مناشدة في الشهر الفضيل : شاب مبتور اليدين يستبشر بالخيرين خيرا
نشر بتاريخ: 04/08/2011 ( آخر تحديث: 04/08/2011 الساعة: 21:35 )
جنين – معا - ابتسامة ليست كأي ابتسامة ، ابتسامة رضا ممزوجة بالإيمان بأن لكل نصيبه في هذه الحياة ، تلك التي ما عادت مكللة بالأحلام الوردية كما كانت بالأمس .فلكل قدره المحتوم في هذه الدنيا والمؤمن من يرضى ويؤمن بقدره فإذا أحب الله مؤمنا ابتلاه . كلمات ما كان ليكون لها وقعا مدويا لو نطق بها إنسان معافى ولكنها جعلت من الصمت ملاذا حيالها عندما نطق بها يوسف القاق 26 عاما من قرية اللبن الشرقية جنوب مدينة نابلس.
ففي منتصف كانون الثاني المنصرم وكيوم عمل عادي استفاق يوسف مستبشرا بيومه التوفيق والخير، قاصدا بلدة الزبابدة في جنين لانجاز عمل أوكل إليه هناك، كونه يعمل في مهنة الحدادة ،فلم يكذب القاق خبرا فعمله هو مصدر الرزق الوحيد لأسرته المتواضعة. وبجد العامل المتكل على باريه حمل عدته المعتادة بيديه الحديديتين وقدميه الواثقتين واتجه إلى مقصده عله يلبي النداء ويعود بالخير والعطاء لأسرته.
وفي ذاك اليوم المشئوم كما تقول والدته جاءها ما لم تكن هي وأسرته تحسب له حساب " يوسف توفي" كلمة ما كانت لتتوقعها في يوم عمل عادي لابنها البكر الذي لم يخرج من البيت كعادته في كل يوم قبل أن يقبل يداها وينال رضاها، وتضيف بعد أن استفقت من الإغماء نتيجة لوقع الصدمة المفاجئة على نفسي توجهنا إلى المستشفى الذي تم نقله إليه في جنين لنرى يوسف يتلفظ أنفاسه الأخيرة بعد صدمة كهربائية شديدة أفقدته الأمل بالحياة لأيام عشناها على الأعصاب ننتظر رحمة الله ولطفه به .
وتضيف الوالدة لم تكن تنتظرنا حينها أي بشائر خير فجميع الأطباء اجمعوا بأنهم عملوا ما يستطيعون عمله والباقي على الله، ونعم بالله كما تقول فبعد ذهابه في غيبوبة لعدة أيام بفعل الصعقة الكهربائية الشديدة الناجمة عن سلك كهربائي مكشوف خلق تماسا كهربائيا مع معدن الحديد الذي يشكله ابنها استفاق من غيبوبته فاقدا ليديه الاثنتين ولعضلة الفخذ في إحدى أطرافه السفلية مع صدعه قوية في جمجمته أفقدته القدرة على الحراك لعدة أيام .
وعن حادثته الشنعاء التي أفقدته الأمل في الحياة لفترة ليست بالقليلة يتحدث يوسف القاق مستفيضا وسيجارة تخنق أنفاسه يستنشقها بيدين غير يديه التي اعتاد عليهما ،بيدين أصبحتا شراكة بينه وبين أخيه الذي يصغره والذي لا يفارقه البتة منذ الحادثة المشؤمة يقول" الحمد لله على كل شيء ، هذا قدري ونصيبي ،وأنا مؤمن بقضاء الله وقدره ، ولكنني لا أنكر الفترة العصيبة التي مررت بها والتي مثلت علامة فارقة في حياتي على كافة الأصعدة وخاصة على الصعيد الشخصي والنفسي فمع إعاقتي الجديدة لم يعد بإمكاني تلبية حاجاتي الأساسية بمفردي فلا استطيع أن آكل أو اشرب أو حتى أبدل ملابسي دون مساعدة وهذا أمر لم أكن لأتوقعه نهائيا ، ما أثر على نفسيتي بشكل كبير لدرجة لم اعد استطع معها تحمل حياتي فانا لا أحب الاعتماد على احد ولم اعتد الاتكالية طوال حياتي كنت شابا محب لعمله ومحب لحياته أبدا يومي بالعمل وانهيه برفقه أصدقائي ،ولكم ما حدث لي افقدني كل شيء افقدني معني أن أعيش معنى أن اخرج من البيت معني أن أصبح معيلا .
ويضيف يوسف لم يكن تأثير الحادثة بالمفزع علي فحسب ,فعائلتي تعاني الأمرين معي ولأجلي فحالتي النفسية وشعورهم بعدم قدرتهم على تقديم شيء لي يعيدني إلى ما كنت عليه يجعلهم يشعرون وكأنهم يقفون مكتوفي الأيدي حيالي ما يحدو بهم في كثير من الأحيان إلى محاولة طرق الأبواب لجلب مساعدة لي تمكني على الأقل من قضاء حاجاتي الاسياسية ومن الاعتماد على ذاتي.
ففقدان يداي الاثنتين لا يقصر مشكلتي على استخدامهما فحسب وإنما يشكلان عائق أمام سيري على قدمي وذلك لانعدام التوازن في جسدي ما يجعلني أعاني عجزا كاملا كما اقر الأطباء بعد الكشف على حالتي .
وتأمل أم يوسف باستعادة ابنها البكر والمعيل الوحيد لأسرتها المكونة من عدة أبناء بينهم جامعيين لقدرته على الاعتماد على ذاته وذلك بمناشدتها لأصحاب الضمائر الحية والقلوب الخيرة في تقديم العون والمساعدة له عن طريق حصوله على أطراف اصطناعية تعيد إليه بعضا من حياته التي سرقتها شحنات كهربائية لا تكاد تشغل حيزا بالوجود ليستطيع بعدها المضي قدما في حياة بات من الصعب أن تكون طبيعية ومستوية ولكن من السهل أن تصنع له حياة يتكيف عليها وعلى تحدياتها بإرادته وبإصراره على التغلب على كل المعيقات ليعود الابن البكر المعيل لأسرة والذي تحلم والدته بتزويجه وبرؤية أحفادها أمام عينها أملة في تحقيق ذلك بان تلقى مناشدتها قلبا سامعا ويدا معطاءة تكرم ولدها وتعيد له ما سرقته منه الأيام ليعود ويمسك بيديها مقبلا إياهم وشاكرا البارئ وحامدا إياه على ما أعطاه.