مؤرخ اسرائيلي: تجريد أكثر من مليون فلسطيني من أرضهم وديارهم وأملاكهم يمثل مظلمة كبيرة يجب أن ترد
نشر بتاريخ: 22/10/2006 ( آخر تحديث: 22/10/2006 الساعة: 11:38 )
بيت لحم- معا- في الوقت الذي يعتبر فيه العديد من المؤرخين والمعلقين السياسيين أن جذور المشكلة في الشرق الأوسط بدأت من المراحل الأخيرة للصراع التي تعود فقط إلى بدء احتلال الضفة الغربية في أعقاب نكسة 1967 وما تلاها من توسيع المستوطنات وبناء الجدار العازل في انتهاك صارخ للقانون الدولي, يؤكد المؤرخ الأسرائيلي ايلان بابي استاذ التاريخ بجامعة حيفا أن جذور الصراع الحقيقة بدأت بالنكبة وهي ترحيل أكثر من مليون فلسطيني من ديارهم وأراضيهم عام 1948.
ويدفع بابي بمنطق قوي الحجة بأن الانكار المتواصل للتطهير العرقي الذي حدث في فلسطين عام 1948 وتجريد أكثر من مليون فلسطيني من أرضهم وديارهم وأملاكهم يمثل مظلمة كبيرة يجب أن ترد.
ويؤكد الكاتب المعروف بشجاعته العلمية والبحثية أن رفض الاعتراف بهذه الحقيقة وحرمان هؤلاء المهجرين من حق العودة إلى أرض أجدادهم لايمثل فقط انتهاكا لحقوق الإنسان, ولكن أيضا رفض من قبل عملية السلام للأساس الجوهري لأي سلام دائم في الشرق الأوسط وماوراءه.
ففي كتابه الجديد المثير للجدل "التطهير العرقي لفلسطين" يكشف المؤرخ من خلال وثائق كشف عنها مؤخرا المصير الذي آل إليه سكان فلسطين في الأربعينيات من القرن الماضي على أيدى القيادات السياسية والعسكرية للصهاينة التي أدت أفعالهم إلى ترحيل أكثر من مليون فلسطيني من مدنهم وقراهم وإلى محو أكثر من400 قرية من الخريطة وقتل الآلاف من المدنيين.
ويركز بابي في كتابه الذى صدر فى واشنطن اليوم ويحتوى على 265 صفحة- في معرض استعراضه لتخطيط وتنفيذ العمليات اليهودية أثناء الانتداب البريطاني وحتى الاستقلال- على أنشطة عصابات الهجاناه والإرجون وبالماخ.
ويعيد المؤرخ والأكاديمى الأسرائيلي- من خلال الوثائق التي تتضمن محاضر اجتماعات وزارة الحرب غير الرسمية التي كان يقودها مؤسس دولة اسرائيل وأول رئيس حكومة لها ديفيد بن غوريون والمذكرات الشخصية لعدد كبير من المسؤولين الرئيسيين في جميع قطاعات القيادة اليهودية في هذا الوقت- الربط بين التوجهات والدوافع التي أثرت على ممارسات المجتمع اليهودي نحو السكان الأصليين.
ويتناول بابي بالتفصيل الأحداث التي وقعت من عام 1947 وحتى 1948 والتي تسببت في واحدة من أكبر موجات الهجرة في التاريخ الحديث.
ويشير الكاتب ومن خلال الوثائق الى انه في عام 1937 كتب ديفيد بن جوريون في رسالة لابنه يقول إن العرب لابد ذاهبون "لكننا فقط في حاجة إلى اللحظة المناسبة لكي نحقق هذا، كأن تكون حرب."
وفي 15 يونيو عام 1969، قالت رئيسة وزراء إسرائيل في ذلك الوقت جولدا مائير "ليس هناك شيء اسمه شعب فلسطيني.. نحن لم نأت ونلقي بهم خارج وطنهم. فهم لم يكونوا موجودين في الأساس".
وبهذه اللقطات من الماضي يعيد من خلالها المؤرخ الأسرائيلي البارز حقبة تشكيل دولة إسرائيل وما تبعه من المصير الذي آل إليه أصحاب الأرض الأصليون.
ويقول بابي إن المؤرخين الإسرائيليين، ومن بينهم المؤرخون الجدد، يزعمون أن الدول العربية هي التي شنت الحرب على دولة إسرائيل من أجل القضاء عليها مما تسبب في طرد الفلسطينيين.
وذكر المؤرخ الأسرائيلى في كتابه "التطهير العرقى لفلسطين" أن مافعله العالم العربي هو أنه حاول منع هذا التطهير العرقي، إلا أن محاولته كانت مشرذمة ومنكفئة على الذات وغير فعالة في وقف اجتثاث جذور نصف الشعب الفلسطيني وتدمير نصف قراه ومدنه وقتل الآلاف من أبنائه.
ويوضح أنه منذ تنفيذ هذا التطهير العرقي بنجاح في نحو 80 في المائة من فلسطين دون عواقب عالمية، مازالت سياسة التطهير مستمرة منذ عام 1967 في العشرين بالمائة الباقية من هذا البلد, مؤكدا أن إقامة دولة يهودية في فلسطين التاريخية المطهرة عرقيا من شعبها الأصلي مازال يشكل البنية الأساسية للفكر الذي قامت عليه إسرائيل.
ويرى المؤلف ايلان بابي أن كيفية تحقيق هذا الهدف يمثل قضية حاسمة بين اليسار الصهيوني- الذي يأمل في التفاوض حول تسوية تترك عددا قليلا من الفلسطينيين في إسرائيل الكبرى- وبين اليمين الصهيوني الذي يرغب في تنفيذ سياسة تطهير أكثر مباشرة اليوم.
ويطبق الكتاب التعريف الأكاديمي والقانوني للتطهير العرقي كما هو معروف دوليا وأمريكيا على الحال الفلسطينية. ويقول إذا كان التطهير العرقي في عين الأمم المتحدة وفي عين وزارة الخارجية الأمريكية يمثل جريمة ضد الإنسانية، فيجب أن يتم النظر إلى ما فعلته إسرائيل في الماضي وما تمارسه من سياسات في الحاضر من هذا المنظور.
واعتمد المؤلف على ثلاثة مصادر رئيسية الأول الوثائق التي حصل عليها من سجلات الأرشيف العسكري الإسرائيلي التي أفرج عنها فى التسعينات والثاني إعادة قراءة الوثائق القديمة من منظور التطهير العرقي والثالث السجلات الشفهية الفلسطينية واسعة النطاق المتمثلة في الضحايا والمهجرين.
ويعتبر ايلان بابي كتابه بمثابة رسالة متواضعة للفلسطينيين أينما كانوا، وخاصة اللاجئين، بأن روايتهم التي ظلت تلقى الإنكار لسنوات عديدة، هي رواية صحيحة وهذه شهادة براءة وتوثيق لها.
وقال إنه من خلال أحداث 1948يمكن للمرء أن يفهم السياسات التي تمارسها إسرائيل عام 2006 ويمكن استيعاب مفهوم وطبيعة الممارسات الإسرائيلية تجاه الأقلية الفلسطينية داخل إسرائيل وفي الأراضي المحتلة وفي قطاع غزة المعزول وأخيرا في لبنان.
وقال المؤرخ الأسرائيلي إنه من هذا المنطلق فإن الاحتلال والانسحاب والتجميع هي كلها طرق لتنفيذ الهدف النهائي وهو التطهير العرقي للفلسطينيين.
وأكد انه إذا قبل ما جاء فى هذا الكتاب فيتعين على الغرب أن يغير موقفه من الدولة اليهودية التي لايمكن بعد ذلك أن تبرأ أو تحل من جرائمها في الماضي والحاضر.
وقال إن الأهم هو أن ينظر المجتمع الإسرائيلي في المرآة ويرفض السياسات التي انتهجت وتنتهج باسمه.
وحذر من أنه إذا لم يحدث ذلك "فإننا جميعا- فلسطينيين وإسرائيليين- سنفنى في عملية تدميرية متبادلة وأكيدة."
ومؤلف الكتاب ايلان بابي هو أيضا المدير الأكاديمي لمعهد أبحاث السلام في "جيفعات حافيفا" ورئيس كرسي معهد إميل توما للدراسات الفلسطينية بحيفا ومن بين مؤلفاته "تاريخ فلسطين الحديثة"، "الشرق الأوسط الحديث" و"قضية فلسطين وإسرائيل.