الإثنين: 23/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

تباين الآراء إزاء جدوى الذهاب للأمم المتحدة لنيل الاعتراف بالدولة

نشر بتاريخ: 16/07/2011 ( آخر تحديث: 17/07/2011 الساعة: 08:54 )
رام الله- معا- تباينت وجهات نظر لباحثين وقانونيين، اليوم السبت، إزاء جدوى قرار القيادة بالتوجه إلى الأمم المتحدة في أيلول المقبل، بيد أنهم أجمعوا على ضرورة تصليب الجبهة الداخلية، وإنهاء الانقسام.

جاء ذلك في مؤتمر "تساؤلات أيلول"، ونظمته المؤسسة الفلسطينية لدراسة الديمقراطية (مواطن)، بالتعاون مع مجموعة من الناشطين الشباب، في قاعة مدرسة "الفرندز للبنين" في رام الله اليوم.

وفي هذا السياق، أكد مدير عام "مواطن" د. جورج جقمان، أن قرار القيادة بخصوص التوجه للأمم المتحدة يثير تساؤلات عديدة، ومواقف متباينة في الساحة الفلسطينية.

وقال جقمان: المواقف حيال مسعى القيادة متفاوتة، إذ يرى البعض أنه حتى لو تم الاعتراف بالدولة، فإنها ستكون تحت الاحتلال، وبالتالي فما المغزى من هذا الاعتراف، أو قبول عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدة، بينما يرى آخرون أنها تضع مسؤوليات على الدولة الفلسطينية، يمكن لإسرائيل أن تستغلها.

ورأى جقمان أنه رغم أن إسرائيل قد انتفضت ضد التوجه الفلسطيني، إلا أن قرار الذهاب إلى الأمم المتحدة من عدمه، ينبغي ألا يتخذ كردة فعل تجاه الموقف الإسرائيلي من هذه المسألة.

وبين جقمان أن عقد المؤتمر جاء استجابة لمجموعة من الشبان الذين طالبوا بعقد يوم دراسي، للحديث عن التفاصيل المتعلقة بـ "استحقاق أيلول"، وأي مكاسب ممكنة، وأي نواح سلبية يمكن أن ترتبط به.

وأضاف جقمان: الهدف من المؤتمر بحث هذا الموضوع، وفحص جوانبه المختلفة، ولو بشكل أولي من منظور فلسطيني داخلي، وحاجياته وأولوياته بمعزل عن رد الفعل الإسرائيلي الذي لا ينبغي أن يكون المرجعية الفلسطينية في اتخاذ مثل هكذا قرارات.

من ناحيته، ذكر عضو لجنة المؤتمر فجر حرب، أن المؤتمر فرصة للإجابة على العديد من التساؤلات المتصلة بقرار القيادة، وعبر عن سعادته لمشاركة شبان من شتى أنحاء الضفة، وعرب 48 في فعاليات المؤتمر.

وقدم الباحث في حملة مقاومة الجدار والاستيطان داود حمودة، نبذة عن الجغرافيا السياسية لفلسطين، مشيرا إلى دور الاحتلال في تقسيم فلسطين، والعمل من أجل الحفاظ على أغلبية يهودية فيها.

وخص حمودة جانبا من حديثه لمشاريع تهويد "الجليل" و"النقب"، وإقامة ما يعرف بـ "القدس الكبرى"، وخطة "الانفصال أحادي الجانب من الضفة وقطاع غزة"، لافتا بالمقابل إلى أن الجغرافيا السياسية تعتبر أمرا أساسيا ضمن استراتيجيات الاحتلال.

وقال حمودة: كافة الخطط الإسرائيلية ما قبل العام 1948 وحتى اللحظة تقوم على تقسيم فلسطين التاريخية إلى مناطق جغرافية، لكل منها خصوصياتها وإشكالياتها، بما يجعل من الصعب على الحركة الوطنية التعاطي معها ككتلة موحدة.

وتحدثت المستشارة القانونية في وزارة الشؤون الخارجية يارا جلاجل، عن هيكلية الأمم المتحدة وإجراءات قبول الدول في عضويتها، موضحة أن الهدف من الذهاب إلى الهيئة الأممية هو انضمام فلسطين كعضو كامل فيها، بغية التأكيد على تمثيل فلسطين كدولة، ولإتاحة المجال لها للانضمام لكافة المعاهدات الدولية، وإيجاد أسس أكثر توازنا على طاولة المفاوضات.

وذكرت جلاجل أن الانضمام إلى الأمم المتحدة يتم بناء على قرار منه، بعد صدور توصية بهذا الشأن من مجلس الأمن، مبينة أنه رغم توقع أن يكون هناك "فيتو" أميركي ضد طلب العضوية الفلسطيني في مجلس الأمن، إلا أن ذلك لا يشكل نهاية المطاف.

وبينت جلاجل أنه في حال مقابلة الطلب الفلسطيني بـ "فيتو"، بإمكان الجمعية العامة أن تستمر بإرسال الطلب إلى مجلس الأمن، وأن تخلق الضغط اللازم من أجل قبوله، أسوة بما حصل في تجارب دول أخرى مثل مقدونيا، استغرق الاعتراف بها وقبول عضويتها عملية متواصلة دامت ثلاث سنوات.

واعتبر رئيس لجنة الأبحاث في مؤسسة الدراسات الفلسطينية د. كميل منصور، أن التوجه إلى الأمم المتحدة قرار سياسي باستخدام أدوات قانونية.
واستعرض السيناريوهات القائمة في حال التوجه إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن، مضيفا "ينبغي عدم الاستخفاف بمسألة الحصول على توصية إيجابية من مجلس الأمن بالاعتراف بالدولة، "فهذا الاعتراف سيكون بمثابة إنجاز عظيم، وإن كان لا يعني تحرر الأرض، بل الاعتراف بفلسطين كدولة تحت الاحتلال".

وأردف منصور: من مصلحتنا أن تكون دولة تحت الاحتلال، باعتبار أن ذلك سيضع كافة الدول في مأزق، لأنه سيفرض عليها تساؤلات حول كيفية التعامل مع هذه الدولة، لذا باعتقادي إن الحصول على مثل هذه التوصية من مجلس الأمن يعتبر إنجازا كبيرا، وإن كنا لن نحصل عليه لأنه سيكون هناك فيتو أميركي".

ورأى منصور أن الإقدام على هذه الخطوة، يستدعي أن يكون هناك موقفا فلسطينيا صلبا ومتماسكا، وإقناع المجتمع الدولي بجدية التوجه الفلسطيني، والإعلان بشكل صريح عن عدم اقتصار الخيارات الفلسطينية على مسألة التفاوض.

ولفت منصور إلى ضرورة أن يكون الدبلوماسي والقانوني مقترنا بتعزيز صمود المواطن، والاستعداد لمواجهة التبعات المترتبة على قرار القيادة، وإنجاز المصالحة، مضيفا "لنذهب إلى مجلس الأمن حتى لو ان هناك فيتو، لنسجل طلب عضوية، لأنه لم يحصل أن قدم طلب عضوية ولم يقر في النهاية".

من جانبه، أشاد وكيل وزارة العدل خليل الرفاعي، على قرار القيادة بالتوجه إلى الأمم المتحدة، معتبرا أن ذلك بات استحقاقا في ظل ضعف وتراجع العمل المسلح ومستوى التأييد له بين شتى الأوساط، واقتصار العمل السياسي على مفاوضات غير متوازنة.

وذكر الرفاعي أن التوجه للأمم المتحدة بمثابة بداية لإعادة التوازن للمفاوضات، معتبرا أن هذه الخطوة ستجر إسرائيل إلى مفاوضات أكثر توازنا، وعلى أساس القانون الدولي.

وقال الرفاعي: علينا أن نتوجه إلى الأمم المتحدة وأن نقول للعالم بأن المرحلة الانتقالية قد انتهت، وبالتالي أين الدولة الفلسطينية؟، وإن كان هذا الاعتراف لا يعني إنهاء الاحتلال، أو الصراع الفلسطيني –الإسرائيلي.

ودعا الرفاعي إلى تشكيل فريق وطني كبير من أجل وضع خطة استراتيجية للاستعداد لمتطلبات المرحلة المقبلة، والاتفاق على كيفية مواجهة استحقاقاتها، بما يدعم توجه القيادة.

ورأى الباحث القانوني مازن المصري، أن أحد أسباب التوجه للأمم المتحدة يتمثل في "قوننة الصراع"، بمعنى تحويل الصراع الفلسطيني– الإسرائيلي من سياسي إلى قانوني في إطار القانون الدولي والأمم المتحدة، مضيفا "لن يؤد انضمام الدولة إلى الأمم المتحدة إلى توسيع المجال القانوني إلا بالشيء القليل، لأن موازين القوى لن تتغير بمجرد انضمام فلسطين للأمم المتحدة".

وأشار المصري إلى أنه حتى في حال حصول فلسطين على العضوية الكاملة بالأمم المتحدة، ستظل العديد من المحددات والإشكاليات أمامها، من ضمنها افتقارها إلى عنصر السيادة.

واعتبر المصري أن وجود فلسطين كدولة تحت الاحتلال، لن يمس بصورة إسرائيل كثيرا، بل سيخلق واقعا مشوها، عبر تصوير الصراع القائم وكأنه على الحدود بين دولتين، لافتا إلى أنه في حال نجاح مسعى القيادة وإعلان الدولة، فإن تساؤلات عديدة تفرض نفسها مثل مصير قضية اللاجئين، ومنظمة التحرير، إلى غير ذلك.

أما المفوض العام للائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة (أمان) د. عزمي الشعيبي، فانتقد غياب الشفافية في آلية اتخاذ القرار بالحياة السياسية الفلسطينية، ما أدى إلى إيجاد بيئة تزيد فيها فرص الخطأ، وعدم مساندة المواطن لقرارات القيادة بصورة عملية وفعلية على الأرض، مرجعا بداية عدم الشفافية هذه إلى إعلان الاستقلال العام 1988، والذي عنى التخلي عن المقاومة المسلحة، واعتماد خيار المفاوضات بديلا.

وتحدث الشعيبي عن كيفية تعاطي القيادة مع الجمهور خلال حقبة التسعينيات، وصولا إلى توقيع اتفاق "أوسلو"، مبينا أنه من ضمن المسائل التي ترتبت على ممارسة الاتفاق، الالتزام بسياسة الأمر الواقع، ما دلل عليه بالمناطق المصنفة (ج)، التي ظل التعاطي الفلسطيني إزاءها على حاله، رغم انتهاء المرحلة الانتقالية العام 1999.

وأشار الشعيبي إلى أن هناك تفتتا على مستوى القيادة، التي اعتبرها محصورة في شخص الرئيس محمود عباس، ورئيس الوزراء د. سلام فياض، وحركة حماس، وضبابية في برنامجها إزاء مستقبل القضية الوطنية، وكيفية التحرك خلال الفترة المقبلة، وتحديدا عقب التوجه للأمم المتحدة.

ورأى الشعيبي أن التحدي الذي يفرض نفسه خلال الفترة المقبلة، يتمثل في تجديد وإصلاح المنظمة، وإنجاز المصالحة، وفتح الخيارات المتاحة أمام الشعب الفلسطيني وعدم قصرها على التفاوض، مضيفا "قواعد اللعبة تقتضي أن يعلن الفلسطينيون عدم الاستمرار بالتزامات المرحلة الانتقالية، وإعادة النظر في هيكل المنظمة والأشخاص من الموجودين بداخلها".

أما الكاتب خليل شاهين، فقال: إن التوجه للأمم المتحدة من وجهة نظر القيادة، يعني محاولة الحفاظ على ذات المسار الذي انطلق بمؤتمر مدريد العام 199، ولا زال مستمرا حتى اللحظة الراهنة في ظل أزمة يعانيها القائم على هذا المسار، واستعصاء التقدم بالعملية التفاوضية، لذا لا أحد يعرف ماذا سيحدث في اليوم التالي للذهاب إلى الأمم المتحدة، بمعنى أن القيادة غير مستعدة لتغيير مسار المفاوضات.

وقال شاهين: لا يترتب على استحقاق أيلول، أي تغيير في السياسة القائمة التي أدت إلى تقدم المشروع الإسرائيلي على الأرض، وإطالة عملية تفاوضية عبثية، وحالة الانقسام، وتراجع دور الحركة الوطنية، وتهميش المنظمة.

وأضاف شاهين: من الأجدى عوضا عن الذهاب للأمم المتحدة من أجل تحسين الشروط التفاوضية، التوجه إليها من أجل تحديد الأسس المرجعية للعملية السياسية وفق قرارات الأمم المتحدة.

وشكك شاهين في إمكانية إقامة الدولة ومؤسساتها في ظل استمرار الاحتلال، معتبرا أنه لا بد من اعتماد استراتيجية لإنهاء الاحتلال، من خلال الحراك الدبلوماسي والسياسي بما في ذلك على صعيد الأمم المتحدة، فضلا عن تفعيل المقاومة الشعبية وأطلق عليها تسمية "المقاومة الشاملة"، لتشمل مجمل الأراضي الفلسطينية وليس بلدات وقرى بعينها.

وقال شاهين: لا يمكن الذهاب لخيار المقاومة الشاملة في ظل البنية التحتية للحركة الوطنية والمؤسسات القائمة، وبالتالي فإنه لا بد من إعادة النظر في هيكل ودور وبنية ووظائف السلطة وليس حلها من أجل إدارة شؤون المجتمع، إلى جانب تعزيز دور المنظمة.

وأضاف شاهين: الاستحقاق الحقيقي لأيلول، هو انتهاء المرحلة الانتقالية، سواء نجحنا باستصدار قرار جديد من الأمم المتحدة أم لم ننجح، بمعنى أن المرحلة الانتقالية انتهت، وما يترتب عليها من التزامات بموجب اتفاق أوسلو.