الثلاثاء: 24/09/2024 بتوقيت القدس الشريف

الصين وفلسطين:علاقات تاريخية مثمرة حاضرا ومستقبلا/ محمد طه سالم

نشر بتاريخ: 03/11/2011 ( آخر تحديث: 04/11/2011 الساعة: 00:42 )
تضرب العلاقات بين الصين والدول العربية جذورها في قديم الزمان، فقبل أكثر من 2000 عام، ارتبط الإقليم العربي بالصين من خلال طريق الحرير الشهير، حيث ازدهرت التجارة بين غرب أسيا والصين. لذلك لم كان من الطبيعي أن يحدث هذا الارتباط أثرا طيبا وتراثا نفسيا يجسد روعة الحضارة الصينية.

وقد تجلى هذا الأثر الشعوري في ورود اسم الصين الصديقة في حديث الرسول محمد صلى الله عليه وسلم: "اطلب العلم ولو في الصين". فرغم بعد المسافة بين بلاد العرب وبين الصين، إلا أن ذلك لم يكن عائقا عن طلب العلم في الصين، كونها بلدا حضاريا ازدهرت فيه حياة علمية نشطة منذ القدم.

لذا لم يتفاجأ العرب بالدعم الصيني غير المحدود لقضايا النضال العربي في فلسطين، والذي بدأ بالظهور إبان مؤتمر باندونج في نيسان 1955 . ففي هذا المؤتمر أعلنت الصين دعمها لكل حركات التحرر العربية، واستعدادها اللامحدود لدعم هذه الحركات .

وفي المقابل كانت الدول العربية من الدول السباقة للاعتراف بجمهورية الصين الشعبية ، فلم تنس الصين الموقف العربي، وقدمت الكثير لحركة النضال الفلسطيني بشكل خاص.

بعد قيام السلطة الوطنية، ساهمت الصين الشعبية بدعم فلسطين اقتصاديا حيث قدمت القروض والمنح وبناء المدارس، مما ساعد في تعجيل مسيرة التنمية في مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية .

على الصعيد السياسي دعمت الصين القضية الفلسطينية ، وذلك من خلال المعركة الأخيرة في الأمم المتحدة ، فالصين عضو دائم، وهي دائما تصوت لفلسطين، بحكم الإرث التاريخي والنضال المشترك بين الأمتين العربية والصينية ، مما دفع قيادات النضال الفلسطيني في حركة فتح لتخصيص مفوضية خاصة للصين، هي مفوضية العلاقات العربية والصين الشعبية وهذه دلالة أخرى على مدى الربط العربي والصيني، فهي الدولة الوحيدة في العالم التي ذكرتها حركة فتح بالاسم، وفاء واحتراما لهذه البلد الصديقة لفلسطين.

وفي سياق فهم الدور الايجابي الذي تقوم به الصين تجاه فلسطين ، يسعى الأخ عباس زكي مفوض العلاقات العربية والصين الشعبية إلى إقامة علاقات متينة مع الحزب الشيوعي الصيني، بدعم القيادتين الفلسطينية والصينية.

وتتجلى عمق العلاقات الفلسطينية-الصينية أثناء زيارات الرئيس محمود عباس إلى الصين حيث يلقى الحفاوة البالغة من قيادات الحزب الشيوعي. إلى بجانب ما يقدمه الحزب من تدريب وتطوير وتأهيل الفنيين والخبراء الفلسطينيين، مما يساهم بشكل جلي في تطوير الإدارة وفتح مسارات التنمية في فلسطين.

لقد فتحت الممثلية الصينية في فلسطين أبوابها إمام الجمهور الفلسطيني، وقدمت العديد من الخدمات ، وكان ذلك واضحا جليا في التجارة ، وذلك بتشجيع الاستيراد من الصين، وفتح الأسواق الصينية أمام التجار الفلسطينيين ، وهذا في الجانب المقابل يجب إن تكون هناك اتفاقية مشتركة لتصدير بعض المنتجات الفلسطينية وذلك للحفاظ على الصناعة الفلسطينية، من خلال طرق باب التخصص في الإنتاج، فالصين دوله صناعية كبرى وفلسطين بلد صغير يحتاج إلى التشجيع الصيني في الإنتاج المحلي؛ فقد يكون مثلا بتصدير الرخام والحجر والمنتجات الزراعية إلى الصين من ضمن اهتماماتنا، ليصبح لدينا ميزان تجاري متوازن مقبول.

وفي هذا السياق اقترح وضع خطة عمل طويلة في مجال الزراعة والصناعة، وتأسيس هيئة التعاون الصيني الفلسطيني للاقتصاد والتكنولوجيا.

في هذا الإطار من الصداقة والشراكة بين عملاق أسيا (ثلث سكان العالم) والسلطة الوطنية الفلسطينية، فإن المطلوب هو تفعيل الجهات الرسمية ذات العلاقة على توظيف هذه العلاقات وترجمتها إلى خطط وسياسيات تنعكس على معيشة المواطن الفلسطيني ، ولا يكون ذلك إلا من خلال عمل استثمار حقيقي بين السلطة الوطنية الفلسطينية والصين الشعبية.

إن لمفوضية العلاقات العربية والصين الشعبية دورا متكاملا مع دور مفوضية العلاقات الاقتصادية في حركة فتح، جنبا إلى جنب بالعمل معا وفق صيغة إبداعية، تجمع الجهد الحركي والجهد الحكومي، بما يساهم في تقوية الاقتصاد الفلسطيني.

ولعل هذا التصور هو أحد مجالات مساهمة الفصائل التحررية في البناء والتنمية، وهو مثال على وجود شخصيات مسؤولة، تعدّ فعلا شخصيات دولة لا تنشد إقامتها فقط، بل وازدهارها أيضا.


كاتب اقتصادي وأكاديمي


[email protected]