)، ولكن الموقف الأميركي الإسرائيلي المتشدد من اتفاق المصالحة الذي يعتبرونه عقبة كبيرة أمام استئناف المفاوضات يجعل وقف المساعدات، وشطب دور السلطة السياسي خطراً وارداً، ما أدى إلى محاولة إعادة صياغة اتفاق المصالحة، بحيث تكون الحكومة حكومة الرئيس، وملتزمة ببرنامجه.

لا بديل عن حوار وطني شامل يهدف إلى دراسة التجربة الماضية، واستخلاص الدروس والعبر، والابتعاد عن ربط المصالحة بالمصالح الفئوية، من خلال النظر لها بمدى خدمتها لإستراتيجية المفاوضات أو لحفاظ حماس على سلطتها في قطاع غزة، وليس كجزء من وضع إستراتيجية جديدة قادرة على مواجهة التحديات والمخاطر، دون تهور ولا تفريط، وبصورة تجعل السفينة الفلسطينية قادرة على الوصول إلى بر الأمان.