داني روبنشتاين في هارتس : تلك الرحلة الطويلة ..من باب العامود الى بيت حنينا !!
نشر بتاريخ: 11/10/2006 ( آخر تحديث: 11/10/2006 الساعة: 17:11 )
بيت لحم - معا- اعد الكاتب الاسرائيلي داني روبنشتاين تقريرا وصف فيه مشاعر ركاب حافلة فلسطينية خلال رحلتها من باب العامود في مدينة القدس الى بيت حنينا سالكة طرقا التفافية بسبب اغلاق الطريق الرئيسي لحلول عيد الغفران عند اليهود ..
وفي ما يلي نص التقرير.
الذين خرجت مساء يوم الغفران حيث قاربت ساعات الصوم الطويلة على الانتهاء وقد اخذت ساعة الغروب الزاحف بظلاله تعلن قرب انتهاء يوم رمضاني معلنة قرب مأدبة الافطار لدى المسلمين من بيتي في القدس الغربية سيرا على الاقدام باتجاه القدس الشرقية قاصدا منطقة باب العامود التي غصت بالمشترين الذين ازدحمت سلالهم بالمشتريات اللازمة لوجبة الافطار .
وحشرت نفسي مع كثرين داخل باص عربي يسافر الى ضواحي القدس العربية الشمالية المكتظه وصولا الى رام الله ولاحظت تحسن المواصلات العربية حيث بامكانك السفر في باصات حديثة يستطيع عشرون راكبا السفر فيها بسهولة عدا عن انخفاض التسعيرة نسبيا لتصل الى ثلاثة شواقل ونصف فقط قاصدا زيارة بعض المعرف في ضاحية بيت حانينا .
وتفاجأت لانحراف الباص عن الطريق الرئيسي " الطريق رقم 1" سالكا اتجاه الشرق باتجاه منطقة واد الجوز بسبب اغلاق الشرطة للطريق بحجة حلول يوم الغفران كما اوضح لنا السائق قائلا " سنقوم بجولة عن طريق جبل الزيتون بسبب يوم الغفران ماذا نستطيع ان نعمل !!" وحين وصولنا الى مدخل واد الجوز اتضح لنا بان المهمة لن تكون سهلة حيث اقتظت الشوارع الضيقة والازقة الصاعدة شرقا بمئات السيارات مما خلق ازدحاما مروريا لايطاق على الطريق الصاعد الى جبل الزيتون واخذ سواق عصبيون يحاولون تجاوز القافلة الزاحفة وصرخ الجميع على الجميع وعبق الباص برائحة الوقود المحترق والفرامل التي لم تحتمل الحرارة واندسست في المقعد الخلفي بين شاب معتد بنفسه ورجل مسن محمل بالسلال .
وعلى صوت امرأة جلست امامنا صارخه بالسائق متسائله عما يحدث وقالت " ماذا يجري لماذا لا تسافر على الطريق الرئيسي فقال السائق لا يسمحون لنا بذلك فختمت صرخها بالقول هؤلاء اليهود لا يسمحون لنا بالحياة ".
وهنا تدخل الرجل المسن الجالس بجانبي وقال للمرأة " ماذا تريدين هذه دولتهم وهم احرار بما يفعلونه واردفه الشاب المعتد بنفسه بشتيمة قائلة هؤلاء اليهود القذريين ".
ولم اجد ما اضيفه على هذه المحادثة رغم انني استخدم المواصلات العربية منذ مدة طويلة واجيد لغة الشارع العربي بشكل ليس بالسيئ واستخدم المصطلح الذي درج الفلسطينيون على استخدامه واقصد مصطلح " شاباك " لكن سحنتي ليست بالعربية فشعرت مثل " اللص الي على راسه بطحة " واشحت بنظري الى خارج الباص اشاهد السواق المنفعلين الذين يحاولون اجتياز مفترق مستشفى المطلع وحتى اخرج يدي كان واجبا علي الادلاء ببعض الملاحظات فقلت " ماذا يحدث هنا ؟ انه امر لا يصدق وغير معقول ".
وازدات الوضع تعقيدا حيث واصل الباص سيره شرقا باتجاه منحدرات الطورفضاحية العيسوية بدل الانحراف شمالا الى جبل الزيتون وبدلا من السفر لمدة عشر دقائق على الطريق الرئيسي لا زلنا بعد نصف ساعة من المسير بعيدين عن هدفنا المنشود وحتى دون ان اعرف كيف سنخرج من هذه الازقة المزدحمة بالمركبات وصاحبة المزاج السيئ .
واختفى الجدل والنقاش من الباص ليفسح المجال امام تبادل الصراخ حيث اعطى احد المسافرين في المقاعد الخلفية محاضرة طويلة قال فيها " اليهود يصومون يوما واحدا في العام ويقومون بكل هذه الاعمال ويصنعون منه قضية كبيرة ونحن المسلمين نصوم شهرا كاملا ونحن صامتين ".
وقال الشاب الجالس الى جانبي " نحن شعب حمير لاننا نسمح لهم بالتنكيل بنا والقيام بذلك ضدنا نحن فعلا شعب جاهل ".
وتساءلت المرأة الجالسة امامي قائلة " لا اعرف لماذا يتوجب على المسلمين في القدس احياء الاعياد اليهودية اذا لم يرغبوا هم في السفر لا يسافرون لماذا نعني نحن ؟".
واستدار الرجل الذي اعطى المحاضرة السابقة الى الخلف وقال " هذه هي المرة الاولى التي اسمع ان اصحاب دين معين يجبرون اصحاب دين اخر على احياء اعيادهم " وهنا عاد الشاب الجالس على جانبي الى ملاحظته الاولى وقال " نحن شعب جاهل مضيفا محظور علينا السكوت على ما يقوم به هؤلاء ضدنا في كل عيد من اعيادهم ".
رغبت في ان اوضح لهم لماذا يوجد لدى اليهود والنصارى الكثير من الاعياد برواية اسطورة سمعتها سابقا تقول " اليهود جاؤا اولا فحصلوا على الكثير من الاعياد من مخزن الرب وجاء بعدهم النصارى فأخذوا نصيبهم وحين جاء المسلمون لم يبق في المخزن سوى عيديين " لكن هذه الاسطورة بدت لي غير مناسبة في مثل هذه الاجواء وقررت التنازل عن روايتها .
وعندما وصلنا الى مدخل مخيم اللاجئين عناتا شق الباص طريقه عبر الطرق الضيقة والمشوشة لدرجة ان عددا من سلال الركاب اندلقت وتحطمت وغطت رائحة الفلافل والمأكولات الحافلة بشكل قوي قادر على اخراج الكثير من ركاب الحافة الجوعى عن طورهم واخذ الجميع يصيح على الجميع خاصة على سائق الحافلة الذي لم يخبرنا منذ البداية عن نيته القيام بهذه الجولة المستمرة غير المنتهية .
وبعد ساعة على وجه التقريب وصلنا اخيرا الى طريق شعفاط الرئيسي وتناهى الى مسامعنا صوت المؤذن قادما من احد مساجد المنطقة معلنا نهاية يوم الصوم وحينها قلت للرجل المسن الجالس الى جانبي والذي لاحظ كما يبدو حقيقة شخصيتي منذ بداية الرحلة " يجب على المسلمين عدم الغضب من اليهود فقد حصلنا مقابل ثلاثة شواقل ونصف على رحلة في فلسطين امتدت ساعة ونصف ألا يستحق الامر ذلك ؟".
وهز المسن الفلسطيني رأسه قائلا " اكيد اكيد " وغادرت الحافلة عند وصولها الى مفترق الطرق القادم المسمى على اسم محل لبيع الخضار يدعى " جنة عدن " وشققت طريقي الى منزل صديقي المقدسي .
غداة يوم الغفران توجهت بالسؤال الى الشرطة الاسرائيلية " لماذا اغلقت يوم الغفران الطريق رقم 1 علما بانه لا يوجد له بديل تسلكه المواصلات العامة العربية ؟ فقالوا لي يوجد على مقربة من التلة الفرنسية كنيسيين وخلال الاعوام الماضية حدثت مواجهات وعمليات القاء حجارة لذلك قررنا اغلاقه هذا العام .
الكاتب داني روبنشتاين - هأرتس