السبت: 21/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

تتحول من دولة يحكمها رئيس الوزراء الى دولة يحكمها الرئيس - ماذا وراء طرح تحول إسرائيل إلى نظام رئاسي؟

نشر بتاريخ: 11/10/2006 ( آخر تحديث: 11/10/2006 الساعة: 09:07 )
بقلم: وديع أبونصار - نشرت وسائل الإعلام مؤخرا خبرا مفاده أن رئيس الحكومة الإسرائيلي إيهود أولمرت توصل في لقائه الأخير مع أفيغدور ليبرمان رئيس حزب "إسرائيل بيتنا" اليميني المتطرف إلى تفاهم للعمل المشترك بصدد إقرار دستور لدولة إسرائيل وتحويل النظام السياسي فيها من نظام برلماني إلى نظام رئاسي.

قد يبدو، للوهلة الأولى، وكأن التوافق المذكور بين أولمرت وليبرمان لا يتعدى كونه أمرا إجرائيا يتعلق بطريقة الحكم في إسرائيل، غير أن نظرة معمقة لدوافع أولمرت وليبرمان تجعلنا نستنتج بأن الدوافع كثيرة وغالبيتها غير معلنة لأسباب عدة وسنحاول هنا الوقوف عليها وفحص تأثيراتها المحتملة ليس فقط على الحلبة السياسية الإسرائيلية بل أيضا على العلاقات الإسرائيلية-العربية.

لقد جاء اجتماع أولمرت-ليبرمان الأخير لاعتقاد كل منهما بأنه بحاجة الآخر لتقوية مواقفه لكن ليس بالضرورة لتوافق تام في الدوافع والرؤى بينهما.

فإيهود أولمرت اجتمع بأفيغدور ليبرمان بالأساس لتقليل حظوظ بنيامين نتنياهو زعيم الليكود تجميع 61 توقيع من أعضاء الكنيست للإطاحة بحكومته. وبما أن ليبرمان يرأس الحزب الثاني بالكبر من حيث عدد المقاعد في الكنيست (بعد الليكود) فلتحالفه المحتمل مع إيهود أولمرت أهمية كبرى في إضعاف جهود نتنياهو الهادفة إلى استبدال أولمرت في رئاسة الحكومة الإسرائيلية.

أما أفيغدور ليبرمان فهو يحاول الإطاحة ببنيامين نتنياهو كزعيم اليمين والظهور على أنه القائد القوي الذي لا يخشى الأقليات في الدولة ولا سيما المتدينين اليهود والعرب بل يسعى لتمرير دستور علماني-صهيوني ونظام رئاسي يقلل من قوة البرلمانيين مما يجعل من يعارض ذلك يخرج من إطار التأثير على مجريات الأمور في الدولة.

كما أن تراجع مؤسسة رئاسة الدولة في عهدي عيزر وايزمن وموشيه كتساف، لاسيما اثر اضطرار وايزمن للاستقالة بسبب حصوله على أموال بصورة غير مشروعة والضغط المتزايد على كتساف للتنحي بسبب التهم الموجهة له حول ضلوعه بقضايا اغتصاب وتحرشات جنسية ساهم بشكل كبير في زيادة ملحوظة بعدد الإسرائيليين، وبالذات الأكاديميين البارزين والمؤثرين منهم، الذين أضحوا يعتقدون بأنه لا توجد حاجة في إسرائيل إلى رئاسة شكلية وبأن رئيس السلطة التنفيذية يمكن أن يسمى رئيسا ويجمع صلاحيات رئيس الحكومة ورئيس الدولة على غرار الحال في الولايات المتحدة الأمريكية.

لكن الأزمة التي قد يشهدها ائتلاف أولمرت خلال الأشهر القليلة المقبلة سواء مع اقتراب موعد إقرار ميزانية العام المقبل وتزايد التهم حول الإخفاقات في الحرب الأخيرة مع حزب الله وتصدع العلاقة مع شركاء الائتلاف لاسيما »العمل« و»شاس« ناهيك عن الشروط التي يفرضها حزب »يهدوت هتوراه« لقاء دعم محتمل للائتلاف، كل هذه الأمور مجتمعة جعلت من أولمرت بحاجة ماسة إلى مساعدة أفيغدور ليبرمان في المدى القريب لضمان استقرار ائتلافه أو على الأقل لضمان احتفاظه بمنصب رئيس الحكومة.

هذا التوجه يدل على أن أولمرت يسعى بالأساس للاحتفاظ بمنصبه أكثر مما يحاول تسويقه كسعي للسلام مع الفلسطينيين ولا حتى كجهد للحفاظ على مصالح إسرائيل السياسية والاقتصادية.

فمع انهيار البرنامج السياسي لأولمرت، والذي تحدث عن إجراءات أحادية الجانب مع الفلسطينيين، والذي انهار بسبب الاستنتاجات الناجمة عن الحرب مع حزب الله ومن التطورات المتتالية في قطاع غزة التي فسرت على أنها نتائج للإجراءات أحادية الجانب التي طبقتها إسرائيل في لبنان (العام 2000) وغزة (العام 2005)، فإن أولمرت لا يطرح برنامجا سياسيا واضح المعالم للسلام لا مع الفلسطينيين ولا مع لبنان ولا مع سورية.

فأولمرت الذي يربط حصول أي تقدم في العلاقات الإسرائيلية-الفلسطينية بمصير الجندي الأسير جلعاد شاليط لا يطرح سوى شعارات فضفاضة حول ضرورة تقوية المعتدلين في الجانب الفلسطيني.

أما إذا ما راجع حساباته فإن سيجد حتما بأن سياسة البحث عن لا شريك في الجانب الفلسطيني التي انتهجها ولا يزال لم تجلب أي انجاز حقيقي لإسرائيل.
وإذا ما كان يعتقد بعض الإسرائيليين بأن الاقتتال الفلسطيني-الفلسطيني أو المضي قدما في النشاط الاستيطاني في الضفة الغربية أو محاصرة الفلسطينيين وملاحقتهم يعتبر انجازا إسرائيليا فإن هذه الانجازات المزعومة ما هي إلا أمور آنية تزيد في تعقيد فرص الحل مع الفلسطينيين وتزيد الكثير من شعوب العالم كراهية لإسرائيل وحنقا عليها.

وإذا ما نظرنا إلى علاقات إسرائيل الإقليمية فإننا نجد أولمرت ماض بتجاهل رسائل السلام التي تبثها دمشق من حين لآخر بادعاء بأنها رسائل غير جدية(!)
وماضيا في التصعيد مع الإيرانيين ومواصلا إضعاف ما يسمى بالتيارات المعتدلة في لبنان من خلال الإصرار على الاحتفاظ بالقسم الشمالي لقرية الغجر ومزارع شبعا والأسرى اللبنانيين.

من جهة أخرى هو يدعي بأنه غير معني المبادرة إلى حرب مع سورية أو إيران بل يسعى للبحث عن حلول للمشاكل مع هاتين الدولتين المشاغبتين مما يجعلنا نعتقد بأن أولمرت قد يزيد وتيرة التوتر في المنطقة بسبب حالة اللا-حرب واللا-سلم، مما يجعلنا أسرى لمبادرات أو عملية عسكرية يقودها أفراد أو مجموعات محددة التي قد تفجر المنطقة من جديد.

إن عدم تعرض أولمرت لضغط دولي قوي أو لضغط منظم ومتواصل مما تبقى من يسار في إسرائيل يجعله يعتقد وكأنه في مأمن من المخاطر في الساحة الدولية ويركز جل جهده لإضعاف الضغط القوي والمتواصل من اليمين الإسرائيلي المتشدد عليه.

فالولايات المتحدة لا تضغط على أولمرت سوى في بعض الأمور الحياتية التي تهم الفلسطينيين وغالبا ما تكون هذه الضغوط موسمية ولفترة قصيرة. أما الاتحاد الأوروبي فيعتقد بأن قدرته على الضغط على إسرائيل محدودة مع أن هذا ليس بالأمر الدقيق.

بالمقابل، فإن اليسار الإسرائيلي مهمش إلى أبعد الحدود. فحزب العمل شريك في ائتلاف أولمرت من جهة وممزق داخليا من جهة أخرى.

وحزب ميرتس مشغول في صراعات داخلية ضد زعيمه يوسي بيلين أكثر من شغله في وضع إستراتيجية عمل موحدة لليسار الإسرائيلي والنواب العرب بغالبيتهم الساحقة يكاد لا يكون لهم تأثير على صناعة القرار لاسيما وأن بعضهم يقوم ببعض النشاطات غير الحكيمة التي ربما تكون عادلة ولكنها تساهم في منح مبررات لليمين الإسرائيلي للمطالبة بإقصائهم أكثر وأكثر من مركز الحلبة السياسية في الدولة.

لكن هذا لا يعني بأن أولمرت وليبرمان سينجحان بسهولة بتمرير خططهما في الكنيست لا تلك المتعلقة بتغيير النظام السياسي ولا تلك المتعلقة بإقرار دستور للدولة.

فالأحزاب الدينية تعارض بشدة موضوع الدستور في حين أن حزبي العمل والليكود غير متحمسين كثيرا لهذا الموضوع بالذات لعدم رغبتهما زعزعة النظام السياسي بشكل كلي ولخشيتهم خسارة تحالفات مستقبلية مع المتدينين.

كما أن الغالبية العظمى من نواب الكنيست تخشى استبدال النظام البرلماني الحالي، والذي يمنحهم قوة ما في التأثير على مجريات الأمور في الدولة، لصالح نظام رئاسي قوي يضعف من مكانتهم.

لذلك، فإنني أعتقد بأن الانجاز الأهم بنظر أولمرت وراء طرح موضوع تغيير النظام السياسي في الدولة وإقرار دستور لها هو البقاء في منصبه لعدة أشهر إضافية حتى يجد موضوعا آخر يلهي الرأي العام به أو حتى موعد انتخابات عامة مبكرة.

في حين يمكن تلخيص إنجاز ليبرمان من طرح الموضوع ذاته بزيادة شعبيته في أوساط اليمين ويمين-الوسط في إسرائيل والذي أصبح يمثل غالبية اليهود في الدولة، وذلك على طريق طرح نفسه في المستقبل غير البعيد كمرشح هذا التيار لرئاسة الحكومة وربما رئاسة الدولة، في حال إقرار ما يطمح به من تغييرات في النظام السياسي للدولة.