الجزيرة بعد عشر سنوات إلى أين ؟بقلم / محمد حسن
نشر بتاريخ: 01/11/2006 ( آخر تحديث: 01/11/2006 الساعة: 19:36 )
قبل عشرة أعوام عندما إنطلقت قناة الجزيرة الفضائية، شكلت إنطلاقتها أهم مفترق على الإطلاق في عالم الخطاب الإعلامي الإخباري العربي، وربما في الخطاب الإعلامي للعالم برمته، والذي كان سجين نشرات الأخبار للقنوات المحلية، التي تعدها وتشرف عليها أجهزة المخابرات العربية، أو بعض المحطات الفضائية التي كانت نشراتها موجهة، أو من خلال القنوات الإخبارية الغربية، وعلى رأسها ألcnn التي تديرها رؤوس أموال صهيونية، وكانت للأسف هي مصدر ثقة المشاهد العربي، الذي لا يثق بالقنوات العربية المسيطر عليها حكومياً، والتي لم ترقى لمستوى إعلامي يجعل المشاهد العربي يمنحها الثقة .
وقد بزغ نجم الجزيرة سريعاً وقوياً، لعدة أسباب موضوعية ومنطقية، رغم إثارتها للجدل في بداياتها حول أهدافها الحقيقية والغاية المرجوة من تأسيسها، ومنحها هذا الزخم، وقد كان العديد من المتتبعين لها ينظر إليها بعين الريبة والشك، لما يصدر عنها إلا أنها تجاوزت تلك المرحلة . وقد كان هناك عدة أسباب دعمت هذه القناة، وسارعت في بزوغ نجمها، وإعتبارها الخلفية والمرجعية إلى فترة قريبة للرأي العام العربي، ومن أهم هذه الأسباب أنها كانت الأولى في مجالها ولصاحب السبق دوماً الأولوية ، كما أن إمتلاكها لجرأة غير معهودة في طرح مواضيع أما ممنوعة أو محرمة أو معقدة، وإعتمادها الرأي والرأي الآخر في طرحها للأحداث على طاولة النقاش والتشريح .
كما كان للجزيرة سبق في تشكيل شبكة من المراسلين، والمكاتب الصحفية حول العالم، وضعت المتلقي العربي في الحدث في كل أرجاء المعمورة، وعملت على تغطية المواضيع التي تهم المواطن العربي أساساً، بشكل كبير وشامل ولافت، مغطيةً كل الجوانب الممكنة لهذه المواضيع، وكذلك كانت مجموعة البرامج الحوارية الجديدة شكلاً ومضموناً، لما عهده المشاهد في القنوات العربية، والتي شكلت في بدايات الجزيرة ليس فقط أكبر نسبة مشاهدة، وإنما حديث المواطن العادي في الشارع، لما فيها وبأسلوب جذاب ومثير قدرة غير عادية على إستقطاب المشاهد على إختلاف مشاربه وإنتماءاته السياسية، وقد كان للصحفيين المحترفين والمحاورين الغير متجانسين في أغلب الحوارات، الفضل الأكبر في ذلك، وقد كان لهذه الحوارات مذاقاً خاصاً ومتعةً غير عادية، فلكل جديد بهجة.
وإستمرت الجزيرة على هذا المنوال خلال عدة سنوات، فأصبحت المرجعية الأساسية والمقياس لصحة الخبر وقيمته، وأصبح مراسلو الجزيرة ومذيعيها نجوماً ومشاهير في العالم العربي، بل لقد حولت الجزيرة عدداً كبيراً من المسؤولين والإعلاميين والمختصين إلى نجوم في المجتمع العربي، بعدما كان ذلك حكراً على الممثلين والمطربين والراقصات.
وقد أثبتت الجزيرة من خلال هذا التميز بجدارة من خلال طرقها لمواضيع حساسة، كان من غير المعتاد طرحها للنقاش في العلن، بما يخص العرب في الوطن والمهجر لكل مناحي الحياة، وسمحت لمختلف الشرائح والمشارب أن تدلو بدلوها على الهواء مباشرة بلا رقيب، حتى أصبح النقد المحرم لأولياء الأمر متاحاً، وقد كان لإستمرارها على نهجها وعدم الحياد عنه أن أزال الشكوك التي أحاطت بالقناة، وأسكت المشككين بها وبأهدافها الحقيقية والغاية التي أنشئت لأجلها.
وقد كان للتغطية الإعلامية المتميزة للأحداث في العالم العربي، من الحصار على العراق، إلى الانتفاضة ثم حرب أفغانستان، ثم حرب إحتلال العراق، وما بينهم وما تلاها من أحداث وصولاً للحرب السادسة على لبنان، والتضحيات التي قدمتها القناة من شهداء وجرحى وأسرى وتدمير مقرات، وحرب إعلامية ضدها وممارسة الضغوط عليها، بإغلاق مقارها وسحب سفراء بعض الدول من الدوحة، أن زادت من رصيد القناة في الشارع العربي، فقد إعتاد هذا الشارع التعاطف مع كل من يهاجم ممن يشك به أو لا يحظى بثقته .
ومع ظهور عدد كبير من القنوات الإخبارية العربية المتخصصة، والتي طرحت شكلا جديداً من الإعلام الإخباري، وحاولت مقاسمة الجزيرة في مشاهديها، بسبب الطبيعة الإنسانية التي تبحث عن الجديد، فلكل جديد بهجة، أو بسبب نفور بعض الناس من الخطاب الإعلامي، الذي دأبت عليه القناة وإفتقر في كثير من الأحيان للتجديد المطلوب للحفاظ على المشاهدين، الذين تتغير أهواؤهم مع كل متغير يحدث على الأرض، أو بسبب فقدان الحياد في بعض المواضيع، أو بسبب تنافر المتلقي مع الخطاب الإعلامي للقناة، ولا شك أنه قد حصلت كل قناة جديدة على حصتها من المشاهدين، الذين إقتنعوا برؤيتها وبطرحها، وإن ما زالت الجزيرة تحظى بحصة الأسد.
إلا أن قناة العربية تحديداً تأتي في المرتبة الثانية بعد الجزيرة، وقد إستقطبت شريحة كبيرة من الجمهور، وتعمل بخطى ثابتة وحثيثة نحو التطور والحصول على النسبة الأكبر، من خلال منافسة مستعرة في مجال تغطية الأحداث وتحليلها، والوصول إلى السبق فيها، وإن كانت الجزيرة تعتمد مبدأ الصدمة بالخبر، لتقوم بعد ذلك بنقل التفاصيل بشكل متتالي، بهدف أبقاء المشاهد على تواصل معها، إلا أن العربية تبث الخبر بطريقة فيها الكثير من الجاذبية، من حيث الشكل والمضمون لتستمتع بالخبر أو الموضوع المراد إيصاله للمشاهد بشكل فني، إلى جانب قيمته الإخبارية، ولن أدخل في مقارنة بين القناتين فلكل مزاياه وعيوبه، ولكل خطه ومعجبيه ، وما يهم المشاهد في النهاية هو الحقيقة المجردة .
إلا أن المتتبع لقناة الجزيرة بدأ يرى أن هذه القناة رغم صدورها من قطر، حيث أكبر قاعدة أمريكية في المنطقة، إلا أن اهتمامها بالخبر الذي يصدر عن الحركات الإسلامية المعتدلة أو المتطرفة على حد سواء، وظهورها كبوق لهم، بعد أن كان المشاهد يعتقد فيما مضى أن منحهم حرية الإدلاء بآرائهم والتعبير عن قناعاتهم، كان يأتي من باب المساواة مع الآخر من جهة، ومن جهة أخرى نتيجة الحرمان والحصار الذي يتعرضون له من قبل الأنظمة، وقهرها لهم لسنوات طويلة، هم أو بعض الأطراف المعارضة الأخرى للأنظمة العربية، وان إستثنينا الإسلاميين منهم فهم قله.
إلا أن أسلوب الإثارة المتعمد والتمجيد المقصود الذي تقف خلفه القناة، بما لها من رصيد كبير لدى المشاهد العربي، والذي يظهر جلياً أن الشيخ القرضاوي عراباً له، ربما ليعبر عن عقدة نقص، نتيجة فشل تجربة الإخوان المسلمين في الوصول للحكم في مصر خلال فترة الخمسينات من القرن الماضي .
وفي الخلاصة رغم ما حققته الجزيرة من سبق في عالم الإعلام والأخبار في كافة المجالات، ويسجل كبراءة اختراع لها، ورغم الرصيد الكبير الذي تملكه في الشارع العربي، والذي قبل منها من باب الرأي والرأي الآخر أن يرى الإسرائيليين في كل نشرة أخبار تبثها القناة، ليسمع الخبر من كل أطرافة بلا وسيط بينهما، فإن نهجها بعد أحداث سبتمبر وطريقة طرحها للأحداث والتلاعب بمشاعر المواطن العربي والمسلم على حد سواء، يثير الكثير من التساؤلات ويضع العديد من إشارات الإستفهام والتعجب، حول الهدف الحقيقي الذي تصبو إليه القناة بطرق العرض والمعالجة، غير المنطقية في كثير من الأحيان، وفقدان الحياد الإخباري خلال العديد من التحاليل للعديد من الأحداث، مما يؤدي إلى إيصال رسائل مشوهة، تحمل بين طياتها دعوات للفتنة والفرقة بين الأخوة والأشقاء، بدلاً من كونها قناة تشكل إلى جانب وظيفتها الإخبارية، دوراً وطنياً وقومياً وتعمل على توحيد الصف العربي المتفرق أصلاً، وتحاول تقريب وجهات النظر وتضييق هوة الخلافات. والمجال هنا لا يتسع لاستعراض هذه المسيرة الطويلة الحافلة بالانجازات والهفوات والأخطاء ولكن يتسع المجال في النهاية لنقول، ربما على الجزيرة أن تعيد حساباتها مجدداً، للوصول إلى مكامن الأخطاء والخلل، وتقوم بمعالجتها وتقويم طريقها لتستعيد ثقة الشريحة التي فقدتها.