الخميس: 14/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

قضية الحافلة رقم 300 تفتح ملف الإعدام الميداني بحق الأسرى

نشر بتاريخ: 08/10/2011 ( آخر تحديث: 08/10/2011 الساعة: 18:21 )
رام الله- معا- سلّطت وزارة شؤون الأسرى والمحررين في تقريرٍ لها الضوء على قضية الحافلة رقم 300، والتي أعيد إثارتها بعد 25 عاماً من قبل الصحافة ووسائل الإعلام الإسرائيلية، والتي تعتبر من أكثر الجرائم وضوحاً وإثباتاً على قيام حكومات إسرائيل وجنودها وضباطها بإعدام الأسرى والمعتقلين بدمٍ بارد بعد إلقاء القبض عليهم مما يعتبر جريمة حرب خارج نطاق القضاء وفق القوانين الدولية الإنسانية.

القتل بدم بارد

بتاريخ 12 نيسان 1984، نفّذ أربعة فدائيين فلسطينيين عملية خطف باص إسرائيلي يحمل الرقم 300 بين مدينتي تل أبيب وعسقلان باتجاه غزة مطالبين بإطلاق سراح 500 أسير فلسطيني يقبعون في سجون الاحتلال، وقد حاصرت قوات الاحتلال وأجهزتها الأمنية الباص الذي توقف في منطقة دير البلح، حيث تم اقتحام الحافلة وإطلاق النار على الخاطفين فاستشهد اثنين منهم وهما جمال قبلان (18 عاماً، من قرية عبسان) ومحمد أبو بركة (18 سنة، من بني سهيلة)، وتم اعتقال الاثنين الآخرين أحياء وجرى إعدامهما بدمٍ بارد وهما صبحي أبو جامع (18 سنة، من بني سهيلة) ومجدي أبو جامع (18 سنة، من بني سهيلة).

ولم يكشف عن إعدام الأسيرين صبحي ومجدي بعد إلقاء القبض عليهما إلا بعد نشر صورهما أحياء في صحيفة حدشوت الإسرائيلية بعد أن التقطها أحد المصورين الإسرائيليين مما أدى إلى ما يسمى فضيحة الشاباك الإسرائيلي وإثارة الرأي العام الدولي وخاصةً أن التحقيقات التي اضطرت حكومة إسرائيل إجرائها قادت إلى تورط رئيس جهاز الشاباك في ذلك الوقت "أفراهام شالوم" بالإضافة إلى 11 ضابطاً في الجهاز في هذه الجريمة.

أحد ضباط جهاز الشاباك المتورطين "أيهود ياتوم" افتخر بهذه الجريمة البشعة خلال مقابلة له مع صحيفة يدعوت أحرنوت في العام 1996 بقوله: "لقد هشّمت جماجمهم بأمر من الرئيس أفراهام شالوم، وإنني فخور بما فعلت".

وقد اتضح لاحقاً أن عملية إعدام الأسيرين تمت من خلال ضربهما بالحجارة على رأسيهما وبأدوات حديدية حتى الموت، وبعد إثارة الضجة الإعلامية في وسائل الإعلام المحلية والعالمية اضطر وزير الأمن في حينه "موشيه ارنس" إلى تشكيل لجنة تحقيق جرى خلالها تزوير الحقائق وتظليل في المعلومات في محاولة للتهرب من الجريمة وخداع الرأي العام.

50 أسيراً أعدموا بعد الاعتقال

قضية الحافلة 300 تفتح ملف سياسة الإعدامات والتصفيات الجسدية الميدانية للأسرى الفلسطينيين والتي هي سياسة قديمة جديدة وتصاعدت خلال انتفاضة الأقصى، حيث بلغ مجموع الأسرى الذين قتلوا بعد الاعتقال 50 أسيراً بحسب إحصائيات وزارة شؤون الأسرى والمحررين.

عمليات الإعدام تتم من خلال تصفية الأسير بعد إلقاء القبض عليه حياً من خلال عدة وسائل كإطلاق النار عليه بشكل مباشر أو من خلال الاعتداء عليه بالضرب حتى الموت أو من خلال عدم تقديم الإسعافات الطبية له إذا كان جريحا حتى يفارق الحياة.

وتعتبر هذه السياسة جزءاً من التوجه الرسمي لدى حكومات الاحتلال منذ العام 1967، ولم يتم ملاحقة أو محاسبة المسئولين الإسرائيليين عن هذه الجرائم التي حظرتها اتفاقيات جنيف الثالثة والرابعة وكافة العهود الإنسانية والدولية.

وقد لوحظ خلال انتفاضة الأقصى أن سياسة إطلاق النار على المعتقلين كانت تتم بسهولة حتى لو كان الأسير أعزلاً أو غير قادر على المقاومة. وشهدت حالات كثيرة اقتحام منازل المواطنين وإطلاق النار عليهم وهم نائمين أو بعد إلقاء القبض عليهم.

فساد جهاز الأمن الإسرائيلي

قضية الحافلة 300 والتداعيات التي جرت حولها كشفت محاولات إخفاء الحقيقة من قبل رجال الشاباك وحكومات إسرائيل المتعاقبة، والذين نالوا العفو من قبل رئيس الدولة فيما بعد وتقلّدوا مناصب عليا في دول إسرائيل مما يدل على أن يد الجريمة عميقة ورسمية وعلى مستوى الفساد الأخلاقي والمهني في المؤسسة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، وتدهور جهاز القضاء الإسرائيلية ومشاركته في التغطية على جرائم حرب ارتكبتها دولة إسرائيل، وقد كتب الصحفي الإسرائيلي "أوري أفنيري" حول ذلك بقوله: "أصبح قتل الأسرى والسجناء في إسرائيل مباحاً دون أن يترتب على أحد أن ينال جزائه، وأصبح بالإمكان إجبار الشهود على الإدلاء بشهادات زوراً وبهتاناً وخداع المحققين والقضاة واللجوء إلى الكذب والغش".

ولعل إثارة قضية الحافلة 300 بعد هذا الوقت الطويل تستدعي النظر في الممارسات بحق أسرانا الفلسطينيين والعرب الذين تعرضوا من شتى أنواع التعذيب والتنكيل والقتل في أقبية التحقيق أو خلال الاعتقال أو داخل زنازين السجون وما نشر عن فضائح الجنود والمجندات الذين أعلنوا في أكثر من مناسبة افتخارهم واعترافهم بلجوئهم إلى تعذيب الأسرى وإهانتهم بطرق لاأخلاقية ولاإنسانية كالصور التي نشرت في الفترة الأخيرة لجنود إسرائيليين ومجندات يرقصون ويغنون خلال اعتقالهم للأسرى وهم في أوضاع مهينة ومزرية.

وتفتح قضية الحافلة 300 ملفات القتل الجماعي للأسرى الفلسطينيين والعرب في حروب الأعوام 1948، 1967، 1956 واكتشاف مقابر جماعية في السنوات الأخيرة لأكثر من 250 جندي مصري في منطقة أيلات مما يعني أن منهجية القتل وعدم احترام حقوق الأسرى وعدم وجود أي قواعد قانونية في التعاطي مع المعتقلين خلال الصراع هي المنهجية السائدة لدولة إسرائيل.

ليس المطلوب هو الإثارة الإعلامية بقدر ما هو المطلوب من كل مؤسسات حقوق الإنسان الدولية ومن الأمم المتحدة ولجانها ومؤسساتها أن تجعل من قضية الحافلة 300 لائحة اتهام لمحاكمة دولة إسرائيل والكشف عن جرائم ارتكبت بحق الإنسانية منذ بداية الاحتلال وإعلان دولة إسرائيل كدولة خارج نطاق القانون الدولي وإعادة النظر في عضويتها في الأمم المتحدة بسبب عدم التزامها بميثاق وقرارات الأمم المتحدة.