الأحد: 24/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

كاتب فلسطيني لرئيس الوزراء: حماس ستتحول لواحدة من الحكومات العربية التي تضبط الأمور بالعصا وقوة المساندة!

نشر بتاريخ: 15/10/2006 ( آخر تحديث: 15/10/2006 الساعة: 11:28 )
نابلس- معا- وجه محمد صبحي السويركي- كاتب وباحث فلسطيني- رسالة الى رئيس الوزراء اسماعيل هنية قال فيها إنه وجد نفسه ملزما بتقديم النصيحة لإخوة نعتبر مشروعهم مشروعا شخصيا لكل منا وأن الحركة الإسلامية اليوم تفتقر للمنهج النقدي العلمي الذي تقيم من خلاله أفعالها وأفعال الآخرين.

الموروث السائد في ثقافتنا لازال هو ثقافة "القطيع"!.. وأكد السويركي أنه إذا بقيت الأمور على ما هي عليه يمكن لحكومة حماس أن تتحول لواحدة من الحكومات العربية التي تضبط الأمور بالعصا وقوة المساندة!

وأضاف السويركي أن ابن الحركة الإسلامية لا يمكنه أن يعارض الاتجاه العام للحركة التي ينتمي إليها.. وان الحركة الإسلامية غير قادرة على استشراف المستقبل، بل تنتظر لحظة الاصطدام بالجدار، لتأخذ بعد ذلك وقتا (يطول أو يقصر) وتضحيات جسيمة لكي تعدل مسارها!!..

وقال ان أزمة الحركة الإسلامية المعاصرة هي أزمة عقل لأنها نتجت عن تنشئة في أجواء من الاستقطاب!

وأن تربيتنا على الفئوية والحزبية المقيتة وعدم الاحتكام للموضوعية والمنطق وكذا "الانغلاق" على الذات و"الاعتزاز بالرأي الشخصي" والخلط بين "الشخص" و"الفكرة"!..

وأضاف أن فشلنا في التعامل مع المواطن العادي الذي تحتاج مصالحه للكثير من "تقوى" الحكومة لله وخشيتها منه!!..

وهذا نص الرساله كاملة تنشرها وكالة "معا " كما وردت من المصدر.


بسم الله الرحمن الرحيم
سعادة الأخ إسماعيل هنية
رئيس الوزراء الفلسطيني حفظه الله
سعادة الأخ/ خالد مشعل
رئيس المكتب السياسي لحركة حماس حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بداية اسمحوا لنا أن نتقدم إليكم بالتهنئة الحارة بمناسبة شهر رمضان المبارك، أعاده الله عليكم وعلى الشعب الفلسطيني والأمتين العربية والإسلامية وهي ترفل بثياب العزة والكرامة..
واسمحوا لنا أن نتقدم إليكم بهذه الرسالة، التي نوقن بأن صدركم سيتسع لها، لأنكم تعلمون بأن الدافع من وراء كتابتها هو اعتبارنا أنفسنا جزءا من الحركة الإسلامية بمعناها الواسع، وأن ما يسعدها يسعدنا وما يسوءها يسوءنا..
وكنا قد كتبنا رسالة أولى (وقعناها مع اثنين من الإخوة) أرسلناها إلى الأخ رئيس الوزراء بواسطة الأخ النائب د. محمد شهاب. لكننا لم نتلق ردا عليها لغاية الآن.. آملين أن نتلقى ردا ما (وبالكيفية التي يختارها الأخ أبو العبد) على هذه الرسالة..
ولما كانت الأمور قد استمرت في الأيام الأخيرة على نفس مسارها الذي أقلقنا، ودفعنا لكتابة رسالتنا الأولى، فإننا آثرنا أن نوجه هذه الرسالة ،التي هي أكثر تفصيلا، لأننا وجدنا أنفسنا ملزمين بتقديم النصيحة لإخوة نعتبر مشروعهم مشروعا شخصيا لكل منا، ونعتبر حركتهم هي الحركة الأم بالنسبة لنا جميعا..
وتأتي هذه الرسالة ،كما أسلفنا، استجابة للالتزام الأخلاقي الذي نشعر أنه يشدنا ويفرض علينا (وعلى الكثيرين ممن أعرفهم أنا شخصيا) أن نخاطبكم ونحن نعلم أنكم أهل للمسئولية، في ظرف بات صعبا بكل المقاييس.. ونحن متأكدون بأن كلماتنا هذه ستقع منكم موقع من يعرف حسن نوايانا وحرصنا على هذه الحكومة الرشيدة بإذن الله..
من أين أتت أزمة حماس في الحكم؟
إننا اليوم ،كحركة إسلامية، ملزمون بالتوقف قليلا، والتدقيق في نتائج أعمالنا، ذلك أن اتساع المسئوليات يترتب عليه خطورة النتائج، ومن نافل القول أن نعترف بأننا اليوم أمام وضع غير مسبوق؛ قد يترتب عليه نتائج خطيرة؟! علينا جميعا نحن أبناء الحركة الإسلامية في الدائرة الواسعة، ويقع ضمن ذلك أبناء حماس والجهاد الإسلامي وكل التنظيمات الإسلامية الأخرى؛ ممن سعوا باستمرار ولسنوات طويلة لإعادة بعث الحراك في الجسد الإسلامي، وسعوا جاهدين لإعادة عمل أفكار الإسلام في واقع الناس وتفاصيل حياتهم!..
من هنا يمكنكم أن تلحظوا ،سيادتكم، بأننا بتنا اليوم في نفس الدائرة، ولنا نفس الهموم!..
يمكنكم الآن أن تدركوا حجم الضغوط النفسية التي تقع على صدورنا ونحن نرى نتائج تطبيق تجربة فريدة عشنا لها وبها سنوات طوال، وعاشت معنا كظلنا وأحلامنا ورغيف خبزنا!.. وأقصد هنا تجربة الحركة الإسلامية منذ نشأة المجمع الإسلامي في أوائل سنوات السبعينات ولغاية الآن..
شخصيا.. عشت ثلاثين سنة من عمري حالما بهذا اليوم! اليوم الذي نرى فيه للإسلام دولة وحكومة.. وعلى الرغم من تواضع الإنجاز الذي تحقق هنا في فلسطين إلا أن رمزيته لا يمكن أن تخفى على عيني بصير!..
بين يدي الأزمة..!!
ولأكن صريحا معكما أخوي..
فقد نشأت أول ما نشأت (ومنذ كنت في الثالثة عشرة) في مسجد المحطة بالتفاح الغربي، وتربيت على موائد حركة الإخوان، وتعلمت على يدي قادة تاريخيين في الحركة كالأستاذ مصطفى القانوع.. ومن نافل القول أن أعلن هنا بأنني في تلك السن لم يكن لي أن أدرك الأمور بكافة أبعادها، والصورة بكافة تفاصيلها.. لكني بعد مدة فتحت عيني على أشياء كان وقعها صعبا على نفسي!
فذات يوم سمعت عن أشخاص حضروا من مصر يحملون فكرا جديدا.وحين حاولت الاستماع إلى أسانيد الطرح الجديد وجدت بعضا ممن عشت معهم تجربة مسجد المحطة يشيحون بوجوههم عني، حتى أنهم كانوا يمرون إلى جواري دون أن يلقوا إلي بنظرة أخوة؛ وكأن لم يجمعنا يوماً مسجد ولم نصطف إلى جوار بعضنا في صلاة!
ولا أكتمكما أخوي أنني صُدمت يومها، بكل ما في الثلاثة عشر ربيعاً من سذاجة.. ولقد تفاجأت.. إلى حدّ الصدمة!..
ومن يومها وأنا أتابع أوضاع الحركة الإسلامية؛ أحمل لها أحلى ما في الطفولة من ذكريات، وأحمل ،حولها، في عقلي كثيرا من الأسئلة التي أرهقتني ولم أجد لغاية الآن لها إجابات! لكن النتيجة الواضحة لدي اليوم هي أن الحركة الإسلامية ،بعمومها، باتت تعاني من العديد من المتاعب والمشاكل التي أسوأ ما فيها: قدرتها ،غير المحدودة، على المكابرة وعدم الاعتراف بالمشاكل التي تعاني منها!.. ذلك أن الحركة الإسلامية اليوم تفتقر للمنهج النقدي العلمي الذي تقيم من خلاله أعمالها، وتحكم به على أفعالها وأفعال الآخرين..
ولعلي لا أعدو الحقيقة إن قلت بأن الأفكار الجنينية للحركة الإسلامية تجعل منها (في نظر أبنائها) شيئا أكبر من النقد! ذلك أن "المسلم" (عند أبناء الحركة الإسلامية) في هذا الزمن أصبح رديفا للإسلام ذاته الذي يكفر كل من يمس به أو يقترب من حماه! وأسجل هنا أنني عشت في أجواء الحركة الإسلامية ما يقارب الثلاثين عاما، قلما سمعت شخصا من هذه التكتلات يعترف بأنه أخطأ!! أو حركة تعتذر عن أخطاء ارتكبتها، بل الاتجاه السائد هو عصمة الأشخاص والحركات!
سامحوني إذ أقول بأن المأزق الأخير لحركة حماس في الحكم يؤشر إلى مأزق مركب، يتعلق بطريقة التنشئة لأفراد حركة حماس بشكل خاص، وتنشئة أبناء الحركة الإسلامية المعاصرة بشكل عام، فبقية فروع الحركة الإسلامية تعاني متاعب لا تقل خطورة إن لم تكن تزيد عما تعانيه حركة حماس!..
أزمة حرية!
إنها أزمة حرية.. والحرية شرط من أشراط التكليف في شرعنا الحنيف..
وهي أزمة حرية لأن الحركة الإسلامية تعاني من التربية الشخصانية غير المبدأية..
فمن البديهي أن المسلم هو من تربى على الإسلام واعتنق مبادئه وسعى لتحقيق أهدافه، لكن الحركة الإسلامية بشكل عام لم تترب على مبادئ الإسلام بقدر ما أخذت معارفها حول الإسلام عن أشخاص، كثيرا ما كانوا عاديين، بل عاديين جدا! فهم يحبون ويكرهون، يقتربون ويبتعدون.. يتأثرون سماحة أو غضبا بانفعالات الحياة.. ولو دققنا النظر في تركيبة الشاب المسلم اليوم لوجدنا أن مرجعيته لا تعدو الأشخاص الذين تربى على أيديهم وعاش معهم، وليس المبادئ الإسلامية ذاتها المستمدة من القرآن الكريم والسنة المطهرة، وهذا أمر غريب! لكنه يفسر حقا كيف لهذا الكم الهائل من الأفراد أن يتم اقتياده بطرف الإصبع دون أن نجد ناقدا أو محتجا أو معترضا!!..
على سبيل المثال فإنه من الشائع وفي كل دول العالم أن يقوم أفراد بمعارضة الاتجاه العام للدولة، وهؤلاء يسمون بـ "المعارضين لأسباب ضميرية" لكن هذه الظاهرة لم يكتب لها أن تظهر هنا في مجتمعاتنا العربية (سواء على مستوى الأحزاب العلمانية أو على مستوى الحركة الإسلامية) بما يؤشر إلى أن الموروث السائد في ثقافتنا لازال هو ثقافة "القطيع"!..
.. فحتى ابن الحركة الإسلامية اليوم لا يمكنه أن يعارض الاتجاه العام للحركة التي ينتمي إليها؛ لأنه تربى على حقيقة أن "المعارضة" "خروج" والخروج معروف مآله في نهاية المطاف!.. وهو يعرف أيضا بأن نقد الحركة إنما يترتب عليه نتائج لا قبل له بتحملها!.. وبالمجمل يمكننا أن نقول ،وبشكل واضح، أن الحرية لم تكن حاضرة يوما في تربية الحركة الإسلامية لأبنائها..
من هنا؛ فإن ما نجده بين أيدينا اليوم هو عبارة عن كتل بشرية تحتاج لمن يوجهها دوما ويقودها باستمرار، وأن يوضح لها الطريق، وأن يفكر عنها ويختار لها!..
ولعل في هذا تفسير واضح للحالة التي أصابت الحركة الإسلامية وجعلتها ،باستمرار، غير قادرة على التفكير بعقلها "البصير" بل بعقلها "الجمعي" وهو ما يجعلها ،باستمرار، غير قادرة على استشراف المستقبل، بل تنتظر لحظة الاصطدام بالجدار، لتأخذ بعد ذلك وقتا (يطول أو يقصر) وتضحيات جسيمة لكي تعدل مسارها!!..
إن خطورة هذه النقطة تكمن في "القدرة غير المحدودة" لدى الحركة الإسلامية على الوقوع في أخطاء قاتلة تدفع مقابلها تضحيات جسام دون أن تجد من يستشرف المستقبل أو من يتمكن من تعديل المسار قبل وقوع الأضرار.
وإن من الخطورة أيضا في الموقف الذي نحن في مواجهته أن قلة قليلة من داخل الحركة الإسلامية ستكون مستعدة لإسداء النصح! وقلة أقلّ من ذوي الأمر ستكون مستعدة للاستماع دون أن يضيق صدرها!! وخطورة هذا الأمر ستكون في إمكانية وقوع أحداث خطيرة وانهيارات ستبدو لنا مستقبلا وكأنها تأتي بدون مقدمات، وستندلع بشكل مفاجئ، وسيدعي البعض أنها خلت من النذر.. والحقيقة أن النذر موجودة، لكن المشكلة في عدم وجود القدرة على قراءتها!
أزمة عقل أيضا!!
فكما أن أزمة الحركة الإسلامية المعاصرة أزمة حرية فهي أزمة عقل أيضا!..
إنها أزمة عقل لأنها نتجت عن تنشئة أبناء الحركة الإسلامية في أجواء من الاستقطاب.. لكن ما الذي نعنيه بـ "الاستقطاب"؟
لكي نجيب على هذا السؤال نحب أن نسأل سؤالا إضافيا؟ ما الذي يؤثر أكثر في تربية الإنسان: المبادئ والقيم أم الأشخاص والظروف؟ الإسلام أم البيئة التي نشأ وترعرع فيها؟
لازلت أذكر بداية الثمانينات والأجواء القاتلة التي تربينا فيها نحن أبناء حماس والجهاد، والتي كانت مفعمة بالكراهية كلٍ للآخر!.. يومها وجدنا ما نختلف عليه، فمن جهة كانت حماس تعتبر الجهاد فاقدا للشرعية والأهلية، وتنظر إليه على أساس أنه خارج عن الصف والجماعة! وفي أوقات كثيرة أمكن لحماس أن تنظر له على أساس أنه فصيل متشيع!!.. في المقابل كان ابن الجهاد الإسلامي ينظر لأبناء حماس على أساس أنهم مجموعة من الرجعيين المتهالكين!..
وفي وسط هذه الأجواء القاتلة تربى الآلاف من أبناء الحركة الإسلامية، على رفض الآخر والحقد عليه وكراهيته إلى حد الموت!! لقد تربينا على الفئوية والحزبية المقيتة وعدم الاحتكام للموضوعية والمنطق!..
..لذا لم يكن مفاجئا اليوم أن الحركة الإسلامية ،بعمومها، هي من وجهة نظرنا حركة ذات توجهات انفعالية غير عقلانية، غير منطقية وغير موضوعية أيضا! إنها حركة عاطفية تحكم الغريزة وتهرب من العقل!.. ولعل هذا يفسر الطريقة التي نتعامل من خلالها مع الأمور!..
لقد تأثرت بشدة حين اندلع الصراع قبل عدة أشهر في مسجد الحي بين حماس والجهاد، وفوجئت بالقدر الهائل من العنف المستخدم حين تم اختطاف أحد الشباب وضربه بكل عنف تلقى بعده العلاج في المستشفى لأيام طويلة، اللامنطقي في الأمر أن يقوم فصيل إسلامي بنزع راية "لا إله إلا الله" الخاصة بالفصيل الآخر ليضع رايته هو.. والتي يزينها شعار "لا إله إلا الله" أيضا!..
أتعرف يا أخي؟ لقد آن الأوان أن أفشي لك سرا دفينا.. وهو أنني شخصيا أجد صعوبة كبيرة في التعامل مع إخواني من أبناء الحركة الإسلامية الذين يتمتعون (من وجهة نظري) بقدر كبير جدا من "الانغلاق" على الذات و"الاعتزاز بالرأي الشخصي" والخلط بين "الشخص" و"الفكرة".. وكلها تشير إلى أجواء من التطرف المنذرة بالشؤم، فحين تحاور شخصا من أولئك وتختلف معه ينظر إليك شذرا وكأنه يرثي لحالك لأن مصيرك سيكون حتما جهنم!
لكن من أين أتى هذا الشعور؟ حسنا!
حركة دفاعية منغلقة على نفسها!
من وجهة نظري كذلك فإن الشعور بـ "الاستهداف من قبل الغير" (والذي هو قاسم مشترك بين غالبية أفراد الحركة الإسلامية) هو ما يولد الحالة الدفاعية التي تتمثل في مظاهر عديدة كالانغلاق على الذات.. وهذا الشعور إنما استمدته الحركة الإسلامية ابتداء من الأجواء التي سادت العالم الإسلامي عقب سقوط الخلافة، حينها سعى الإسلاميون (الإمام حسن البنا رحمه الله وحركة الإخوان المسلمين على وجه الخصوص) لاستعادة الخلافة.. في تلك اللحظات الصعبة لم يتمكن مسلم تلك المرحلة (لا من الناحية الذاتية ولا الموضوعية) من تجاوز العقبات والاستجابة للتحديات، فلم تعد الخلافة.. ذلك أن السقوط في تلك الحقبة كان يمثل حصيلة انحدار لكل معطيات التحضر لدى الأمة على مستوياتها كافة، الاجتماعية والسياسية والعلمية..الخ.. لقد كان السقوط الذي ساد العالم الإسلامي في أوائل القرن العشرين شاملا.. قابله صعود هائل للتيارات العلمانية التي استقوت حينها بحركة تغرب قوية.. فماذا كانت النتيجة؟!
أطواق العزلة!
كانت النتيجة هي نشأة حركة إسلامية ذات مواصفات عجيبة! حركة قامت بالانغلاق على نفسها (كأحد أساليب الحماية والدفاع عن الذات) في مواجهة المجتمع الذي اعتبرته ،في حينه، مصدر كل الشرور! حيث قام المسلم الحركي في تلك السنوات بعملية تعويض ذهنية (نشأت عن فشله في إقامة دولة الخلافة) وذلك بإحلال "الحركة الإسلامية" في مقابل "دولة الخلافة". وشيئا فشيئا؛ وبدلا من أن تكون الحركة الإسلامية وسيلة لتحقيق غاية؛ أصبحت الحركة الإسلامية غاية في حد ذاتها! ومن هنا نشأت (الحركة-الدولة) التي عوضت المسلم الحركي عن دولته المفقودة!..
وفي اللاوعي الحركي الإسلامي المعاصر أصبحت "الحركة" هي الإطار الجامع للأفراد، المعبر عن الإنجازات، والجامع للفعاليات، وقد اكتسبت قدسية اقتربت من قدسية دولة الخلافة بمعناها الشرعي! وشيئا فشيئا بدأت الحركة الإسلامية تحيط نفسها بقوقعة عزلتها عن المجتمع المحيط.. وأصبح في وعي الشاب المسلم المنتمي للحركة الإسلامية أنه هنا وأن الآخرين من أبناء المجتمع .. هناك!!
ألا ترى معي يا أخي أنه وعلى أحد المستويات فإن أبناء الحركة الإسلامية بدأوا يتعاملون مع "داخل الدائرة" (التي تمثل الحركة) على أساس أنها دولة الإسلام فعلا؟! حتى الزواج وعلاقات العمل أصبحا لا يتمان إلا في داخل الدائرة (هذا شيء إيجابي لو تم في أجواء صحية) ومن هنا نشأت عزلة عميقة ،ازدادت عمقا، فصلت أبناء الحركة الإسلامية عن المجتمع!..
ولا يتوقع لهذا الانفصال إلا أن يكون وبالا على أية حركة تجد نفسها لا تهتم بهموم مجتمعها بل بمصالحها وحسب.. حتى أنها قد تجد لديها ،وباستمرار، القدرة على عدم رؤية تلك الهموم والآلام بل ونفي وجودها والسخرية منها!! وهنا تكتمل أطواق العزلة من حول الحركة الإسلامية فصارت عزلتها عن المجتمع شبه كاملة!..
وفي السنوات الأخيرة ومع تمكن الحركة الإسلامية الفلسطينية من تحقيق الكثير من الإنجازات (على الصعيد العسكري على وجه الخصوص) بدا وكأن العزلة (التي تحدثنا عنها آنفا) إنما هي مزيفة، وبدا وكأنها خادعة وغير حقيقية، ذلك أن الحركة الإسلامية أصبح لها امتداد جماهيري عظيم!! حتى أننا ،كأبناء للحركة إسلامية، بتنا نتعجب من البعض ممن اعتادوا أن يرموا الحركة الإسلامية بـ "العزلة عن المجتمع"! فهل هي معزولة حقا؟!
لنوضح الأمر بشيء من التفصيل..
في الانتخابات الأخيرة حصدت حركة حماس 70 مقعدا من مقاعد التشريعي، بما يؤشر إلى شعبية جارفة، لكن للمدقق فإن جزءا ما من نجاح حماس كان مبنيا على فشل حركة فتح والاتجاه الوطني بعمومه، ولم يكن ذلك النجاح الباهر يؤشر إلى "ذوبان الحركة الإسلامية في هموم الناس" بقدر ما كان شعوراً من "الإعجاب الجارف" الذي حصلت عليه حماس من قبل الملايين في العالمين العربي والإسلامي نتيجة العمليات العسكرية الجريئة التي قامت بها..
وفي حقيقة الأمر بقيت حماس داخل الدائرة، التي أصبحت يوما بعد يوم أكثر اتساعا، وبقي ما في داخل الدائرة هم أبناؤها، ومن هم خارجها هم أبناء الآخرين!.. وبقي اتجاه الحركة بين (حماس-المجتمع) يسير في اتجاه واحد!
لعل هذه المقدمة (ثقيلة الظل) كانت لازمة لنوضح نوعية الفشل المركب الذي حصدناه بعد أن شكلنا الحكومة، وهو فشل في أمر لم نعتد عليه من قبل .. ألا وهو التعامل مع الجماهير، مع المواطن العادي (الذي يمكن عادة تجاهله بسهوله والدوس عليه) الإنسان الذي تحتاج مصالحه للكثير من "تقوى" الحكومة لله وخشيتها منه!!..
من وجهة نظري الشخصية.. فقد كان صعبا على حماس أن تبدأ بتعلم "الجماهيرية" من جديد، لأن الجماهيرية الجديدة تعني شيئا آخر غير ما تعودت عليه منذ نشأتها، فهي تعني الخروج من حالة "الشعور فقط بما في داخل الدائرة" (وهي حالة كانت باستمرار تمثل ذروة الشعور بالحماية والأمن) إلى حالة فُرض عليها فيها القيام بأعباء الشعب كله، وهي حالة جديدة وغريبة على الحركة الإسلامية بكل المقاييس..
* * *
وقد يفسر هذا حالة "فقدان الأعصاب" التي تعيشها الحكومة هذه الأيام بشكل خاص، والتي نأخذ عليها أن مسئوليها لا يصرحون هذه الأيام إلا بتصريحات تمثل ردود أفعال على ما يحدث، ولا تمثل تعبيرا عن خطة مبرمجة ومحكمة لإدارة الأمور!..
..وقد بات بإمكاننا أن نخمن عماذا سيتحدث أي مسئول حكومي؟.. فهو لن يتحدث عن خطط وإنجازات، بل عن "مكائد الغير" و"القدرة على الرد عليها بكل قوة"!! وسيتكلم عن اتهامات للرئيس، وللصحافة، وللموظفين والعمال!..
حتى الخطاب الذي وعد به الأخ رئيس الوزراء أن يكون مناسبة لعرض إنجازات الحكومة ذهب كغيره من وعود أدراج الرياح فلم يتم التحدث عن شيء وترك الناس للعمى والضياع!! (ملاحظة: نذكر بأن الرسالة قد أرسلت لرئيس الوزراء قبل خطابه الأخير بأسبوع).
وأخيرا.. أزمة جمود!
فهل تسألني عن شواهد تاريخية تثبت أن الحركة الإسلامية تعاني من الارتباك والجمود؟ إذن أجيبك..
حين جاءت سلطة الحكم الذاتي اجتهدت الحركة الإسلامية في معارضتها، وقامت بكل ما تستطيع لإفشالها، بما في ذلك العمليات التفجيرية، وفقط حين بدأ الضغط من قبل السلطة على الأجنحة المختلفة للحركة الإٍسلامية بدأت عملية مراجعة (على سبيل المثال قامت حركة حماس على أثرها بتشكيل حزب الخلاص) والتعامل مع سلطة الحكم الذاتي بعد أن كانت ترفضها بشدة.. وأخيرا وجدنا (وهذا أمر لا نرفضه) حركة حماس تخوض الانتخابات التشريعية تحت لواء تلك السلطة!
واليوم نعيد الكرّة مرة أخرى، فحين أتيحت لحماس فرصة تشكيل حكومة فلسطينية للمرة الأولى، وبعد سبعة أشهر من تشكيل الحكومة يتضح أنها قد اصطدمت بالجدار، نتيجة العوائق التي وُضعت في طريقها، والحرب التي ووجهت بها..
نعم .. نقول بأنها ووجهت بالعوائق وبحرب لم تكن تحسب لها حساب، لكن هذا لا يُعفي حركة حماس من مسئولية "التخبط" الذي أوقعت هي نفسها فيه، ولا يعفيها من مسئولية "محاولة توقع" ما قد حدث قبل تشكيل الحكومة، ولا يعفيها أيضا من مسئولية "عدم وجود المرونة الكافية" خلال سبعة أشهر، والتي تجعلها تبحث عن "طرق بديلة" عن السير بدون هدف في طريق أصبحت نهايته معروفة ومحتومة، فكل ما سمعناه من الحكومة حتى الآن هو عبارة عن مقولات تنم عن عدم وجود تصور أو رؤية، وعن فقدان كامل للمنطق السياسي وللطريق!..
وأصبحنا نتساءل إن كانت الحكومة ستقبل متأخرة ما ترفضه اليوم؟!
مؤشرات وشواهد..
ولنستعرض يا أخي مجموعة من التصريحات التي صدرت عن مسئولين في الحكومة والتي تثبت عدم وجود تصورات أو خطط، وذلك لدى مواجهتهم حركة الإضراب التي أعلنت بعد مرور ستة أشهر على انقطاع الرواتب..
- فحتى الأخ إسماعيل هنية رئيس الوزراء لم يمنع نفسه من السير في نفس السياق؛ وذلك حين أشار إلى أن حركة الإضراب إنما "تخفي وراءها روائح التآمر على حركة حماس"!.. (فمتى إذن يحق للجائع أن يتمرد؟!)
- مسئولون آخرون صرحوا بأن المضربين "ينفذون أجندة خارجية"!..
- وزراء في الحكومة اتهموا الرئيس عباس أكثر من مرة باتهامات اضطرت الحكومة لنفيها ولتوضيح الأمور أكثر من مرة أيضا!
- وأخيرا اهتدى أحد الإخوة الوزراء لحل سحري فانبرى لاتهام الصحافة بـ "الخيانة".. الخ.. وهذا طبعا غيض من فيض التصريحات!..
وعلى مستوى الشارع الفلسطيني كان سهلا على الحكومة نشر قوة المساندة (وكأن القوة هي الحل) والذين حملوا العصي الغليظة لمواجهة أبناء الشعب الفلسطيني، دون تقدير لأثر هذا العمل (حمل العصي) على نفسية الإنسان الفلسطيني، حيث كانت تلك العصا باستمرار رمزا من رموز الاحتلال والسلطات الفاسدة التي سبقت حكومة حماس، وظلت تؤشر إلى عهد تهان فيه كرامة الإنسان!..
وفي رأينا فإن الحكومة لم تفلح في تقدير الأبعاد النفسية لمثل هذا الفعل الذي قد يبدو هينا وهو عند الإنسان العادي جد مهين!.. وخطورته أنه أشّر إلى أن الحكومة الحالية لا تمتلك تصورا وأساساً "أخلاقيا" للحكم خاصا بها، فهي تتبع خطى الحكومات السابقة خطوة خطوة، وعما قريب (إذا بقيت الأمور على ما هي عليه) يمكن لحكومة حماس أن تتحول لواحدة من الحكومات العربية التي تضبط الأمور بالعصا وقوة المساندة!
وفي مقابل الفشل في تحقيق برنامج حكومة حماس سمعنا مقولات كثيرة من قبيل أن "الحكومة منتخبة" وأنها ستكمل مدتها كاملة!.. يحدث هذا بالطبع دون النظر إلى الأوضاع التي آلت إليها الساحة الفلسطينية، حيث تشير استطلاعات الرأي إلى أن أكثر من 40% يودون الهجرة من هذا البلد، وأعتقد بأنهم محقون! بسبب خيبة الأمل على الأقل، ولسان حالهم يقول: لقد انتظرنا حماس طويلا، واليوم حين تسلمت حماس أصبحت أوضاعنا أسوأ.. فمن ننتظر؟!!..
ومن خلال مقولة (الحكومة ستكمل مدتها القانونية) تم القفز على حقيقة أن انتخاب أية حكومة إنما يأتي لتحقيق مصالح المواطن في المقام الأول، وأن من حق المواطن أن يتراجع عن اختياره في أية لحظة ساعيا لإسقاط الحكومة في وقت تعجز فيه عن تحقيق مصالحه..
لكن من الواضح أن الحكومة الفلسطينية قد تعاملت مع الأمر على أساس أن مدة السنوات الأربع هي حق مقدس لها!! وأن قضاءها هو حق غير قابل للنقاش، بل إن البعض قد صرح بالفعل بأن هذه الحكومة للأبد!
إن خطورة ما حدث ويحدث هو أنه أحال الحكم والسلطة من كونها مجرد وسيلة (للتغيير والإصلاح) إلى هدف في حدّ ذاته يتم من خلاله تحقيق ما يعتقد البعض أنه "مصالح" و"حقوق متأخرة" لـ (داخل الدائرة).. متجاهلين حقيقة أننا انتخبنا هذه الحكومة لتحقق مصالحنا نحن الشعب وليس فقط مصالحها هي!!..
وفي سبيل تحقيق أهداف الحكومة تم إذلال الناس وتجويعهم، وتحقيرهم، بادعاء المحافظة على أرض فلسطين من التفريط، وقد نسي البعض أن المحافظة على الإنسان الفلسطيني هو هدف لا يقل سموا عن المحافظة على أرض فلسطين! (أتمنى على الحكومة أن تنتبه للرأي العام قليلا وهو يعبر عن رغبته في مغادرة هذا الوطن أو حتى الانتحار!) وقد كان أمام حكومة حماس أن تحافظ على فلسطين من التفريط والمفرطين من خلال رقابة المجلس التشريعي على حكومة يشكلها غيرها! أو من خلال برنامج سياسي يركز على إقامة دولة فلسطينية في حدود 67، وهو إنجاز كبير لحكومة أن تحققه في ظل موازين القوى العربية والدولية المختلة بشكل غير قابل للصور!
ومن المؤشرات على فشل الحكومة في التعامل مع الأزمة التي ترتبت على تشكيل حماس للحكومة؛ أن الحكومة فشلت في توفير رواتب الموظفين، وأتى ذلك بعد تصريحات من قبل عدد من المسئولين الحكوميين وغير الحكوميين الذين تحرقوا باستمرار لإصدار تصريحات متفائلة تتنافى مع الطبيعة الحذرة التي يجب على كل سياسي أن يتمتع بها!..
الأخ خالد مشعل ،على سبيل المثال، (وعقب فوز حماس وقبل تشكيل الحكومة) عرض الأمور وكأن عهدا من الرخاء سيحل بانتخاب حماس وتشكيل الحكومة..
أما الدكتور الزهار فقد صرح ابتداء بأن الحكومة بحاجة للدعم الخارجي لمدة ثلاثة أشهر فقط تعتمد بعدها على نفسها (ولا ندري كيف تم تقدير هذا الأمر وعلام اعتمد الدكتور الزهار) فيما كان قد صرح في لقاءاته الانتخابية أن جزءا كبيرا من المشكلة الاقتصادية سيحل حين يتم إيقاف رواتب أعداد هائلة من الموظفين الذين يتقاضون رواتب بدون وجه حق، وفيما سمعنا عن تعيين أعداد إضافية؛ دون التفات إلى مصلحة البلد ومصلحة الاقتصاد الفلسطيني، وقد كنا نأمل من الحكومة أن تقدم مصلحة البلد على مصلحتها الخاصة على الأقل في بداية عهدها، وأن تختار الآجل من المبادئ لا العاجل من المنافع! مع اعترافنا لحماس بحقها في توظيف أعداد من أبنائها في ظروف تكون ملائمة لأحوال البلد.
أما الأخ رئيس الوزراء إسماعيل هنية فقد ارتكب العديد من الأخطاء هو أيضا، أولاها أن الحكومة لم يكن لها بداية (واستمرت ولازالت) بدون برنامج واضح ومحدد!.. حتى على المستوى الأمني في قطاع غزة لم نر خطوة واحدة تثلج صدر الإنسان العادي! وقد كنا نتوقع أن تقوم حماس بانتهاج نهج متشدد في مواجهة قوى التسيب على كل مستوياته خصوصا العائلية منها!
كذلك أخطأ الأخ رئيس الوزراء في عدم طرح مبادرة سياسية تلقي بالكرة إلى ملعب الخصوم (وهم كثر!) وبقي ،كما كان دائما، على رأيه من أن حكومته منتخبة، وواظب على التصرف وكأنه لازال يمثل حركة حماس وليس الشعب الفلسطيني بأكمله!
ما يغيظ في تصريحات رئيس الوزراء (وليسامحنا أخونا أبو العبد) أنها كانت غائبة ومنبتة بالكامل عن الواقع الفلسطيني الذي يعاني آلام الجوع، ومن وجهة نظرنا فإن جزءا كبيرا من الأخطاء ارتكبها رئيس الوزراء في خطب جمعة أو في أحاديث ذات طابع جماهيري (الحديث للجماهير هو بطبيعته ذاو توجهات عاطفية)..
فمن تصريحاته باعتماد الزيت والزعتر (وهذا لم يعد متوفرا في الأوضاع الحالية)..
إلى تصريحه في الأيام الأخيرة بأن حكومته باقية لكامل مدتها (4 سنوات) ليعود بعد يومين فقط للقبول بمبدأ حكومة الوحدة الوطنية!..
إلى تصريحاته العديدة بشأن الرواتب، حتى أصبحت الحكومة فكاهة المجالس في عدم صدق تصريحاتها!!..
كذلك فإن من جملة الأخطاء التي ارتكبها رئيس الوزراء في معالجة إضراب الموظفين ما قام به أمام عدسات التلفزيون من المشاركة في حملة نظافة! ردا على إضراب المضربين.. ومن خلال هذا المشهد بدا رئيس الوزراء متسلطاً متجبراً! (وليسامحني مرة أخرى الأخ أبو العبد) إذ ظهر محاولاً كسر إضراب فئة مسحوقة أعلنت الإضراب بعد أن تعذر عليها الحصول على لقمة العيش..
ومن الواضح هنا أن الحكومة لم تستطع أن تميز أمراً في غاية الدقة والحساسة، فهي لم تفرق بين عصيان يعلن على الحكومة بدون سبب وبين إضراب هو مبرر بشكل كبير (مبرر حتى من قبل الحكومة ذاتها) لأنه جاء بعد ستة أشهر كاملة على عمل الحكومة، ولأنه جاء للمطالبة بلقمة العيش لا يمكنها أن تنتظر!.
بعض من أخطاء الحكومة في معالجة إضراب الموظفين
في معالجتها لإضراب الموظفين ارتكبت الحكومة العديد من الأخطاء القاتلة، والتي مسّت بالوجه الإنساني للإنسان الفلسطيني وأهدرت كرامته وكبرياءه!
في المرحلة الأولى من الإضراب تم السخرية من آلام المضربين واستهجان أن يطالب الموظف براتبه، بل إن لهجة الرأي العام الداعم للحكومة سخرت من أولئك الذين "جاعوا خلال فترة قصيرة"!..
.. ليبدأ (أنصار الحكومة) بحملة من المقارنات مع الحكومات السابقة، والادعاء بأن المضربين طالما صمتوا زمن الحكومات السابقة فلماذا يفتحون أفواههم الآن؟!
نشير هنا إلى أن مقارنة إنجازات الحكومة الحالية بالحكومات السابقة قد أصبح نهجا، وآخرها تصريحات الدكتور الزهار بتاريخ 26/9 بأن إنجازات هذه الحكومة أكبر من إنجازات الحكومات السابقة!..
ومن جملة الأخطاء التي ارتكبتها الحكومة: تصوير الإضراب بأن له "دوافع غير وطنية" وبأنه ينطلق من "دوافع خارجية" وفق "أجندة وضعها آخرون" لـ "إسقاط الحكومة"!.. وقد تم تصوير الأمر وكأنه "خيانة" للدين والوطن!
وهنا بدا وكأن الحكومة ترفض رفضا باتا "احتمال" التخلي عن السلطة، مع أن التخلي عن السلطة وتداولها هو جزء من اللعبة الديموقراطية! وبدا للحظة وكأن الحكومة تطبق فعلا ما اعتقده البعض ذات يوم من أن الإسلاميين هم "ديموقراطيون لمرة واحدة"!.. وتجاهلت الحكومة حقيقة أن من حق الشعب إسقاط الحكومة لأي سبب يرتئيه محققا لمصالحه؛ وذلك من خلال الأسلوب الديموقراطي، وتجاهلت أيضا أنه ومن الناحية الديموقراطية من حق "فتح" أو غيرها إسقاط الحكومة على خلفية فشلها في خدمة مصالح المواطن بغض النظر عن أسباب ذلك الفشل..
وهنا ينبغي علينا ،كمواطنين، أن نتساءل عن تقبل فتح للتنازل عن السلطة لحماس بسبب أخطاء ارتكبتها فتح، فيما حماس ترفض هذا الاحتمال؟!
أما عن الشيء الأشد إغاظة فيما يتعلق بإضراب الموظفين فهم أولئك الأشخاص الذين كانوا يعتلون المنابر في كل خطبة جمعة ليتحدثوا عن الإضراب مستهجنين، داعين إلى كسره، وإلى الاستعانة بأشكال التضامن بين الناس (والاستعانة بسورة الواقعة التي تقي من الفقر)! وبالتدقيق في أحوال أولئك الخطباء كان واضحا أنهم لا ينتمون إلى الشريحة المتضررة، حيث هم موظفون يتقاضون رواتبهم من مؤسسات أهلية معروفة..
ومن وجهة نظري فإن هذا الأمر هو غير عادل وغير منصف أيضا!..
..ما أود إضافته هو هنا أن حركة حماس تقوم بتوزيع مساعدات غذائية على عناصرها وأنصارها فقط وذلك في ساعات متأخرة من الليل! وهذا أيضا يتنافى مع حقيقة أن هذه الحكومة (بصفتها حكومة حماس) يجب عليها أن تحس بأنها مسئولة عن كل الشعب.. وإلا فأين هي الأسس الأخلاقية التي يستند إليها حكم يعلن باستمرار أنه قام على الدين؟! أين الدين في أن يعطى البيت الأول والثالث دون الثاني لأنه ليس من "المقربين"؟!!!
ماذا بعد؟؟
لا أتوقع أن تحوز هذه الرسالة رضا أحد من إخواني في الحكومة الفلسطينية، مع أن دافعي الأول لكتابتها هو الرغبة في المحافظة على الحلم الذي عشته وعشناه لسنين طويلة: أن نرى حكومة إسلامية تحكم بما أنزل الله من العدل والمساواة، وأن تتحمل مسئولية من تعول!..
لكن الأخطر آت .. لا قدّر الله..
إن اعتلاء حماس السلطة يفتح بابا من المخاطر بقدر ما فتح للأمة طاقة من أمل!..
إذ يعتبر نموذج حكومة حماس هو النجاح الأول لحكومة إسلامية في العالم السني تأتي بطريق ديموقراطي وباختيار الجماهير، ولأجل أن نكون منصفين فإن هذا هو السبب الوحيد الذي جعل الجميع يتكتل لإسقاطها، كي لا تشكل سابقة في منطقة هي مهيئة أصلا لإنتاج مثل هذا النموذج من الحكومات!..
لكننا ،وللأسف، نشهد انحرافا لهذا النموذج عن "المبدأ" لصالح "المصلحة" وهو ما يهز الأرض من تحت أقدامه، ويجعله دليلا على فشل الحكومات التي يشكلها الإسلاميون!..
من الجهة الأخرى فإن الاستمرار في النهج الحالي الذي تنتهجه حكومة حماس (نهج يرى الأمور ويتعامل معها على المدى القصير، ونهج عدم البحث عن بدائل) إنما يحمل مخاطر عظيمة على الشعب الفلسطيني..
ودعونا نعترف هنا بأننا (كشعب) واجهنا كل خيبات أمل الماضي بأمل أن تأتي حكومة حماس لتنتزع الشر من الأرض مرة واحدة، ومع رؤية نتائج هذه الحكومة فإننا لم نعد نأمل في أي شيء إلا عودة الأوضاع إلى ما كانت عليه!.. لم نعد نأمل في إصلاح، لأننا وجدنا أن كل إصلاح هو في غير صالح المواطن..
..نشير هنا إلى حالة الفلتان الأمني التي استشرت، ونشير بشكل خاص إلى عملية اغتيال جاد تايه والمرافقين الأربعة، والتي تمت على يد فرقة إعدام وبدم بارد.. إن هذه الحادثة بالذات وأمثالها ستكتب بدايات الحرب الأهلية في فلسطين، وإن على الحكومة واجب كشف الجناة وتقديمهم للعدالة بغض النظر عن أية تبريرات.. فليس هناك ما يمكنه أن يبرر سفك دم الأبرياء، ولا ما يبرر غياب العدالة!
وأخيرا..
هل تمتلك الحكومة رؤية جديدة تخالف ما طرحناه هنا؟
هل تمتلك الحكومة القدرة على مخالفة ما أعتقد أنه مسجل في جيناتنا كحركة إسلامية من: انفعالية وانغلاق وجمود؛ فيقدر لها الانفتاح على المجتمع واحتضان المواطن كما توقعنا وأملنا باستمرار؟!
هل لهذه الحكومة ،الرشيدة بإذن الله، أن تتوقف عن اعتبار بعض الشعب أبناء لها فيما الآخرون هم أبناء الآخرين؟!..
وهل لها أن تستمع إلى رأي مخالف دون أن تعتبره "مارقا" "شيطانا" "ينفذ أجندة خارجية أعدت سلفا لإسقاط الحكومة".. لأنني أنا أيضا أعتبر نفسي ابنا لهذه الحكومة!
نتمنى أن تكون كلماتنا قد وصلت إلى من نرغب بوصولها إليهم..
وأن تصل إليهم بالكيفية التي أردناها، وهي في كل الحالات: رغبة عارمة أن تنجح هذه الحكومة في أداء مسئولياتها، لأن فشلها يعني لجميعنا نهاية فترة الحلم الجميل وابتداء مرحلة الكوابيس!
نتمنى أن نتلقى ردا على هذه الرسالة وألا يكون مصيرها مثل سابقتها..
كذلك نتمنى عليكم إيصالها ،إن أمكن، للأخ خالد مشعل لعدم قدرتنا على إيصالها إليه. ولكم جزيل الشكر
المخلص
محمد صبحي السويركي
كاتب وباحث فلسطيني