الأربعاء: 06/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

ليس كل ما يلمع ذهبا وليست كل زيارة الى فلسطين تطبيعا

نشر بتاريخ: 02/07/2011 ( آخر تحديث: 02/07/2011 الساعة: 14:01 )
بقلم : خضر ابو عبارة

من البؤس محاكمة عناصر اللحظة الراهنة بعقلية الامس. فهو دليل العجز عن رؤية متغيرات الواقع والنزوع الى الاعتكاف والتصومع في كهوف التاريخ وكأن لا جديد تحت الشمس. ومن لا يرى متغيرات المرحلة والقفزات النوعية التي شهدتها الرياضة الفلسطينية ابان السنوات الثلاث الماضية وانعاكاساتها على الحالة الفلسطينية فهو لا بد يعاني من تشوش فكري او سوء في استخدام ادوات التحليل واللجوء الى ادوات قديمة قد تجاوزها الزمن ولم تعد قادرة على محاكاة الواقع او تفكيكه ومعرفة اتجاه حركته.

وقد اثارني الجدل المحتدم حول زيارة الفرق الرياضية العربية الى فلسطين ومشاركتها في مباريات الاياب على ملاعب فلسطينية سواء في اطار البطولات الرسمية او في نطاق الزيارات الودية . حيث برزت بعض الاراء التي تنظر الى زيارة تلك الفرق الى فلسطين كنوع من التطبيع المرفوض على اعتبار ان الزيارة هو تكريس وشرعنة للاحتلال وسلطته طالما ان لا مندوحة عن موافقة الطرف الاخر رغم عدم الحصول على تاشيرة او ختم الجواز.

ولعل هذا الجدل يذكرني بعقلية الاسير الفلسطيني في مراحل الاسر الاولى والجدل الذي اثير حول ما العمل ازاء سياسات القمع . فقد كانت الحركة الاسيرة تعيش اولى تجاربها خلف القضبان وكانت مفاهيم الشهامة والكرامة وعزة النفس هي العوامل الاساسية التي تحكم مواقف الاسرى وحركتهم تجاه حقوقهم الاساسية والوجودية في السجن.

ورغم سوء المعاملة وهضم الحقوق وسياسات الخنق والتضييق والحرمان من الطعام كان الاسرى يمتنعون عن المطالبة بحقوقهم او حتى المطالبة بزيادة كمية الطعام متسلحين بعزة النفس والكرامة ورفض الطلب من السجان على اعتبار ان الاقامة خلف القضبان لن تطول وان الطلب من السجان هو نوع من هدر الكرامة الوطنية.

غير ان هذا الزمن وتلك المحاكمات لم يطولا وتم حسم الجدل بسرعة حين ادرك الاسرى ىان وجودهم الانساني برمته بات محفوفا بالاخطار وان نضالهم المطلبي من اجل حقوقهم الانسانية المشروعة لا يقل اهمية عن نضالهم وكفاحهم خارج بوابات الاسر ولذلك شرعوا يخوضون معارك الامعاء الخاوية والاضرابات اليومية التي تعمدت بدماء العشرات من الاسرى الذين قضوا دفاعا عن حقوق الاسير وقضيته. ولولا قدرة الحركة الاسيرة على تجاوز الكثير من المحاكمات العاطفية وعقلية المزاودة لما تمكنت من تحويل مراكز الاعتقال الى جامعات تخرج الالاف من كوادر العمل الوطني.

وقد اتيت على ذكر هذا المثال نظرا للتشابه الكبير في الجدل المثار ازاء القضية موضع النقاش لا سيما بعد ان نهضت الرياضة الفلسطينية لتصبح لاعبا اساسيا في الساحة الفلسطينية تستقطب اهتمام الالاف من ابناء الشعب الفلسطيني فضلا عن اهتمام الكثير من المحافل العربية والدولية.

فالرياضة الفلسطينية كانت الى وقت قريب يتيمة تعيش على هامش حركة الشعب الفلسطيني السياسية والوطنية تقودها مؤسسات افتقدت الى ادنى مقومات العمل واعتمدت الى حد كبير على اجتهادات عدد من الكوادر الرياضية المخلصة المسلحة بامكانيات متواضعة بحيث بقيت محدودة التاثير ولم تتعدى مفاعيلها ونشاطاتها المشاركة المتواضعة في هذا الحدث الرياضي او ذاك.

غير ان ما طرأ عليها من تطورات وما رصفته من انجازات داخلية وخارجية في السنوات الاخيرة جعل منها لاعبا وطنيا بامتياز له تاثيره الملحوظ ليس في ميدان الرياضة وحسب بل ويوظف في خدمة قضيتنا الوطنية بشكل عام. لقد استقطبت الرياضة الفلسطينية العديد من الاجسام الرياضية العربية والعالمية لا سيما الصحفيين العرب الذين استثمروا زياراتهم الى فلسطين لينقلوا عن كثب صورة الرياضة الفلسطينية التي تمردت على المعاناة وثارت على كل الحواجز التي يزرعها الاحتلال الاسرائيلي لتطويق واحتجاز حركة تطورها وهي مساهمة تضاف الى سلسلة المساهمات التي تعري برامج الاحتلال وسياساته الخانقة المفروضة على شعبنا الفلسطيني فعن اي تطبيع يتحدث هؤلاء؟؟؟

وللمتقوقعين في ردهات التاريخ وللذين يمسكون بنظرية "الاعتكاف حتى التحرير" نقول ان تلك التطورات قد ساهمت في بلورة شخصية رياضية وطنية. وبصرف النظر عن كل ما يثار حولها من انتقادات فقد جابت العديد من عواصم العالم وخاضت العديد من المعارك الرياضية باسم فلسطين وفرضت نفسها في اكبر المحافل الرياضية الدولية.

كما ان تلك الشخصية لا تخضع في حركتها وتفاعلاتها لاعتبارات داخلية محضة بل هي جزء من منظومة دولية لها قوانينها وانظمتها ولوائحها الداخلية وبالتالي لها استحقاقاتها ومتطلباتها التي لا بد من الاستجابة لها والا غردنا خارج السرب وعدنا الى حيث بدانا.

ان زيارات الفرق العربية الى فلسطين فضلا عن كونها شكلت اختراقا حقيقيا لحالة الحصار المفروض على شعبنا والقطيعة التي نساهم احيانا في فرضها على انفسنا فانها جزء من استحقاق دولي لا يمكن تجاوزه او اهماله اذا ما اردنا الاستمرار في تعزيز ملامح تلك الشخصية وتثبيت وجودها على خارطة النشاط الرياضي العالمي وهي من هذا المنطلق لا تندرج في اطار التطبيع باي شكل من الاشكال. ان محاكماتنا الوطنية ازاء قضايا هامة ومصيرية يجب ان تتوخى الموضوعية والدقة وتلحظ كافة الظروف المحيطة بالظاهرة وخصوصيتها وبالتالي اعتماد ادوات التحليل المناسبة التي تمكننا من اصدار الاحكام المقبولة والا اصبح كل ما يلمع ذهبا واصبحت كل زيارة الى فلسطين تطبيعا.

**رئيس النادي الارثوذكسي العربي الرياضي – بيت جالا