الإثنين: 23/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

"سرقة الافكار" مهنة دارجة لمحترفين يحولونها لمشاريع ممولة

نشر بتاريخ: 14/08/2011 ( آخر تحديث: 15/08/2011 الساعة: 11:01 )
رام الله- معا- "للافكار اجنحة" هذا ما قاله المخرج السينمائي المعروف يوسف شاهين في فلم المصير، لكن في الحالة الفلسطينية نجد من يقول بان هناك مهنة جديدة عنوانها سرقة "الافكار" وتحويلها في معامل "السارقين" الى مشاريع وبرامج تمويلية للجهات الدولية المانحة ليس ذلك فحسب بل انهم يتفاخرون بانهم هم اصحاب هذه الافكار دون الاشارة الى مصدرها الرئيس.

واشتكى العديد من النخب والمسؤولين والمثقفين المحليين في احاديث منفصلة لـ(معا)، من وجود مثل هذه الظاهرة التي يطلقون عليها اسم " سارقو الافكار"، موضحين ان عملية السرقة تتم علانية دون خجل وتتم تفاصيلها عبر ما يسمى باللقاءات الثنائية ان الجلسات التي تعرف بـ"العصف الذهني" التي تنظمها مؤسسات اهلية او موظفون يتولون مسؤولية برامج دولية تنفذ في الاراضي الفلسطينية.

وتبدأ العملية التحضيرية لسرقة الافكار من خلال الدعوة الى اجتماعات مصغرة لنخب محلية في مجالات اقتصادية واجتماعية واعلامية وثقافية تحت يافطة اثارة النقاش حول قضايا محددة بعناوين مختلف وبعد طرح مجموعة من الاسئلة خلال تلك اللقاءات او الجلسات يقوم الشخص المعني بتنفيذ عملية "السرقة" بتجميع وكتابة كل ما يقال في تلك الجلسات دون توضيح الاهداف الحقيقية لعقدها، ويقوم بعد ذلك بنقلها الى معمله او مختبره ليحلل هذه المعلومات والاراء والافكار واختيار ما يلائم منها لاهداف الجهات التمويلية ليقدمها فيما بعد على انهاء مشاريع تمويلية يمكن تنفيذها في الاراضي الفلسطينية تحت عناوين مختلفة، مع حرص هؤلاء على تجنب دعوة اصحاب الافكار الاصلية او حتى اشراكهم في تلك البرامج والانشطة تحسبا من انفضاح امره وكشف اللعبة التي قام يتنفيذها لكي يعزز مكانته امام الجهة الممولة لبرامجه ومشاريعه.

وقال الاعلامي عبد الرحيم عبد الله الذي عاد قبل فترة من الولايات المتحدة الامريكية في اطار دراسته درجة الماجستير في ادارة المؤسسة الاعلامية، " حقيقية انني اعاني من موضوع اشعر بخطورته ويتمثل في سرقة الافكار، الى حد انني اصبحت اتردد في طرح اية فكرة"، مشيرا الى انه في الكثير من الاحيان يتحدث عن فكرة معينة ويتفاجأ في وقت قصير بان احدى المؤسسات تعمل على تنفيذها خاصة تلك المؤسسات التي تكون موازنات مالية جاهزة وتبحث عن افكار لتنفيذها.

واضاف "المشكلة ان عملية سرقة الافكار تتم دون الاشارة الى اصحابها ويبدو ان هذا نمط سائد في وطننا"، مؤكدا الحاجة لوجود جهة ما تتولى العمل من اجل حماية الحقوق الفكرية وحقوق افكار الافراد.

وتابع "في الكثير من البلدان هناك جماعات تسمى بجماعة صانعي الافكار حيث يقدمون افكارهم مقابل اموال يحصلون عليها في حين الواقع عندنا مغايرا تماما فاشعر بان هناك من يقوم بسرقة الافكار وترويجها على اساس انه منتجها دون الالتزام بالحد الادنى للاصول العلمية وحقوق الملكية الفكرية".

واضاف عبد الله "اشعر بان هناك جهات ومؤسسات تعقد ورش عمل بهدف توليد الافكار وتحويلها فيما بعد الى مشاريع لاستدراج التمويل فقط"، مؤكدا ان المشكلة الاكبر بان هؤلاء يقوموا بسرقة افكارك لكنهم لا يعرفوا كيفية تطبيقها الامر الذي يؤدي الى تشويه هذه الافكار بصورة مخالفة تماما للفكرة الاصلية.

ويتفق الناشط في المجتمع المدني، عارف جفال، مع ما قاله عبد الله بخصوص سرقة الافكار لكنه يضيف على ذلك بان عملية سرقة الافكار تتم لاغراض التمويل، مشيرا الى ان الاشخاص اصر على الاجتماع معه للحديث حول مواضيع مختلفة وطرح عليه العديد من الاسئلة وبعد فترة من الوقت اكتشف ان افكاره تحولت الى مشاريع وبرامج يجري تنفيذها دون الاشارة الى اسمه.

واضاف جفال "حقوق الملكية الفكرية منتهكة حيث يقوم سارق الافكار بترجمتها الى مشاريع وانشطة ويدعي امام الجهات المانحة بانه صاحب هذه الافكار ليتحول ذلك السارق الى المستفيد الرئيسي.

ولم يجد جفال امامه من خيار سوى ممارسة الحذر الشديد في طرح افكاره علانية تخوفا من وجود اشخاص "سارقو الافكار" الذي يحرصول على المشاركة في الاجتماعات واللقاءات العامة لاقتناص اية افكار تفيدهم في بلورة مقترحات لمشاريع متنوعة ومختلفة ويقدمونها للحصول على التمويل.

وقال جفال "من السهل جدا ان تجد مؤسسة اليوم تنشط في موضوع معين ان تغير عملها الى مجال اخر حسب اغراض التمويل".

ويرى جفال ان نشر وتوثيق هذه الافكار قد تكون احد الوسائل المتاحة لحماية الافكار من السرقة ، مؤكدا في الوقت ذاته ان مجتمعنا الفلسطيني بسيط ويعطي الافكار بالمجان لذلك من السهل ان نجد اشخاص يحترفوا مهنة سرقة الافكار لانهم اصبحوا يعتاشوا من وراء ذلك ".

ويتفق الحقوقي والمحامي معن ادعيس، الذي انجز دراسة بعنوان التوازن بين حقوق الملكية الفكرية والحق في الصحة، مع وجود اشكاليات حقيقية في موضوع الملكية الفكرية في الاراضي الفلسطينية والتي تتمثل بالاساس في ان التشريعات ذات العلاقة قديمة وبحاجة لتطوير بما يتلائم مع التطور الحاصل على المستوى الدولي والاتفاقيات الدولية بهذا الخصوص.

وقال " الافكار اذا خرجت بشكل مادي وملموس فانه يمكن حمايتها، اما اذا كانت افكار غير ملموسة فانه من الصعب حمايته"، موضحا انه سرقة الافكار وتحويلها الى برامج وانشطة يمكن ان تدخل في موضوع حقوق الملكية الفكرية في اطاره الواسع ويمكن اعتبار سرقتها جزء من التعدي والانتهاك لحقوق منتجيها.