الإثنين: 23/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

الملك ..عندما يَخرجُ عن مألوف هدوئهِ ودبلوماسيته ؟!

نشر بتاريخ: 29/10/2011 ( آخر تحديث: 19/04/2012 الساعة: 14:34 )
كتب ابراهيم ملحم- ليس معروفاً عن العاهل الاردني الشاب الذي نَهلَ ما يكفيه من مَعين الحكمة لوالده الراحل،تعجل في قول،ولاتهور في فعل، بيد أن خروج جلالته عن مألوف هدوئه،ودبلوماسيته، في حديثه لصحيفة الـ"واشنطن بوست" الامريكية، وهو يرصدُ بقلق شديد الماَل الذَي بلغتهُ القضيةَ الفلسطينيةَ، وهي تطوي عامها الثالث والستين للنكبة، بسبب السياسات العدوانية الاسرائيلية.. هذا الخروج غير المالوف للملك الاردني ،لا يكون الا وله ما يبررُه بعد ان بدأ الخطر الحقيقي لتلك السياسات يزحفُ الى الضفة الاخرى من النهر،الذي جرت فيه مياه كثيرة منذ احتلال اسرائيل للضفة الغربية في السادس من حزيران عام 67 .

ما يجرى على ضفاف النهر المقدس ولا سيما على الضفة الغربية منه، يَشفٌ عن نوايا اسرائيلية،هي الاكثرُ تغولاً وغطرسةً، منذ أربعة عقود، بعد أن بلغ الاستيطان مبلغاً لم يعد لاي حليم مهما اكتنزَ من حكمة اي يطيقَ معه صبرا، وهو ما تكشفُه بوضوح مستفز الشواهدُ المرئية على الارض، إن في منطقة الاغوار التي باتت مستباحة بالكامل استيطاناً، وحصاراً، وسيطرة كاملةً على مواردها فوق الارض وفي باطنها،أو فيما يجري بالقدس وأكنافها من تغول استيطاني محموم ،واعتداءات تستهدف الارض وأصحابها ،فلا المياه باتت كافيه لسكانها، ولا الزراعة تطعم اهلها، وهي الاشارة الاكثرُ وضوحا لانعدام حل الدولتين، لا بل فان الامر يتجاوز ذلك بكثير فيما تستبطنه تلك النوايا من مخططات كانت مجرد اضغاث أحلام حتى باتت اجراءات تمشي على الارض، تجعلنا والاردن الشقيق، اليوم أكثر من أي وقت مضى"في الهم شرق".

فالملك الشاب خرج أمس عن مألوف هدوئه،ودبلوماسيته وهو يحذر من مخاطر النوايا الاسرائيلية بالوطن البديل، مخاطرُ طالما حذرت منها وتصدت لها القيادة الفلسطينية، وهي ترى انحسار الارض تحت جنازير الجرافات، وزحف المستوطنات التي لم ُتبقِ مساحة لاقامة الدولة، وهي مخاطر كانت احدى أبرز بواعث الذهاب الجسور للقيادة الفلسطينَية،الى أرفع منبر دولي، متحدية بذلك جميع محاولات قطع الطريق لثنيها عن تلك الخطوة، واستبدالها بطرق فرعية غير آمنة، بهدف شراء المزيد من الوقت لاكتمال مخطط الاطاحة بحل الدولتين،عبر ابتلاع كامل الارض للوطن لتخرج من الادراج مخططات الوطن البديل.

ولعل ابرز ما جاء في تصريحات جلالته للصحيفة الامريكية قوله "لقد توصلنا الى نتيجة أن اسرائيل غير معنية بحل الدولتين كاساس لحل القضية الفلسطينية "معربا عن قناعته بانه "لم يعد لاسرائيل مصلحة حقيقية بحل الدولتين"، غير مستبعد اقدام مصر على الغاء اتفاقية السلام قائلا "هذا محتمل جدا جدا" وهو كلام سبق وان عبر عنه رئيس الوزراء المصري عصام شرف عندما وصف ذلك الاتفاق بغير المقدس وهو ما اثار غضبا عارما في اسرائيل.

وحذر جلالته من قيام اسرائيل وبشكل مقصود "بزعزعة موقف وموقع الرئيس محمود عباس"، وهو ما تبدت بوادره الاولى بالتصريحات الصادرة عن رئيس الدبلوماسية الاسرائيلية أفيجدور ليبرمان، الذي اعتبر الرئيس محمود عباس عقبة يجب ازالتها من طريق السلام.

وأَحسُب أَن مخاوف الملك وهواجسه،كانت احدى أهم بواعث الموقف الصلب للرئيس محمود عباس،بالذهاب بخطوته الى نهايتها رغم كل محاولات ثنيه عنها وعدا، ووعيدا، ذلك ان الرئيس وهو يرى على الارض ضياع فرص اقامة الدولة صمم على الذهاب بخطوته الى نهايتها مهما بلغت الاكلاف والتضحيات، ولارفع منبر دولي لنيل عضوية الدولة بحدود الرابع من حزيران، بعاصمتها القدس الشريف، وحق العودة للاجئين، ليقطع بذلك الطريق على احلام الوطن البديل، وهو ما يحل لغز الموقف غير المفهوم للرئيس الامريكي من الخطوة الفلسطينية، وتهديده باجهاضها بالـ"فيتو" وهو الذي سبق وشجعها ،ووعد بها قبل عام، ذلك أن من شان نجاح الخطوة الفلسطينية ان يلغي وبقرار اممي - حتى وان وضع على الرف - مؤامرة الوطن البديل ،وهو ما لا تريده اسرائيل مستغلة حاجة رئيس يتوسل تصويتا لتجديد ولاية ثانية.

مخاوف الملك وتحذيراته معطوف عليها تصريحات ليبرمان وتهديداته للرئيس، مضافا اليها ما كشفه وزير الداخلية الاسرائيلي"إيلي يشاي"حول وجود مخطط ببناء مليون وحدة استيطانية خلال السنوات العشر القادمة، كل ذلك يشعل أكثر من ضوء أحمر أمام كل من يهمه الامر من أشقاء وأصدقاء، ويستوجب فعلا سياسيا فلسطينيا،واردنيا ،وعربيا، ودوليا مختلفا عما سبقه،باتمام المصالحة وتوحيد الوطن عاجلا،والذهاب اليوم قبل الغد الى صناديق الاقتراع،مثلما يتطلب اعلى درجات التنسيق الفلسطيني الاردني لمجابهة تلك التحديات،وعملا عربيا مشتركا مساندا سياسيا،وماليا، وفعلا دوليا،يضع حدا للتحدي الاسرائيلي للارادة الدولية...فالاحلام الاسرائيلية بعد ان أكملت ابتلاع الارض غربا هاهي تبدأ عبور النهر شرقا !