رئيس جامعة بيرزيت يناقش معضلات التعليم العالي في فلسطين

رام الله- معا- أكد رئيس جامعة بيرزيت د. خليل هندي على أنه هناك فهم خاطئ للتعليم العالي ودور الجامعات في المجتمع الفلسطين.

واوضح أن العديد من السياسيين والمهنيين ينظرون إلى الجامعات باعتبارها مصانع إما للشهادات أو للعمال. فالبعض يعتقد أن دخول الجامعة لا بد أن يؤدي تلقائياً للحصول على الشهادة الأكاديمية، مما يقوض جودة الأداء الأكاديمي للجامعات. أما البعض الآخر فيعتبر أن دور الجامعة يكمن في التصرف كمؤسسة تدريبية تؤهل الطلبة للاندماج في سوق العمل ويأخذون على الجامعات الفلسطينية عدم توافق مخرجاتها من احتياجات سوق العمل.

جاء ذلك خلال ندوة فكرية عقدها د. هندي مؤخرا تحت عنوان: "معضلات التعليم العالي في فلسطين"، وذلك في قاعة المحكمة العثمانية.

أما عن مشكلة البحث العلمي في الجامعات الفلسطينية فتطرق إلى عدة مشاكل لعل أبرزها: انقطاع الهيئة التدريسية عن المجتمع العلمي العالمي نتيجة انحسار الأنشطة البحثية لأفرادها وعدم الاحتكاك بالعلماء والمفكرين في المجالات العلمية المختلفة، إضافة إلى أن نظام الحوافز، والارتباط بالكادر الموحد، يساهم في عزوف الهيئة التدريسية عن العمل البحثي ، نظراً لأن العائد المالي للعمل على دراسات واستشارات خارجية أعلى بكثير. كذلك فإن قيام الجامعات بإنشاء المراكز البحثية أدى إلى فصل البحث العلمي عن التدريس، وانخفاض جودة الأبحاث المنفذة من قبل هذه المراكز وأخذها طابع أوراق سياساتية بدلاً عن الأبحاث العلمية.

وعن نماذج التعليم العالي، فقال د. هندي: أن هذه النماذج تتقاطع مع بعضها في صفات معينة، إلا أنه بالإمكان الحديث عن نموذجين: الأول هو نموذج التعليم العالي الجماهيري والثاني هو التعليم العالي النخبوي. في النموذج الأول يسعى المجتمع إلى توفير التعليم العالي لكافة الأفراد انطلاقا من مبدأ أن الأفراد الذين يحصلون على التعليم العالي يمتلكون قدرة تحصيلية أعلى ويكونوا أقل عرضة للبطالة، كما أن دعاة هذا النموذج يحاججون أن التعليم العالي يحمل آثاراً عابرة للأجيال مما يجعل من أبناء خريجي التعليم العالي أكثر ثقافة وأكثر قدرة تحصيلية وأقل عرضة للبطالة.

أما التعليم العالي النخبوي فيعتبر دعاته أن التعليم العالي الجماهيري يفقر المجتمع من الموارد البشرية التي تعمل في القطاعات الاقتصادية الوسيطة كالحرفيين، مما يتسبب بفقدان موارد رئيسية في عملية التنمية الاقتصادية، لذلك فإن أصحاب هذه المدرسة يدعون لخلق كوادر عالية التأهيل من خلال التعليم الجامعي، بما يمكن المجتمع من اللحاق بركب اقتصاد المعرفة من خلال استهداف الأفراد ذوي القدرة الأكاديمية والعلمية العالية وتوفير فرص التأهيل الأخرى لباقي الأفراد.

وبين هذين النموذجين النقيضين هناك نماذج مهجّنة تسعى لتوفير التعليم العالي بشكل جماهيري، بينما تركز على توفير مؤسسات تعليم نخبوية للأفراد المتميزين بما يمكنهم من قيادة عملية التنمية. مثل هذا النموذج ينتشر في الدول الغربية حيث تتوفر فرص التعليم العالي للجميع بينما تكون هناك جامعات متميزة توفر تعليما نخبويا. نرى تطبيق هذا النموذج على قطاع التعليم العالي في الولايات المتحدة حيث توجد أنواع مختلفة من الكليات والجامعات، في حين تتميز جامعات بعينها كجامعتي ستانفورد وهافارد.

أما عن أهم المعضلات التي تواجه التعليم العالي في فلسطين، فحددها د. هندي بخمس مشاكل أساسية هي: 1. عدم القدرة على تجنيد الهيئة التدريسية في الجامعات الفلسطينية حيث أنها لا تستطيع توظيف سوى الفلسطينيين الذين يحملون الهوية الفلسطينية والذين يستطيعون الإقامة في البلاد مما يقلص بشدة إمكانية رفد الجامعات بالخبرات العالية والباحثين المتميزين. 2. انحسار الدور الريادي للحركة الطلابية لكن انحسر مع ازدياد نفوذ الحركات السياسية وسيطرتها على الحركة الطلابية، وأصبحت الحركة الطلابية تتبع نفس التكتيكات السياسية وتتمنع عن لعب دور متمركز حول المصلحة الطلابية. 3. نقابات العاملين في الجامعات تلعب دوراً سلبياً من خلال تركيزها على الجانب المادي فقط، هذا الجانب مهم طبعاً لكن لا يمكن أن تركز النقابات على هذا الجانب وأن لا تلتفت إلى الأمور التي تساعد في تطوير مهنتها فهذا هو الدور الأهم للنقابات. 4. تلعب الجامعات الوطنية دوراً مركزيا في تشكل الهوية الوطنية، ولكن الجامعات الفلسطينية أغلبها جامعات محلية. وتعد جامعة بيرزيت الأفضل على هذا الصعيد، حيث يشكل طلاب رام الله ومنطقة الوسط 72% من طلبتها.

يضاف إلى ذلك مشكلة خامسة هي التشوه البنيوي في الجامعات، حيث تسعى الجامعات للتغلب على المشاكل التي تواجهها من خلال اتخاذ إجراءات تساهم في تلافي المشاكل كتطوير برامج دراسية جديدة تشكل مردوداً أعلى للجامعات، ومضاعفة عدد برامج الماجستير، وغيرها من الإجراءات، دون الاهتمام بالنوع المقدم.

يذكر أن هذه الندوة الفكرية تأتي ضمن سلسلة من الندوات التي تنظم من قبل مجموعة من الشباب/ات، وتهدف إلى تشجيع التفكير النقدي والمقاومة الفكرية في المجتمع الفلسطيني، إضافة إلى فتح المجال لطرح بعض المواضيع المغيبة عن ساحات النقاش، وإعادة الاعتبار لشرائح المجتمع الفلسطيني ككل، وتجاوز التغييب شبه التام لفلسطينيي الـ48 والقدس والشتات.