الأحد: 29/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

العملاء.. قصص إسقاط مروّعة..و قوانين ردع غائبة !!

نشر بتاريخ: 17/08/2011 ( آخر تحديث: 17/08/2011 الساعة: 14:21 )
غزة -تقرير أمل الحجار - في إحدى المراكز الأمنية كانت تجلس هناك.. في زاوية معتمة.. تحمل وجها باردا مجعدا قاتما.. لها عينان جامدتان ترسل نظرات اختلط فيها التربص والشك والحقد والخوف والخزي، فهي تعرف نفسها جيدا أكثر من كل من يراها، فقد وقعت في مستنقع العمالة ذاهبة بعيدا بعد أن خانت دينها وشعبها.

زهية.. هو الاسم المستعار لسيدة في عقدها الستين وقعت في مستنقع العمالة، وكانت عينا للعدو على المجاهدين من أبناء شعبها إلى أن تمكنت الأجهزة الأمنية -التابعة لحكومة غزة- من إلقاء القبض عليها.

اقتربت منها وبدأت الحديث معها بكل هدوء، ثم استطردت معها في الحوار للحديث عن كيفية سقوطها في وحل العمالة، فتمتمت بصوت خافت ضعيف ينم عن شيء من الخجل.



أسقطني ابني !!

تقول زهية: "هرب ابني إلى (إسرائيل) بعد كشف تخابره مع الاحتلال، وكان يتواصل معي عن طريق الهاتف الخلوي، ثم صار يتواصل معي ضابط المخابرات (الإسرائيلي) دون علم ابني لطمأنتي على ابني، وكان ودودا معي جدا ويظهر أنه يخاف على نجلي، ومرة تلو المرة كان يستدرجني إلى التخابر معهم دون دراية مني".

وأضافت: "في البداية كان يطلب مني معلومات هامشية تظهر أنها تافهة، كإخباره ماذا تطبخ جارتي وماذا تشتري ومن يزورهن.. ليبدأ بابتزازي بأنني أعطيتهم معلومات أدت إلى نتائج خطيرة، وإن لم أستوف التعامل معهم فسيفضحونني، فخفت واستمر تعاملي معهم وتزويدهم بكل ما يطلبونه مني".



الإنترنت والمال.. السبب

أما العميل (م) -26 عاما/ من جنوب قطاع غزة- فتحدث عن كيفية وقوعه في وحل العمالة، وكانت عندما كان جالسا يتصفح الإنترنت ووصلته رسالة لدعم المقاومة تطرح عدة أسئلة، مثل: "أين يعمل، وما هو موقفه من المقاومة؟"، وبهذه الطريقة كان (م) يقدم معلومات مجانية، ثم أصبحت الجهة التي يتعامل معها تدعمه بالمال ليشتري أسلحة، ليتفاجأ بعدها أن مصدرها من الموساد (الإسرائيلي).

وتحت ضغط التهديد الصهيوني وضيق الحال والوضع المالي السيئ اضطر (م) للتخابر معه الاحتلال، وصار يقدم معلومات عن أناس كان معهم على خلافات شخصية من باب الثأر، وبعد تورطه ومساهمته في اغتيال أحد المقاومين علا مركزه أكثر بإعطائه دورات داخل الكيان الصهيوني.

وأوضح أنه عندما كان يأخذ الدورات كان يختار التوقيت المناسب جدا لخداع الأهل، وكان في البداية يزور المخابرات الصهيونية كل ثلاثة شهور لتوريطه أكثر من خلال الدورات والاتصالات، مشيرا إلى أن الجانب الصهيوني أعطاه دورة عسكرية مكثفة في وقت قصير لإظهار للفصيل المنتمي إليه قدراته المتميزة ليحوز على ثقة الفصيل سواء على مستوى التخطيط والتفجير.

وذكر أن ثقة الفصيل به سهَل عليه الحصول على معلومات دقيقة حول المقاومة، وسهّل عملية اغتيال 16 مقاوما من عدة فصائل بشكل مباشر، إضافة إلى دوره في افتعال العديد من المشاكل بين الفصائل لإحداث الفتنة، موضحا أنه لم يأخذ من المخابرات الصهيونية سوى جوال خاص بالتعامل معها وشريحة أورنج كونها خارج الرصد الفلسطيني، وجهاز لاب توب، ودراجة نارية، ومبلغ 600 شيكل إلى 1000 شيكل على كل عملية اغتيال!

وبيّن (م) أنه كان يملك حرية الحركة في كثير من الأماكن العسكرية بسبب وضعه التنظيمي الكبير، حيث كان يراقب كوادر المقاومة ومواقعهم الأمنية وتحركاتهم، وأماكن سكناهم وسياراتهم الشخصية، ويضع ملصقات خاصة (إحداثيات) على سيارات المقاومة وعلى أماكن التدريب العسكرية وتخزين السلاح لتحديد أماكنهم بدقة وتسهيل قصفها.



فضول.. فسقوط

عمّار (اسم مستعار) يبلغ من العمر عشرين عاما.. وصلته رسالة مكتوبة عبر جواله: "إذا كان لديك أي معلومات عن الجندي الأسير جلعاد شاليط فيمكنك الاتصال على الرقم (...) أو الدخول إلى الموقع (...) وستحصل على جائزة مالية بقيمة عشرة ملايين دولار"، فمن باب الفضول اتصل على الرقم الذي وصله ودخل على الموقع الإكتروني المذكور في الرسالة، وكان خاصا بالمخابرات الصهيونية باسم شكلي كموقع اجتماعي، لتستدرجه المخابرات عبر الموقع بطرح مواضيع حول المقاومة، وكشف عن نفسه عشوائيا بأنه يعمل في نفق وقدم تفاصيل عنه، وبناء على هذه المعلومات تم معرفة مكان النفق وقصفه، لتبتزه المخابرات بتسجيل المحادثة بعنوان بريده والصورة، وليرضخ بعد ذلك للتخابر معهم.

وقال عمار:"بعد شهرين من ابتزازي طلبت المخابرات مني تزويدها معلومات حول أحد قادة المقاومة وتحديد مكان بيته لاستهدافه، وبعد أربعة شهور استدعتني المخابرات الصهيونية داخل الأراضي المحتلة لمدة عشرين يوما، وتحججت لأهلي بأني أريد السفر لمدينة العريش بعد هدم سور معبر رفح ودخول آلاف الغزيين الأراضي المصرية، وقابلت هناك ثلاثة ضباط مخابرات، ثم تدربت على عدة بنادق وإطلاق النار، وعلموني على تحديد الأماكن على الخريطة (تيبوغرافيا)، وصوروني مع فتيات (إسرائيليات) بمشاهد أخلاقية مخلة، ثم زودوني بملغ 2000 دولار لشراء دراجة نارية ولاب توب، ثم عدت إلى بيتي من خلال منطقة حدودية في فترة إحدى الاجتياحات حتى لا يراني أحد".

وأردف في القول:"أدليت بمعلومات للمخابرات (الإسرائيلية) لمدة ستة شهور عن طريق مراقبة مقاومين، ولكنني لم أشارك في اغتيال أي مقاوم".

عودة عمار بالمبلغ المذكور لفت انتباه أهله وأثار الشكوك فيه، وخاصة أنه سافر في وقت غير مناسب وشبه مستحيل لأي مواطن الخروج من غزة، مما أدى بهم إلى إبلاغ أحد فصائل المقاومة المقربة من العائلة، وبعدها تم مراقبته لعدة أيام، وكان هناك شكوك حول تحركاته ليتم إخضاعه للتحقيق، حيث اعترف أنه يتعامل مع المخابرات الصهيونية منذ ثمانية شهور، ومن خلال اعترافاته توصل الفصيل المحقق إلى أخطر عميل وتم إلقاء القبض عليه.

وكون عمار مسقط في وحل العمالة حديثا، أخذ الفصيل عهدا عليه بالتوبة، ولكن عمار تبدو توبته كاذبة، حيث أثار الشكوك في أهله مرة أخرى عندما أراد أن يسافر مرة أخرى، ليبلغوا عنه مرة أخرى، وليحقق الفصيل معه مرة أخرى ليكتشفوا أنه رجع للعمالة مرة أخرى مع تزويد المخابرات بمعلومات عن أماكن للمقاومين، ثم رفع تقرير لقيادة الفصيل عنه ومن ثم تسلميه للأمن الداخلي التابع لحكومة غزة.

وكثيرة هي قصص إسقاط العملاء بأساليب وطرق مختلفة، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا لا تجري محاسبة العملاء ومحاكمتهم علنيا أمام الناس ليكونوا عبرة لغيرهم؟..



تراجع عمليات الإسقاط

المتحدث باسم وزارة الداخلية في حكومة غزة م. إيهاب الغصين أكد أن عدم ردع العميل من البداية يجعله يستمر في جرمه، "إضافة إلى أن نفسية العميل في تحقيق مصالح شخصية -كالانتقام من شخص أو فصيل- تجعله يتمادى في وحل العمالة"، مشددا على ضرورة أن يأخذ العميل عقابه، ومشيرا إلى الحاجة الملحة لعمل جماعي في هذا الإطار من الجهات كافة، "سواء على الصعيد النفسي أو الديني أو الأمني.. لمعالجة عملية إسقاط العملاء"، ومطالبا وزارة التربية والتعليم بإقرار مساقات في الجامعات حول الثقافة الأمنية للجميع.

وفيما يتعلق بتسارع الأخبار حول إلقاء القبض على عملاء قال الغصين: "إننا نعتمد الأخبار الواردة من وزارة الداخلية فقط، وشعور المواطنين بازدياد عدد العملاء هو فقط نتيجة اهتمام الإعلام بقضيتهم ونشرها، ومعركتنا مع الاحتلال في موضوع العملاء والإسقاط مستمرة".

وذكر أن الاحتلال يعمل على تطوير وسائل الإسقاط، "كاستغلال المرضى عبر معبر بيت حانون والصيادين والمناطق الحدودية إضافة إلى استغلال شبكات التعارف الاجتماعية وتجميع كل المعلومات عنهم والدخول بشخصيات معروفة وبأسماء مستعارة للوصول للشباب وإغرائهم وإسقاطهم"، مشيرا إلى وجود طرق أخرى للإسقاط تتابعها الداخلية وتتحفظ على الكشف عنها، وأكد الغصين على ضرورة حذر المواطنين الشديد من العدو وعدم الاستهانة بأي شيء.

وبالنسبة لتوعية المرضى المسافرين عبر معبر بيت حانون علّق: "نقوم إعلاميا بتوعيتهم إضافة لوجود موظفين خاصين للجلوس مع كل شخص منهم لتوعيته وإرشاده كي لا يتعاطى مع العدو".

وعن عدم إعلان الحكومة عن تطبيق أحكام الإعدام أوضح أن الوزارة تنشر قرارات المحاكم على الإعدام باليوم نفسه، "وتعلن عن الحكم والتهمة"، لافتا إلى أن المحاكم العسكرية والمدنية مفتوحة لجميع وسائل الإعلام.



تكتيكات جديدة

المتحدث باسم سرايا القدس -الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي- (أبو أحمد) أوضح من جهته أنه وبعد النجاحات التي حققتها المقاومة والأجهزة الأمنية في ملاحقة العملاء لجأ العدو إلى تغيير تكتيكاته من أجل تجنيد عملاء جدد، "وأصبح يركز على وسيلتين أكثر من غيرهما، وهما استهداف بعض الشرائح التي ترتبط بأعمال ومصالح لدى الجانب الصهيوني كالتجار؛ لتسهيل أمورهم، والشريحة الثانية: سكان المناطق الحدودية عبر التوغلات والاعتقالات، حيث يجري ابتزازهم وتهديدهم إما بالاعتقال أو هدم بيوتهم ومزارعهم، وإما بالتعامل معه".

وقال "أبو أحمد" لـ"الاستقلال": "الذي يعتقل لا يطلب منه العدو مباشرة أن يكون عميلا لهم بل يستدرجه عن طريق إشعاره بأنه يريد أن يحافظ على بيته؛ لذا عليه أن يبلغهم عن وجود رجال المقاومة، وهذا مقدمة للعمالة".