قصة عائلة غزّية أنهكها الفقر مسكنها أشبه بالقبر!!
نشر بتاريخ: 06/08/2011 ( آخر تحديث: 06/08/2011 الساعة: 17:14 )
بيت لحم- معا- تقرير أمل الحجار- تحت لهيب الشمس المحرقة وبين أزقة مخيم جباليا, دخلنا ذلك البيت الصغير، قديم متهالك، يقطنه عشرة أفراد، منهم سبعة في غرفة هي لهم البيت داخل (بيت العائلة)، إنها أشبه بقبر يعيش فيه أناس لا يعرف إذا كانوا أحياء أو أمواتا، جدرانها متآكلة، ترتع الفئران فيها وكأنها ضيف دائم، فيما رائحة الرطوبة تزكم الأنوف، وسقف القرميد لا يقيهم حر الشمس القاتل.
يأكلون ويشربون وينامون ويستقبلون الضيوف-إذا حضروا- فيها، لا منفذ للهواء والضوء فيها، سوى باب مهترئ، إذا أغلق لا تميز الخيط الأبيض من الأسود، كادت أنفاسنا تحتبس عند الدخول، وكأنا ندخل في( حمام ساونة) من شدة الرطوبة والحرارة، فإذا بربة (بيت الغرفة) (أم محمد.ر) بوجهها العابس الذي تخالطت فيه قسوة الحياة، وبالملابس البالية التي تكتسي منها كل العائلة، تجلس على البلاط العتيق من شدة الحر وأطفالها الصغار حولها يبكون، يسحبها التفكير هنا وهناك علها تجد شيئا يمسح دموعهم، فإذا بها كالعادة تعجز ويسيل دمعها بصمت دون أن يسمعها أحد.
أمانيٌ ضائعة
تقول (أم محمد) (34عاما) بصوت حزين تخنقه العبرة، ويمنعها كبريائها من سفح دمعها: منذ 17 عاما وأنا أعيش في هذه الغرفة، دون أن يتغير فيها شيء... أتمنى بيتا متواضعا، يدخله الضوء والهواء، ولا تسكنه الفئران والقوارض، لا تفرض حماتي عليّ ماذا آكل وماذا أشرب، ألبس ما أشاء وأنام بلا حجاب في ظل الحر الشديد دون أن يقتحم (سلفي) البيت دون استئذان"، ولم تتمالك (أم محمد) نفسها فأجهشت بالبكاء، لتنهمر الدموع الحارقة على وجنتيها. وتتابع: لقد تشرد أبنائي هنا وهناك هربا من الغرفة، فابنتي البالغة من العمر (16 عاما) تهرب بيت الفينة والأخرى إلى بيت جدها علّها تجد مأوى أفضل، وأطفالي الصغار يقضون جل وقتهم في الشوارع وزقاق المخيم".
وأشارت إلى أن كل الأجواء الكئيبة أرخت بظلالها السوداء على سلوك أطفالها الصغار، فهم يتعاركون ويتشاجرون ويبكون كل يوم.
لا إمكانيات
وخلف (بسطة) حلوى صغيرة يقف الابن محمد (17) عاما بجسمه النحيل ليعمل أجيرا بمبلغ زهيد جدا، في فترة إجازته المدرسية من الساعة السادسة صباحا حتى الساعة السادسة مساء كي يدخر مبلغا من المال يشتري فيه ملابس العيد ليفرح مثل أصحابه.
ويعاني محمد من التهابات حادة في لسانه وفمه منذ كان عمره سنة أدت إلى تشوهات وتغيرات في شكله، إضافة إلى أنه يعاني من التهابات قزحية في عينيه، ويحتاج لطبيب وعلاج خاص ولكن إمكانيات العائلة لا تسمح بذلك.
ونوهت أم محمد إلى أنها لا تتلقى أي مساعدات من الشئون الاجتماعية ووكالة غوث اللاجئين والمعنية بالفقراء والمحتاجين.
رمضان حزين
وأمام قسوة الحياة والظروف المأساوية تقف (أم محمد) عاجزة عن شراء فانوس رمضان الذي يحلم به صغارها لتحي البسمة على وجوههم، ليس ذلك فحسب بل تواسي أطفالها الذين يشتهون قطعة من الدجاج أو اللحم أو كعك العيد التي يشتمّونها وهم يلهون في الشوارع، موضحة أنهم يطهون الطعام والذي تفرضه حماتها عليها بـ(مرقة الماجي) دائما.
وبقلب يتمزق ألما تقول (أم محمد): أولادي يذوقون الحسرة كل يوم، فهم يرون أن جميع الناس يعيشون في راحة، وابني نور الذي لا يتجاوز السبع سنوات عندما يدخل بيتا يتمنى متحسرا أن يكون لنا".
ونوهت إلى أنه لا يزورها أحد بسبب ضيق الغرفة، وحتى في يوم العيد يعودها أقاربها من على الباب ويذهبون.
المقبرة متنفسها!
وأردفت بالقول: سوء الأوضاع وكثرة الضغوط أوصلتني العام الماضي إلى محولة الانتحار، ولكن مخافة الله منعتني عن ذلك"، مشيرة إلى أن كثرة الضغوط جعلتها تعاني لمدة ثلاث سنوات من حالة نفسية سيئة ومن حالات وإعياء وإغماء.
وأوضحت أن عائلة زوجها لا يراعون ظروفها ويضيقون عليها بتحمل أعباء أخرى، مضيفة:"أعمل كخادمة لأهل زوجي كي لا يطردوني من البيت".
واستطردت (أم محمد) بالقول: أصبحت مجنونة أمشي في الشوارع وأجلس على أعتاب أبواب بيوت الناس، وأبكي لا أعرف لمن أشتكي ومن يسمعني، وهنا أجدني وبدون إرادة مني أذهب إلى المقبرة أنفس عن روحي، فيما زوجي يقضي جل وقته في المسجد هاربا من جحيم ما يسمى بيتنا ظلما وزورا".
وأمام تلك الحالة وغيرها يبرز التساؤل الأهم: إذا لم تتحمل الحكومة والمؤسسات الخيرية المسؤولية تجاه هؤلاء الناس، فما هي وظيفتها الحقيقية؟!