كتب المحرر السياسي: مضرجاً بدماء ضحاياه!!
نشر بتاريخ: 24/10/2011 ( آخر تحديث: 24/10/2011 الساعة: 22:01 )
بيت لحم- معا - كتب ابراهيم ملحم- "يا قاتل يا مقتول" تلك هي الحالة التي ظل "ملك الملوك" غريب الأطوار، محمولاً عليها ومقيماً فيها طيلة سني حكمة الإثنتين والأربعين التي سَامَ خلالها الليبيين سوءَ العذاب.
اعتقلَ، وقتلَ، وسحلَ، وذبحَ، وأعدمَ، وأحرقَ، ولاحقَ، وعذَّبَ، وخطفَ، وهتكَ، وتهكَّمَ، وغدرَ، واستأجرَ، وزوّر..! كلها أفعال دموية اكتظت بها سنوات حكمة لشعب لم يعرف في عهده للحرية باباً، غير النار الحمرا التي توعدهم بها،ولا للديموقراطية جواباً، غير أعواد المشانق التي نصبها لهم في الساحات والميادين، ولا للصحراء الشاسعة غير خيمةٍ وناقة، تختزل بلداً ظلت طموحات وأحلام وتطلعات أبنائه محاصرة بين صفحات كتاب ما أنزل الله به من سلطان.
ظلَّ الزعيم الأول والأوحد، طيلة اثنتين وأربعين سنة، مالئ الدنيا وشاغل الناس، بفلسفاتٍ وفذلكاتٍ بلغت حد الجنون، أدهشت مستمعيه، وأضحكتهم لفرط غرابتها وسذاجتها وانعدام توازن طارحها... فهو الغريب في قوله وفعله، في مأكله ومشربه، في ملبسه ومجلسه، في حلِّه وترحاله، في سلمه وفي حربه، في حبه وفي كرهه، في قتاله وفي استسلامه أخيراً مطوحاً بين أيدي من توعدهم بالملاحقة زنقة زنقة حتى وجدوه متلبساً في مكان لا يليق إلا بامثاله من الطغاة والمستبدين الذين أعمَت السلطة أبصارهم وبصائرهم فسقطوا في مستنقع عنادهم وغرورهم واستخفافهم بعذابات شعوبهم فمنهم من قتل أو هرب أو مُدد على سرير، ومنهم من ينتظر نفس المصير.
هو درس بليغ للطغاة والمستكبرين فيوم المظلوم على الظالم أشد من يوم الظالم على المظلوم... من كان يعتقد أن "ملك الملوك" ومن سبقه من الطغاة سيبلغ بهم هذا المال من كآبة المنظر وسوء المنقلب؟.
مضرجاً بدماء ضحاياه من الأطفال والنساء والشباب والشيوخ سقط القذافي أخيراً، بعد أن لم يرحم أحداً، ولم يحترم امرأةً، ولا طفلاً، ولا شيخا كبيراً فانياً ولا متعبداً في صومعة، نصب أعواد المشانق لمناوئيه، وفتح المعتقلات والسجون لمعارضيه، دكَّ بمدافعه البيوت والمساجد، وحفر المقابر الجماعية للثوار، أباد عائلات بأكملها، يتَّم أطفالاً، ورمَّلَ نساءً، وفجع أمهات وأخوات، لم يرقب في شعبه إلّاً ولا ذمة.
هي سيرة ومسيرة عميد الطغاة والمستبدين، تنبأ بمصيرة ومصير مجايليه من الطاعنين في الظلم، ولم يرتدع عن غرور، أو يمتنع عن جنون، بدد ثروات البلاد حتى عمّ فيها الفساد، بطش بالعباد وشيد السجون والقصور والحصون.
وإذ تغادر ليبيا اليوم سنوات الظلم والقهر والإستبداد، بإعلان التحرير في لحظة تاريخية تقشعر لها الأبدان، فإنها تنفتح على فضاءات الحرية والعدالة الإجتماعية وحقوق الانسان، لتختار مستقبلها، عبر صناديق الإقتراع التي لم تعرف لها لونا، ولا إسما، بعد أن استباح العقيدُ الحريات، والعبادات، وبدَّل وغيّر أسماء الشهور والدهور ليترك ليبيا التي تطفو على بحر من الذهب الأسود أرضاً يباباً بلقعاً.
لم يعرف التاريخ ثورة بدون دماء فقد، تدحرجت رؤوس القياصرة في ساحات وميادين موسكو وباريس خلال الثورتين البلشفية والفرنسية، قبل أن تستقر الثورة ويطمئن الثائرون... فنهايات الطغاة هي تماماً من جنس بداياتهم وأفعالهم الشائنة.
صحيح أن الطغاة يستحقون القصاص لسوء أفعالهم ولكنه القصاص الذي لا يجعل من القاتل ضحية،فعمليات التنكيل التي سبقت قتل العقيد الاسير بدون محاكمة عادلة كلها افعال مشينة لا تليق بالثورة وشعاراتها ،مثلما ان عرض الجثة للعامة بما يحمله ذلك من مشاعر الشماتة والازدراء ،فعل يتناقض مع روح تعاليم ديننا الحنيف ،فعلى الثائرين ان يعاملوا الطاغية بما هم أهله لا بما هو أهله.
فلنطوِ صفحة،ولنعلن صفحاً،وتسامحاً،قبل أن نغمس أصابعنا بالحبر الأزرق الذي نرسم به آفاق المستقبل،ليزهر الربيع في أرض الثورات، كما أزهر في مهدها الأول وملهمة الثائرين تونس الحرة.