السبت: 02/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

تيسير خالد عضو لجنة تنفيذية يقارن افيغدور ليبرمان بالزعيم الفاشي النمساوي بورغن هايدر

نشر بتاريخ: 31/10/2006 ( آخر تحديث: 31/10/2006 الساعة: 12:16 )
افيغدور ليبرمان وازدواجية المعايير السياسية والاخلاقية بقلم تيسير خالد عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية

تقوع مستوطنة يهودية اقامتها اسرائيل في محافظة بيت لحم . تاريخ البدء ببناء هذه المستوطنة هو العام 1977 ، اي العام الذي صعد فيه اللكيود بقيادة مناحيم بيغن الى السلطة . بعد هذا التاريخ بعام واحد ، أي في العام 1978 حضر الى البلاد قادم جديد من مولدافيا . انه افيغدور ليبرمان ، الذي يحتل هذه الايام مساحة لا بأس فيها في أخبار وسائل الاعلام . ولكن ماهي الصلة بين تقوع المستوطنة وأفيغدور ليبرمان ، لمن لا يعرف فان الصلة حميمة وثيقة ، فقد جاء هذا القادم الجديد مستوطناً واختار تقوع مكان اقامه في مسعى للتأكيد على هويته . الاقامة في تقوع لم تكن بسبب جودة البيئة ، ففي مولدافيا مناطق واسعة أين منها جودة البيئة في بلادنا ، هذا لا ينفي عن افيغدور ليبرمان الانتماء الى جودة البيئة ، على العكس من ذلك ، فالسيد ليبرمان من أنصار جودة البيئة ، ولكن جودة البيئة الديمغرافية . خط الهدنة ، الذي رسم في رودس في العام 1949 مزعج للغاية للسيد ليبرمان ، لا لشئ إلا لأنه لوث جودة البيئة الديمغرافية في اسرائيل .
في معتقدات أفيغدور ليبرمان يلوث الفلسطينيون في أم الفحم ووادي عاره جودة البيئة الديمغرافية في اسرائيل ولهذا الاعتبار يدافع بحماس عن ضرورة ترحيلهم الى مناطق السلطة الفلسطينية في أية تسوية محتملة للصراع الفلسطيني - الاسرائيلي . إذن ، من تقوع المستوطنة في محافظة بيت لحم يصعد هذه الايام نجم "الزعيم " أفيغدور ليبرمان ، الذي وجد فيه كل من ايهود واولمرت وعمير بيرتس خشبة خلاص لحكومة لا يثق ، وفق استطلاعات الرأي العام في اسرائيل ، 70 بالمئة من المواطنين برئيسها ونحو 82 بالمئة بوزير دفاعها ، بسبب الفشل الذريع للمغامرة العسكرية ، التي خرجت اليها اسرائيل في لبنان في تموز الماضي . ليس بالامر العسير تفسير محاولة ايهود اولمرت الاستنجاد بأفيغدور ليبرمان للحيلولة دون السقوط السريع لحكومته ، التي لم يمض على تشكيلها غير بضعة أشهر .
سقوط حكومة اسرائيل الحالية يعني ببساطة سقوط ايهود اولمرت في عالم النسيان ، وبداية النهاية لحزب كاديما وتحوله الى حزب هامشي بانتظار عودة اقطابه الى احضان كل من الليكود والعمل أو البحث عن ملجأ حزبي جديد ، فصعود الاحزاب واضمحلالها ظاهرة من ظواهر العمل السياسي في اسرائيل .

بعد العدوان ، الذي فشل في تحقيق أهدافه في لبنان ، بات عمر حكومة اولمرت _ بيرتس قصيراً ، وحتى لا تتفكك امام اول امتحان عند المصادقة على موازنة الدولة ، وجد رئيس الوزراء ، ووزير دفاعه في ليبرمان حبل نجاة ، دون أن يعير أيا منهما وزناً للهوية السياسية والايدولوجية لهذا القادم الجديد الى مجلس الوزراء . افيغدور ليبرمان ، وزير في حكومة اولمرت _ بيرتس ، لم لا ، وما الجديد أو الغريب في الامر ، ألم يكن اليميني المتطرف وأحد زعماء الاستيطان ودعاة الترانسفير رحبعام زئيفي وزيرا في حكومة ارئيل شارون .
في دولة اسرائيل كل شئ ممكن . لقد اصبح ممكناً وعادياً ان يجلس زعيم حركة عمالية ونقابية مع زعيم يميني متطرف لا يخفي عداءه للعرب واليسار وقوى السلام جنباً الى جنب في مجلس وزراء . اسرائيل هنا ليست النمسا وافيغدور ليبرمان ليس يورغن هايدر . في الانتخابات البرلمانية التي جرت في النمسا عام 1999 فاز يورغن هايدر زعيم حزب الحرية الفاشي بنحو 27 بالمئة من اصوات الناخبين النمساويين . قوة برلمانية كبيرة ومؤثرة دون شك دفعت زعيم الحزب الديمقراطي المسيحي المستشار فولفجانغ شوسيل الى التحالف مع الفاشية في حكومة جديدة . رد الفعل الاسرائيلي كان عنيفاً ، فقد سحبت اسرائيل سفيرها من النمسا وجمدت علاقاتها مع حكومة المستشار شوسيل وتبعتها أوروبا دون تردد .
" القيم الديمقراطية " لا تفسح المجال امام مشاركة زعيم حركة فاشية في حكومة دولة ديمقراطية . يورغن هايدر ، كان ولا زال فاشياً ، فقد عبر غير مرة عن اعجابه بسياسة التشغيل التي سار عليها الرايخ الثالث ، وقد كلفه ذلك الاعجاب منصبه آنذاك ، حيث كان والياً لاحدى المناطق النمساوية . ويورغن هايدر معاد للاجانب ويعتبر دخولهم الى النمسا سبب جميع المشاكل في البلاد وهو يدعو الى ترحيلهم ، وفوق هذا عارض هايدر ، زعيم حزب الحرية النمساوي ، انضمام النمسا الى الاتحاد الاوروبي ، لانه يعارض بشدة المساعدات التي يقدمها الاتحاد الى الدول النامية . يجب على النمسا الا تكون شريكاً في دفع فواتير الجنوب غير المفيدة . لهذه الاعتبارات وقفت الدول الغربية على اصابع أقدامها في مواجهة زعيم الحزب الديمقراطي المسيحي النمساوي المستشار فولفجانع شوسيل .
ولكن ماذا بشأن افيغدور ليبرمان . الا يبدو يورغ هايدر زعيماً فاشياً بقامة في مستوى العشب اذا ما قورن بأفيغدور ليبرمان ؟

الفاشية جذرها واحد وان اختلفت اشكال تجلياتها ، انها نظام قيم سياسية وأيدولوجية شمولية تعتمد على القومية العمياء وتعتبر التطرف والنزعة العدوانية وحتى الخروج الى الحرب قيماً اساسية مقبولة في الدفاع عن ما تسميه مصالح الامة . انها تستمد قوتها الجماهيرية من أوساط البرجوازية الصغيرة التي تخاف الانحدار الى صفوف العمال وعلى قطاعات من العمال غير المنظمين والعاطلين عن العمل وعناصر الاجرام ، وهي تجد في ظروف الازمات في البرجوازية المالية والصناعية حضناً دافئاً ، وفي سعيها للسلطة تختصر النظام السياسي بالزعيم وتفصل هذا النظام على مقاس الزعيم . واذا اضفنا الى هذا كله سياسة الاحلال بروافع الاستيطان أو الترانسفير وجودة البيئة الديمغرافية ، فلن نعود بحاجة الى بذل جهد كبير في التعرف الى "اسرائيل بيتنا " وزعيمه افيغدور ليبرمان .
في برنامج حزبه لانتخابات الكنيست السادسة عشرة كتب ليبرمان تحت عنوان : " التشريع ومراقبة القانون للحركات اليسارية واليساريين المتطرفين " يقول :" هناك حاجة لتشريع قوانين متشددة اقصاها التجريد من الجنسية ضد اشخاص مثل اوري افنيري وليئا تسيميل والمنشقين الاخرين على انواعهم الذين يفترون على اسرائيل في العالم " ، ودعا الى تجريد كل من د. عزمي بشاره ود. أحمد الطيبي من حقهما في خوض الانتخابات للكنيست ، الامر الذي دفع أهارون باراك رئيس محكمة العدل العليا الاسرائيلية في حينه للمقارنة بين الظاهرة في اسرائيل وتلك التي سبقت قيام الرايخ الثالث . " هذا حدث في بلد كينيت وبيتهوفن ، ويمكن ان يحدث في أي مكان " ، في اشارة واضحة على الخطر الذي يمثله ليبرمان . بعد ان صادق مركز حزب العمل بقيادة عمير بيرتس على البقاء في حكومة اسرائيل بعد انضمام افيغدور ليبرمان لها كوزير للتهديدات الاستراتيجية ، ينبغي عدم التهوين من خطورة هذه الخطوة وهذا التطور . ليبرمان لا يضع فقط دولاً مثل مصر وايران على قائمة الدول العدوة بل وغيرها من دول المنطقة كذلك ، لقد دعا في السابق الى استخدام الترسانة النووية الاسرائيلية في قصف سد اسوان ، رغم ما بين مصر واسرائيل من " اتفاقية سلام " وقعها قبل نحو ثلاثة عقود كل من مناحيم بيغن وانور السادات .
ليس بعيداً عن خيال أفيغدور ليبرمان أن يكون سد أسوان هو ذاته البحر ، الذي غرق فيه جنود الفرعون حسب الاسطورة المعروفة ، وهو نفسه الذي دعا في ما سبق الى استخدام تلك الاسلحة ضد ايران ودعا حديثاً الى تدمير بيروت وتسوية بيوتها بالارض . انه لا يدعو فقط الى ترحيل مئات آلاف الفلسطينيين عن ديارهم في أم الفحم ووادي عاره اليوم وفي الجليل والمثلث والنقب غدا حفاظاً على النقاء اليهودي للدولة ، التي جاءها قادماً من مولدافيا عام 1978 ، بل والى توسيع دائرة العدوان لتشمل المنطقة بأسرها . افيغدور ليبرمان سوف يحتل منصباً رفيعاً في حكومة سيغدو اسمها حكومة اولمرت _ بيرتس _ ليبرمان . طموحه لا تتسع له وزارة عادية ، ولهذا اختار له أولمرت واختار هو لنفسه وزارة استراتيجية لا وجود لها الا في اسرائيل ، انها وزارة التهديدات الاسترتيجية . المنصب الوزراي الجديد هو خطوة على الطريق ، لان ليبرمان ينظر في الافق الأبعد . انه يركز نظره على السيطرة على الليكود وكاديما معاً ، فقد كان عضواً في الليكود وعمل مساعداً لبنيامين نتنياهو وفاز على ناتان شيرانسكي الزعيم السابق لاسرائيل بعليا وتقاسم معه النفوذ على الجمهور الروسي ثم ازاحه من الطريق .
استطلاعات الرأي ترشحه اذا جرت انتخابات برلمانية جديدة في ضوء حالة الاحباط التي تلت العدوان على لبنان لقيادة اكبر كتلة برلمانية تجمع كلاً من " اسرائيل بيتنا" و"هيحود هاليئومي " ، الذي يطالب زعيمه هو الآخر بطرد العرب من البلاد . وفوق هذا كله يركز أفيغدور ليبرمان نظره على نظام حكم رئاسي في اسرائيل يحتل فيه هو نفسه منصب الرئيس ، وقد كان هذا أحد شروط الاتفاق بينه وبين ايهود اولمرت للانضمام الى الحكومة . ليبرمان هنا يسعى لاستنساخ تجربتين : تجربة نظام الحكم الرئاسي في الولايات المتحدة وتجربة انظمة الحكم الشمولية الفاشية ، ويبدو هذا هو الارجح ، انه يميل الى استنساخ تجربة الحكم الرئاسي الاميريكية باعتبارها بوابة عبور او منصة انطلاق نحو نظام حكم لا سلطة فيه تعلو سلطة الزعيم ، خاصة وان السلطات في الولايات المتحدة تتوزع بين الرئاسة والكونغرس والولايات وبما يضع قيوداً على تحول النظام الى نظام شمولي . ذلك لا يعني ان اسرائيل على أبواب انقلاب وشيك في نظام الحكم ، إذ لا زال تغيير نظام الحكم يدور في تجاذبات ومناورات سياسية يمسك أيهود اولمرت بطرفها ويمسك أفيغدور ليبرمان بطرفها الآخر ، مع الاخذ بعين الاعتبار ان ساحة الكنيست تتسع هنا لأكثر من لاعب .

من جديد ، مع دخول افيغدور ليبرمان الى الحكومة الاسرائيلية لن تقف الدول الغربية على أصابع أقدامها ، رغم ذلك يلح على هذه الدول سؤال جوهري : لماذا هذه الازدواجية في المعايير السياسية والاخلاقية . نحن لا نستحضر في هذا الصدد يورغن هايدر ، فقد انتهينا من ذلك ، ومع ذلك نتساءل : لماذا تصر هذه الدول على معاقبة شعب بأسره على خياراته الديمقراطية ، وتسقط من الحسابات السياسية التعقيدات الاضافية التي يضعها انضمام ليبرمان الى الحكومة في طريق التسوية السياسية ، هذه التعقيدات ، التي لا تحجبها عن الانظار ثرثرة عمير بيرتس في خطابه في مركز حزب العمل لتسويق بقاء الحزب في الحكومة جنباً الى جنب مع " الزعيم " القادم .