الثلاثاء: 01/10/2024 بتوقيت القدس الشريف
خبر عاجل
غارات إسرائيلية تستهدف الضاحية الجنوبية

في نابلس حكاية: غرفة لـ 8 افراد 3 منهم معاقين والباقي فاته التعليم

نشر بتاريخ: 09/08/2011 ( آخر تحديث: 09/08/2011 الساعة: 15:13 )
جنين- معا- بين جدران مفعمة بالماضي العريق وبروائح الخبز والزعتر والبهارات، تُختزل جدرانٌ أخرى وحكاياتٌ أخرى وروائح أخرى أيضاً، عالم مختلف تماماً عن كل ما يمكن لنا إدراكه عن البلدة القديمة في نابلس، من جمال وأصالة وتاريخ ممتد، هو عالم الفقر والعوز، عالم الإعاقة والجهل المجتمعي، عالم من الضياع المترامي خلف باب حديديٍ صدء يقطن وراءه أكثر من 8 أشخاص في غرفة واحدة ضاقت بها المساحات أن تحتويهم، فتخلى ساكنوها عن فواصل وجدران بينهما.

وغدا المطبخ وغرفة المعيشة والحمام وغرفة نوم الأب والأم وغرفة نوم الأطفال في غرفة يتيمة واحدة فقط، واختفت معالم أخرى لكل شيء، فلم نلمح أثراً لخزانة، ولم نشاهد ثلاجة أو غسالة، ولم يبد لنا أن في هذه الغرفة الضيقة سرير للنوم، بل كومة متراكمة من فرش متعددة الاستخدامات.

|140624|ناجح عبد الرزاق جعارة رب هذه الأسرة ومعيلها الوحيد، يعتمد في رزقة على العتالة، فيصيب الرزق يوماً ويخطئه أياماً، ليعود إلى منزله "غرفته" لا يحمل سوى بضع أزرار من البندورة يتقاطفها أطفاله بلهفة الجائع، لتسكت فيهم لحظة جوع غادرة.

ولا تتوقف فصول الحكاية المنسية بين جدران البلدة القديمة عند حدود المساحات والإمكانيات، بل تتجاوزه إلى حدود أخرى، فناجح يعيل 6 أطفال، يعاني أحدهم من تخلف عقلي شديد، يجعله بحاجة ماسة للرعاية والأدوية والمتابعة التي يقف غياب المال في وجه توفرها، كما يعاني بعضهم من صعوبات في التعلم ومشاكل في النطق، ويتخلف الآخرون عن اللحاق بركب التعليم، لنحصى أثناء "تجوالنا" بين أثاث مأساته أن ثلاثاً من بناته فاتتهن المدرسة، إثر وعكة مادية دائمة تركت أمام والدهن قراراً لا مفر منه، وهو الاستغناء عن تعليمهن.

هذا التبعثر الذاتي بين مرادفات اللغة والحكاية، لم يكن هيناً أمام حقائق أخرى سردها علينا ناجح، فهذه الغرفة برائحة الفقر القاتلة بين جوانبها وبخلوها تماماً من أي أثاث يذكر، وباحتضانها قسراً لثمانية أفراد، يعاني ثلاثة منهم إعاقات عقلية متبانية الحدة، وثلاث فتيات احتواهن قطار الفقر بدلاً من قطار العلم، وبوالد أعجزه عمله عن أن يرفع في عائلته شيئاً من أمل كما يرفع أثقاله وأحماله، هذه الغرفة المختبئة في حرج بين جدران البلدة القديمة، تستنزف من ناجح 600 دينار سنوياً، ثمناً لإيجارها .

|140622|إحدى القصاصات المبعثرة التي علمنا بها من عاملات برنامج التأهيل المجتمعي، أن أحد أطفال ناجح، أصيب يوماً في قدمه إثر ارتطام، ونظراً لضيق ذات اليد وعدم اللجوء إلى الرعاية الصحية للسبب ذاته، فقد تحولت الإصابة إلى إعاقة دائمة.

يُذكر أيضاً للتاريخ وللوطن وللذاكرة، أن ناجح ليس وحده في هذه الدنيا، الذي تختتفي مأساته وراء جدران مغلقة، وأن علينا ذات يوم أن نطرق أبواباً غير أبواباً لنعرف أين نحن من هذا العالم، يُذكرُ أيضاَ أن قدرتنا على التخيل تتجاوز حدود الإدراك عندما نحاول أن نرى بنات جابر _ زوجات وأمهات الغد_ دون تعليم يذكر.