الأربعاء: 02/10/2024 بتوقيت القدس الشريف

صفقة التبادل تحت ظلال الإضراب المفتوح عن الطعام لليوم التاسع عشر

نشر بتاريخ: 15/10/2011 ( آخر تحديث: 15/10/2011 الساعة: 18:59 )
رام الله- معا- تجري الاستعدادات لاستقبال 450 أسير وأسيرة فلسطينية جرى الاتفاق على إطلاق سراحهم في الأيام القادمة مقابل الإفراج عن الجندي جلعاد شاليط.

الصفقة التي أعلن عن إبرامها داهمت الواقع المنتفض للأسرى في سجون الاحتلال الذين بدأوا يوم 27/9 بخطوات نضالية وبإضراب مفتوح عن الطعام مطالبين بتحسين شروط حياتهم الإنسانية وبوقف الإجراءات القمعية التي اتخذتها حكومة اسرائيل بحقهم وأبرزها العزل الانفرادي والتعليم الجامعي والعقوبات الجماعية بمنع الزيارات وتقييد أيدي وأرجل الأسرى خلال لقاء أهاليهم ولقاء المحامين، وسياسة المداهمات لغرفهم وأقسامهم والإهمال الطبي بحق الأسرى المرضى وغيرها من المطالب الإنسانية والمعيشية.

الصفقة التي أعلن عن انجازها قبل أن تستجيب إدارة السجون لمطالب الأسرى وأبرزها إنهاء عزل 20 أسير بعضهم يقضي 10 سنوات ومن بينهم الأمين العام للجبهة الشعبية احمد سعدات، المضرب عن الطعام مع ما يقارب 400 أسير آخرين والمعزول في سجن نفحة الصحراوي، مما خلق تساؤلا عن التوقيت في إبرام هذه الصفقة.

لم توضح الصفقة أن جزء من الاتفاق هو الاستجابة لمطالب الأسرى وإنهاء كافة الإجراءات التعسفية التي اتخذت بحقهم منذ شهور عديدة وإعادة كافة المكتسبات النضالية للمعتقلين مما جعل الإضراب المفتوح عن الطعام مستمرا على الرغم من الاستعداد للإفراج عن الأسرى وتصدر أخبار الصفقة كافة وسائل الإعلام لتصبح الخبر الرئيس ليتراجع خبر استمرار الإضراب ووصوله الى منعطف خطير بسبب التدهور الصحي للأسرى المضربين عن الطعام.

حالة ارتباك واضحة في صفوف الأسرى بعد الإعلان عن إتمام صفقة التبادل، الحالة النضالية النهضوية التي شرع بها الأسرى دفاعا عن حقوقهم وكرامتهم أصيبت بالتراجع والتساؤل وكذلك الحالة التضامنية والوطنية التي انطلقت في كافة المدن والبلدات الفلسطينية المساندة لمطالب الأسرى المشروعة.

من الصعب أن يتم إقامة الاحتفالات لاستقبال الأسرى في ظل الإضراب المفتوح عن الطعام، حيث يمتزج الفرح والألم، ومن الخطر على الحركة الأسيرة أن تخرج من الإضراب دون أية انجازات حقيقية بمستوى التحدي والثمن الذي دفعته خلال مسيرة الإضراب المفتوح عن الطعام، وهنا لا بد من الانتباه كثيرا أن لا تتحول الصفقة رغم أهميتها الى أداة لإفشال الإضراب وكسر مطالب المعتقلين، لأن الأسرى الباقين في السجون ويزيد عددهم عن 5000 أسير سوف يعيشون في أوضاع متردية جدا، وربما تزداد الإجراءات القمعية عليهم إذا فشلت خطواتهم النضالية في تحسين شروط حياتهم.

إن قائد الإضراب المفتوح عن الطعام أحمد حنني أبو السعود، وهو أحد قادة الجبهة الشعبية والناطق باسم المضربين أدرج اسمه في قائمة المفرج عنهم في صفقة التبادل، وهذا يجعل مصير استمرار الخطوة النضالية في مهب الريح، خاصة أن الحركة الأسيرة لم تتوحد حول مبدأ الإضراب المفتوح، وإنما اتخذت الغالبية أشكالا نضالية أخرى كالإضراب التكتيكي المتقطع.

وبشكل موضوعي فبقدر ما تحمل الصفقة من إنجاز بالإفراج عن عدد من الأسرى والقيادات فإن عددا كبيرا من الأسرى القدامى لم تدرج أسماؤهم في الصفقة، وكذلك عدد من المرضى المعاقين والمشلولين القابعين في مستشفى سجن الرملة، فليس معقولا أن يفرج عن أسير بقي له عام واحد ويبقى آخر يقضي بالسجن 26عاما، وليس معقولا أن لا يفرج عن أسير مريض مصابا بالسرطان والشلل التام ويفرج عن آخرين محكومين أحكام عادية ومتوسطة.

الأسماء التي نشرت والمرشحة بالإفراج أحدثت تساؤلات وصدمات داخل قلاع الأسر، وهذا يعكس نفسه على المعنويات النضالية ومدى الجاهزية للاستمرار في الإضراب المفتوح عن الطعام، وخاصة أن التوقعات حول الصفقة كانت كبيرة، وحسب البعض أن الصفقة ستفرج عن كل الأسرى القدامى بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية والمعتقلين ما قبل عام 1994 وعددهم 299 أسيرا، وعن جميع الأسرى الذين يقضون أكثر من عشرين عاما وعددهم 143 أسيرا وعن كل الأسرى المرضى الدائمين في مستشفى سجن الرملة وعددهم 25 أسيرا.

وقد اعتبر أسرى الداخل (48) أن الصفقة فرصة استراتيجية لهم للتحرر من براثن الأسر، خاصة أن حكومات اسرائيل تتعامل معهم كمواطنين يهود وتستثنيهم من أية مفاوضات أو صفقات تبادل، وقد شملت الصفقة (6) معتقلين من فلسطين المحتلة 1948 فقط مما يعني بقاء احتجاز ما يقارب 150 أسيرا لا زالوا يقبعون في السجون ومنهم من يقضي أكثر من ربع قرن مثل كريم يونس وماهر يونس ورشدي أبو مخ و إبراهيم بيادسة ومحمد غبارية ووليد وقة وأحمد أبو جابر وسمير سرساوي ويحيى غبارية وغيرهم.

الصفقة ينقصها الرمزية السياسية كإطلاق سراح مروان البرغوثي وأحمد سعدات وعبد الله البرغوثي وعباس السيد وغيرهم من الرموز السياسية والنضالية والذين لم يتم شمولهم في عملية الافراجات على غير توقع الكثير من المراقبين لتكون بمستوى الثمن الذي دفعه الشعب الفلسطيني بعد احتجاز شاليط .

لا شك أن عملية المفاوضات حول الصفقة كانت صعبة للغاية واصطدمت بالتزمت الاسرائيلي وبشروط قاسية ومجحفة أدت الى هذه النتيجة.

وحتى الآن يبقى مصير الدفعة الثانية من الصفقة وعددهم (550) أسيرا مجهولا، فحسب ما أعلن عنه فإن حكومة اسرائيل هي التي سوف تتحكم بالأسماء ونوعيتها في هذه الدفعة ووفق مقاييسها الخاصة ، وحسب التجربة فإن حكومة اسرائيل سوف تفرج عما تبقى لهم مدد قصيرة ، وهذا يتطلب فتح النقاش مجدد حول المرحلة الثانية من عملية الافراجات.

واضح من الأسماء التي سيفرج عنها أن 98 % منها من حركة حماس ، وهذا يجعل الصفقة في مدار الانتقاد الواسع، حول تسييس الصفقة ووضعها في إطار حزبي ضيق، والابتعاد عن الشمولية والبعد الوطني، وهذا يشكل خطرا على قضية الأسرى كقضية موحدة يتوحد حولها كل الشعب الفلسطيني بكل فئاته وقواه السياسية والوطنية، ويجعلها مدار استغلال من قبل إدارة السجون وحكومة اسرائيل وتعزز الانقسام الفلسطيني أكثر وأكثر.


ومع كل هذا فإن الصفقة أحدثت سابقة تاريخية حيث لأول مرة تضطر فيها حكومة اسرائيل إجراء تبادل للأسرى في الداخل الفلسطيني، وإعادة قضية الحرية الى المشهد والى الانتباه الى واقع الأسرى وأعطت الجميع رؤية للتدخل والتحرك والعمل لتحرير المعتقلين الذين لا زالوا وبالآلاف يرزحون في سجون الاحتلال.