الجمعة: 15/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

حوراني:يجب الحفاظ على ما تبقى حتى نستفيد لاحقًا من التطور الإقليمي

نشر بتاريخ: 13/08/2011 ( آخر تحديث: 13/08/2011 الساعة: 12:41 )
رام الله- معا- عرض المفكر الفلسطيني فيصل حوراني تطورات الفكر السياسي الفلسطيني منذ نشأته في العام 1918 حتى الآن، ودعا إلى التعرف على سمات هذا الفكر والاستفادة من عبر تطوره، وحث على تعميم المقاومة الشعبية حتى تكون فاعلة ومؤثرة، وإلى عدم المغالاة في التعويل على الدول العربية والإسلامية دون إهمال أهمية ذلك.

جاء هذا خلال لقاء نظمه المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية يوم أمس في مقره، بحضور خمسين شخصية غالبيتهم من الشباب.

وأداره هاني المصري المدير العام للمركز، الذي رحب بالمشاركين، منوهًا بأننا أمام مرحلة توشك على الانتهاء ومرحلة توشك على الولادة، ما يستوجب علينا استخلاص الدروس والعبر من التجارب السابقة لكي ننجح في المرحلة القادمة، ومشددًا على أهمية الحوار وتبادل الآراء والأفكار.

وبدأ حوراني مداخلته بالتمييز بين موجتين أساسيتين مرّ بهما الفكر السياسي للحركة الوطنية الفلسطينية في القرن العشرين، موجة الرفض الكامل للمشروع "الصهيوني"، وموجة أخذ نتائج هذا المشروع بعين الاعتبار، والعمل على إنقاذ ما يمكن إنقاذه من أرض الشعب الفلسطيني وحقوقه.

وبين حوراني أن أهم ما وسم هذا الفكر لسنوات طويلة تمثل في التجريبية، والارتباط بمجرى النشاط السياسي العملي، بعيدًا عن التنظير المتأني والتأمل الهادئ. وأشار في هذا السياق إلى أن حصة الفلسطينيين من ثمرات حركة التنوير العربية وحركة الاستقلال العربي كانت قليلة في مواجهة خطرين معًا، خطر الاحتلال البريطاني وخطر المشروع "الصهيوني".

"يا كلها يا بلاها"

وخلال توصيفه لموجة الرفض، التي امتدت منذ ما قبل 1948 حتى منتصف سبعينيات القرن العشرين استحضر حوراني واحدة من أهم سماتها تجلت في الانفصام بين ما قد يبثه الفكر وبين ما تتبعه الممارسة، وغلبة الشعارات التي لم تعالج الواقع إلا بعدم تقبله.

واستعرض حوراني سمات تطور الفكر السياسي قبل عام 1948 وعدد عشرة منها، وهي: أولًا، التعويل على الدور العربي والإسلامي في حماية فلسطين، والمبالغة فيه؛ ثانيًا، التناقض بين رفض المشروع "الصهيوني" وبين الرغبة في توطيد التعاون مع بريطانيا راعية هذا المشروع؛ ثالثًا، استمرار عدم اعتبار بريطانيا العدو الأول في المعادلة أو على الأقل أحد الأعداء؛ رابعًا، عجز الحركة الوطنية عن إدراك أهمية تمثيلها كافة المواطنين بمن فيهم اليهود، الذين تعدّهم هي ذاتها فلسطينيين، وجعل هذه القيادة ذاتها بذاتها ممثلة لطرف واحد في البلاد، وليس للبلاد بأسرها؛ خامسًا، القصور في عقد التحالفات النافعة في سياق حل القضية الفلسطينية والدخول في تحالفات ضارة؛ سادسًا، المبالغة في تصوّر حجم الاهتمام العربي أو الإسلامي بفلسطين وشعبها.

سابعًا، غلبة روح التهيّب من استخدام العنف وسيلة لتحقيق المطالب الوطنية، وحين أُخِذَ ذلك بعين الاعتبار في العام 1936 الذي شهد بداية الثورة الوطنية الكبرى في فلسطين قبل1948، أتى أوانه متأخرًا، بعد أن أرسى الكيان "الصهيوني" قواعده؛ ثامنًا، النخبوية المدينية في الحركة الوطنية الفلسطينية، وإغفال تمثيل الجمهور العريض في مؤسساتها، واعتباره مجرد تابع عليه تقديم الولاء لقادة الحركة الوطنية لا أكثر؛ تاسعًا، إهمال أهميّة وجود سلطة وطنية للفلسطينيين تدير شؤون البلاد. أما عاشرًا وأخيرًا: تغليب التصوّر النهائي لمصير فلسطين على مستلزمات أي وضع مرحلي، ما أدّى إلى القصور في مواجهة المستجدّات المرحلية، واتباع شعار "يا كلها يا بلاها".

"الحركة تنشأ بقرار وتتلاشى دون قرار"

أضاف حوراني أنه لم يبق بعد العام 1948 من الحركة الوطنية إلا الفتات، وأن الفكر السياسي صار أسير الفكر السلفي والفكر القومي السائدين في بلاد الشتات، حيث بهت صوت الدعوة إلى التمايز الفلسطيني ولم ينتعش إلا في أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات، إثر الانفصال بين سورية ومصر وانتصار الجزائريين في حربهم ضد الاستعمار الفرنسي دون الاعتماد على الجهود العربية، فبدأت الحركات الفلسطينية الوطنية بالتأطر، الذي تُوّج بتأسيس منظمة التحرير الفلسطينية في العام 1964، وإطلاق الرصاصة الأولى عام 1965.

وعرض حوراني الظروف التي أمْلت إنشاء الميثاق القومي ثم الوطني، وما تميز به كل منهما.

ويرى حوراني أن هذه الموجة التي انتعشت في ستينيات القرن المنصرم اتسمت بالإمعان في إبراز تميز الدور الفلسطيني من جهة، والشطط في تأليه السلاح من جهة أخرى والاستهانة بالعمل السياسي والجيوش النظامية، وظل الفكر تجريبيًا.

وأضاف: لقد شهدت أوائل السبعينيات، إثر الصدامات التي نشبت بين الحركة الوطنية الفلسطينية في لبنان والأردن والحركات المناوئة والنظامين السياسيين في هذين البلدين، توجه الفكر السياسي الفلسطيني نحو العقلانية ونبذ التزمت، ليبدأ التحوّل الإيجابي باتجاه المطابقة بين المطالب الوطنية والواقع الذاتي والإقليمي والدولي والقوانين والقيم الدولية إلى التسوية.

ونبه حوراني إلى خلل شاب هذا التطور حين اتسم الترويج له بالاعتذارية، الخلل المستمر لغاية الآن، وأكد أنه لا يجب السعي لهدف صحيح والشعور بالإدانة لفعله، وقال إن منتقدي التوجه نحو التسوية السياسية اعتبروا ذلك استسلامًا للعدو وتفريطًا بالحقوق الوطنية، في حين كان الواجب اعتبار هذا التوجه نهجًا أرقى من وممارسة الكفاح من أجل التسوية بما هو الكفاح المطلوب.

وفي توصيفه للوضع الراهن، استحضر حوراني الظاهرة المتكررة في الحياة السياسية الفلسطينية، حيث تنشأ هيئات ومؤسسات بقرار وتتلاشى دون قرار، كما استحضر سمة أخرى تكررت قبل 1948 وبعده، حيث كانت القيادة الوطنية ترعى نشاطات مسلحة وتستنكر وقوعها في الوقت ذاته، وأكد "أنه لا يمكن الحصول على مكاسب مما لا تتبناه"، وضرب أمثلة مما جرى في انتفاضة العام 2000.

حديث حوراني تلاه أسئلة الحاضرين ومداخلاتهم، وهذه ترَكَّزَ بعضها على الأسباب التي أدت إلى التحولات المختلفة في الفكر السياسي الفلسطيني، ولماذا اتسم هذا الفكر بالتجريبية لفترة طويلة من الزمن، وبعضها الآخر تركز على أهمية الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ولماذا اعتبر المتحدث التوجه نحو التسوية نضجًا، بالإضافة إلى أسئلة ومداخلات تتعلق بالربيع العربي، والمقاومة الشعبية، والنظام السياسي، والعلاقة بين بنية المجتمع أو المجتمعات، وبين درجة تطور الفكر السياسي، والخيارات المطروحة حاليًا حول تأسيس الدولة الفلسطينية مستقبلًا، ودور فلسطينيي 1948 بعد العام 1967 إلى الآن في تطور الفكر السياسي، وإمكانية نشوء فكر فلسفي ثوري يناسب تطورات المرحلة، ولماذا لا يتم فتح الطريق أمام الخيارات والبدائل الأخرى، مثل خيار الدولة الديمقراطية.

وفي إجاباته وتعقيباته على ماسبق، وضحّ حوراني أنّ الفكر ظلّ تجريبيًا لأنه لم ينشأ لأن البنية التي نشأ فيها لم يكن تشكلها قد اكتمل، ولأن الوضع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي لم يتح ما هو أفضل مما كان، ولم يتفرغ أي من القيادات للتأمل الفكري الفلسفي بعيدًا عن النضال في الحركة الوطنية.

وقال حوراني إن السلطة التي أنتجها اتفاق أوسلو ليست إلا إدارة شؤون سكان محدودة، مُسَيطَر عليها من قبل الاحتلال، ومفهوم ممارسة السلطة جديد على الفلسطينيين، الذين عاشوا قبل أعوام النكبة والانتداب تحت سلطات مختلفة. أمّا خيار الدولة الديمقراطية الواحدة، هذا الذي طرحه الفلسطينيون بطبعات عدة قبل العام 1948 وبعده فإن تحقيقه افتقر إلى الشروط التي تأذن بعيش الجانبين العربي واليهودي في دولة واحدة، وافتقد خصوصًا وجود يهود مقتنعين.

وحول المقاومة الشعبية، قال حوراني: إنه لا يكفي الثناء عليها والتغني بها بل لا بد من تعميم النموذج القائم الآن ليشمل البلاد، وبغير ذلك ستبقى حبيسة مناطق محدودة، ودور القيادة الوطنية يتجلّى في تعميم النهج الذي تتبناه والتواجد في صدارة المتصدين لإنجاحه. أمّا التوجه نحو التسوية فهو تطوّر إيجابي في القضية الفلسطينية لا يحتاج إلى تبرير؛ لذا على القيادات التوقف عن معزوفة الاعتذار التي ترافقها في كل خطوة.

ووصف حوراني ما يجري في عدد من البلدان العربية مما يوصف بالثورات بأنه تطور ملتبس تتداخل فيه القوى والدوافع والأساليب والأهداف، وقال إن من شأن الفلسطينيين أن يقفوا إلى جانب كل ما يمكن أن ينتج ثمارًا ديمقراطية، وإن الصراع مفتوح على احتمالات شتى، ويهمنا أن ينجح من بينها الخيار الديمقراطي الوطني، وأن تكتمل به الثورة الوطنية الديمقراطية. فالصراع حاليًا مفتوح على احتمالات كثيرة، فيجب التأنّي وتجنب تضخيم الأمور والكف عن تعليل النفس بالأوهام. وأشار حوراني إلى أننا بلغنا وضعًا لا تتجدد فيها النخب، وهذا يضع على عاتق القابضين على الجمر من الشباب وغيرهم أعباء مضاعفة ومعقدة لتبقى وقدة الكفاح، إلى أن ينشأ وضع إقليمى وآخر دولي جديدان يبيحان استئناف جريان الدم النقي.