فلنتق الله في الدم الفلسطيني - بقلم رشيد شاهين
نشر بتاريخ: 20/07/2005 ( آخر تحديث: 20/07/2005 الساعة: 13:23 )
خاص معا - التصعيد الذي تشهده الأراضي الفلسطينية منذ عدة أيام لا يمكن بحال من الأحوال أن يكون مؤشراً طيباً أو يدعو الى التفاؤل، فما حدث من مواجهات واشتباكات مسلحة غير مسبوقة في قطاع غزة وسقوط الضحايا من ابناء الشعب الفلسطيني بين قتيل وجريح، وتخريب الممتلكات، والبيانات والبيانات المضادة والتهديدات المتصاعدة من المتحدثين باسم كتائب شهداء الأقصى وحركة فتح والسلطة من جهة، وبين المتحدثين باسم حركة حماس وكتائب عز الدين القسام من جهة ثانية، تصيب الواحد منا بالفزع الشديد، لأن ما يبدو في الأفق، وما يحدث على الأرض من قتل وتدمير وحرق للممتلكات، انما يبعث على الرعب ويدعو الى التساؤل، من الذي يقف وراء كل ما يحدث، ولمصلحة وحساب من كل هذا الدم المسفوح بأيد عربية فلسطينية ومسلمة.
ان ما يدعو الى المزيد من القلق هو التصاعد في نبرة التهديد, والخوف من امتداد رقعة المواجهات الى بقية ارجاء الأرض الفلسطينية, وبرغم الدعوات الطيبة التي نسمعها بين حين وآخر، ممن لم تدفعهم عصبيتهم التنظيمية والفئوية الى الأصطفاف مع المهددين, الاّ أن المراقب للأحداث يشعر بأن هناك حالة من الغليان تعتمل في صدور المتقاتلين، وحالة من الترقب المصحوب بالرعب في صدور الأغلبية "الصامتة" من أبناء هذا الوطن.
إن البعض يعتقد أن ما يحدث انما يحدث على خلفية الصراع الدائر، بصمت, بين السلطة من جهة وحركة حماس من جهة أخرى لفرض السيطرة على القطاع بعيد الانسحاب الاسرائيلي منه، ومع الإقرار بحق كل تنظيم في أن تكون له طموحاته في الامتداد والتمدد، والتحشيد الجماهيري للأصطفاف الى جانبه أو تأييد مواقفه السياسية أو الايدولوجية من المسائل المطروحة، الا أن هذه الطموحات لا بد لها من ضوابط، ولا يمكن أن تكون أو أن تبرر ولو للحظة واحدة سقوط نقطة دم واحدة من انسان فلسطيني، بسلاح وأيد فلسطينية، لأن الدم الفلسطيني يجب أن يكون محرماً على الفلسطيني،،، وهو شعار نسمعه بكثرة هذه الأيام لكن ومع كل الحزن والأسى، نجد ان الممارسة تكون دوما نقيضاً لذلك, إن محاولة السلطة فرض هيمنتها وسيطرتها على الأحداث الجارية، ومحاولاتها سواء الناجحة أو غير الناجحة لفرض سلطة القانون سواء في غزة أو في الضفة هو حق طبيعي لها، وعليها أن تمارسه بكل الطرق الشرعية والمناسبة، وهو حق يكفله القانون، برغم كل المآخذ التي يمكن أن تحسب على السلطة, لكن هذه المآخذ لا يمكن بحال من الأحوال أن تجعلنا نقف شاهرين اسلحتنا في وجه من يمثلون السلطة.
ان نظرة واحدة متأنية للأقطار العربية المجاورة منها وغير المجاورة تجعلنا نعي تماماً أن السلطة الفلسطينية وفي أسوأ حالاتها أو أشد مواقفها تعنتاً تبقى مثالاً يحتذى في استيعاب الرأي الآخر، ولا نجد هنا من داعٍ لإعطاء الامثلة حول ما يحدث في هذا البلد أو ذاك ضد من يحاول ليس فقط أن يرفع السلاح في وجه الشرعية، وإنما أن يهمس بكلمة نقد واحدة ضد تلك السلطات و الأنظمة.
السلطة الفلسطينية منتخبة ديمقراطياً وهي وان كانت سلطة الحزب الواحد انما هي السلطة الشرعية، ونجاحها وسيطرتها هو نتيجة لفشل الآخرين في المنافسة والحصول على تلك الشرعية، ولا نعتقد للحظة إن اؤلئك الموجودين خارج السلطة كانوا سيتصرفون بطريقة أقل سوءاً عما مارسته او تمارسه السلطة في مثل هكذا تقاطعات.
إن مطالبة حماس بإقالة وزير الداخلية هو نوع من التصعيد الغير مبرر، وحتى لو افترضنا أن الأمر يستدعي استقالته، فاننا نعتقد أن ليس هكذا تورد الأبل، ولا يمكن أن تتم الأمور بهذا الشكل، ولا أن يؤدي الأمر الى المواجهة, فالاقتتال, فالدم،،، إضافة الى ذلك فان وزير الداخلية يستمد شرعيته من شرعية حكومة السلطة، وهذه السلطة تستمد شرعيتها من الانتخابات الديمقراطية التي افرزتها، وتمت المصادقة على حكومتها من خلال ممثلي الشعب في المجلس التشريعي.
السلطة بدورها، ورغم كل الاستفزاز الذي قد يكون حصل من قبل عناصر في حماس، كان لا بد لها أن تمارس مزيداً من ضبط النفس والمراجعة، وان تمارس مزيداً من الحوار، فهي بالنهاية سلطة لكل الشعب وبالتالي لكل الفصائل ومن المفروض أن تكون الخيمة التي يستظل بظلها كل فلسطيني وحتى لو كان في صفوف المعارضة، لأن التصعيد من قبل السلطة يعني زيادة التردي في الأمور والأنجرار الى ما لا يمكن أن يكون فيه خير لأحد.
إن على الفلسطينيين سلطةً، شعباً، وفصائل، أن يتعلموا من جارهم " اللدود الإسرائيلي" فها هم على بعد أمتار قليلة يتصارعون منذ أشهر عديدة، لكن الطريقة التي يتصارعون بها بعيدة كل البعد عن حوارنا، فهم استعملوا كل أنواع الحوار والألوان والكتابات والشعارات، ولم يستعملوا أبداً لغة البنادق والحرق والتقتيل، اعتقد ان كل واحد منا قد رأى على مدى أشهر كيف تعامل هؤلاء القوم، وكيف عامل الشرطي والجندي الاسرائيلي المحتجين والذين يحاولوا" تدمير الدولة" "وهدم الأسس الديمقراطية" " وابادة اسرائيل" هكذا يوصفون من قبل الكتاب والمحللين، وفي المقابل، لاحظنا كيف يتعامل المستوطن مع الجندي أو الشرطي الاسرائيلي، فهو لا يطلق عليه النار، ولا يحمل سلاحاً أو يشهره في وجهه، إن أقصى ما استعملوه من أعمال هو وضع عبوة وهمية هنا أو الابلاغ عن أخرى وهمية هناك لكنهم لم يطلقوا اطلاقة واحدة ضد بعضهم.
ان علينا اذا رغبنا أن يتضامن الآخرون معنا أن نرتقي الى مستوى الحدث، وأن نتعلم من هؤلاء،,, اذا رغبنا أن يتم وصفنا كما ندعي " أننا أكثر الشعوب تعلماً وثقافةً"
أن نتعلم أصول وأسس الديمقراطية، اذا رغبنا أن نكون حضاريين علينا أن نلتفت الى الجهة المقابلة لنأخذ دروساً في الممارسة الحقيقية للديمقراطية.
لقد قدر لنا وبالصدفة مشاهدة إحدى الفضائيات العربية المعروفة خلال الأيام الماضية، حيث أوردت هذه الفضائية نتيجة استطلاع قامت به في قطاع غزة حيث كان السؤال يدور حول " هل تؤيد أم لا، اطلاق الصواريخ من القطاع. وكانت النتيجة 80% والمتوقعة برأينا يؤيدون وقف اطلاق الصواريخ، فيما أيد اطلاقها فقط 20%، إن هذا الاستطلاع للرأي أن دل على شيء فانما يدل على أن الشارع الفلسطيني مع وقف اطلاق الصواريخ، وهذا لا يشكل وصمة عار في جبينه، فلقد أثبت أنه شعب مقاتل من الطراز الأول، بطل، ويهب عندما يستشعر بالخطر ليدافع ولو بيديه العاريتين عن الأرض والشرف والتاريخ. لكن الموقف السائد وكل الدلائل والمؤشرات تشير الى ان الاسرائيلي سوف ينسحب من القطاع.
هذه حقيقة واضحة كما وضوح الشمس، وطالما هم راحلون بدون عودة فلماذا على الفلسطيني أن يصعد، وما المبرر لاطلاق الصواريخ, خاصة وإن الجميع بات يعلم علم اليقين أن رد الفعل الاسرائيلي يأتي فوري، وموجع، ويذهب فيه ضحايا كثر، أكثر بكثير مما يقع في الطرف الآخر، ليس هذا فقط، فلقد سمعنا خلال الأيام الماضية، وبعد أن انفجرت الأحداث في غزة وعبر فضائيات كثيرة، وسمع ذلك ملايين الناس، وسمعه كل من يريد أن يسمع ويفهم، سمعنا كيف تمنى المواطنون الفلسطينييون على كافة الفصائل، وليس فصيلاً محدداً بعينه أن يتم منحهم " المواطنين" فرصة لالتقاط الانفاس وأنهم يتلهفون لرؤية المحتل مغادراً القطاع دون مزيد من الدم الفلسطيني المسفوك في القطاع، كما سمعنا وقرأنا عن حالات عديدة كان فيها ابناء هذا الحي أو ذاك أو هذه المنطقة أو تلك، يتصدون ويحاولون منع المجموعات التابعة للفصائل من اطلاق قذائفها باتجاه المستوطنات .
ان هكذا أحداث ليس سوى مؤشراً على أن نبض الشارع مع التروي، مع الانتظار، مع الهدنة واستمرارها، وهذا بحد ذاته لا يتناقض ابداً مع توجهات الفصائل المقاومة منها وغير المقاومة، فهي أعلنت ذلك، وإنها تعلن هدنة من جانب واحد في القاهرة أو ما يعرف باتفاق أو تفاهمات القاهرة.
إذن الموقف الشعبي ليس بعيداً عن الموقف الفصائلي والموقف الفصائلي ليس بعيداً عن الموقف الرسمي للسلطة فالكل مع الهدنة.
أنه لمن المفجع حقاً أن نرى الفلسطيني يقتل في نفس الوقت وفي نفس المدن وحتى الشارع بأيد فلسطينية في موقع هنا وبغدر وخسة اسرائيلية في موقع قد لا يبعد كثيراً عن المكان الأول.
إن ما يجري في الأراضي الفلسطينية من تصعيد، لا يمكن أن يكون مقبولاً من أي فلسطيني مخلص، ولهذا فهذه دعوة للجميع أن يثبوا الى رشدهم، وأن يتقوا الله في دماء ابناء شعبهم.
إنها دعوة مخلصة للجميع، فصائل أحزاب، شخصيات، وقيادات، عنوانين معروفة وغير معروفة، وكذلك الى السلطة الفلسطينية، الى لجم مارد الاقتتال، والتوجه الى استعمال الكلمة الطيبة والحوار الحضاري الراقي, وذلك حتى لا يشمت الشامتون، ويضحك الخونة الملعونون.